فى الوقت الذى عرضت فيه جامعة القاهرة صباح أمس الأول بعضا من ملامح تقرير التنمية البشرية لمصر عن الشباب عام 2010، بحضور جيمس راولى الممثل المقيم للأمم المتحدة فى مصر، قال د. جلال أمين، أستاذ الاقتصاد والمفكر فى مساء نفس اليوم فى الجامعة الأمريكية: «إن تقارير التنمية البشرية الإنسانية العربية التى يعدها برنامج الأممالمتحدة الإنمائى شىء مدهش وغريب ويثير سخطى». لم يكن بين الحدثين سوى بضع ساعات وعدد من الكيلومترات تفصل بين جامعة القاهرة بالجيزة والجامعة الأمريكيةبالقاهرةالجديدة. احتفت جامعة القاهرة بالتقرير وعرضته د. هبة حندوسة معدة التقرير على مجموعات مختلفة من الشباب لاستشارتهم ضمن احتفالية الجامعة بانطلاق العام الدولى للشباب. وفى المساء انتقد د. جلال أمين فى محاضرة بالجامعة الأمريكية ما سماه «خرافة التقدم والتخلف»، موضحا أنه لاحظ أن شكل هذه التقارير عن الدول العربية عام 2002 اختلف بعد 11 سبتمبر 2001، فبعد أن كانت لغة الحوار التى تستخدمها هيئة الأممالمتحدة مع الدول العربية الأعضاء «راقية» انقلبت ضدهم بشكل يدين الأنظمة العربية ويعمل على «التشهير» بها سواء فى رصد حالة المعرفة والحريات وملف حقوق الإنسان «فأصبحنا من أسوأ الدول فى العالم طبقا لمعايير ثقافة غربية بحتة» على حد قوله. وقال إنه من السخف اعتبار بعض الأمم أكثر تقدما فى مضمار التنمية الإنسانية من غيرها، ورفض وصف دول بأنها متقدمة وأخرى بأنها متخلفة بناء على معيار التقدم التكنولوجى. واستدرك «رغم ما حققته بعض الدول فى النمو التكنولوجى فإن هذا ليس معناه أنها متقدمة فى كل شىء»، وتابع «الإنسان لديه ضعف تجاه التكنولوجيا لأنه عانى مئات السنين من إشباع حاجته الأساسية. فمن الطبيعى أن يقع صريعا أمام التكنولوجيا ويجعلها معيارا لقياس أى شىء»، فهذا المعيار رغم قوته لا يستطيع أن يشبع كل الحاجات الأساسية لدى الإنسان، بل ومن الممكن أن تسبب له ضررا بالغا. وشبّه أمين تأثير الثقافة الغربية على الدول النامية وما أصابها من حالة الاغتراب بمهرج فقير يأمر طائره الجميل بأن يقف على قدم واحدة أو بإحدى الأمم المهزومة التى كانت تعتقد أن زيادة حجم الأنف أحد سبل تقدم الشعوب المنتصرة، وأضاف «لو قارنا مصر منذ عشرات السنين فيما حققته من مستوى الدخل لمواطنيها سنجده تضاعف ولكنه مع ذلك لم يؤد إلى تقدم»، ويرجع ذلك إلى أن الإنسان المصرى لم يعد كسابق عهده، لقد تغير بفعل عوامل الاغتراب، وقال «للأسف الثقافة الغربية جعلتنا نقف على قدم واحدة». وذكر أمين مثالا توضيحيا «إذا كان المصرى يشرب فيما مضى كوبا من عصير القصب غير نظيف كل 10 أيام واستطاعت الدولة أن توفر له هذا الكوب بشكل نظيف مرتين فى السنة فهذا يحمل معنى التقدم» ثم استدرك قائلا «أما إذا تم استبدال هذا الكوب رغم قذارته بمشروب الكوكاكولا فهذا هو الاغتراب ولا يمكن أن نسمى هذا تطورا حتى ولو تحققت به بعض الرفاهية». أمين أثار عددا من الشكوك حول معايير الغرب فى التقدم فى تقارير التنمية البشرية مثل تحقيق الديمقراطية، مؤكدا أن ليس معناها الوحيد رصد عدد من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع أو هل تزور الانتخابات أم لا؟، انما قد تحمل معنى آخر مثل هل الأحزاب المتنافسة فى الانتخابات فى الدول الغربية متشابهة أم لا؟ فليس للديمقراطية قيمة إذا كان الحزبان الوحيدان المتنافسان على درجة كبيرة من الشبه. ثم تحدث عن تمكين المرأة فى المجتمعات، فرغم إيمانه بأن المرأة مقهورة فى المجتمعات العربية إلا أنه يرى أن المرأة فى الغرب مقهورة أيضا بسبب طبيعة المجتمع الاستهلاكى وباستغلالها فى الدعاية التجارية. ويرى أمين أن سبب اكتساح الثقافة الغربية وانتشارها رغم عيوبها فإنها قادرة على البقاء وشبهها بمفهوم الدارونية البقاء للأصلح مشددا إن هذا لا يعنى أن الحضارة الغربية هى الأفضل، لكن أهميتها أنها تكتسب صفة البقاء بسبب قدرتها على التكاثر بالمقارنة بثقافات الأمم الأخرى.