بالأسماء.. 21 مواطنًا يتنازلون عن الجنسية المصرية (جريدة رسمية)    شملت إنشاء كليات جديدة.. تعرف على أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة    مدبولي يوجه الوزراء بتحويل اتفاقيات مصر والأردن إلى خطط وبرامج واقعية    محافظ مطروح يعتمد المرحلة الثالثة لتنسيق القبول بمدارس التعليم الثانوي الفني    تصل ل10 آلاف جنيه.. الحكومة توافق على غرامة قيادة مركب دون ترخيص    محافظ كفر الشيخ يلتقي رؤساء المراكز والمدن الجدد: حل مشاكل المواطنين أولوية    الزراعة تبدأ السبت حملة تحصين ضد العترة الجديدة للحمى القلاعية    خطة وزارة البيئة لمواجهة "السحابة السوداء"    وزيرا خارجية مصر والسعودية يؤكدان رفضهما لقرار إسرائيل باحتلال كامل قطاع غزة    مجلس الوزراء يستهل اجتماعه بدقيقة حدادا على روح الدكتور علي المصيلحي    رغم الخلاف مع نتنياهو.. رئيس الأركان الاسرائيلي يصدق على الأفكار الرئيسية لاحتلال غزة    أنباء تعيينه أثارت جدلا.. من هو «حليلة» المرشح لإدارة قطاع غزة في «اليوم التالي»؟    على طريقة زيزو.. الأهلي يخطف لاعبة يد الزمالك    بشرط رحيل لاعبه للدوري التركي.. مانشستر سيتي يتطلع لصفقة جديدة    عارضة أزياء عن أسطورة ريال مدريد السابق: «لا يستحم».. ونجم كرة القدم: انتهازية (تفاصيل)    المصري يختتم تدريباته لملاقاة طلائع الجيش في الدوري    نور وغزل تحرزان ذهبية تتابع ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 سنة بالإسكندرية    «أتعرض لحملة تشويه».. الشناوي يوجه رسالة حادة ل مسؤول الأهلي (إعلامي يكشف)    بعقارات وسيارات.. ضبط عنصر إجرامي لقيامه بغسل 60 مليون جنيه من تجارة المخدرات    3 أيام من البحث.. انتشال جثة مندوب أدوية غرق بعد انقلاب سيارته في ترعة بسوهاج    "المتحدة" تطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    فكك 6 شبكات تجسس.. قصة خداع «ثعلب المخابرات المصرية» سمير الإسكندراني للموساد الاسرائيلي    في وداع صنع الله إبراهيم.. تفاصيل مسرحية تمنى نور الشريف تقديمها للمبدع الراحل    الذكاء الاصطناعى نقاشات حول تحيُّز الخوارزميات ومستقبل الفتوى الرقمية في الجلسة العلمية الثالثة لمؤتمر الإفتاء العالمي    ليلى زاهر تشارك جمهورها ذكريات الأسبوع الماضي (صور وفيديو)    أكاديمية الفنون تكشف عن موعد انطلاق «مهرجان مسرح العرائس».. بالتفاصيل    ذوقهم حلو أوي.. ما هي الأبراج الأنيقة «الشيك»؟    «مصر وطني الثاني».. راغب علامة ينهي أزمته مع نقابة الموسيقيين بعد لقاء مصطفى كامل    هل يقام حد السرقة على أحد الزوجين إذا سرق من مال صاحبه؟.. عالم أزهري يجيب    أعالج من مرض نفسي فهل يجب إخبار خطيبتي بذلك؟.. الإفتاء تنصح    بشروط صارمة.. «الإدارة الروحية الإسلامية» بروسيا يُجيز استخدام حقن «البوتوكس»    أوقاف سوهاج تختتم فعاليات الأسبوع الثقافى بمسجد الحق    بسبب «الجبنة».. عدوى بكتيرية في فرنسا تتسبب في وفاة شخصين وتُصيب 19 آخرين    رئيس التأمين الصحي يستعرض مؤشرات الأداء ويوجه بتعزيز كفاءة الخدمات الطبية بالفروع    أكاديمية الفنون تعلن انطلاق فعاليات مهرجان مسرح العرائس في أكتوبر    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يتفقد اختبارات الدارسين الخاتمين برواق القرآن    "قيد الإعداد".. الخارجية الأمريكية تقترب من تصنيف الاخوان منظمة إرهابية    وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط في 2025    إنهاء إجراءات فتح حساب بنكى لطفلة مريضة بضمور النخاع الشوكى بعد تدخل المحافظ    جهاز تنمية المشروعات وبنك القاهرة يوقعان عقدين جديدين بقيمة 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    نهضة العذراء بسخا.. الأنبا إرميا يتأمل في حياة القديس يوسف النجار    سحب 810 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويتخذ إجراءات فورية لتحسين الخدمات    المشاط: العلاقات المصرية الأردنية تحظى بدعم مباشر من قيادتي البلدين لتحقيق التكامل الاقتصادي    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    آخرهم حسام البدري.. 5 مدربين مصريين حصدوا لقب الدوري الليبي عبر التاريخ    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    وزير التعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    مدبولى يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    وزير الري يتابع المشروعات التنموية في سيناء    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    غدًا آخر فرصة لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 ضمن الطرح الثاني ل«سكن لكل المصريين 7» (تفاصيل)    البيضاء تواصل التراجع، أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 13-8-2028 بالفيوم    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صبري موسى: شيء ما على رأس رجل
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 02 - 2010


فى السماء نهار دافئ..
زرقة صافية تميل إلى البياض..
تحت السماء طفل على حافة حائط.. طفل فى السادسة يرتدى شورتا أسود متسخا..
يكاد يلمس أرض السطح بقدميه الدقيقتين.. بطنه نائمة على سور السطح، ورأسه مدلى من أعلى العمارة إلى شارع رمسيس..
شارع رمسيس من أعلى شكله مثير وعلى رصيفى الشارع خطان أبيضان من رجال البوليس وراءهما مئات الرءوس المختلفة الأشكال والأحجام تتزاحم وتمتد لتحدق فى أسفلت الشارع الخالى المهيأ لمرور ركب الرئيس..
صفوف الناس وراء الجنود ثابتة حتى تصل إلى الصف الثانى فيتحول الزحام إلى مجموعات صغيرة.. اكتشفت كل مجموعة منفذا لعيونها فكفت عن الحركة لتحافظ عليه إلى أن يمر ركب الرئيس.. وتراه..
بين كل مجموعة ومجموعة فراغ، وأنا واقف فى واحد من هذه الفراغات..
فى السماء فوقى نهار دافئ. وتحت السماء سطح العمارة التى أقف أمامها..
العمارة من أربعة أدوار، وللسطح سور منخفض على حافته الطفل الذى فى السادسة يدلى رأسه..
تصورت نفسى مكان هذا الطفل، فرأيت شارع رمسيس من أعلى مثيرا.. مثيرا للدرجة التى تجعلني لا أشعر إطلاقا بالخطر.. فأفعل ما يفعله هذا الطفل.
ناصية شارعى ألفى وتوفيق..
دكان قديم، تباع فيه الأدوات المنزلية..
عطوة عبدالعال يرفع قامته النحيلة وينفض بكفيه المتسختين جلبابه الرث، بعد أن ملأ قفته الكبيرة بالقش الذهبى اللون، الذى كان يغطى أقفاص الصينى والفخار والألومنيوم، ثم قال لصاحب المحل وهو يضع يده فى جيب الصديرى من فتحة الجلباب:
بكام يا حاج؟
نص ريال يا عطوة.
شلن بس يا حاج.. ده أنا ريحتك منهم. كانوا زاحمين الدكان وموسخينه.
عشرة صاغ يا عطوة يا ترجعهم مكانهم..
شلن يا حاج.. والله ما معايا غير شلن تانى حاجيب منه دخان واركب الترامواى..
خلاص يا عطوة حطهم مكانهم وبكرة هات نص ريال وتعالى خدهم..
بلاش يا سيدى.. أنت حر..
وبدأ عطوة يتظاهر بأنه سيفرغ القش من القفة.. بل إنه نثر منها فعلا جانبا غير قليل فى أرضية الدكان.
وسكت الحاج برهة حتى يتأكد من أن عطوة سيفرغ القفة حقيقة.. ولما رأى القش يتدلى من جانبها المائل صاح قائلا:
شيل يا عطوة، والمرة الجاية تجيب الشلن التانى..
بعد دقائق كان عطوة يحمل قفته على رأسه منتفخة بالقش الذى برز منها إلى أعلى بما يعادل ارتفاعها مرة ونصف.. وقد بدا عطوة شديد الضآلة تحت قفته.. ولو لم يكن يتحرك لما لاحظ أحد وجوده على الإطلاق.. وخرج عطوة بقفته من شارع ألفى إلى شارع رمسيس فى طريقه إلى بولاق..
* * *
موكب الرئيس لم يمر بعد فى شارع رمسيس.
بين الحين والحين يخترق صمت الشارع موتوسيكل شديد الثقة بنفسه.. وبعد فترة يمر موتوسيكل آخر، فيتحرك الناس فى أماكنهم بقلق، قلق يصنعه الفضول.. ويمدون رءوسهم إلى الأمام..
عطوة يرفع رأسه ليحدق فى ظهور الناس التى تواجهه.. فتميل القفة إلى الوراء..
إيه ده يا أخ..
عطوة يسأل:
الريس حايفوت دلوقت.. عاوز تشوفه حط البلوة اللى على راسك دى فى حتة وتعال..
لكن عطوة لم يضع القفة، بل أسندها بذراعيه، وانحرف إلى اليسار فى شارع رمسيس، وسار بجوار الحائط خلف الصفوف.
الفراغ الذى تتركه الصفوف خلفها صغير وما تكاد قفة عطوة تدخل فى مكان.. وعطوة تحتها.. حتى يدفعه الناس إلى مكان آخر..
ويمتلئ وجه عطوة تحت قفته بالأسف الشديد عشرات المرات.. ويتوسل بعينيه الضيقتين للوجه الغاضب الذى يطل عليه:
معلهش يا أخ.. لا مؤاخذة.. أصلى عاوز أروح بولاق.
ثم يستدير ويسير إلى مكان آخر..
* * *
كنت أروح جيئة وذهابا فى حدود الفراغ الذى أقف فيه خلف الصفوف.. وكان يقف فى منتصف هذا الفراغ، رجل.. فى منتصفه بالضبط.. رجل يرتدى بذلة كحلى غامقة وكرافتة صفراء، وحذاء أسود من الجلد اللميع.. يقف كأنه تمثال.. يداه فى جيوبه ورقبته ممطوطة، ووجهه ممدود إلى الأمام.. إلى الطريق.. وشعره نائم على رأسه بشدة.. لم يكن يتحرك أبدا، فكنت أضطر للدوران حوله وأنا أروح وأجىء..
فجأة.. وجدت قفة القش تحجب هذا الرجل عن عينى.. وفى نفس اللحظة ارتفعت صيحة:
حاسب يا حمار..
كانت القفة قد اصطدمت برأس الرجل.. وكان شعره الذى ينام بشدة على رأسه قد وقف بتأثير الصدمة، فاكتشفت أن الرجل يمشط شعره بالصابون، وأن من المستحيل أن ينام شعره الآن إلا إذا بلله بالماء..
بس ما تقولش يا حمار..
وكان وجه الرجل الجامد قد تحول إلى شعلة من الغضب، فصرخ فى وجه عطوة:
امش روح بعيد يا حيوان..
ومالت القفة إلى الوراء وعطوة يرفع وجهه من تحتها إلى الرجل ويقول:
جرى إيه يا فندى.. ما تخليك مؤدب امال!..
أخلينى مؤدب..
صرخ الرجل المنكوش الشعر فى دهشة.. ثم رفع يده وهوى بها على وجه عطوة الممدود إليه.
اهتزت القفة.. أربد وجه عطوة واحتبس الكلام فى حلقه.. أسند القفة بذراعيه واندفع إلى حائط البيت وأنزل القفة إلى الأرض، ثم قفز وأطبق على عنق الرجل..
فى هذه اللحظة الخاطفة حدثت المعجزة..
انطلقت صرخة رعب حادة من سقف البيت وسقط الطفل فى قفة القش..
* * *
لَم يشعر أحد بما حدث..
الجلباب الرث الذى يلبسه عطوة، كان قد اختلط بالبذلة الزرقاء الغامقة التى يلبسها الرجل.. وقد التحم الاثنان وراح كل منهما يكيل للآخر اللكمات..
الصفوف الأولى ظلت عيونها مشدودة إلى أسفلت شارع رمسيس، وبعض الناس من المجموعات الخلفية تدخلوا ليفضوا الشجار..
الصرخة الرفيعة التى أطلقها الطفل، ضاعت وسط أزيز الموتوسيكلات..
لم يشعر أحد بالطفل وهو يسقط جالسا فوق القش.. كان وجهه شديد الشحوب، وقد ظل دقيقتين ساكنا لا يتحرك.. ثم تلمس القش بيديه ونظر حوله فى سرعة، ثم قفز من القفة إلى الأرض، وانطلق جاريا إلى باب البيت الذى سقط منه، وهو ينفض القش عن بنطلونه الأسود القصير..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.