«النواب» يوافق على مشروعات قوانين خطة التنمية الاقتصادية والموازنة العامة 2025- 2026    وزارة التخطيط: 1.16 تريليون جنيه قيمة الاستثمارات العامة بموازنة 2025-2026    الحكومة تعلن مواعيد غلق المحلات بعد تفعيل خطة ترشيد الكهرباء    الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت    رئيس الوزراء يستقبل نظيره الصربي بمطار القاهرة الدولي    ريبيرو يستبعد نجمه المغربي من مباراة بالميراس البرازيلي    امتحانات الثانوية العامة.. لا شكاوى من أسئلة اللغة الأجنبية والاقتصاد في شمال سيناء    معهد تيودور بلهارس للأبحاث يُنظِّم الملتقى العلمي الثالث عشر لأمراض الجهاز الهضمي    نجاح طبي جديد: استئصال ورم ضخم أنقذ حياة فتاة بمستشفى الفيوم العام    عرض غنوة الليل والسكين والمدسوس في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    طولان :قائمة منتخب «كأس العرب» بعد اختيارات المنتخب الأول    التعليم العالي: جهود مستمرة لمواجهة التصحر والجفاف بمناسبة اليوم العالمي    وزير التعليم العالي ومحافظ القليوبية يفتتحان مشروعات تعليمية وصحية ب جامعة بنها    وزير المالية أمام النواب: حجم الدين مناسب للاقتصاد وسينخفض مستقبلًا    مصعب الجوير جاهز للمشاركة مع الهلال ضد ريال مدريد    مجدي البري: «مصر معاكم» تعبير راق عن امتنان الدولة لأسر الشهداء    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    رئيس جامعة بني سويف يتفقد أعمال امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التجارة    تراجع كبير بإيرادات أفلام العيد والمشروع x في الصدارة    رئيس جامعة أسيوط يستقبل السفير الهندي للمشاركة في ورشة تعريفية برياضة اليوجا    اليوم.. عزاء نجل صلاح الشرنوبي بمسجد الشرطة فى الشيخ زايد    التصعيد بين إسرائيل وإيران يُنذر بانفجار إقليمي وحرب نووية في الشرق الأوسط    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    ارتفاع ضحايا حادث تصادم سيارة بأخرى تحمل عمالة زراعية إلى 4 وفيات في البحيرة    مصرع 3 عمال زراعيين وإصابة 15 في حادث على الطريق الصحراوي بالبحيرة    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    طلاب الثانوية العامة بالفيوم: "امتحان اللغة الأجنبية الثانية فى مستوى الطالب المتوسط لكن به بعض التركات الصعبة جدا    محافظ المنيا: استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 509آلاف طن منذ بدء موسم 2025    ننشر أسماء أوائل طلاب الشهادة الإعدادية ببنى سويف 2025    «برج العرب التكنولوجية» تفتتح ثالث فروع جامعة الطفل بالشراكة مع نادي سموحة (صورة)    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    من مؤتمر نسائي إلى أجواء حرب.. إلهام شاهين تحكي لحظات الرعب في رحلة العراق    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    برفقة صديقها.. نور عمرو دياب تدعم شيرين رضا في العرض الخاص ل «في عز الضهر»    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجامع الأزهر: حب الوطن غريزة متأصلة والدفاع عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يتابع اختبارات الدراسات العليا ويشيد بسير العملية الإمتحانية    نصائح لطلاب الثانوية العامة لحماية انفسهم من التعرض للإجهاد الحراري    ترامب: دعوت لإخلاء طهران حفاظا على سلامة مواطنيها    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار النفط تقفز 1% مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    بدء التشغيل التجريبي لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    «غاضب ولا يبتسم».. أول ظهور ل تريزيجيه بعد عقوبة الأهلي القاسية (صور)    التصعيد مستمر.. إيران تضرب «حيفا» بموجة صواريخ جديدة    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق الاتحاد الأوروبى.. إقليمى أم عالمى؟
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 04 - 2010

ظل الفكر العالمى يتابع على مدى ستة عقود مسار القارة الأوروبية وهى تعيد بناء بيتها خطوة خطوة دون أن تتراجع أمام التحديات التى اعترضت طريقها سواء من داخل البيت أو من خارجه. وكما شهدت توالى خطى التكتل فى مجالات بدأت عند مجرد جماعة للفحم والصلب إلى اتحاد يغطى مختلف أوجه الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، والامتداد أفقيا من 6 دول إلى 27.
وجرت مؤخرا محاولات دؤوبة للانتقال من اتحاد إقليمى إلى دولة اتحادية، ولم يثنها فشل إقرار دستور شهدت صياغته تراجعات كثيرة، وتوقفه بسبب تمرد واحد من أصغر أعضائها، عن مواصلة التعامل بجدية مع ثمار الكفاح الطويل الذى صان ثماره اتفاق الجميع على أن يحافظوا على التوافق مهما اختلفوا.
ولعل فى إجازة عدم انضمام بعض الأعضاء إلى العملة الأوروبية الموحدة اليورو مما يؤكد ترجيح الحساب العلمى الدقيق على الفوران العاطفى كذلك الذى يدمى نفوس الكثيرين من العرب لعدم القدرة على صك الدينار العربى، ولو فى دول الخليج، وانقياد الدول المتوسطية لاتحاد متوسطى يريد ساركوزى أن يضع به اسمه فى قائمة الآباء المؤسسين، بينما تتعثر منطقة التجارة الحرة العربية المنعوتة بالكبرى، معيقة الانطلاق إلى اتحاد جمركى عربى.
ورغم أن كل الدول أعضاء الاتحاد الأوروبى تأثرت بشكل أو آخر بالأزمة العالمية الأخيرة، فإن القلق انتاب المسئولين فى الاتحاد بشأن الدول الأضعف اقتصاديا الواقعة على أطرافه، والتى يكنى لها بالاصطلاح «بيجس» PIIGS الذى يشير إلى الأحرف الأولى من أسماء البرتغال، أيرلندا، إيطاليا، اليونان، إسبانيا.
فهذه الدول عانت من عجز كبير ترتب عليه ارتفاع مديونيتها الرسمية إلى ناتجها المحلى الإجمالى، بينما حققت ألمانيا فائضا كبيرا مما أدى إلى تدفق اليورو منها إلى الدول الخمس، وباتت العملة الموحدة مهددة نتيجة تجاوز المديونيات الحدود المقررة فى اتفاقية العملة الموحدة، بينما ظلت إحدى عشرة دولة، أهمها بريطانيا، محتفظة بعملاتها الأصلية لرفضها الالتزام بشروط التحول إلى اليورو.
وبينما تعتبر إيطاليا فى وضع أفضل من زميلاتها، فإن اليونان تفجرت فيها أزمتان هددتاها بعض الوقت بإشهار إفلاسها: أزمة تجاوز الحدود المأمونة للعجز والاستدانة، والاضطرار إلى اتخاذ إجراءات قاسية لتلافى مزيد من التدهور وهو ما أطلق موجات من التذمر لعامة الشعب الذين لا ينالون شيئا من التبذير حين حدوثه، ويسألون عن دفع الثمن حال انكشافه؛ وأزمة التلاعب بالثقة التى يشترط لها الشفافية التامة، وفقا للقواعد التى تفرض على كل الدول، وتتهم الحكومات التى تتدخل بصورة مباشرة فى الشئون الاقتصادية بالعبث بالشفافية إخفاء لإخفاقاتها.
ولو رجعنا إلى بدايات نشأة الاتحاد، وجدناه أحرز نجاحا كبيرا فى إنجاز دوله الست الأولى (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، ومجموعة البنيلوكس التى تشمل بلجيكا ولكسمبورج وهولندا) سوقها المشتركة خلال عقد واحد من الزمن فتطلعت إلى التحول إلى اتحاد نقدى.
لكن الدراسات العلمية التى أجريت أظهرت أن النقود قاسم مشترك مع كل المعاملات الاقتصادية، فلا تقتصر على المبادلات الدولية بين الأعضاء التى تشمل التبادل التجارى وانتقال رؤوس الأموال والخدمات، بل تغطى أيضا مجمل التصرفات الاقتصادية الداخلية للدول الأعضاء، والتى تحكمها السياسات الاقتصادية الكلية (المسماة بالماكرو).
وكما تتحكم قواعد السوق المشتركة فى المعاملات بين الأسواق الوطنية، فإن توحيد النقد يتطلب تحكما فى المعاملات داخل كل من هذه الأسواق، الأمر الذى يقتضى البدء بتحقيق اتحاد اقتصادى أولا.
ولكن هل يعنى ذلك أن ينتقل رسم السياسات الاقتصادية إلى جهاز (مفوضية) الاتحاد ملغيا بذلك دور السلطات الاقتصادية الوطنية؟ واضح أن هذا يفترض قيام دولة وحدة تحصل سلطتها التنفيذية على صلاحيات واسعة تحت رقابة برلمان يتولى عمليات التشريع.
وقد استطاعت الولايات المتحدة بنظامها الفيدرالى إيجاد المعادلة الصالحة بالتوفيق بين سلطات الولايات وسلطة الاتحاد. أما فى ظل تجمع يحتفظ أعضاؤه بكياناتهم الوطنية، فإن الأمر يقتضى التوقف عند الاتفاق على مؤشرات عامة تضمن حسن سير الاقتصادات، وحفظ العملة الموحدة من الأذى الذى يتسبب فيه خلل يتعرض له أى من الاقتصادات الأعضاء بسبب سياسات اقتصادية غير مسئولة.
واتفقت الدول الأعضاء على قواعد تحكم سعر الفائدة وتغيرات أسعار المستهلك وحدود عجز الموازنة العامة والدين العام.
وظلت الدول التى تشعر بحاجتها لأن تستخدم أدوات نقدية ومالية لإدارة شئونها الاقتصادية التى تعتقد أن حركتها لا تتفق مع الاتجاهات السائدة فى باقى الاتحاد الذى يتأثر بالاقتصادات الأكبر، خارج منطقة اليورو، وإن استمرت فى باقى أنشطة الاتحاد.
وعندما تفجرت مشكلة اليونان وجد الاتحاد نفسه فى مأزق غير مألوف، لأنه ترتب على كسر القواعد المتفق عليها فى دولة حديثة العهد نسبيا بالانضمام إلى العملة الموحدة. وللمأزق شعبتان، الأولى كيفية معالجة وضع اليونان التى تظل كباقى أعضاء الاتحاد عضوا فى صندوق النقد الدولى. فتركها للصندوق معناه السماح للصندوق بتزويد اليونان بموارد تنعكس على موقف اليورو، وبشروط لا تتفق بالضرورة مع ما يحكم مسار الاتحاد فى مجمله.
والقيام بتحمل المسئولية الكاملة بدون الالتجاء إلى الصندوق، يعنى العمل وفق إجراءات تخرج عن نطاق السياسة الاقتصادية العامة للاتحاد ومنطقة اليورو على وجه الخصوص، دون أن تملك الآليات المعدة مسبقا لمعالجة مثل هذا الموقف. فهى لا تملك صندوق نقد إقليمى كالذى يملكه العرب (وإن طوعوه للتعايش مع صندوق النقد الدولى فى غيبة سعى جاد لإقامة اتحاد اقتصادى عربى).
ويترتب على ذلك تقديم الاتحاد موارد لمعالجة الأزمة وهو ما ترفض ألمانيا تحمله. وللخروج من هذا المأزق، يتعين على المسئولين فى الاتحاد الأوروبى إيجاد صيغة مناسبة، تحول دون تدخل صندوق النقد الدولى فى منظومة اتخاذ القرارات الاقتصادية والنقدية للاتحاد. وانتهى الأمر إلى تقديم 40 مليار يورو بفائدة 5%، ثلاثة أرباعها من الاتحاد والربع من الصندوق.
أما المأزق الثانى وهو الأهم، فهو طرح التساؤل عما يجب فعله مستقبلا فى حالات مماثلة، سواء لتفادى حدوثها، بعد أن اتضح أن الاتفاق على مراعاة الالتزام بالمؤشرات الأساسية غير كافية، أو تدبير آلية للمعالجة دون مساس بمواقف باقى الأعضاء لئلا يفكر بعضها فى إعادة النظر فى عضويته بالاتحاد بوضعه الحالى.
لذلك طالب وزراء المال فى الاتحاد الأوروبى فى منتصف أبريل الجارى بوضع «آلية دائمة» لمساعدة الدول التى تواجه صعوبات فى موازنات خطيرة مثل اليونان لكن وفق شروط صارمة جدا ليكون استخدامها محدودا، وهو ما تعكف مفوضية الاتحاد على إعداده.
وأضاف إلى ذلك أولى رين، المفوض الأوروبى للشئون الاقتصادية، عزمه التقدم فى أول مايو القادم بمقترحات تكفل تنسيق السياسات الاقتصادية فى شكل أفضل، تتضمن مناقشة مشاريع موازنات دول منطقة اليورو وتوجهاتها الكبرى قبل عرضها على البرلمانات الوطنية».
وأيد الاقتراح جان كلود يونكر رئيس مجموعة اليورو تأييدا تاما، بينما عارضه سكرتير الدولة الألمانى للشئون المالية يورج إسموسين مطالبا بعدم المساس بالصلاحيات الوطنية فى مجال الموازنة، واستنكر وضع حدود لحق البرلمانات الوطنية فى مجال الموازنة.
أما وزيرة الاقتصاد الفرنسى كريستين لاجارد فقد أيدت مبدأ إيجاد وسيلة لإطلاع الدول الأوروبية بعضها البعض على مشاريع موازناتها دون تدخل فى العمليات السيادية المرتبطة بوضع الموازنة. وأكد يونكر أن الأمر يتعلق بالمشاركة فى المعلومات، وأن مجرد المناقشة تسمح بممارسة نفوذ عندما تذهب موازنة فى اتجاه لا يبدو مناسبا للآخرين.
كل ذلك يثير التساؤل عن جدلية العلاقة بين التكامل الاقتصادى والوحدة السياسية، وتوقيت الأخيرة: هل هو فى ختام كل مراحل الوحدة الاقتصادية، أم كوسيط بين السوق المشتركة والاتحاد الاقتصادى النقدى.
على أن الخطير فى الموضوع، والذى ستزداد خطورته عندما ينجلى موقف إسبانيا والبرتغال، هو مصير الدائنين الذين قدموا قروضا ظنوها مأمونة لأنها حكومية، لتتفجر أزمة ائتمان أشد خطورة مما انطلق فى القطاع المالى، قارعة جرس التنبيه بدخول العالم فى أزمة اقتصادية تشل الاقتصادات العينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.