قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    منال عوض: خطة شاملة للمحافظات للتعامل مع مخاطر الأمطار    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    بالفيديو.. ميسرة بكور: زيارة ترامب إلى لندن محاولة بريطانية لكسب الاستثمارات وتخفيف الضغوط السياسية    رئيس جامعة بنها يشهد ختام المهرجان الرياضي الثالث لجامعات الدلتا وإقليم القاهرة الكبرى    منحة يابانية لمشروع توفير سفينة دعم الغوص بقناة السويس    معاش للمغتربين.. التأمينات تدعو المصريين فى الخارج للاشتراك    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد    تعرف على وسام إيزابيل لاكاتوليكا الممنوح من ملك إسبانيا للرئيس السيسي    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    أسطول الصمود المغاربي: 12 سفينة انطلقت من تونس إلى غزة من أصل 23    السعودية تندد بالعملية البرية الإسرائيلية في مدينة غزة    المستشار الألماني يطالب مواطنيه بالصبر على الإصلاحات وتحملها    الملك تشارلز يصطحب ترامب فى جولة فى قصر وندسور بعربة ملكية.. صور    كين ضد بالمر.. تعرف على التشكيل المتوقع لمباراة بايرن ميونخ ضد تشيلسي    وزير الرياضة يشهد احتفالية استقبال كأس الأمم الإفريقية في مصر    أسباب استبعاد أورس فيشر من قائمة المرشحين لتدريب الأهلي    بسبب الحرب على غزة.. إسبانيا تلمح لمقاطعة كأس العالم 2026    الداخلية تضبط شخصين سرقا أكسسوار سيارة وهربا بدراجة نارية بالإسكندرية    دفاع المجني عليه في قضية طفل المرور في محاكمته يطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تأجيل محاكمة 7 متهمين قتلوا شخصا وشرعوا فى قتل 4 آخرين بالخانكة لديسمبر المقبل    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بالبحيرة لجلسة 15 أكتوبر    126 متقدما لورشة إدارة المسرح والإنتاج بمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    صفحة وزارة الأوقاف تحيى ذكرى ميلاد رائد التلاوة الشيخ محمود خليل الحصرى    فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى يشهد الظهور الأخير للفنان سليمان عيد    اليوم الذكرى السنوية الثانية للفنان أشرف مصيلحى.. وزوجته تطلب الدعاء له    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    «سكك حديد مصر» تتعاقد مع «APD» الكندية لإعادة تأهيل 180 جرارًا    محافظ أسوان يحيل شكاوى المواطنين من تدنى الخدمات بمركز طب الأسرة للتحقيق    الكشف على 1604 مواطنين فى القافلة الطبية المجانية بمركز بلقاس    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات المهرجان الرياضي الثالث    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    فيديو - أمين الفتوى: تزييف الصور بالذكاء الاصطناعي ولو بالمزاح حرام شرعًا    خلال تصوير برنامجها.. ندى بسيوني توثق لحظة رفع علم فلسطين في هولندا    «عودة دي يونج».. قائمة برشلونة لمباراة نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا    أيمن الشريعي: علاقة عبد الناصر محمد مع إنبي لم تنقطع منذ توليه مدير الكرة بالزمالك    وزارة العمل: 3701 فُرصة عمل جديدة في 44 شركة خاصة ب11 محافظة    مصر تطلق قافلة "زاد العزة" ال39 محملة ب1700 طن مساعدات غذائية وإغاثية إلى غزة    بإطلالة جريئة.. هيفاء وهبي تخطف الأنظار في أحدث ظهور.. شاهد    «عبداللطيف» يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك في مجالي التعليم العام والفني    "جمعية الخبراء" تقدم 6 مقترحات للحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية    محافظ قنا يفتتح مدرسة نجع الرماش الابتدائية بعد تطويرها بقرية كرم عمران    قبل بدء الدراسة.. تعليمات هامة من التعليم لاستقبال تلاميذ رياض الأطفال بالمدارس 2025 /2026    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    «ليه لازم يبقى جزء من اللانش بوكس؟».. تعرفي على فوائد البروكلي للأطفال    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    حركة القطارات | 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 17 سبتمبر    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    بتر يد شاب صدمه قطار في أسوان    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحافظون الجدد.. الطبعة المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 05 - 2010

ما عادت الكتابات عن المحافظين الجدد الأمريكيين تملأ الصفحات كما كان الحال طوال فترتى حكمهم رئاسة جورج بوش الابن فهم، كغيرهم من مراكز القوة التى ترافق الرئاسات الأمريكية غالبا ما يتراجعون فى التغطية الإعلامية والأكاديمية بصورة شبه كاملة، ربما بانتظار عودة عاجلة (2012) أو آجلة (2016).
مع ذلك فقد قفز إلى ذهنى سؤال يتعلق بهم، فجأة وبدون مبررات عقلانية مفهومة: لماذا صفة الجدد فى تسميتهم، والمحافظون كانوا فى الحقل السياسى وفى الحكم منذ قديم الزمان؟ قادنى هذا السؤال الى رحلة قراءة لم يكن فى نيتى أبدا أن استخدمها موضوعا لمقال.
وكانت لى مفاجأة ثانية عندما قادتنى رحلة القراءة غير المغرضة هذه إلى أمر آخر تماما لا علاقة له بما هو جديد فى أفكار المحافظين الجدد ما استدعى وضع صفة الجدد فى التسمية.
لقد بدأت أتبين أن المحافظين الجدد الأمريكيين، بشكل أو بآخر، أورثوا مراكز القوة فى السلطة المصرية الكثير الكثير من أفكارهم وأساليبهم فى الحكم وفى الضغط والتمويه وغير ذلك من أساليب التحايل السياسى وغير السياسى.
هكذا ساقتنى القراءة إلى الاعتقاد. فإن سمات متعددة من أفكار وأساليب المحافظين الجدد الأمريكيين تظهر واضحة جلية فى أفكار من يمكن بالتالى أن أطلق عليهم وصف المحافظين الجدد المصريين.. إنما مع اختلاف أساسى هو أن المصريين منهم لا يطلقون على أنفسهم هذه التسمية، ربما إمعانا فى إخفاء تأثرهم الفكرى بالعالم الخارجى والأمريكى بوجه خاص.
غير أن المحافظين الجدد فى طبعتهم المصرية ليسوا وحدهم مسئولين عن إخفاء هذه الصفة أو إنكارها. فلعلنا نحن من يطلق علينا وصف الكتاب السياسيين والمحللين والمعلقين نحجم أيضا، ولا أدرى لماذا، عن وصف القوى السياسية الحاكمة فى بلدنا بالصفات الصريحة المحددة والمباشرة التى يمكن أن تختصر سياساتهم ومواقفهم وقراراتهم، وبالتالى تأثيرات كل ذلك على حياة الشعب المصرى بأغلبيته الساحقة.
إننا نادرا ما نطلق على النظام الحاكم صفة النظام اليمينى أو المحافظ.. مع أننا ندرك جيدا أنه بالفعل يمينى ومحافظ، وأنه أبعد ما يكون عن اليسارية أو الليبرالية.. فضلا عن الثورية.
ربما يكون السبب الرئيسى فى ذلك أن مصر تحكمها قوى اليمين السياسى منذ رحيل جمال عبدالناصر عن هذا العالم، فى الوقت الذى تتراجع فيه قوى اليمين السياسى فى معظم أنحاء العالم... مع أن هذه الفترة نفسها قد شهدت تفكك النظام السوفييتى الذى كان الزعيم الرسمى لقوى اليسار عالميا.
فى أوروبا يتراجع اليمين وفى آسيا يتراجع اليمين أو فى طريقه إلى التراجع، وكذلك بصورة أكثر بروزا يتقدم اليسار فى أمريكا اللاتينية بصورة لم يسبق لها مثيل، بصورة أذهلت الولايات المتحدة التى لا تزال تعيش على ذكريات «مبدأ مونرو» الذى نصبت به نفسها زعيمة وحيدة بلا شريك على نصف الكرة الغربى كله تفرض فيه قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
والأمر الأهم فى هذا التحول بعيدا عن اليمين أنه تم ويتم بأساليب الديمقراطية وليس بالانقلابات العسكرية.
ولقد جاء المحافظون الجدد إلى السلطة فى أمريكا فى انتخابات الرئاسة عام 2000 فى وقت كان العالم فى معظمه ينأى بنفسه عن قوى اليمين والمحافظين.. القدامى والجدد على السواء.
وبعد أن أمضوا ثمانى سنوات فى حكم أمريكا وتوجيهها فكريا وسياسيا وثقافيا وتوجيه سياستها الخارجية باتجاه اليمين المتطرف معلنين الحرب العالمية على الإرهاب وتراجع الحقوق المدنية وحقوق الإنسان والحريات فى الداخل، وبعد أن حاولوا أن يتبّنوا أفكار اليمين المعادية لكل ما هو تقدمى وشعبى وإنسانى.. خرجوا من السلطة ملعونين من الناخبين، وكأن أمريكا أرادت أن تتبرأ منهم.
أما المحافظون الجدد المصريون فقد جاءوا الى السلطة قبل وصول المحافظين الجدد الأمريكيين إليها.. وانتهجوا سياسات اليمين ضد الديمقراطية وضد حقوق الانسان وضد التوجهات الشعبية فى العلاقات مع العالم الخارجى. بما فيه الأمة العربية التى ننتمى إليها قوميا وتاريخيا ماضيا ومستقبلا ومصيرا. وإذا بإسرائيل تتحول إلى دولة صديقة (أو على الأقل ليست عدوة) دون أن تغير شيئا من سياساتها تجاهنا أو تجاه غيرنا من العرب. وإذا السلام معها يتقدم على المقاومة العربية ومقتضيات دعمها.
وإذا بالانحياز الاقتصادى السياسى الثقافى لطبقة الأثرياء يتجاهل كلية مصاعب ومآسى الفقراء، وإذا أحوال هؤلاء تتراجع إلى ما يقترب من الحضيض أو ينحط عنه. وإذا بهيمنة المحافظين الجدد المصريين على السلطة والتنمية أى على الحياة تضع مصر فى أقسى أوضاعها منذ عقود.. فيما أغدقت الثراء على أكثر أثريائها ثراء، بينما كان نصيب الفقراء من عطايا المحافظين الجدد أكاذيب وأكاذيب (بلغتهم هم وعود وراء وعود).
لا يعنى قدوم المحافظين الجدد المصريين الى الحكم قبل المحافظين الجدد الأمريكيين أن المصريين منهم لم يتأثروا بالأمريكيين. إن السنوات الثمان من سلطة المحافظين الجدد الأمريكيين كانت كفيلة بدعم قدرات المحافظين الجدد المصريين واروائهم بمزيد من ثقافة المحافظين الجدد الأمريكيين.
وصدق أو لا تصدق: أن أول ملمح ثقافى للمحافظين الجدد الأمريكيين يتمثل فى إيمانهم القوى بما أعلنه فيلسوفهم الأول (والأخير) ليو شتراوس (وهو بالمناسبة يهودى صهيونى له آراء محددة فى قضية الصهيونية تضعه فى صفوف يهود أوروبا الشرقية الذين أسسوا الدولة الصهيونية ويحكمونها إلى الآن).
لقد أعلن أن «الكذب هو الأداة الأولى فى السياسة. فلقد كان هناك دائما توتر بين السياسة والحقيقة. لا أحد يستطيع أن يتحمل الالتزام الخاص برعاية الجماعة وأن يتحمل فى الوقت نفسه ترف النزاهة الكاملة.. وأى فرد يكون غير مستعد بأن ينطق كذبة صغيرة لينقذ دولة من الإبادة لا يكون صالحا لتولى عمل سياسى».
أصبحت السياسة فى رأيهم وفى ممارستهم «مرادفا للكذب.. والكذب صار بعد هذا فنا يتحول الى فضيلة سامية حتى لا نعود نستطيع أن نسمى اصطناع الواقع كذبا. إذ يصبح الكذب هو كل الحقيقة الموجودة.. ولا يعود هناك شىء أكثر إبداعا من الكذب. وتحت كل حقيقة هناك كذب، أى حقيقة تتجاوز كل الأيديولوجيات».
أننا لا نعرف على وجه الدقة من قرأ شتراوس من المحافظين الجدد من حكامنا المصريين خلال عملية التثقيف التى تخللت علاقات هؤلاء بالمحافظين الجدد الأمريكيين عندما كانوا فى السلطة وربما قبل ذلك أو بعده. ولكن الأمر المؤكد أن الأمريكيين تركوا أثرهم فى المصريين فى كيفية ممارسة السلطة على طريقة المحافظين الجدد الأمريكيين.
وعلى الطريقة الأمريكية كما يفهمها ويفضلها المحافظون الجدد فإن ثقافة العداء للمثقفين، وهى سمة أظهر فيها المحافظون الجدد المصريون براعة واضحة، هى ثقافتهم. نعم، معظم المحافظين الجدد الأمريكيين من المثقفين (اليمينيين طبعا) ولكن مبادئهم إذا جاز التعبير تحمل عداء شديدا للمثقفين وللثقافة مادام المثقفون أنصارا للتغيير.
إنهم ومعهم المحافظون الجدد المصريون يمقتون المثقفين الذين يغادرون مكاتبهم حتى فى مصانع الأفكار اليمينية (الجرائد القومية وما يكون ملحقا بها من مراكز للدراسات) إلى الشارع يتظاهرون من أجل التغيير. يخلقون حراكا يبتعد عن السلطة الراهنة نحو صورة ديمقراطية يشترك فيها جمهور الناس الذين يسيرون معهم فى مظاهرات الشوارع.
إن النزعة المحافظة قديمها وجديدها تقوم على مفهوم أساسى لا تكون النزعة المحافظة محافظة اذا تخلت عنه، وهو أن الخلاص للوضع الراهن فى التعاون بين الطبقات الاجتماعية العليا والدنيا. ولهذا فإن من يسعون إلى تغيير الوضع الراهن سواء كانوا مثقفين أو ينتمون للطبقة العاملة أو من محدودى الدخل الذين يطالبون بحد أدنى للأجور وللمعاشات لا مكان لهم فى السلطة التى يهيمن عليها المحافظون الجدد.
إن الفرق بين وجهة النظر المحافظة التقليدية أو القديمة ووجهة النظر المحافظة الجديدة لم يعد يظهر فى تشبث القيمة بالماضى وقيمه... إنما هو التشبث باللا مساواة الاجتماعية، سواء كانت بين الإقطاعيين والنبلاء من ناحية والمزارعين الفلاحين من ناحية أخرى، أو بين رجال الأعمال وكبار المستثمرين من ناحية والعمال ومحدودى الدخل من ناحية أخرى. المهم فى الأمر أن تبقى صفة اللامساواة. والدعوة إلى المساواة هى خروج عن «طبيعة الأشياء» كما وجدت منذ الأزل وكما ستوجد إلى الأبد.
وليس احتقار المثقفين الذى ورثه المحافظون الجدد المصريون عن نظرائهم الأمريكيين هو النقطة التى عندها تنتهى هذه التأثيرات السياسية أو الفكرية. إنها تمتد إلى احتقار الديمقراطية نفسها إن حادت عن طريق ديمقراطية النخبة. ولقد كان ليو شتراوس هو الذى لقن تلاميذه فى جامعة شيكاغو أن الحكم يتطلب أمرين أولهما احتقار الديمقراطية وثانيهما ضرورة ممارسة الخداع فى الحرب وفى الدبلوماسية... أى فى الحرب وفى السلام على السواء.
تقتضينا الأمانة والموضوعية فى الختام أن نشير مجددا الى أن المحافظين الجدد الأمريكيين فقدوا السلطة والسطوة عندما كسبوا كراهية الأمريكيين، فأخرجتهم الانتخابات. وهم اذا عادوا لن يعودوا إلا من خلالها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.