ضم التاريخ الإسلامي العديد من الأئمة والفقهاء الذين أثروا العالم بعلمهم ومؤلفاتهم وتتلمذ على يديهم الكثير، واستفاد الناس من فتواهم في شئونهم الحياتية. لذلك، تعرض "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة " أشهر الأئمة في التاريخ الإسلامي"، لتأخذكم معها في رحلة نتعرف فيها علي بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية التي سطرت أسمها بحروف من نور. وفي هذه الحلقة نرصد محطات من حياة الإمام جلال الدين السيوطي، من كتاب الأعلام للزركلي. مولده ونشأته ولد جلال الدين السيوطي، في القاهرة 849 ه، وكان مفسرا، ومؤرخاً، وأديباً، له نحو 600 مصنف. نشأ يتيماً؛ إذ مات والده وعمره خمس سنوات، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزوياً عن أصحابه جميعاً، كأنه لا يعرف أحداً منهم. وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها، وطلبه السلطان مراراً فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن توفي، وكان يلقب ب"ابن الكتب"؛ لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب، ففاجأها المخاض، فولدته وهي بين الكتب. كان والده من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه، وبعد وفاته، اتجه الإمام السيوطي إلى حفظ القرآن، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه. طلب العلم أجرى السيوطي رحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي، ثم دَّرس الحديث بالمدرسة الشيخونية، ثم تجرد للعبادة والتأليف عندما بلغ سن الأربعين. كان السيوطي من أبرز معالم الحركة العلمية والدينية والأدبية في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، حيث ملأ نشاطه العلمي في التأليف مختلف الفروع في ذلك الزمان من تفسير وحديث وفقه وتاريخ وطبقات ونحو ولغة وأدب وغيرها، فقد كان موسوعي الثقافة والاطلاع. أعانه على كثرة تأليفه انقطاعه التام للعمل وهو في سن الأربعين حتى وفاته، وثراء مكتبته وغزارة علمه وكثرة شيوخه ورحلاته، وسرعة كتابته، فقد اتسع عمره التأليفي 45 سنة، حيث بدأ التأليف وهو في السابعة عشرة من عمره، وانقطع له 22 عامًا متواصلة. علاقته بسلاطين المماليك عاصر السيوطي (13) سلطانًا مملوكيًا، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم، وضع نفسه في مكانته التي يستحقها، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم. فقد ذهب يومًا للقاء السلطان الأشرف قايتباي وعلى رأسه الطيلسان "عمامة طويلة" فعاتبه البعض، فأنشأ رسالة في تبرير سلوكه أطلق عليها "الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان"، وفي سلطنة طومان باي الأول حاول هذا السلطان الفتك بالسيوطي، لكن هذا العالم هجر بيته في جزيرة الروضة واختفى فترة حتى عُزل هذا السلطان. وكان بعض الأمراء يأتون لزيارته، ويقدمون له الأموال والهدايا النفيسة، فيردها ولا يقبل من أحد شيئا، ورفض مرات عديدة دعوة السلطان لمقابلته، وألف في ذلك كتابًا أسماه "ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين". مؤلفاته ألّف جلال الدين السيوطي عددا كبيرا من الكتب والرسائل، في موضوعات مختلفة، تشمل التفسير والفقه والحديث والأصول والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والأدب وغيرها، ومن هذه المصنفات: - الإتقان في علوم التفسير - الإكليل في استنباط التنزيل - طبقات المفسرين - إسعاف المبطأ في رجال الموطأ - تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك - الحاوي في الفتاوي - حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة وفاته توفي الإمام السيوطي في منزله بروضة المقياس على النيل في القاهرة في 19 جمادي الأولى سنة 911 ه، ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال نسبة إليه. اقرأ أيضا: أئمة الإسلام (14).. العز بن عبد السلام: شيخ الإسلام الذي نشر العلم وجاهد في سبيل الله