مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي 2025 نهاية أكتوبر.. تعرف على الموعد وطريقة ضبط الساعة    الأخضر الأمريكي في البنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأحد 26-10-2025    ترامب يعلن عن توقيع مرتقب لاتفاق السلام بين تايلاند وكمبودي    روبيو: أمريكا لن تتخلى عن دعم تايوان مقابل اتفاق تجاري مع الصين    ميراث الدم يدفع عاملًا لإنهاء حياة سائق بالوراق    رسميًا بعد قرار الحكومة.. موعد إجازة افتتاح المتحف المصري الكبير 2025    محمد سلام يشوق جمهوره لمسلسله الجديد «كارثة طبيعية»    قيادي بحماة الوطن: حديث الرئيس السيسي في احتفالية «وطن السلام» يجسد دور مصر كصوت للعقل والإنسانية في المنطقة    الطريق إلى بروكسل    عاجل - غارة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة القليلة جنوب لبنان    آخر التحديثات.. أسعار الذهب اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025 بالصاغة محليًا وعالميًا    السيطرة على حريق في منزل بمنطقة المنشية بالأقصر دون مصابين    شبورة كثيفة وتحذير مهم ل السائقين.. حالة الطقس اليوم الأحد 26-10-2025 ودرجات الحرارة المتوقعة    ضبط صانعة محتوى لنشرها فيديوهات رقص خادشة للحياء    ب440 قطعة حشيش وبندقية آلية.. سقوط 3 تجار مخدرات في القصاصين    من «كارو» ل«قطار الإسكندرية».. مباحث شبرا الخيمة تعيد «محمد» لأسرته    أسعار الفراخ اليوم الأحد 26-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    ب«اللي شارينا».. الرباعي يتألق في ختام «الموسيقى العربية»    هشام عباس وميريهان حسين وياسر إبراهيم يشاركون أحمد جمال وفرح الموجى فرحتهما    موعد بداية امتحانات نصف العام ومدة اختبارات شهر أكتوبر 2025    الهندسة النانوية في البناء.. ثورة خفية تعيد تشكيل مستقبل العمارة    سلوت عن هدف محمد صلاح: لقد كان إنهاء رائعا من مو    اشتباكات بين الجيش السوري و"قسد" شرق دير الزور    محافظ الغربية في جولة ليلية مفاجئة بالمحلة الكبرى لمتابعة النظافة ورفع الإشغالات    وسط غزل متبادل، منة شلبي تنشر أول صورة مع زوجها المنتج أحمد الجنايني    بالصور.. حملات مكبرة بحي العجوزة لرفع الإشغالات وتحقيق الانضباط بالشارع العام    لتفادي النوبات القلبية.. علامات الذبحة الصدرية المبكرة    الصحة: مصرع شخصين وإصابة 41 آخرين في حادث مروري على طريق (القاهرة - السويس)    مدرب إيجل نوار: الأهلي كان قويا رغم الطرد    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    مصرع شاب وإصابة شقيقه فى حادث تصادم سيارة نقل بدارجة نارية بالمنوفية    محمد عبد الجليل: يانيك فيريرا أقل من تدريب الزمالك.. وأنا أفضل من زيزو بمراحل    أشرف صبحي: هدفنا الوصول لنهائي كأس أمم إفريقيا    هيئة سلامة الغذاء تُكرّم 10 مصانع لدخولها القائمة البيضاء لتصدير التمور    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    استعدادات مكثفة لافتتاح «المتحف المصرى الكبير».. والحكومة: السبت المقبل إجازة رسمية    خليل الحية: سنسلم إدارة غزة بما فيها الأمن.. وتوافقنا مع فتح على قوات أممية لمراقبة الهدنة    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    عضو إدارة بتروجت يكشف كواليس انتقال حامد حمدان للزمالك    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    بداية شهر من الصلابة.. حظ برج الدلو اليوم 26 أكتوبر    محمد الغزاوى: أخدم الأهلى فى جميع المناصب ونمتلك أقوى لاعبى اسكواش بأفريقيا    وزير الرياضة يتحدث عن إنجاز الكرة المغربية ويوجه رسالة لجماهير الزمالك بشأن أرض أكتوبر    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    الطفل آدم وهدان: فخور بوقوفى أمام الرئيس ومحمد سلام شخص متواضع    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    امتحانات أكتوبر.. تعليم القاهرة تشدد على الالتزام بالنماذج الامتحانية المعدة من قِبل الموجهين    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألماني والملك والنكبة.. قصة الخبراء الألمان في مصر منذ 1949 حتى 1967
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 07 - 2023

فاروق مهد الطريق أمام الضباط الأحرار للاستعانة بالخبرات الألمانية في إعادة بناء الجيش المصري
شميت اتهم القيادة العسكرية بخوض حرب فلسطين بأساليب القرن التاسع عشر
رغم مرور أكثر من 75 عاما على نهاية محاولة مصر الاستعانة بالخبراء الألمان من أجل بناء جيش قوى وصناعة عسكرية وطنية متطورة، ما زال هناك الكثير من الأسرار والجوانب الغامضة التى لم يتم كشف النقاب عنها على الأقل بالنسبة للقارئ المصرى والعربى.
وفى كتابه «نازيون على النيل.. الخبراء العسكريون الألمان فى مصر من 1949 إلى 1967» الصادر عن دار النشر نوماد بابلشينج يكشف الكاتب فيفيان كينروس النقاب عن الكثير من الأسرار والمعلومات حول تلك التجربة التى كانت جزءا من سياق عالمى تنافست فيه أغلب الدول بدءا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وحتى سوريا وإسرائيل من أجل الاستفادة من آلاف العلماء والخبراء والعسكريين الألمان الذين أصبحوا مستعدين لتقديم علمهم وخبرتهم لمن يدفع بعد انهيار ألمانيا النازية وهزيمتها فى الحرب العالمية الثانية.
واعتمد المؤلف بشكل أساسى على وثائق أجهزة المخابرات ووزارات الخارجية والتقارير الصحفية الاستقصائية الغربية وبخاصة الأمريكية والبريطانية. فى المقابل لم يستند الكتاب إلى أى وثائق أو مصادر مصرية أو عربية يعتد بها وهو ما يمثل نقطة ضعف فى الكتاب، باعتباره يقدم رؤية أحادية الجانب للقصة، لكنها لا تقلل من أهميته فى الكشف عن طبيعة تجربة مصر فى الاستعانة بالخبرات الألمانية لبناء النهضة العسكرية بعد نكبة فلسطين عام 1948، والدورس المستفادة التى يمكن الخروج بها من هذه التجربة.
المؤلف
فيفيان كينروس المقيم فى إنجلترا وعضو المجلس العربى البريطانى للتفاهم (كابو) بالعاصمة البريطانية لندن. وأمضى 30 عاما من حياته المهنية فى مجال العلاقات العامة والاتصالات المؤسسية، وهو مؤلف كتاب «محاربو المعلومات: معركة القلوب والعقول فى الشرق الأوسط» الصادر فى أبريل 2020.
وكاستشارى إدارى، يتخصص فيفان فى تقديم الاستشارات للحكومات بشأن الأنظمة والعمليات الضرورية لتأسيس إدارات المعلومات، عمل مؤخرا مع إمارة أبوظبى وفى الأراضى الفلسطينية المحتلة، قدم المشورة لوزارة الداخلية فى السلطة الفلسطينية بشأن مشروع تحسين معايير الحوكمة المؤسسية.
وفى عام 2013 أصبح مستشارا كبيرا للإدارة العامة وتنمية القدرات التنظيمية فى مكتب الأمم المتحدة لخدمة المشاريع فى كوبنهاجن كخبير متخصص فى أنظمة العلاقات العامة وأنظمة الاتصالات المؤسسية فى الدول الهشة أو الخارجة من الصراعات.
الحلقة الأولى
الألمانى والملك والنكبة
فاروق مهّد الطريق أمام الضباط الأحرار للاستعانة بالخبرات الألمانية فى إعادة بناء الجيش المصرى
الجنرال أرتور شميت أول عسكرى ألمانى يتعاقد مع حكومة الملك ليعمل تحت اسم هير جولدشتاين
شميت اتهم القيادة العسكرية بخوض حرب فلسطين بأساليب القرن التاسع عشر
رغم مرور أكثر من 75 عاما على نهاية تجربة مصر فى الاستعانة بالخبرات الألمانية التى انتشرت حول العالم بعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، ما زال المعروف عن هذه التجربة أقل كثيرا من المجهول. وفى كتابه «نازيون على النيل» يكشف الكاتب البريطانى فيفيان كينروس الكثير من تفاصيل قصة الوجود الألمانى فى مصر بعد حرب فلسطين وحتى حرب يونيو 1967.
بدأ الملك فاروق بعد الحرب العالمية الثانية البحث عن السبل العملية التى تتيح له إقامة حكم سياسى ذاتى لدولة ما زالت خاضعة للاحتلال البريطانى وتعرضت لضربة قوية بقيام دولة إسرائيل على حدودها الشرقية فى مايو 1948. لذلك شهدت السنوات الثلاث الأخيرة من حكم الملك فاروق تحركات سرية مع كبار مستشاريه السياسيين والعسكريين لوضع خطة لإعادة بناء المؤسسة العسكرية المصرية التى تعرضت لهزيمة مذلة فى أول حرب عربية إسرائيلية عام 1948.
ورغم أن فاروق اشتهر بتصرفاته الغريبة وبذخه الشديد حتى أطلق عليه على سبيل السخرية لقب «لويس فاروق» فى إشارة إلى ملوك فرنسا قبل الثورة الفرنسية، بسبب حرصه على اقتناء الأثاث والتحف الفرنسية كتلك الموجودة فى قصر فرساى الفرنسى فى كل قصوره. كما اشتهر بهوس الامتلاك وجمع التحف والأشياء النادرة والإنفاق بسفه حتى أصبح لديه أكثر من 1000 بدلة صممت خصيصا له، ومجموعة كبيرة من الطوابع البريدية والعملات التذكارية، فى حين امتلك مجموعة كبيرة من السيارات الكلاسيكية. فإلى جانب أسطول سيارات بنتلى الحمراء، كانت لديه سيارة مرسيدس بنز 540 كيه حصل عليها عام 1938 من المستشار الألمانى فى ذلك الوقت أدولف هتلر.
ورغم ذلك، فإنه لم يكن ملكا تافها على الإطلاق. بل إن كونه ملك مصر أعطاه ثقلا تاريخيا وجعله فى الوقت نفسه هدفا لضغوط الرأى العام والطبقة السياسية المحلية لكى يستعيد مكانة مصر كدولة مستقلة فى طليعة العالم العربى بعد نكبة حرب فلسطين.
لذلك بدأت مصر تحت نظر فاروق عملية مراجعة شاملة وإعادة تقييم لأصول مصر العسكرية وقواتها المسلحة وخطط المعارك منذ 1949. وكان فاروق يرى أن البلاد تحتاج إلى مساعدات وخبرات متخصصة إضافية يمكن الحصول عليه من الخارج.
وعلى هذا الأساس بدأ ممثلو الملك رحلة البحث عن وسطاء فى مختلف أنحاء أوروبا للوصول إلى المواهب الأجنبية المطلوبة والتعاقد معها للمساعدة فى إعادة بناء قاعدة القوة الصلبة لمصر.
وأصبحت هذه المجموعة من الخبراء والمستشارين التى كانت تستهدف المساعدة فى صياغة جيل جديد من القوات المسلحة والأسلحة والمعدات العسكرية، أصبحت بعد ذلك وفى الوقت المناسب العقل المدبر لتصميم وإنتاج أول محركات نفاثة وطائرات مقاتلة وصواريخ مصرية.
كانت رؤية فاروق هى ضرورة أن تكون مصر قوية تمتلك قوات مسلحة قادرة على الأرض وطائرات مقاتلة تحلق فى سماء القاهرة وسفن تجوب شرق البحر المتوسط وأحدث الصواريخ القادرة إلى الوصول لقلب أعدائها. ولتحقيق هذه الرؤية، قرر فاروق الاستعانة بالخبراء النازيين السابقين وضباط الجيش الألمانى المنحل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأ عملية تحديد الجنود السابقين والعلماء والفنيين ومصنعى الأسلحة وتجار السلاح الذى يمكن أن يساعدوا فى تحويل رؤيته العظيمة لإعادة بناء مصر إلى واقع جديد.
كما كانت إحدى النتائج المباشرة لهزيمة حرب 1948 توفير مبرر واضح ومباشر للملك فاروق لكى يمضى قدما فى خطة إصلاح جذرى للجيش المصرى، والذى لم يكن مؤهلا لهذه المهمة وفقا للأدلة والإجماع فى ذلك الوقت. بدأت عملية الإصلاح فورا بعد الحرب بإقالة وزير الحربية وقائد الجيش حيدر باشا، ومجموعة من كبار الضباط الذين اعتبروا مسئولين عن الهزيمة. وبدلا من السعى لإعادة بناء القوات المسلحة بشكل منعزل انجذب الملك فاروق وحكومته إلى تبنى نهج أكثر جماعية لتطوير القوة الصلبة الإقليمية لمصر. كانت فكرة القومية العربية الحديثة والمعاصرة هى المبدأ الموجه لهذا النهج. وتحولت فكرة القومية العربية فى ذلك الوقت لخيار استراتيجى للدول المتحدثة باللغة العربية لكى تتحرك معا من أجل بناء كيان أكبر وأقوى سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
استندت هذه الرؤية إلى ضرورة إقامة قاعدة قوة عربية أكثر اتحادا قادرة على تحدى الإمبريالية الغربية وإنهاء الاستعمار مواجهة الطموحات الشيوعية المتزايدة فى المنطقة وتوفير وسيلة فعالة للرد على التهديد الجديد من جانب إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
وتبلورت الفكرة رسميا لأول مرة من خلال إنشاء جامعة الدول العربية فى 22 مارس 1945 بعد الموافقة على بروتوكول الإسكندرية عام 1944. وإلى جانب توسيع التعاون الاقتصاد والسياسى، وقعت دول الجامعة معاهدة الدفاع العربى المشترك، بهدف منع اتفاق الأردن مع إسرائيل على تقسيم فلسطين بعد حرب 1948. ووفر هذا المشهد الإقليمى المتغير الأساس المنطقى والدافع للملك فاروق وقادته لكى يتطلعوا إلى الخارج للحصول على نوع من الدعم الاحترافى والمهنى الذى شعروا أنه مطلوب للمساعدة فى بناء المؤسسة العسكرية والأمنية لمصر بالطريقة القادرة على التعامل مع حقائق المنطقة بعد 1948. وكانت هناك قوى أخرى فى ذلك الوقت ساعدت فى دفع الملك فاروق إلى طلب المساعدة الخارجية. فقد انسحبت البعثة العسكرية البريطانية من مصر عام 1948 وهو ما كان سببا رئيسيا فى اتجاه مصر نحو الألمان للاستعانة بهم كمستشارين فى القوات المسلحة.
ولم تكن تحركات الملك فاروق للاستعانة بالخبرات الألمانية فى إعادة بناء قدرات مصر، هى الوحيدة، وإنما كان هناك أيضا الجامعة العربية التى رأت أمانتها العامة أن أفضل العناصر والأكثر دراية الذين يمكن الاستفادة بهم فى تطوير القوة الصلبة العربية هم مطورو الحروب المتحركة الحديثة أى الألمان.
وفى الوقت المناسب بدأ عادل ثابت المتحدث باسم الجامعة العربية وأحد أقارب الملك فاروق البحث عن قائد كبير فى الجيش الألمانى يمتلك السلطة والخبرة الكافية لتحليل مأزق مصر العسكرى وتقييم التحديات التى تواجهها، ويكون مؤهلا لتقديم التوصيات بشأن إعادة بناء وتدريب ونشر القوات المسلحة فى المستقبل، بحسب الفيلم الوثائقى «النازيون المنفيون: وعد الشرق» الذى بثه التلفزيون الفرنسى عام 2014. ووجد عادل ثابت ضالته فى أرتور شميت العسكرى المحترف والقائد الكبير السابق فى الفيلق الأفريقى بالقوات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية.
حارب شميت بضراوة فى صحراء ليبيا وحصل بعد ذلك على وسام صليب الفارس (ريتركريوتس باللغة الألمانية). وفى أواخر 1941 تمت ترقيته إلى رتبة جنرال ميجور وتم إرساله إلى شمال أفريقيا للخدمة تحت قيادة ثعلب الصحراء إيرفن روميل، حيث كان مسئولا فى البداية عن قيادة المنطقة الخلفية رقم 556 التابعة لمجموعة بانزر الأفريقية فى القوات الألمانية. وفى نوفمبر 1941 أصبح قائدا لجزء محور البردية فى قطاع السلوم البردية. وفى يناير 1942، وبعد الهجوم المستمر من جانب الوحدات النيوزيلندية والجنوب أفريقية التابعة لقوات الحلفاء ضد ميناء البردية اللبيى، اضطر شميت للاستسلام وكان أول جنرال ألمانى يستسلم لقوات الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية. وأصبح أسير حرب وتم احتجازه فى كندا حتى عام 1946، لينقل إلى بريطانيا، ويتم إطلاق سراحه بعد ذلك عام 1948. وفى 11 يوليو 1949 وصل شميت وهو شخصية مستقيمة حادة الطبع إلى القاهرة مستخدما اسما مستعارا هو «هير جولدشتاين» (السيد جولدشتاين) ونزل فى فندق متواضع فى إحدى ضواحى القاهرة. وكان أول طلب له هو إجراء دراسة لحالة الجيش المصرى على الأرض، حيث انتقد بسرعة تقسيمه إلى فرق منفصلة تماما للدبابات والمدفعية والمشاة.
وكانت وجهة نظره أن هذا التكتيك بمفرده يجعل من الصعب على الجيش صد أى هجوم، ولا يتوافق مع أساليب الحرب الحديثة. كما طلب الاطلاع على كل التقارير الخاصة بالحرب مع إسرائيل لكى يحلل من خلالها أسباب الهزيمة.
وبسرعة وصل شميت إلى الاستنتاجات الأولية من تحليله. ولم يكن أيا من هذه الاستنتاجات مريحة وبالتالى لم يجد آذانا صاغية لها من جانب القيادة العليا المصرية. كما قال إن الأوامر الرئيسية الصادرة من القائد العام للجيش حيدر باشا أثناء الحرب كانت خطأ وأن استراتيجية الحرب بشكل عام كانت خطأ أيضا، واتهم الذين قادوا الحرب المصرية فى فلسطين بإدارتها بأساليب القرن التاسع عشر. وفى تطور سريع للأحداث طلب شميت زيارة مرتفعات الجولان السورية لكى يرى الأوضاع على الطبيعة بنفسه. وفى الوقت المقرر استطاع شميت النظر مباشرة من الهضبة المرتفعة على الأراضى السورية لكى يقيّم المعركة على الجبهة السورية، بحسب تقرير نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية. وبعد رحلته إلى مرتفعات الجولان كتب شميت إلى عادل ثابت يقول «الهزيمة (فى 1949) كانت نتيجة لعجز القادة المصريين على الاستفادة من المراحل الأولى للقتال وإزالة دولة إسرائيل الناشئة من الخريطة بحرب خاطفة مدتها أسبوعين على الأكثر».
وبلهجة أكثر إيجابية، وضع شميت توصياته الأولية لإعادة بناء جيش مصرى أقوى وأفضل وفقا لإجراءات العمليات الحديثة، مستخدما أحدث استراتيجية. ورغم ذلك، تم فى البداية تهميش توصيات شميت رغم أنها استندت إلى عقيدة عسكرية خالصة وخبرة كبيرة، ثم حظرها تماما. ولم يستطع قادة الجيش المصرى فى ذلك الوقت وأغلبهم كانوا جزءا مهما من انعدام الكفاءة والفساد الذى ساد الجيش قبل حرب فلسطين، لم يستطيعوا قبول مثل هذه الانتقادات فتحركوا بشكل منسق من أجل الضغط على الخبير الألمانى، والطعن فى مصداقيته الشخصية والمهنية. فى المقابل أصبح شميت ساخطا على ما اعتبره مكائد من اللواءات المصريين لتقويض مهمته والتخلص منه هو شخصيا. وقال الكاتب إنه فى عام 1950 أعلن شميت رفضه لهذه المحاولات وقدم استقالته ليعود إلى ألمانيا. وكان ذلك بمثابة نهاية لانخراط جولدشتاين المباشر فى محاولة إعادة بناء القدرة العسكرية المصرية وتشكيل الجيش العربى تحت لواء جامعة الدول العربية، دون أن يشير إلى مصدر هذه المعلومات.
وبعد ذلك عاد شميت إلى مسقط رأسه فى ألمانيا الغربية وأصبح شخصية مثيرة للجدل. ففى عام 1966 أصبح مرشحا للحزب الوطنى الديمقراطى اليمينى المتطرف فى انتخابات برلمان ولاية بافاريا، واستخدمت حملته الانتخابية مواد مثيرة للجدل مثل صوره وهو يرتدى الزى الرسمى للجيش الألمانى النازى، وعليه بلا خجل يظهر الصليب المعكوف على شارة القبعة العسكرية مع وسام صليب فارس.
هذا التعثر الأول لم يردع الملك فاروق عن المضى قدما فى خططه. وبينما كان فاروق يبحث عن خلفاء شميت، كان يعمل بالفعل على إقامة صناعة عسكرية فى مصر لتسليح الآلة العسكرية المتنامية التى كان يفكر فيها لمصر. هذه الثورة الصناعية كانت تتضمن تصميم وإنتاج أول طائرة نفاثة مقاتلة وصواريخ بعيدة المدى فى مصر. وينطوى هذان السلاحان على أهمية رمزية، حيث كان يشعر أنهما يمكن أن يغيرا قواعد اللعبة بالنسبة لتوازن القوى الجديد فى المنطقة. وفى ربيع 1952 وقبل شهور قليلة من حركة الضباط التى أطاحت بالملك فاروق، بدأ فاروق تحركا لإنشاء شركة مستقلة تتولى إدارة مشروع تصنيع المحركات النفاثة والصواريخ والطائرة النفاثة. عرفت الشركة الجديدة باسم «سيرفا» وهى الأحرف الأولى من اسمها الفرنسى كومبانى دو إنجن ريكسيو بور فو أكسلير (شركة محركات الطيران المعجل). تأسست الشركة كشركة عسكرية مدنية توجد منشآت الأبحاث والتطوير الخاصة بها فى قاعدة ألماظة الجوية بإحدى ضواحى القاهرة. وتشكل مجلس إدارة للشركة برئاسة شخص فرنسى غير معروف اسمه كوميت دو لافيسو.
وعلى مدى عامى 1950 و1851 وجد المنشقون الألمان مثل العسكريين المحترفين أوتو سكورزينى وأرتور شميت وقائد المظلات الألمانى جيرهارد مارتنيز طريقهم إلى مصر عبر شبكات متنوعة منها اللجنة الألمانية فى لبنان. وفى القاهرة نجح هؤلاء الألمان سريعا فى سد الفجوة التى خلفها انسحاب البعثة العسكرية البريطانية من مصر عام 1948. هذا التوجه كان معروفا لدى هيئة رئاسة الأركان البريطانية والتى سجلت فى عام 1953 رصدها لتزايد المساعى المصرية للاستعانة بالخبراء الألمان فى ذلك الوقت.
ورأت رئاسة هيئة الأركان البريطانية فى البداية أن هذا النفوذ الألمانى عارض وليس منظما، ولم يتحول إلى قوة استراتيجية حتى جاءت حركة الضباط الأحرار فى يوليو 1952 وأطاحت بحكم الملك فاروق. بعد ذلك أصبح نظام الحكم الجديد فى مصر يعطى قيمة متزايدة لخدمات الألمان بحسب ما سجلته رئاسة هيئة الأركان البريطانية فى تحليل داخلى لها.
وهناك أيضا أسباب تاريخية جعلت قرار مصر التواصل مع الخبراء الألمانية منطقى ومتسق. أحد هذه الأسباب مرتبط بعلاقة الدعم بين ألمانيا والعالمين العربى والإسلامى فى العقد الأخير من القرن التاسع عشر. هذا الالتزام بدعم الهوية الإسلامى ومناهضة المصالح البريطانية والفرنسية فى الشرق الأوسط تحول إلى تحالف بين الإمبراطوريتين الألمانية والعثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى والدور العسكرى الألمانى النشط فى الحملات العسكرية التركية ضد البريطانيين فى العراق وفلسطين والدردنيل، والذى أثبت أنه مدمر للطموحات والسمعة العسكرية البريطانية.
والسبب الثانى يتعلق بعلاقة التعاون بين ألمانيا النازية والقوميين والإسلاميين العرب فى ثلاثينيات القرن العشرين وخلال الحرب العالمية الثانية والتى كانت بمثابة مواجهة للسيطرة الاستعمارية الفرنسية والبريطانية فى الشرق الأوسط. وأيدت ألمانيا أثناء الحرب قيام وطن قومى فلسطينى وأطلقت حملة دعائية باللغة العربية ضد البريطانيين واليهود خلال الفترة من 1941 إلى 1945، مما عزز العداء لبريطانيا فى المنطقة وصب المزيد من الزيت على نار الأيديولوجية النازية المعادية لليهود. وكان تأثير النازيين السابقين فى القاهرة بعد الحرب أحد أسباب امتداد هذه الحرب الأيديولوجية والعرقية والإقليمية بين مصر والدول العربية من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى طوال الخمسينيات وما بعدها.
كان الضباط الأحرار على علم بمشروع فاروق، ومع وصولهم للسلطة أصبح تنفيذ هذا المشروع أوسع نطاقا وأسرع. وكان على الضباط الأحرار تكوين شبكتهم الخاصة التى تضم الوسطاء والمتخصصين فى توظيف الكفاءات من أصحاب العلاقات القوية والمهمة، من خلال القنوات الدبلوماسية والشركات الوهمية فى سويسرا للاستفادة من ثروة المواهب العلمية والتقنية التى أصبحت بدرجة كبيرة كامنة أو عاطلة بعد الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا. وبحلول أوائل مايو 1953 أصبح وجود عدد كبير من الخبراء الألمان والنازيين السابقين ودورهم المباشر فى مساعى الحكومة المصرية لبناء القوة الصلبة للدولة، موضوعا ملحا وحيويا بالنسبة للقوى الدولية الساعية إلى السيطرة على الشرق الأوسط فى ظل الحرب الباردة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.