تنظر المحكمة الدستورية العليا غدا السبت الدعوى المقامة من حاتم المير الرئيس السابق لمجلس إدارة نادي المنصورة الرياضي مطالبا بعدم دستورية عدد من مواد قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017 ولائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بقرار اللجنة الأوليمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017 وتعديله بالقرار رقم 2 لسنة 2018. وكان المير قد أقام هذا النزاع عام 2019 بعدما قضى مركز التحكيم الرياضي لصالحه بإلغاء نتيجة انتخابات نادي المنصورة للدورة 2017-2018 وإدراج اسمه في كشوف المرشحين، ثم طعنت اللجنة الأولمبية على الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة لبطلان حكم التحكيم سالف الذكر فقضت بذلك، فأقام المير طعنا أمام محكمة النقض التي أصدرت حكما مهما في ديسمبر 2019 بإحالة جميع النصوص التشريعية الخاصة بمركز التحكيم الرياضي إلى المحكمة الدستورية العليا لوجود شبهة في عدم دستوريتها. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن المادة 66 من قانون الرياضة جعلت مركز التسوية والتحكيم الرياضي تابعًا للجنة الأولمبية على الرغم من وصفه بالمستقل، فيما فوضت المادة 69 الثانية لرئيس اللجنة الأولمبية إصدار لائحة النظام الأساسي للمركز، وهي اللائحة التي أقامت روابط عديدة بين الجانبين تتعلق بأن مجلس إدارة المركز تُشكله اللجنة الأولمبية، ويكون رئيسها هو نفسه رئيس المركز، بالإضافة إلى ما نصت عليه اللائحة بإشراف مجلس إدارة المركز على شئونه في كل النواحى المالية والإدارية. وأوضحت المحكمة أن كل هذه الروابط بين مركز التحكيم الرياضي واللجنة الأولمبية، من شأنها إثارة شكوك جدية حول مدى استقلال المركز، خصوصا فى الحالات التى قد تكون فيها اللجنة الأولمبية طرفا فى الدعاوى المعروضة على أى من هيئات التحكيم، مشيرة إلى أنه من المفترض أن يتيح الهيكل التنظيمى للمركز الاستقلال اللازم لهيئات التحكيم التابعة له بحسبانها هيئات ذات اختصاص قضائي، كما ينبغي أن يبعث ذلك الهيكل الطمأنينة في نفوس أطراف التحكيم وكل من يلجأ إلى المركز لتسوية منازعة رياضية. وبالنسبة للمادتين 2 و81 من لائحة المركز، قالت المحكمة إنهما خرجتا عن حدود التفويض التشريعي الوارد بالمادة 69 من قانون الرياضة، والتي خولت لمجلس إدارة اللجنة الأولمبية سلطة إصدار قرار ينظم فيه قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم وفقا للمعايير الدولية، وكذلك خروجا عن الالتزام المفروض على المركز بالمادة 70 من قانون الرياضة بمراعاة الميثاق الأولمبي والمعايير الدولية ونصوص قانون الرياضة والضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضي فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، وكذلك عن الالتزام بقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 قانون التحكيم المصري باعتباره الشريعة العامة للتحكيم فى البلاد. وفى جانب آخر، قالت النقض، إن المادة «92 مكررا ج» المعدلة من لائحة المركز تتيح للمركز إبطال أحكام التحكيم الرياضي ولو كانت أجنبية، وهو ما يخالف نصوص "اتفاقية نيويورك 1958" الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها، متابعة: "هذه المادة تخول إلى ما يسمى دائرة البطلان بالمركز -وهو مجرد مركز للتحكيم- سلطة لا تملكها محاكم الجمهورية ذاتها". وأوضحت المحكمة أن المادة تخالف أيضًا قانون التحكيم المصري؛ إذ من شأن تطبيقها تجاهل فكرة المقر القانوني للتحكيم، والسماح لدائرة البطلان بمركز التسوية المصري بالافتئات على دور محكمة البطلان المختصة فى الدولة التي اختارها الأطراف كمقر قانوني للتحكيم الرياضي الأجنبية الصادرة من أي هيئة تحكيم رياضي، وهو ما يخلق حالة من النزاع الإيجابي في الاختصاص بغير مقتضى. رأي هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا تدوولت القضية في هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا على مدار العامين الماضيين، حتى أودعت مؤخرا تقريرا أعده المستشار د. طارق عبدالقادر، الرئيس بهيئة المفوضين، برئاسة المستشار د. عماد البشري، رئيس الهيئة، أوصت فيه بعدم دستورية جميع هذه المواد وبالأخص: عدم دستورية المادة 66 من قانون الرياضة فيما نصت عليه من إتشاء مركز التسوية والتحكيم الرياضي داخل اللجنة الأولمبية المصرية، وما تضمنته المادة 68 من القانون ذاته من رئاسة اللجنة للمركز وقيام اللجنة باعتماد قوائم المحكمين بهذا المركز وتحديد أتعابهم. وعدم دستورية المادة 67 من قانون الرياضة فيما قررته من انعقاد اختصاص مركز التسوية والتحكيم الرياضي بناء على لائحة هيئة رياضية وسقوط الأحكام الواردة بالقرارات الصادرة من اللجنة الأولمبية التي أقرت انعقاد اختصاص المركز بتسوية جميع المنازعات الرياضية المحددة بقانون الرياضة وكذلك النصوص التي وردت بالأنظمة الأساسية للأندية الرياضية وتقيدت فيها بما أوردته اللائحة الاسترشادية في هذا الخصوص. وعدم دستورية المادة 69 من قانون الرياضة التي عهدت إلى اللجنة الأولمبية بوضع قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم، وسقوط قرار اللجنة الأولمبية بشأن لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي، وتعديلاته. لماذا هذا البطلان الكامل؟ ذكرت توصية المفوضين أن السلطة التشريعية لدى إصدارها قانون الرياضة عهدت إلى اللجنة الأولمبية بمهمة وضع قواعد وإجراءات عمل هذا المركز، ولم تمض السلطة التشريعية قدما في تحديد الأوضاع التنظيمية لوسائل الوساطة والتوفيق والتحكيم، مما يسقط قانون الرياضة في حومة المخالفة الدستورية، لأن المشرع تسلب من اختصاصه والتفت عن التزام دستوري عُهد به إليه وحده دون غيره. أي أن القانون كان يجب أن يتضمن بذاته هذه القواعد التنظيمية والإجرائية ولا يفوض فيها اللجنة الأولمبية. فضلا عن أن اللجنة الأولمبية التي تولت هذا الاختصاص بموجب القانون هي من أشخاص القانون الخاص، وبالتالي فهي ليست أهلا لإصدار أية لوائح عامة تنظيمية أو تنفيذية، ولا يملك المشرع أن يعهد إليها بإصدار تلك اللوائح. ووصف التقرير القانون في هذه النقطة الأولية بأنه تمادى في تسلبه من الاختصاص المنوط بالمشرع في الدستور، مما ينتج عنه بطلان المادة 69 وسقوط القرارات الصادرة من اللجنة الأولمبية المبنية عليها. وأضاف التقرير أن نصوص لائحة النظام الأساسي للمركز استحدثت تنظيما للطعن ببطلان التحكيمات التي يصدرها المركز، وحظر الطعن عليها بالطرق العادية، حاجبا المحاكم المصرية المفوضة دستوريا بولاية الفصل في هذه الأمور، مما يؤكد أن اللائحة جاوزت حدود التفويض التشريعي. كما أن أحكام هيئات التحكيم الصادرة طبقا لقانون الرياضة هي أحكام لها حجية ونافذة، شأنها شأن أحكام هيئات التحكيم الأخرى التي تصدر في منازعات التحكيم المدني والتجاري بناء على اتفاق الخصوم وفقا لقانون التحكيم المصري، وبالتالي فتلك الأحكام تعتبر عملا قضائيا يفصل في خصومة، بما مؤداه وجوب تقيدها بالمبادئ الأساسية لضمانات التقاضي، ووجوب إجازة الطعن على أحكام التحكيم أمام المحاكم المختصة في مصر. ويؤكد هذا أن النصوص المكوّنة والمنظمة لمركز التحكيم الرياضي مشوبة بعيب دستوري آخر هو الخروج عن القواعد العامة بشأن قابلية الأحكام الصادرة من المحاكم وهيئات التحكيم للطعن عليها بالبطلان في المحاكم المختصة سواء القضاء العادي أو قضاء مجلس الدولة. وتخالف لائحة النظام الأساسي الدستور في موضع آخر هو إنشاء دوائر للبطلان في مركز التحكيم، مما يحول دون بسط ولاية المحاكم الوطنية على أحكام التحكيم الرياضي، مما تسقط معه دستورية جميع المواد المنظمة لعمل تلك الدوائر. كما ألقى التقرير الضوء على عدم دستورية الوضع الإداري والتنفيذي للمركز، فعلى الرغم من وصفه في قانون الرياضة ك(مركز مستقل) إلا أنه أخضعه لإشراف اللجنة الأولمبية وجعله تابعا لها بالكامل، متجاهلا أن اللجنة ذاتها طرف في أغلب المنازعات الرياضية الناشئة عن العمل بقانون الرياضة، مما يهدر استقلالية هذا المركز. وشدد التقرير على أن استقلال هيئة التحكيم من المبادئ الأصولية التي تقوم عليها الأنظمة المتقدمة، تطبيقا لمبدأ خضوع الدولة للقانون، وضرورة عدم إخلال التشريعات بالحقوق والضمانات التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضا أوليا لقيام الدولة القانونية، وعدم جواز أن يكون العمل القضائي موطنا لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالا قاتمة حول حيدته. وأشار تقرير هيئة المفوضين أيضا إلى أن رسم طريق اللجوء لهذا المركز كوسيلة وحيدة لفض المنازعات والتوفيق، وعقد الاختصاص له وحده بناء على نص ورد بلائحة هيئة رياضية، هو أمر يخرج عن الأصل العام في شأن التحكيم الرضائي، والذي يجب أن يكون وليدا لاتفاق الخصوم على اللجوء إليه كطريق بديل عن اللجوء إلى القضاء لفض المنازعات وفي الحدود والأوضاع التي تتراضى إرادتهم عليها.