«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأب هانز كونج يكتب:خطاب مفتوح إلى الأساقفة الكاثوليك فى أنحاء العالم
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 04 - 2010


نيافة الأساقفة
كنت أنا ويوزيف راتسنيجر، الذى هو الآن البابا بنيديكت السادس عشر، أصغر علماء اللاهوت سنّا فى مجمع الفاتيكان الثانى من 1962 إلى 1965. والآن نحن الأكبر سنّا والوحيدان اللذان يمارسان عملهما بنشاط. وكنت على الدوام أفهم عملى اللاهوتى على أنه خدمة للكنيسة الكاثوليكية. ولهذا السبب، فإنه بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لانتخاب البابا بنيديكت السادس عشر، أقدم لكم هذا النداء فى شكل خطاب مفتوح. وأنا مدفوع فى ذلك باهتمامى الشديد بكنيستنا، التى تجد نفسها الآن فى أسوأ أزمات المصداقية منذ عصر الإصلاح. أرجوكم أن تسامحونى على صيغة الخطاب المفتوح؛ فليس لى، بكل أسف، من سبيل آخر للوصول إليكم.
قدَّرت بشدة دعوة البابا لى، أنا المنتقد الصريح له، حيث التقينا على نحو ودى، وكان هناك نقاش دام أربع ساعات بعيد توليه المنصب. وقد أيقظ ذلك فىَّ الأمل فى أن زميلى القديم فى جامعة توبنجين قد يجد طريقه إلى تشجيع التجديد الدائم للكنيسة والتقارب المسكونى بروح مجمع الفاتيكان الثانى.
وللأسف لم تتحقق آمالى آمال الكثير من الرجال والنساء الكاثوليك الملتزمين. وقد أوضحت مرارا ذلك فى مراسلاتى اللاحقة مع البابا. وليس هناك شك فى أنه يؤدى واجباته اليومية كبابا بضمير، وقد قدم لنا ثلاثة منشورات باباوية عن الإيمان والأمل وعمل الخير. ولكن عندما يتصل الأمر بمواجهة التحديات الكبرى الخاصة بزماننا، فقد أضاع قداسته من الفرص أكثر مما استغل:
ضاعت فرصة التقارب مع الكنائس البروتستانتية: وبدلا من ذلك حُرمت من وضعها ككنائس بالمعنى الصحيح للكلمة، ولهذا السبب ليس معترفا بقساوستها، كما أن المشاركة فى القدسات ليست ممكنة.
ضاعت فرصة المصالحة طويلة الأجل مع اليهود: وبدلا من ذلك أعاد البابا إلى الليتورجيا (خدمة الشعب) دعاء ما قبل المصالحة من أجل تنوير اليهود، وأعاد الأساقفة الذين اشتُهر عنهم كونهم معادين للسامية وانشقاقيين إلى تناول العشاء الربانى مع الكنيسة، وهو يروج بنشاط لتطويب البابا بيوس الثانى عشر الذى اتُهم بعدم توفير الحماية الكافية لليهود فى ألمانيا النازية.
والحقيقة هى أن بنيديكت لا يرى فى اليهودية إلا الأصل التاريخى للمسيحية؛ وهو لا يأخذها مأخذ الجد باعتبارها جماعة دينية قائمة تقدم طريقها للخلاص. المقارنة الأخيرة للنقد الحالى الذى واجهه البابا بحملات كراهية معادية للسامية قام بها القس رانييرو كانتالاميسا أثناء قداس الجمعة الحزينة الرسمى فى الفاتيكان أثارت عاصفة من الغضب بين اليهود وفى أنحاء العالم.
ضاعت فرصة الحوار مع المسلمين فى مناخ من الثقة المتبادلة: وبدلا من ذلك، صوَّر بنيديكت فى محاضرته بجامعة ريجنزبورج عام 2006 الإسلام على أنه دين عنف ولا إنسانية مما استدعى عدم ثقة المسلمين الدائمة.
ضاعت فرصة المصالحة مع الشعوب الأصلية المستعمَرة فى أمريكا اللاتينية: وبدلا من ذلك أكد البابا بكل جدية أنهم كانوا «يتوقون» إلى دين غزاتهم الأوروبيين.
ضاعت فرصة مساعدة الناس فى أفريقيا بالسماح باستخدام تنظيم الأسرة لمحاربة الزيادة السكانية والواقى الذكرى لمحاربة انتشار مرض نقص المناعة البشرية.
ضاعت فرصة إقامة سلام مع العلم الحديث من خلال التأكيد بوضوح على نظرية التطور والارتقاء وقبول أبحاث الخلايا الجذعية.
ضاعت فرصة جعل روح مجمع الفاتيكان الثانى بوصلة الكنيسة الكاثوليكية جمعاء، بما فى ذلك الفاتيكان نفسه، وبالتالى تشجيع الإصلاحات اللازمة فى الكنيسة. وهذه النقطة الأخيرة، أيها الأساقفة المحترمون، هى أخطر النقاط جميعا. فقد أضاف هذا البابا مرارا وتكرارا مؤهلات للضرائب المجمعية وفسرها على عكس روح آباء المجمع. ومرارا وتكرارا اتخذ موقفا صريحا من المجمع المسكونى الذى يمثل بالنسبة للقانون الكنسى أعلى سلطة فى الكنيسة الكاثوليكية.
أعاد أساقفة جمعية بيوس العاشر التقليدية المحافظة إلى الكنيسة بلا شروط مسبقة هؤلاء هم الأساقفة الذين جرى ترسيمهم على نحو غير مشروع خارج الكنيسة الكاثوليكية ويرفضون النقاط الأساسية لمجمع الفاتيكان الثانى (بما فى ذلك الإصلاح الليتورجى والحرية الدينية والتقارب مع اليهودية).
يشجع قداس الشعائر الرومانية بكل وسيلة ممكنة ويحتفل من حين لآخر بالأفخارستيا (سر التناول) باللاتينية وظهوره للشعب.
يرفض تفعيل التقارب مع الكنيسة الإنجيلية التى وضعت خطوطه العريضة فى وثائق مسكونية بواسطة اللجنة الدولية الكاثوليكية الإنجيلية الرومانية، وحاول بدلا من ذلك إغراء رجال الدين المتزوجين الإنجيليين لدخول الكنيسة الكاثوليكية الرومانية من خلال تحريرهم من قانون التبتل التى أجبرت عشرات الآلاف من الكهنة الروم الكاثوليك إلى ترك مناصبهم.
عزز بفاعلية القوى المناوئة للمجمع فى الكنيسة من خلال تعيين المسئولين الرجعيين فى المناصب الرئيسية فى حكومة الفاتيكان (بما فى ذلك سكرتارية الدولة، ومناصب فى اللجنة الليتورجية) بينما عين الأساقفة الرجعيين فى أنحاء العالم.
يبدو أن بنيديكت السادس يزداد انقطاعا عن غالبية أبناء الكنيسة الذين يقل اهتمامهم بروما أكثر فأكثر، ويربطون أنفسهم فى أفضل الأحوال بأبرشيتهم وأسقفهم المحليين.
إسكات النقد
أعلم أن كثيرين منكم آلمهم هذا الوضع. ويتلقى البابا فى سياسته المعادية للمجمع دعما كاملا من الإدارة الباباوية الرومانية. وتبذل الإدارة الباباوية ما فى وسعها لإسكات النقد فى هيئة الأساقفة وفى الكنيسة ككل، ولتشويه سمعة المنتقدين بكل وسيلة متاحة. ومع العودة إلى الأبهة والاستعراض الذى يلفت انتباه وسائل الإعلام، تحاول القوى الرجعية فى روما أن تهدينا كنيسة قوية على رأسها «نائب المسيح» الطاغية الذى يجمع سلطات الكنيسة التشريعية والتنفيذية والقضائية فى يديه وحده. ولكن سياسة الترميم الخاصة ببنيديكت فشلت. ذلك أن كل مظاهر البابا المبهرة ورحلاته الاستعراضية وبياناته العامة فشلت فى التأثير على آراء معظم الكاثوليك بشأن القضايا الخلافية. ويصدُق هذا بشكل خاص على ما يتعلق بأمور الأخلاق الجنسية. بل إن لقاءات الشباب البابوى، التى يأتى على رأس من يحضرونها جماعات كاريزمية محافظة، فشلت فى وقف تسرب هؤلاء الذى يتركون الكنيسة أو اجتذاب المزيد من النداءات الباطنية إلى الكهنوت.
سبب للحزن العميق
إنكم على وجه التحديد، باعتباركم أساقفة، لديكم سبب لحزنكم العميق: فعشرات الآلاف من الكهنة استقالوا من مناصبهم منذ مجمع الفاتيكان الثانى، فى الأغلب بسبب قانون التبتل. لقد انخفضت النداءات الباطنية إلى الكهنوت، بل كذلك إلى الدرجات الكهنوتية والرهبنة النسوية والأخويات الرهبانية العلمانية ليس من حيث الكم فحسب، بل كذلك من حيث الكيف. وتنتشر الاستقالات والإحباط بسرعة بين كل من رجال الدين والعلمانيين النشطين. ويشعر الكثيرون بأنهم قد تُرِكوا مع حاجاتهم الشخصية فى وقت هم أشد الحاجة فيه إلى المساعدة، ويشعر كثيرون بضيق شديد بشأن حالة الكنيسة. وتتكرر القصة نفسها فى كثير من الأبرشيات: المزيد من الكنائس الخالية والمعاهد اللاهوتية الخالية ومساكن الكهنة الخالية. وفى بلدان كثيرة، وبسبب نقص الكهنة، يتم دمج المزيد والمزيد من الأبرشيات، وفى الغالب ضد إرادة أعضائها، إلى «وحدات رعوية» أكبر، يكون فيها عدد قليل من الرعاة الباقين مثقلا بالأعباء. وهذا إصلاح كنسى فى ظاهره وليس فى جوهره!
والآن، يأتى على رأس هذه الأزمات الكثيرة فضيحة تصل إلى عنان السماء الكشف عن إساءة استغلال رجال الدين لآلاف الأطفال والمراهقين، فى الولايات المتحدة أولا، ثم فى أيرلندا، واليوم فى ألمانيا وغيرها من البلدان. ولكى يزيد الطين بلة، أدت معالجة هذه الحالات إلى ظهور أزمة قيادة غير مسبوقة وانهيار الثقة فى قيادة الكنيسة.
ليس هناك إنكار لحقيقة النظام العالمى لتغطية حالات الجرائم الجنسية التى ارتكبها رجال دين من خلال قانون الإيمان فى ظل الكاردينال راتسينجر (1981 2005). وفى عهد البابا بولس الثانى، كان هذا الشعب قد تولى بالفعل مسئولية تلك الحالات تحت قسم الصمت التام. وأرسل راتسينجر نفسه فى 8 مايو 2001 وثيقة مقدسة إلى كل الأساقفة تتناول الجرائم الحادة (epistul de delictis gravioribus)، حيث وضعت حالات الاستغلال تحت عنوان «secretum pontificium» (السر البابوى) الذى يستتبع انتهاكه عقوبات إكليروسية خطيرة. وعليه، ولوجود سبب وجيه، توقع أشخاص كثيرون اعترافا رسميا بالأخطاء الشخصية من جانب الكاهن السابق والبابا الحالى. وبدلا من ذلك، أضاع البابا الفرصة التى أتاحها أسبوع الآلام: فى أحد عيد الفصح أعلن براءته «urbi et orbi» (للمدينة وللعالم) بواسطة عميد كلية الكرادلة.
المستقبل وسط كل هذه الفضائح
إن عواقب هذه الفضائح على سمعة الكنيسة الكاثوليكية مفجعة. وقد اعترفت قيادات مهمة بهذا. ويعانى العديد من الرعاة والمعلمين الأبرياء والملتزمين من وصمة الشك التى تشمل الكنيسة. وأنتم أيها الأساقفة المبجلون، لابد لكم من مواجهة هذا السؤال: ما الذى سيحدث لكنيستنا وأسقفيتكم فى المستقبل؟ إننى لا أعتزم وضع برنامج جديد لإصلاح الكنيسة. فذلك فعلته كثيرا قبل المجمع وبعده. بل إننى أريد فحسب أن أضع أمامكم ستة مقترحات أجدنى مقتنعا بأنها تحظى بتأييد ملايين الكاثوليك الذين ليس لهم رأى فى الوضع الحالى:
لا تصمتوا: فأنتم بصمتكم فى مواجهة الكثير من المظالم الخطيرة توصمون أنفسهم بالذنب. وعندما تشعرون أن بعض القوانين والتوجيهات والإجراءات معوقة، ينبغى عليكم قول ذلك فى العلن. لا ترسلوا إلى روما إعلانات إخلاصكم، بل أرسلوا دعوات إلى الإصلاح!
باشروا الإصلاح: الكثيرون فى الكنيسة وفى هيئة الأساقفة يشكون من روما، ولكنهم هم أنفسهم لا يفعلون شيئا. فعندما لم يعد الناس يذهبون إلى الكنيسة فى الأسقفية، وعندما لا يثمر الكهنوت كثيرا، وعندما يتم الإبقاء على الجمهور جاهلا باحتياجات العالم، وعندما يقل التعاون المسكونى إلى حده الأدنى، حينئذ لا يمكن أن يقع اللوم على روما فحسب. وسواء أكان المرء أسقفا أو كاهنا أو علمانيّا أو علمانية الجميع يمكنهم عمل شىء من أجل تجديد الكنيسة كلٌ داخل مجال نفوذه، كبُر ذلك المجال أو صغُر. فالكثير من المنجزات العظيمة التى تمت فى الأبرشيات المفردة وفى الكنيسة بصورة عامة تعود أصولها إلى مبادرة من فرد أو مجموعة صغيرة. وكأساقفة، ينبغى عليكم دعم تلك المبادرات، وينبغى عليكم كذلك الاستجابة لشكاوى المؤمنين العادلة، وبالأخص فى ظل الوضع الحالى.
العمل بأسلوب جماعى: بعد جدل حاد وفى مواجهة معارضة عنيدة من حكومة الفاتيكان، أفتى مجمع الفاتيكان الثانى بأن البابا والأساقفة تربطهم علاقة زمالة. وكان ذلك بناء على سفر أعمال الرسل، وفيه لم يعمل بطرس بمفرده دون زملائه من الرسل. ورغم ذلك، فى حقبة ما بعد المجمع، تجاهل البابا وحكومة الفاتيكان هذه الفتوى. وبعد سنتين فقط من المجمع، أصدر البابا بولس السادس منشوره مدافعا عن قانون التبتل المثير للجدل دون أدنى مشاورة مع الأساقفة. ومنذ ذلك الحين، استمرت السياسة البابوية والنيافة البابوية فى العمل وفقا للنمط القديم غير الجماعى. وحتى فى المسائل الشعائرية، حكم البابا باعتباره أوتوقراطيا فوق الأساقفة وضدهم. فهو سعيد بإحاطة نفسه بهم طالما لا يمثلون أكثر من زيادات على المنصة بلا حقوق للتعبير أو التصويت على السواء. وهذا هو السبب، أيها الأساقفة المبجلون، فى أن عليكم ألا تعملوا من تلقاء أنفسكم منفردين، ولكن بالأحرى من خلال مجتمع الأساقفة الآخرين، والكهنة والرجال النساء الذين يشكلون الكنيسة.
الطاعة المطلقة مستحقة للرب وحده: على الرغم من تكريسكم الأسقفى، عليكم أن تقسموا بالطاعة المطلقة للبابا، وأنتم تعلمون أن الطاعة المطلقة لا يجوز أن ندين بها لأى سلطة بشرية؛ إذ إنها مستحقة للرب وحدة. ولهذا، يجب ألا تشعروا أن هذا القسم يعوقكم عن قول الحق فيما يتعلق بالأزمة الحالية التى تواجه الكنيسة وأسقفيتكم وبلدكم. عليكم أن تتخذوا من بولس الرسول مثالا، فهو الذى تجرأ على معارضة بطرس «قاومته مواجهة لأنه كان ملوما»! (سفر رسالة إلى أهل غلاطية 2: 11). لقد كان الضغط على السلطات الرومانية انطلاقا من روح الأخوة المسيحية جائزا، بل حتى ضروريا، عندما لم ينجحوا فى الارتقاء إلى روح الإنجيل ورسالته. وتحققت إصلاحات مثل استخدام اللغة العامية فى الطقوس الدينية، والتغيرات فى الضوابط الحاكمة للزواج المختلط، والتأكيد على التسامح، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والعمل على انفتاح المنهج المسكونى، وإصلاحات أخرى كثيرة للفاتيكان الثانى، بسبب الضغط الدءوب من أسفل.
العمل على إيجاد الحلول الإقليمية: لم ينصت الفاتيكان مرارا للمطالب المبررة للأسقفيات والكهنة والعلمانيين. ويعتبر ذلك سببا إضافيا للسعى إلى حلول إقليمية حكيمة. وكما تدركون جيدا، يمثل قانون التبتل الموروث من العصور الوسطى، مشكلة حساسة بصورة خاصة. وفى سياق الفضيحة الحالية بشأن إساءة رجال الدين، صارت هذه الممارسة محل تساؤل بصورة متزايدة. وعلى عكس الرغبة التى أعربت عنها روما، لا يكاد التغيير يبدو محتملا؛ رغم أن هذا لا يعد سببا للاستقالة السلبية. فعندما يرغب قس فى الزواج بعد البحث الناضج، فليس هناك من سبب لوجوب استقالته تلقائيا من منصبه حينما يختار أسقفه وأبرشتيه الوقوف وراءه. ويمكن أن المؤتمرات الأسقفية الفردية رائدة للحلول الإقليمية. وسوف يكون من الأفضل فى كل الأحوال البحث عن حلول للكنيسة كلها.
الدعوة إلى المجمع: يتطلب تحقيق الإصلاح الخاص بالشعائر، والحرية الدينية، والمسكونية، والحوار بين الأديان عقد مجمع مسكونى، ولهذا فهناك حاجة إلى مجمع يدعو إلى الإصلاح من أجل حل المشاكل التى تتزايد بصورة مثيرة. وفى القرن السابق على حركة الإصلاح، أفتى مجلس الكونستانس بأن المجامع يجب أن تعقد كل خمس سنوات. ورغم هذا تمكنت حكومة الفاتيكان بنجاح من إبطال هذه القاعدة. وليس هناك شك فى أن حكومة الفاتيكان سوف تفعل كل ما فى حدود سلطتها من أجل منع انعقاد المجامع فى الوضع الراهن، خشية تقليص سلطتها. وهكذا فإن الأمر متوقف عليكم للدفع من خلال الدعوة إلى مجمع أو على الأقل إلى جمعية تمثيلية للأساقفة.
مناشدة من أجل استعادة الثقة
وبما أن الكنيسة تمر بأزمة عميقة، فهذه مناشدة منى لكم، أيها الأساقفة المبجلون: من أجل استخدام السلطة الأسقفية التى أكد عليها مجمع الفاتيكان الثانى. وفى هذا الوضع الحرج، فإن عيون العالم تتجه صوبكم. إذ فقد عدد هائل من البشر ثقتهم فى الكنيسة الكاثوليكية. ويمكن استعادة ثقتهم فقط من خلال تصفية الحسابات بصورة مفتوحة وأمينة مع هذه المشاكل والقيام بصورة حازمة بالإصلاحات المطلوبة. ومع كل الاحترام الواجب، أتوسل إليكم القيام بدوركم جنبا إلى جنب مع زملائكم الأساقفة بقدر الإمكان، وكذلك بمفردكم إذا لم يكن من ذلك بد ب«المجاهرة» الرسولية (سفر أعمال الرسل 4: 29،31). ولتظهروا علاماتكم الإيمانية الخاصة بالأمل والشجاعة، ولتعطوا كنيستنا رؤية للمستقبل.
من هوالأب هانز كونج
قس كاثوليكى سويسرى ومنظر لاهوتى مثير للجدل ومؤلف متميز.. ولد فى 19 مارس عام 1928 فى منطقة سورسى الواقعة فى كانتون لوسيرن. وشغل كونج منصب رئيس مؤسسة الأخلاق العالمية جلوبال ايثيك). ويعد كونج من القساوسة الكاثوليك الملتزمين ولكن الفاتيكان ألغى صلاحيته لتدريس اللاهوت الكاثوليكى. واضطر إلى مغادرة الكلية الكاثوليكية، وبقى فى جامعة توبنجن (فى ألمانيا) كأستاذ اللاهوت المسكونى وذلك كأستاذ متفرغ منذ عام 1996. وعلى الرغم من عدم السماح له بتعليم اللاهوت الكاثوليكى، لم تنزع الأسقفية التابع لها أو الكرسى الرسولى فى الفاتيكان عنه صفاته الدينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.