د. أحمد خالد عبدالحميد الغازات تسهم فى زيادة احتباس الحرارة فى الغلاف الجوي، مما يؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتغيرات مناخية متسارعة يعد التغير المناخى من أبرز التحديات التى تواجه العالم اليوم. فما هى أسبابه، وهل هو طبيعى أم بشرى المنشأ؟ وما هى تداعياته عبر التاريخ؟ هذا ما سيتناوله مقال اليوم. شهد كوكبنا تغيرات مناخية متعددة عبر العصور، نتيجة عوامل طبيعية وأنشطة بشرية متزايدة منذ الثورة الصناعية. فمنذ بداية تاريخ البشرية، شهدت الأرض تغيرات مناخية طبيعية تتسم بالتقلبات والتباينات تأثرت بعوامل متعددة مثل تغيرات فى مدار الأرض وتذبذبات فى نشاط الشمس وانفجارات بركانية كبرى. هذه التغيرات تسببت فى تقلبات درجات الحرارة ونمط الأمطار، مما أثر بشكل كبير على النظم الإيكولوجية والمجتمعات البشرية التى تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية. فتغير سرعة أو محور دوران الأرض حول الشمس يمكن أن يؤدى إلى تغيرات فى توزيع الحرارة على سطح الكوكب وبالتالى فى مناخ الأرض، بينما ممكن أن تؤثر التغيرات فى نشاط الشمس وإشعاعها على كمية الطاقة الشمسية التى تصل الأرض وبالتالى على درجات الحرارة العالمية. أما بالنسبة لثوران البراكين، فيمكن أن يسبب إطلاق كميات كبيرة من الغازات والرماد إلى الغلاف الجوي، مما يؤدى إلى تبريد مؤقت للكوكب بفعل حجب ضوء وحرارة الشمس. تعرضت الحضارات البشرية لتأثيرات كبيرة من التغيرات المناخية الطبيعية منذ آلاف السنين بسبب اعتماد الحضارات على الزراعة والموارد الطبيعية المحدودة وهى نظم حساسة للتقلبات المناخية. فقد تأثرت حضارات مثل حضارات الشرق الأدنى القديمة وحضارات مصر القديمة بتغيرات فى نمط الأمطار والمواسم الزراعية، مما أدى إلى ضعف أو انهيار حضارات فى بعض الأحيان نتيجة عوامل منها تأثير الظروف الجوية وموجات الجفاف على الزراعة والإنتاج الغذائى بجانب تأثير ارتفاع مستويات البحار وفيضانات الأنهار والظواهر الجوية العنيفة على المدن الساحلية بشكل مدمر. ومع بداية الثورة الصناعية فى القرن الثامن عشر، زادت الإنسانية فى استخدام الوقود الأحفورى مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، مما أدى إلى انبعاث كميات هائلة من ثانى أكسيد الكربون والميثان وغيرهما من الغازات الدفيئة. هذه الغازات تسهم فى زيادة احتباس الحرارة فى الغلاف الجوي، مما يؤدى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتغيرات مناخية متسارعة. فاستخدام الفحم والنفط والغاز الطبيعى كمصادر رئيسية للطاقة يؤدى إلى إطلاق كميات كبيرة من ثانى أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، بينما يؤدى تقليص مساحات الغابات إلى تقليل القدرة على امتصاص ثانى أكسيد الكربون مما يزيد من تراكمه فى الغلاف الجوي. علاوة على انتاج عمليات التصنيع والإنتاج الزراعى للميثان وغازات أخرى تساهم فى زيادة الاحتباس الحراري. وعالميا، تأتى الصين والولايات المتحدة فى مقدمة الدول من حيث حجم انتاج انبعاثات الغازات الدفيئة بينما تتصدر قطر القائمة من حيث نصيب الفرد من الانبعاثات. وبالنسبة للقطاعات الاقتصادية، تتصدر قطاعات الطاقة والصناعات الثقيلة والنقل انتاج انبعاثات الغازات الدفيئة. التغيرات المناخية البشرية المنشأ تميل تأثيراتها لأن تكون طويلة الأمد مقارنة بالتغيرات الطبيعية التى قد تكون مؤقتة أو دورية. فالتغيرات الطبيعية تحدث على مدى أطول من الزمن وتكون بطيئة نسبيًا، بينما التأثيرات البشرية يمكن أن تكون أسرع وأكثر حدة مما يتطلب استجابات سريعة وفعالة من خلال تحديد المصادر الرئيسية للانبعاثات وتبنى سياسات مناخية قوية. يعزز جهود الدول فى هذا الشأن التعاون الدولى من خلال الاتفاقيات والبروتوكولات مثل اتفاقية الأممالمتحدة للتغيرات المناخية وبروتوكول كيوتو واتفاقية باريس، التى تهدف إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من الاحترار العالمى والتكيف مع التغيرات المناخية المتوقعة. لكن مع ذلك، لا يزال هناك حاجة إلى جهود دولية أكبر وأكثر تنسيقًا لمواجهة التحديات المستقبلية.