طلب مناقشة أمام "الشيوخ" بشأن التنمر والعنف المدرسي الأحد    سعر الدولار مساء اليوم 20 يونيو 2025    اجتماع الأوروبيين مع الخارجية الإيرانية لم يظهر أي مؤشر على تحقيق أي انفراجة فورية ملموسة    إيران: لن نوقف تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية    أصابت الأهلي.. عواصف أمريكا تضرب كأس العالم للأندية في 6 أيام    بعد صفقة جارسيا.. برشلونة يعيد هيكلة مركز حراسة المرمى    مانشستر يونايتد يهدد مستقبل أونانا بصفقة أرجنتينية    إنقاذ 14 شخصًا وانتشال 3 جثامين في انهيار عقارين بحدائق القبة بعد 7 ساعات من البحث تحت الأنقاض    سارة وفيق بين أجواء حزينة ونشاط سينمائي.. نجوم الفن يواسون المخرجة في عزاء والدتها    العد التنازلي بدأ.. جدول امتحانات الثانوية السودانية 2025    السيطرة على حريق في منزل غير مأهول بقرية تلت دون إصابات بشرية    نقابة محامي المنيا تستطلع رأي الجمعية العمومية بشأن الإضراب العام والاعتصام بالمحاكم    رئيس وزراء صربيا يشيد بمكانة دير سانت كاترين التاريخية والدينية    الرئاسة الإيرانية: الولايات المتحدة تستطيع إنهاء الحرب مع إسرائيل بمكالمة من ترامب    56 عامًا على رحيله.. ذكرى وفاة الصوت الباكي الشيخ محمد صديق المنشاوي    مصرع شاب سقطت على رأسه ماسورة ري بالوادي الجديد    نتنياهو: إيران تمتلك 28 ألف صاروخ وتحاول تطوير قنابل نووية    تشكيل مباراة بنفيكا ضد أوكلاند في كأس العالم للاندية    "مصر القومي" يعقد اجتماعًا تنظيميًا للاستعداد للانتخابات البرلمانية    كسر مفاجئ يقطع المياه عن معدية رشيد والجنايدة.. ومحافظ كفرالشيخ يوجّه بإصلاحه واستئناف الضخ التدريجي    تركي آل الشيخ ينشر صورًا من زيارة مروان حامد لاستديوهات "الحصن"    مصر تعرض فرص تشغيل مطاراتها على كبرى الشركات العالمية    إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025..    فوت ميركاتو: اتحاد جدة يبدي رغبته في التعاقد مع بوجبا    ابتلعه منذ سنتين، استخراج هاتف محمول من معدة مريض بمستشفى الأزهر بأسيوط (صور)    مكافأة تشجيعية للمتميزين وجزاءات للمقصرين في المنشآت الصحية بالدقهلية    ضمن الموجة 26.. إزالة 95 حالة تعدٍّ على أملاك الدولة في حملات ب أسوان    ضبط 12 طن دقيق مدعم في حملات على المخابز خلال 24 ساعة    إصابة 5 أشخاص إثر تصادم ملاكي مع توكتوك في مسطرد بالقليوبية    بروتوكول بين «الثقافة» و الجيزة لإقامة تمثال ل«مجدي يعقوب» بميدان الكيت كات    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    وسط هدم مزيد من المباني| جيش الاحتلال يصعد عدوانه على طولكرم ومخيميها بالضفة    مانشستر يونايتد يراقب نجم بايرن ميونيخ    جولة تفقدية لإدارة الطب العلاجي بالمنوفية داخل مجمع مستشفيات أشمون    مجلس الاتحاد اللوثري: خفض المساعدات يهدد القيم الإنسانية والتنمية العالمية    أحمد سعد بعد تعرضه لحادث وتحطم سيارته: "أولادي وزوجتي بخير"    «لا مبالاة؟».. تعليق مثير من علاء ميهوب على لقطة «أفشة»    بسبب دعوى خلع.. الداخلية تكشف تفاصيل فيديو اعتداء سيدة على أخرى بالدقهلية    المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: واقع اللاجئين اليوم يتجاوز مجرد التنقل الجغرافي    دون تأثير على حركة الملاحة.. نجاح 3 قاطرات في إصلاح عطل سفينة غطس بقناة السويس    محافظ الإسكندرية يشهد فاعليات الحفل الختامي للمؤتمر الدولي لأمراض القلب    أحدث ظهور ل مي عزالدين.. والجمهور يغازلها (صورة)    مصر تتدخل بتحرك عاجل لوقف الحرب بين إيران وإسرائيل    طائرة في مران ريال مدريد استعدادًا لمواجهة باتشوكا    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    موازنة 2025/2026: انهيار اقتصادى وضرائب وربا فاحش وإفلاس يُخيّم على الأرقام المهلهلة    إدراج 20 جامعة مصرية في النسخة العامة لتصنيف QS العالمي لعام 2025    محافظ أسيوط يوجه بتخصيص أماكن لعرض منتجات طلاب كلية التربية النوعية    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    وفاة رئيس لجنة ثانوية عامة متأثرا بإصابته في حادث سير بأسيوط    بنجاح وبدون معوقات.. ختام موسم الحج البري بميناء نويبع    بدءا من أول يوليو| تعديل رسوم استخراج جواز السفر المصري "اعرف السعر الجديد"    أوقاف شمال سيناء تطلق حملة موسعة لنظافة وصيانة المساجد    البوري ب130 جنيه... أسعار الأسماك في أسواق كفر الشيخ    إسرائيل تتهم إيران باستخدام "ذخائر عنقودية" في هجماتها    أتلتيكو مدريد يفوز على سياتل ساوندرز في كأس العالم للأندية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صبري موسى: شيء ما على رأس رجل
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 02 - 2010


فى السماء نهار دافئ..
زرقة صافية تميل إلى البياض..
تحت السماء طفل على حافة حائط.. طفل فى السادسة يرتدى شورتا أسود متسخا..
يكاد يلمس أرض السطح بقدميه الدقيقتين.. بطنه نائمة على سور السطح، ورأسه مدلى من أعلى العمارة إلى شارع رمسيس..
شارع رمسيس من أعلى شكله مثير وعلى رصيفى الشارع خطان أبيضان من رجال البوليس وراءهما مئات الرءوس المختلفة الأشكال والأحجام تتزاحم وتمتد لتحدق فى أسفلت الشارع الخالى المهيأ لمرور ركب الرئيس..
صفوف الناس وراء الجنود ثابتة حتى تصل إلى الصف الثانى فيتحول الزحام إلى مجموعات صغيرة.. اكتشفت كل مجموعة منفذا لعيونها فكفت عن الحركة لتحافظ عليه إلى أن يمر ركب الرئيس.. وتراه..
بين كل مجموعة ومجموعة فراغ، وأنا واقف فى واحد من هذه الفراغات..
فى السماء فوقى نهار دافئ. وتحت السماء سطح العمارة التى أقف أمامها..
العمارة من أربعة أدوار، وللسطح سور منخفض على حافته الطفل الذى فى السادسة يدلى رأسه..
تصورت نفسى مكان هذا الطفل، فرأيت شارع رمسيس من أعلى مثيرا.. مثيرا للدرجة التى تجعلني لا أشعر إطلاقا بالخطر.. فأفعل ما يفعله هذا الطفل.
ناصية شارعى ألفى وتوفيق..
دكان قديم، تباع فيه الأدوات المنزلية..
عطوة عبدالعال يرفع قامته النحيلة وينفض بكفيه المتسختين جلبابه الرث، بعد أن ملأ قفته الكبيرة بالقش الذهبى اللون، الذى كان يغطى أقفاص الصينى والفخار والألومنيوم، ثم قال لصاحب المحل وهو يضع يده فى جيب الصديرى من فتحة الجلباب:
بكام يا حاج؟
نص ريال يا عطوة.
شلن بس يا حاج.. ده أنا ريحتك منهم. كانوا زاحمين الدكان وموسخينه.
عشرة صاغ يا عطوة يا ترجعهم مكانهم..
شلن يا حاج.. والله ما معايا غير شلن تانى حاجيب منه دخان واركب الترامواى..
خلاص يا عطوة حطهم مكانهم وبكرة هات نص ريال وتعالى خدهم..
بلاش يا سيدى.. أنت حر..
وبدأ عطوة يتظاهر بأنه سيفرغ القش من القفة.. بل إنه نثر منها فعلا جانبا غير قليل فى أرضية الدكان.
وسكت الحاج برهة حتى يتأكد من أن عطوة سيفرغ القفة حقيقة.. ولما رأى القش يتدلى من جانبها المائل صاح قائلا:
شيل يا عطوة، والمرة الجاية تجيب الشلن التانى..
بعد دقائق كان عطوة يحمل قفته على رأسه منتفخة بالقش الذى برز منها إلى أعلى بما يعادل ارتفاعها مرة ونصف.. وقد بدا عطوة شديد الضآلة تحت قفته.. ولو لم يكن يتحرك لما لاحظ أحد وجوده على الإطلاق.. وخرج عطوة بقفته من شارع ألفى إلى شارع رمسيس فى طريقه إلى بولاق..
* * *
موكب الرئيس لم يمر بعد فى شارع رمسيس.
بين الحين والحين يخترق صمت الشارع موتوسيكل شديد الثقة بنفسه.. وبعد فترة يمر موتوسيكل آخر، فيتحرك الناس فى أماكنهم بقلق، قلق يصنعه الفضول.. ويمدون رءوسهم إلى الأمام..
عطوة يرفع رأسه ليحدق فى ظهور الناس التى تواجهه.. فتميل القفة إلى الوراء..
إيه ده يا أخ..
عطوة يسأل:
الريس حايفوت دلوقت.. عاوز تشوفه حط البلوة اللى على راسك دى فى حتة وتعال..
لكن عطوة لم يضع القفة، بل أسندها بذراعيه، وانحرف إلى اليسار فى شارع رمسيس، وسار بجوار الحائط خلف الصفوف.
الفراغ الذى تتركه الصفوف خلفها صغير وما تكاد قفة عطوة تدخل فى مكان.. وعطوة تحتها.. حتى يدفعه الناس إلى مكان آخر..
ويمتلئ وجه عطوة تحت قفته بالأسف الشديد عشرات المرات.. ويتوسل بعينيه الضيقتين للوجه الغاضب الذى يطل عليه:
معلهش يا أخ.. لا مؤاخذة.. أصلى عاوز أروح بولاق.
ثم يستدير ويسير إلى مكان آخر..
* * *
كنت أروح جيئة وذهابا فى حدود الفراغ الذى أقف فيه خلف الصفوف.. وكان يقف فى منتصف هذا الفراغ، رجل.. فى منتصفه بالضبط.. رجل يرتدى بذلة كحلى غامقة وكرافتة صفراء، وحذاء أسود من الجلد اللميع.. يقف كأنه تمثال.. يداه فى جيوبه ورقبته ممطوطة، ووجهه ممدود إلى الأمام.. إلى الطريق.. وشعره نائم على رأسه بشدة.. لم يكن يتحرك أبدا، فكنت أضطر للدوران حوله وأنا أروح وأجىء..
فجأة.. وجدت قفة القش تحجب هذا الرجل عن عينى.. وفى نفس اللحظة ارتفعت صيحة:
حاسب يا حمار..
كانت القفة قد اصطدمت برأس الرجل.. وكان شعره الذى ينام بشدة على رأسه قد وقف بتأثير الصدمة، فاكتشفت أن الرجل يمشط شعره بالصابون، وأن من المستحيل أن ينام شعره الآن إلا إذا بلله بالماء..
بس ما تقولش يا حمار..
وكان وجه الرجل الجامد قد تحول إلى شعلة من الغضب، فصرخ فى وجه عطوة:
امش روح بعيد يا حيوان..
ومالت القفة إلى الوراء وعطوة يرفع وجهه من تحتها إلى الرجل ويقول:
جرى إيه يا فندى.. ما تخليك مؤدب امال!..
أخلينى مؤدب..
صرخ الرجل المنكوش الشعر فى دهشة.. ثم رفع يده وهوى بها على وجه عطوة الممدود إليه.
اهتزت القفة.. أربد وجه عطوة واحتبس الكلام فى حلقه.. أسند القفة بذراعيه واندفع إلى حائط البيت وأنزل القفة إلى الأرض، ثم قفز وأطبق على عنق الرجل..
فى هذه اللحظة الخاطفة حدثت المعجزة..
انطلقت صرخة رعب حادة من سقف البيت وسقط الطفل فى قفة القش..
* * *
لَم يشعر أحد بما حدث..
الجلباب الرث الذى يلبسه عطوة، كان قد اختلط بالبذلة الزرقاء الغامقة التى يلبسها الرجل.. وقد التحم الاثنان وراح كل منهما يكيل للآخر اللكمات..
الصفوف الأولى ظلت عيونها مشدودة إلى أسفلت شارع رمسيس، وبعض الناس من المجموعات الخلفية تدخلوا ليفضوا الشجار..
الصرخة الرفيعة التى أطلقها الطفل، ضاعت وسط أزيز الموتوسيكلات..
لم يشعر أحد بالطفل وهو يسقط جالسا فوق القش.. كان وجهه شديد الشحوب، وقد ظل دقيقتين ساكنا لا يتحرك.. ثم تلمس القش بيديه ونظر حوله فى سرعة، ثم قفز من القفة إلى الأرض، وانطلق جاريا إلى باب البيت الذى سقط منه، وهو ينفض القش عن بنطلونه الأسود القصير..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.