- تنامي عدم الثقة في العلم أمر خطير للغاية - متفائل جدا في التوصل إلى علاجات لأمراض الدماغ.. مع سرعة الأبحاث ستأتي تلك العلاجات - غالبية العلماء القادمين من الشرق الأوسط يبقون في أوروبا وأمريكا.. عليهم العودة إلى بلدانهم لنقل خبراتهم - هناك تشابه بين العقل البشري والكمبيوتر.. لكن الدماغ أكثر كفاءة بطرق لا نفهمها - جائزة نوبل بمثابة مكافأة على العلوم الجيدة وتحتاج قليلا من الذكاء - هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه من خلال عمل العلماء معا وليس بشكل فردي رحلة كفاح عالم الأعصاب النرويجي إدوارد موزر، لفهم واكتشاف ما يدور في الدماغ البشري، مازالت مستمرة منذ عام 2014، حين نال جائزة نوبل في مجال الطب، لاكتشافه الخلايا العصبية المسئولة عن تنسيق وتحديد المواقع بدقة داخل الدماغ. وعلى هامش مشاركة العالم النرويجي، في اجتماعات لينداو لحاملي جائزة نوبل، في نهاية يونيو المنقضي، التقى مراسل «الشروق» في برلين، موزر، الذي تحدث عن التشكيك في العلم، وكيف يهدد ذلك البشرية، بجانب صعوبة التوصل لأدوية للأمراض التي تصيب المخ مثل الزهايمر -الذي هو مجال تخصصه- أو مرض التصلب المتعدد، وإلى أي مدى يساعد التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي في سرعة فهم ما يدور في الدماغ. كما سألناه عن العلماء الشباب العرب، الذين وجه لهم نصيحة هامة. عالم الأعصاب النرويجي إدوارد موزر • وقبل استعراض الأسئلة وإجابات موزر، لنتعرف بشكل أكثر تفصيلا عنه.. ولد موزر، عام 1962 في النرويج، وهو الآن يترأس معهد الفيزيولوجيا العصبية، ومركز البيولوجيا للذاكرة في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا. وفاز موزر، بجائزة نوبل في الطب عام 2014 رفقة زوجته السابقة "ماي ماي بريت"، مناصفة مع عالم الأعصاب الأمريكي جون أوكيف، بعدما تواصلوا إلى وجود خلايا عصبية، أطلقوا عليها اسم "خلايا الشبكة"، وهي المسئولة عن تنسيق وتحديد المواقع بدقة داخل الدماغ، فيما يطلق عليه "نظام الملاحة الداخلي - internal GPS system"، ذلك النظام الذي يسمح بتوجيه الإنسان داخل محيطه. وقالت جمعية نوبل في معهد كارولينسكا بالسويد في بيان وقتئذ، إن: "تلك الاكتشافات حلت مشكلة شغلت الفلاسفة والعلماء لقرون، وأظهرت كيف يرسم المخ خريطة للفضاء المحيط بنا وكيف نشق طريقنا عبر بيئة مركبة". • وإلى نص الحوار.. 1- بالنظر إلى التطورات الأخيرة في علم الأعصاب.. هل العلماء قريبون من فهم الدماغ البشري؟ - نحن بالتأكيد نعرف الكثير، فعلوم الدماغ في علم الأعصاب هي من بين أسرع العلوم الموجودة تطوراً. عندما بدأت في مجال "علم الأعصاب"، كنا على الأغلب نتحدث قليلاً عن الخلايا العصبية الفردية داخل الدماغ، تلك المسئولة عن التفكير المعقد والشخصية والسلوكيات الاجتماعية واتخاذ القرار، من بين أمور أخرى. لكن هناك فجوة كبيرة في العلاقة بين ما تفعله تلك الخلايا العصبية الفردية في الدماغ، وبين سلوكها، ولم نعرف إلا مؤخرًا أن كلاهما لديه نظريته ونشاطه في منطقة الدماغ، ولا يُربط بين نشاط خلايانا الفردية وبعض السلوك الذي يحدث في نفس الوقت فقط، لكن انظر إلى جميع الخلايا التي تفسر معا طبيعة ذلك السلوك. بالطبع ما زلنا في البداية فقط، ولا أحد يعرف إلى أين سنذهب. 2- كم نسبة ما نعرفه عن ما يدور في أدمغتنا حتى الآن؟ - لا يمكنني أن أعطيك أي رقم، ولكن يمكن القول إن محاولات فهم ما يدور في الدماغ تسير بسرعة كبيرة، فعلم الأعصاب، علم شاب ولا يزال هناك الكثير يجب فهمه. 3- الذكاء الاصطناعي يعد أحدث ما قدمه التقدم التكنولوجي، في رأيك هل يمكنه الإسراع في فهم ما يدور بداخل دماغ الإنسان؟ - أحد أكبر التطورات المهمة في الأعوام القليلة الماضية لعلم الأعصاب، هو الانتقال من تحليل الخلية العصبية الواحدة داخل الدماغ إلى شبكة كبرى من الخلايا. فبات لدينا الكثير من البيانات المائية للعديد من الخلايا في وقت واحد؛ ما يساعدنا على تحديد تأثير تلك الخلايا العصبية على الأنشطة المتعددة داخل الدماغ من خلال البيانات الضخمة التي لدينا. غالبًا ما تكون التغييرات التي نبحث عنها دقيقة للغاية، وهي ضمن أنشطة عديدة داخل خلايا الدماغ، وهذا يتطلب أيضًا تطوير تقنية تحليل جديدة وأدوات إحصائية، وهذا ما يقدمه الذكاء الاصطناعي لنا الآن. 4- البعض يضع العقل البشري في مقارنة مع الكمبيوتر.. هل تلك مقارنة عادلة؟ - الكمبيوتر استُخدم غالبًا كنموذج لفهم العقل البشري، وبالتالي هناك أوجه تشابه يقالبها نقاط اختلاف أيضا، فإذا كانت لديك كإنسان ذاكرة قصيرة، فالكمبيوتر لديه ذاكرة دائمة، ولديه أيضا وحدة معالجة وتخزين. ومن بين الاختلافات الرئيسية، استخدام الدماغ لطاقة أقل كثيرا مقارنة بالكمبيوتر، بجانب أن المستوى العام للعقل البشري مختلف جدًا من حيث الإحساس عن جهاز الكمبيوتر، والخلايا العصبية أقل بكثير أيضا. لهذا بطريقة ما يكون الدماغ أكثر كفاءة بطرق لا نفهمها. 5- كما تعلم.. لا تزال هناك العديد من الأمراض العصبية التي تصيب الدماغ، يصعب إيجاد أدوية فعالة لها؛ كالشلل الدماغي على سبيل المثال، فما سبب ذلك في رأيك؟ - أعتقد أن علاجات تلك الأمراض ستأتي تباعا، لكن دعني أوضح لك أن علم الأعصاب، فرع صغير من النظام الذي يتحكم بالدماغ. وكثير من تلك الأمراض معقد؛ لأنها تتطلب فهم الأجزاء الأكثر تعقيدًا في الدماغ، كالأحياء المائية المسئولة عن أحد الأنشطة الفكرية، والتي تشارك بعد ذلك في الاضطرابات المصاحبة للاكتئاب. لهذا أعتقد أنه في نفس الوقت الذي يبحث العلماء فيه عن العلاجات، هم بحاجة إلى فهم الدماغ الطبيعية أيضًا، وهذا هذا هو الشيء المفقود. لا يمكننا فهم الخطأ أو الضرر الذي يصيب الدماغ، حتى نفهم الدماغ الطبيعي، وبالطبع تسير تلك الأشياء جنيا إلى جنب. ويمكنني أن أعطي مثالاً واحدًا، مستشهدا بمرض ألزهايمر؛ لارتباطه الوثيق بعملي، أنا أعمل على أنظمة الدماغ للمكان والزمان والذاكرة، وكما تعلمون في مرض ألزهايمر، فإن الوظائف الأولى التي تتأثر عادة عملية تذكر الوقت ويحدث ضررا في نظام الذاكرة. وعليه، أعتقد أننا نفهم أنظمة تحديد المواقع الطبيعية على نظام ذكريات الدماغ، ونفهم أيضًا ما قد يحدث في مرض ألزهايمر؛ لذا فإن الأمرين يسيران جنبا إلى جنب، وأنا متفائل جدًا بأنه مع سرعة الأبحاث ستأتي تلك العلاجات. هناك تقدم حقيقي في علاج الأمراض، ففي مرض السرطان على سبيل المثال، الأمر استغرق ما بين 50 إلى 60 عاما، التقدم بطيئ نعم، لكنه يحدث، يمكن أن يظهر العلاج في غضون 10 سنوات، لا نعرف!. ما أنا على ثقة منه هو أنه إذا كنت تريد علاج كل تلك الأمراض، فالطريقة الوحيدة لذلك هي البحث في الدماغ، العلاج سيأتي لكن لا نعرف متى. 6- هذا يقودنا إلى الحاجة للثقة في العلم والعلماء.. كيف ترى تلك المسألة؟ - تنامي عدم الثقة في العلم وأي شيء ثابت أمر خطير للغاية، عندما كبرت كنت أتعلم أن هناك بعض الحقائق العلمية التي بنيت على أساليب وطرق علمية، ربما يتم التوصل إلى حقائق بديلة وما إلى ذلك، فإن ذلك يُستثنى بنفس القدر من الحقيقة. لهذا أرى أن عدم الثقة في العلم ذلك يمثل تهديدًا خطيرًا لمجتمعاتنا. 7- بالعودة إلى لحظة فوزك بجائزة نوبل عام 2014، رفقة زوجتك السابقة ماي ماي بريت، لقد كان مثيرا للاهتمام أن نرى زوجين يتقاسمان النجاح.. ما هو السر؟ - أعتقد أن السر في العمل الجماعي، فلا يمكنك العمل في مجال العلم بمفردك حقا، وعليك أن تجد زملائك وشركائك الذين بإمكانهم العمل معك، والسبب في ذلك هو أن العلم معقد للغاية، ويجب أن يكون هناك من يشاركك أفكارك. على سبيل المثال، في مختبرنا لدينا عالم أحياء، وعلماء رياضيات وعالم كمبيوتر، لكن الجميع يعرف القليل من العلم، وإذا عملنا معًا فهذا يعني أنه يمكننا اكتشاف أشياء لا يمكن لأي شخص آخر اكتشافها. في تجربتي الشخصية، أكملنا بعضنا البعض، وأعتقد أن هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه من خلال عمل العلماء معا. منذ 100 عام، علم الأعصاب قام على رجل واحد وليس امرأة، فعل كل شيء بمفرده، لكن لم يعد الأمر كذلك، إنها فرق. ومن ثم فإن نجاح الفريق يكمن في مدى قدرتك على جعل الأشخاص في الفريق يعملون معًا من أجل الوصول إلى ما يبحثون عنه. 8- ما الذي يميز اجتماعات لينداو لحملة نوبل؟ - أعتقد أن الشيء المميز هو اجتماع الأشخاص الذين حققوا اختراقات في العلوم، معا في حدث واحد، وتبادلهم تجاربهم مع الجيل القادم من العلماء. أولئك العلماء الذين تم اختيارهم للحضور يمثلون العالم بأسره من نحو 100 دولة، وذلك لنشر هذا الحماس للعالم كله. إنها فعالية مهمة جدًا، ولهذا أعتقد أن أهم وظيفة للاجتماع هي نشر الحماس للعالم كله. 9- كان هناك العديد من العلماء الشباب المشاركين قادمين من دول عربية وأفريقية.. ما رسالتك إليهم؟ - رسالتي هي أنه يجب عليهم استخدام أي طرق للتفاعل مع العلوم. عادة ما تكون البداية محلية، حيث تكون موارد العلم في بعض البلدان بالشرق الأوسط وأفريقيا قليلة؛ لذا الأفضل السفر للخارج إلى مختبر أو مجموعة تعمل في علم الأعصاب والحصول على بعض الخبرة والنصيحة تساعدك على ما تقديم إضافة إلى العالم. ولكن على المدى الطويل، فإن أولئك الذين يسافرون إلى الخارج يجب أن يعودوا ويحاولوا تأسيس مختبرات أقوى في بلدانهم، لأنه غالبًا يذهب الجميع إلى أوروبا أو الولاياتالمتحدة، ويبقون هناك ولا يعودون. يوجد في بعض البلدان الأصلية لهؤلاء العلماء بها برامج تهدف لاستعادتهم؛ لإنشاء مختبرات في بلدانهم، وأعتقد أن هذا مهم جدًا لتطوير العلوم في بلد لم يكن لديه الكثير من العلوم، وخاصة علم الأعصاب حتى الآن. 10- شباب العلماء يتسألون دائما.. ما هو مفتاح الفوز بجائزة نوبل؟ حسنًا، غالبًا ما أقول إنه إذا كنت تريد جائزة نوبل، فهناك شيء واحد مؤكد هو أنك لن تحصل عليها. لذا انسَ الأمر، أعتقد أنه يأتي فقط كمكافأة على العلوم الجيدة، وأعتقد أنني سأعيد صياغة السؤال ل"ما هو المفتاح للقيام بالعلوم الجيدة؟"، في هذا الصدد، أقول إن الأمر أولا وقبل أي شيء يتعلق بشغف يجعلك تريد حقًا فهم شيء ما وحل المشكلة، وربما تساعد في إنشاء عالم أفضل من خلال العلم، ثم تكرس الكثير من حياتك ووقتك لذلك بالطبع. وعليك أن تكون ذكيًا بعض الشيء، بجانب الانضباط والتنظيم، كما عليك اكتساب القدرة على التعامل مع الأشخاص الذين يتفاعلون مع الناس لأنه عمل جماعي. 11- هل تقضي أغلب وقتك داخل جدران المعمل؟ - هذا صعب بعض الشيء، لكني أجد أنه من المهم الاسترخاء من حين لآخر، لذلك أذهب للتنزه في الجبال عادةً في أيام العطلة، وأحاول أيضًا أخذ إجازة قصيرة ولكني ما زلت أعمل كثيرًا. أن تصبح عالِمًا ناجحًا، يعني أنك متحمس لما تقوم به وأنك ستعمل أكثر من ساعات العمل العادية لأنك تحب ما تقوم به. 12- ما هو البحث الذي تعمل عليه الآن؟ - العامل المشترك لمعظم أبحاثي هو محاولة فهم ما نسميه "الوظائف عالية المستوى داخل الدماغ"، وما أسباب الفراغ داخل الدماغ والذي يسبب ألزهايمر، ونسبة التركيز، هذا ما كنت أفعله منذ 20 عامًا. لكن حاليا، يثير اهتمامي موضوعات: "كيف يدير العقل حياتك؟"، و"كيف يقدر مرور الوقت والمكان"، وهي التي تمثل بعد ذلك عناصر لتكوين الذكريات داخل العقل البشري، فتقدير وحساب الوقت ليس مفهوما بشكل جيد داخل العقل.. وهناك الكثير من الأشياء الممتعة التي تحدث في تلك العملية. 13- أخيرا.. ماذا عن مصر؟ هل زرتها من قبل؟ - لم أفعل، أردت الذهاب عدة مرات ولكن ليس بعد. لقد كنت في شمال إفريقيا في تونس ونيجيريا، لكني على يقين أن زيارة مصر ستكون أمرا ممتعا، سأفعله في وقت ما.