المستشار أسامة شلبي يستقبل رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة    تفرغ وحفظ وظيفة، آليات التعامل مع أعضاء مجلس الشيوخ العاملين بالدولة    الرئيس السيسي يهنئ الإمارات بذكرى يوم "عهد الاتحاد"    طفل يقود تريلا.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم | فيديو    رئيس مصلحة الجمارك: تطوير شامل لتقليل زمن الإفراج الجمركي وخفض التكلفة على المستوردين    محافظ البنك المركزي يشارك في الاجتماع الثالث لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين "G20"    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال توفير التغذية الكهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة    صحيفة عبرية: إرسال وفد إسرائيلي إلى الدوحة الأسبوع الجاري لاستكمال المفاوضات    أمريكا..إصابة أكثر من 20 شخصًا في حادث دهس في لوس أنجلوس    القاهرة الإخبارية: وقف الحرب لم يضع حدًا للاشتباكات في السويداء    الحكم على الرئيس البرازيلي السابق بوضع سوار مراقبة إلكتروني بالكاحل    الأهلي يتدرب على فترتين في معسكر تونس    أسيل أسامة تحصد ذهبية رمي الرمح بالبطولة الأفريقية في نيجيريا    بلاكستون تقرر الانسحاب من الاستحواذ على عمليات «تيك توك»    اعرف نتيجتك قبل إعلانها رسميا…تسريب نتائج الثانوية العامة على تطبيق تليجرام    رسالة مؤثرة وتحية ل"الكينج".. أنغام تتألق بافتتاح مهرجان العلمين الجديدة    مكتبة الإسكندرية تناقش تحديات تحويل السرد التاريخي إلى دراما    ليلى علوي نجمة الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    "جريئة".. نادين نسيب نجيم تتألق بأحدث ظهور والجمهور يغازلها (صور)    «كتالوج».. مسلسل درامي يلامس وجدان الجمهور بقصة فقد واقعية    دعوى قضائية لحظر تداول مخدر "جابابنتين" مع ضمه لأدوية الجداول    علاج البرد في الصيف باستخدام الوصفات الطبيعية    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    الاستهدافات مستمرة.. غزة تدخل مرحلة الموت جوعًا    تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق النبطية والحدود الجنوبية للبنان    اندلاع حريق داخل مخزن فى البدرشين والأطفاء تحاول إخماده    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يُقر تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت الثابت    "الداخلية" تواصل فعاليات المرحلة ال 27 من مبادرة "كلنا واحد" لتوفير السلع بأسعار مخفضة للمواطنين    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    "إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح" موضوع خطبة الجمعة المقبلة    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    سلاح أبيض وخلافات زوجية.. إصابة شابين بطعنات في مشاجرة بقنا    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    وزيرة التنمية المحلية تبحث التعاون في نظم المعلومات الجغرافية مع شركة Esri    وكيل "عربية النواب": مصر والسعودية حجر الزاوية لأمن واستقرار المنطقة    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    «350 من 9 جامعات».. وصول الطلاب المشاركين بملتقى إبداع لكليات التربية النوعية ببنها (صور)    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    البطاطس ب9 جنيهات.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت في سوق العبور للجملة    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    ثورة يوليو 1952| نقاد الفن.. السينما.. أثرت في وعي المصريين    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحافظون الجدد.. الطبعة المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 05 - 2010

ما عادت الكتابات عن المحافظين الجدد الأمريكيين تملأ الصفحات كما كان الحال طوال فترتى حكمهم رئاسة جورج بوش الابن فهم، كغيرهم من مراكز القوة التى ترافق الرئاسات الأمريكية غالبا ما يتراجعون فى التغطية الإعلامية والأكاديمية بصورة شبه كاملة، ربما بانتظار عودة عاجلة (2012) أو آجلة (2016).
مع ذلك فقد قفز إلى ذهنى سؤال يتعلق بهم، فجأة وبدون مبررات عقلانية مفهومة: لماذا صفة الجدد فى تسميتهم، والمحافظون كانوا فى الحقل السياسى وفى الحكم منذ قديم الزمان؟ قادنى هذا السؤال الى رحلة قراءة لم يكن فى نيتى أبدا أن استخدمها موضوعا لمقال.
وكانت لى مفاجأة ثانية عندما قادتنى رحلة القراءة غير المغرضة هذه إلى أمر آخر تماما لا علاقة له بما هو جديد فى أفكار المحافظين الجدد ما استدعى وضع صفة الجدد فى التسمية.
لقد بدأت أتبين أن المحافظين الجدد الأمريكيين، بشكل أو بآخر، أورثوا مراكز القوة فى السلطة المصرية الكثير الكثير من أفكارهم وأساليبهم فى الحكم وفى الضغط والتمويه وغير ذلك من أساليب التحايل السياسى وغير السياسى.
هكذا ساقتنى القراءة إلى الاعتقاد. فإن سمات متعددة من أفكار وأساليب المحافظين الجدد الأمريكيين تظهر واضحة جلية فى أفكار من يمكن بالتالى أن أطلق عليهم وصف المحافظين الجدد المصريين.. إنما مع اختلاف أساسى هو أن المصريين منهم لا يطلقون على أنفسهم هذه التسمية، ربما إمعانا فى إخفاء تأثرهم الفكرى بالعالم الخارجى والأمريكى بوجه خاص.
غير أن المحافظين الجدد فى طبعتهم المصرية ليسوا وحدهم مسئولين عن إخفاء هذه الصفة أو إنكارها. فلعلنا نحن من يطلق علينا وصف الكتاب السياسيين والمحللين والمعلقين نحجم أيضا، ولا أدرى لماذا، عن وصف القوى السياسية الحاكمة فى بلدنا بالصفات الصريحة المحددة والمباشرة التى يمكن أن تختصر سياساتهم ومواقفهم وقراراتهم، وبالتالى تأثيرات كل ذلك على حياة الشعب المصرى بأغلبيته الساحقة.
إننا نادرا ما نطلق على النظام الحاكم صفة النظام اليمينى أو المحافظ.. مع أننا ندرك جيدا أنه بالفعل يمينى ومحافظ، وأنه أبعد ما يكون عن اليسارية أو الليبرالية.. فضلا عن الثورية.
ربما يكون السبب الرئيسى فى ذلك أن مصر تحكمها قوى اليمين السياسى منذ رحيل جمال عبدالناصر عن هذا العالم، فى الوقت الذى تتراجع فيه قوى اليمين السياسى فى معظم أنحاء العالم... مع أن هذه الفترة نفسها قد شهدت تفكك النظام السوفييتى الذى كان الزعيم الرسمى لقوى اليسار عالميا.
فى أوروبا يتراجع اليمين وفى آسيا يتراجع اليمين أو فى طريقه إلى التراجع، وكذلك بصورة أكثر بروزا يتقدم اليسار فى أمريكا اللاتينية بصورة لم يسبق لها مثيل، بصورة أذهلت الولايات المتحدة التى لا تزال تعيش على ذكريات «مبدأ مونرو» الذى نصبت به نفسها زعيمة وحيدة بلا شريك على نصف الكرة الغربى كله تفرض فيه قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
والأمر الأهم فى هذا التحول بعيدا عن اليمين أنه تم ويتم بأساليب الديمقراطية وليس بالانقلابات العسكرية.
ولقد جاء المحافظون الجدد إلى السلطة فى أمريكا فى انتخابات الرئاسة عام 2000 فى وقت كان العالم فى معظمه ينأى بنفسه عن قوى اليمين والمحافظين.. القدامى والجدد على السواء.
وبعد أن أمضوا ثمانى سنوات فى حكم أمريكا وتوجيهها فكريا وسياسيا وثقافيا وتوجيه سياستها الخارجية باتجاه اليمين المتطرف معلنين الحرب العالمية على الإرهاب وتراجع الحقوق المدنية وحقوق الإنسان والحريات فى الداخل، وبعد أن حاولوا أن يتبّنوا أفكار اليمين المعادية لكل ما هو تقدمى وشعبى وإنسانى.. خرجوا من السلطة ملعونين من الناخبين، وكأن أمريكا أرادت أن تتبرأ منهم.
أما المحافظون الجدد المصريون فقد جاءوا الى السلطة قبل وصول المحافظين الجدد الأمريكيين إليها.. وانتهجوا سياسات اليمين ضد الديمقراطية وضد حقوق الانسان وضد التوجهات الشعبية فى العلاقات مع العالم الخارجى. بما فيه الأمة العربية التى ننتمى إليها قوميا وتاريخيا ماضيا ومستقبلا ومصيرا. وإذا بإسرائيل تتحول إلى دولة صديقة (أو على الأقل ليست عدوة) دون أن تغير شيئا من سياساتها تجاهنا أو تجاه غيرنا من العرب. وإذا السلام معها يتقدم على المقاومة العربية ومقتضيات دعمها.
وإذا بالانحياز الاقتصادى السياسى الثقافى لطبقة الأثرياء يتجاهل كلية مصاعب ومآسى الفقراء، وإذا أحوال هؤلاء تتراجع إلى ما يقترب من الحضيض أو ينحط عنه. وإذا بهيمنة المحافظين الجدد المصريين على السلطة والتنمية أى على الحياة تضع مصر فى أقسى أوضاعها منذ عقود.. فيما أغدقت الثراء على أكثر أثريائها ثراء، بينما كان نصيب الفقراء من عطايا المحافظين الجدد أكاذيب وأكاذيب (بلغتهم هم وعود وراء وعود).
لا يعنى قدوم المحافظين الجدد المصريين الى الحكم قبل المحافظين الجدد الأمريكيين أن المصريين منهم لم يتأثروا بالأمريكيين. إن السنوات الثمان من سلطة المحافظين الجدد الأمريكيين كانت كفيلة بدعم قدرات المحافظين الجدد المصريين واروائهم بمزيد من ثقافة المحافظين الجدد الأمريكيين.
وصدق أو لا تصدق: أن أول ملمح ثقافى للمحافظين الجدد الأمريكيين يتمثل فى إيمانهم القوى بما أعلنه فيلسوفهم الأول (والأخير) ليو شتراوس (وهو بالمناسبة يهودى صهيونى له آراء محددة فى قضية الصهيونية تضعه فى صفوف يهود أوروبا الشرقية الذين أسسوا الدولة الصهيونية ويحكمونها إلى الآن).
لقد أعلن أن «الكذب هو الأداة الأولى فى السياسة. فلقد كان هناك دائما توتر بين السياسة والحقيقة. لا أحد يستطيع أن يتحمل الالتزام الخاص برعاية الجماعة وأن يتحمل فى الوقت نفسه ترف النزاهة الكاملة.. وأى فرد يكون غير مستعد بأن ينطق كذبة صغيرة لينقذ دولة من الإبادة لا يكون صالحا لتولى عمل سياسى».
أصبحت السياسة فى رأيهم وفى ممارستهم «مرادفا للكذب.. والكذب صار بعد هذا فنا يتحول الى فضيلة سامية حتى لا نعود نستطيع أن نسمى اصطناع الواقع كذبا. إذ يصبح الكذب هو كل الحقيقة الموجودة.. ولا يعود هناك شىء أكثر إبداعا من الكذب. وتحت كل حقيقة هناك كذب، أى حقيقة تتجاوز كل الأيديولوجيات».
أننا لا نعرف على وجه الدقة من قرأ شتراوس من المحافظين الجدد من حكامنا المصريين خلال عملية التثقيف التى تخللت علاقات هؤلاء بالمحافظين الجدد الأمريكيين عندما كانوا فى السلطة وربما قبل ذلك أو بعده. ولكن الأمر المؤكد أن الأمريكيين تركوا أثرهم فى المصريين فى كيفية ممارسة السلطة على طريقة المحافظين الجدد الأمريكيين.
وعلى الطريقة الأمريكية كما يفهمها ويفضلها المحافظون الجدد فإن ثقافة العداء للمثقفين، وهى سمة أظهر فيها المحافظون الجدد المصريون براعة واضحة، هى ثقافتهم. نعم، معظم المحافظين الجدد الأمريكيين من المثقفين (اليمينيين طبعا) ولكن مبادئهم إذا جاز التعبير تحمل عداء شديدا للمثقفين وللثقافة مادام المثقفون أنصارا للتغيير.
إنهم ومعهم المحافظون الجدد المصريون يمقتون المثقفين الذين يغادرون مكاتبهم حتى فى مصانع الأفكار اليمينية (الجرائد القومية وما يكون ملحقا بها من مراكز للدراسات) إلى الشارع يتظاهرون من أجل التغيير. يخلقون حراكا يبتعد عن السلطة الراهنة نحو صورة ديمقراطية يشترك فيها جمهور الناس الذين يسيرون معهم فى مظاهرات الشوارع.
إن النزعة المحافظة قديمها وجديدها تقوم على مفهوم أساسى لا تكون النزعة المحافظة محافظة اذا تخلت عنه، وهو أن الخلاص للوضع الراهن فى التعاون بين الطبقات الاجتماعية العليا والدنيا. ولهذا فإن من يسعون إلى تغيير الوضع الراهن سواء كانوا مثقفين أو ينتمون للطبقة العاملة أو من محدودى الدخل الذين يطالبون بحد أدنى للأجور وللمعاشات لا مكان لهم فى السلطة التى يهيمن عليها المحافظون الجدد.
إن الفرق بين وجهة النظر المحافظة التقليدية أو القديمة ووجهة النظر المحافظة الجديدة لم يعد يظهر فى تشبث القيمة بالماضى وقيمه... إنما هو التشبث باللا مساواة الاجتماعية، سواء كانت بين الإقطاعيين والنبلاء من ناحية والمزارعين الفلاحين من ناحية أخرى، أو بين رجال الأعمال وكبار المستثمرين من ناحية والعمال ومحدودى الدخل من ناحية أخرى. المهم فى الأمر أن تبقى صفة اللامساواة. والدعوة إلى المساواة هى خروج عن «طبيعة الأشياء» كما وجدت منذ الأزل وكما ستوجد إلى الأبد.
وليس احتقار المثقفين الذى ورثه المحافظون الجدد المصريون عن نظرائهم الأمريكيين هو النقطة التى عندها تنتهى هذه التأثيرات السياسية أو الفكرية. إنها تمتد إلى احتقار الديمقراطية نفسها إن حادت عن طريق ديمقراطية النخبة. ولقد كان ليو شتراوس هو الذى لقن تلاميذه فى جامعة شيكاغو أن الحكم يتطلب أمرين أولهما احتقار الديمقراطية وثانيهما ضرورة ممارسة الخداع فى الحرب وفى الدبلوماسية... أى فى الحرب وفى السلام على السواء.
تقتضينا الأمانة والموضوعية فى الختام أن نشير مجددا الى أن المحافظين الجدد الأمريكيين فقدوا السلطة والسطوة عندما كسبوا كراهية الأمريكيين، فأخرجتهم الانتخابات. وهم اذا عادوا لن يعودوا إلا من خلالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.