أداء متباين بمؤشرات البورصة عند إغلاق تعاملات اليوم    وزير الإسكان يوجه بتكثيف أعمال تنفيذ وحدات سكن لكل المصريين    صحة غزة: 1500 طفل ينتظرون الإجلاء الطبي و42% من الحوامل يعانين من فقر الدم    إحدى ضحايا جيفرى إبستين: جعلنى أتحدث لسياسيين وأمراء وشخصيات مهمة    عاجل مدرب زيمبابوي: لدينا حظوظ قوية أمام المنتخب المصري وأتوقع نتيجة إيجابية    كشف ملابسات تضرر شخص من قائد دراجة نارية وآخر حولا سرقة هاتفه المحمول وسيارته بالقاهرة    مصرع ممرضة صدمها قطار خلال عبورها شريط السكة الحديد بالقليوبية    وزارة السياحة والآثار تنفي تحرير محاضر ضد الصحفيين    جولة مفاجئة لوزير الثقافة ومحافظ القاهرة بقصر ثقافة عين حلوان    «التخطيط» تترأس اجتماعًا تحضيريًا للجنة المصرية – الأرمينية المشتركة للتعاون الاقتصادي    رئيس جامعة بني سويف: 76 ألف طالبًا يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الأول    «الشيوخ» يوافق على مشروع تعديل بعض أحكام قانون الكهرباء من حيث المبدأ    القاهرة الإخبارية: تخوف إسرائيلي من اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب نهاية الشهر الحالي    اقتصادي: انعقاد منتدى الشراكة الروسية الإفريقية بالقاهرة يؤكد الدور المصري في دعم التنمية الاقتصادية للقارة السمراء    برلمانية المؤتمر: تعديلات قانون الكهرباء خطوة ضرورية لحماية المرفق    تردد القنوات المجانية الناقلة لبطولة كأس أمم أفريقيا 2025 .. اعرف التفاصيل    سبورتنج يعلن قائمة مواجهة الأهلي اليوم فى كأس السوبر المصري لسيدات السلة    محافظ أسيوط: استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية    محافظ القاهرة: تصدر العاصمة مدن أفريقيا الأكثر تأثيرًا يمثل تكليفًا لجهود الدولة    160 مليار جنيه لدعم التموين في 2025.. «كاري أون» أكبر سلسلة تجارية حكومية تنطلق لتطوير الأسواق وتأمين الغذاء    البحيرة.. ضبط 3 محطات وقود بالدلنجات لتجميعها وتصرفها في 47 ألف لتر مواد بترولية    مصرع شخصين وإصابة ثالث إثر انقلاب سيارة أعلى كوبري أكتوبر بالشرابية    حبس عاطل 4 أيام بعد ضبطه بحوزته 20 فرش حشيش بالجيزة    نائب وزير الإسكان يستقبل مسئولي إحدى الشركات التركية لبحث فرص التعاون في مشروعات المياه والصرف الصحي    تصاريح الحفر لمد الغاز بقرى «حياة كريمة» وخطة لتوصيل الخدمة ل6 مناطق سكنية في 2025    الأقصر تتلألأ في يوم الانقلاب الشتوي.. الشمس تتعامد على مقصورة قدس الأقداس بمعابد الكرنك في مشهد فلكي ومعماري مدهش    أجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع.. حفلات ليالي الفن تضيء العام الجديد    9 آلاف حالة حرجة في عام واحد.. مستشفيات جامعة بني سويف تسجل طفرة غير مسبوقة في الرعايات المركزة خلال 2025    «المصدر» تنشر نتيجة الدوائر الملغاة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب    حيماد عبدلي: منتخب الجزائر يسعى للذهاب بعيدًا ببطولة أمم أفريقيا    تاريخ من الذهب.. كاف يستعرض إنجازات منتخب مصر فى أمم أفريقيا    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    الصحة: إغلاق 11 مركزًا خاصًا للنساء والتوليد ب5 محافظات لمخالفتها شروط الترخيص    أبرز المسلسلات المؤجلة بعد رمضان 2026.. غادة عبد الرازق ونور النبوي في الصدارة    ليلة استثنائية في مهرجان القاهرة للفيلم القصير: تكريم عبير عواد واحتفاء بمسيرة عباس صابر    «الرعاية الصحية» تطلق حملة للمتابعة المنزلية مجانا لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن    من مصر منارةً للقرآن إلى العالم... «دولة التلاوة» مشروع وعي يحيي الهوية ويواجه التطرف    د.حماد عبدالله يكتب: "اَلَسَلاَم عَلَي سَيِدِ اَلَخْلقُ "!!    تكريم لمسيرة نضالية ملهمة.. دورة عربية لتأهيل الشباب في حقوق الإنسان تحمل اسم محمد فايق    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 21ديسمبر 2025 فى المنيا    رئيس جامعة الازهر يوضح بلاغة التعريف والتنكير في الدعاء القرآني والنبوي    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 3 ملايين جنيه    انطلاق الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تعديلات قانون الكهرباء    "مركز المعلومات": حاجز التجارة العالمية سيتجاوز 35 تريليون دولار للمرة الأولى فى 2025    وزارة التموين تطلق قافلة مساعدات جديدة بحمولة 1766 طنًا لدعم غزة    الري تتابع إيراد النيل.. تشغيل السد العالي وإدارة مرنة للمياه استعدادًا للسيول    المقاولون العرب يعلن تعيين علي خليل مستشارًا فنيًا لقطاع الناشئين    إصابة 14 عاملا فى حادث انقلاب أتوبيس بالشرقية    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    مواعيد مباريات اليوم الأحد 21-12- 2025 والقنوات الناقلة لها | افتتاح أمم إفريقيا    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    عضو بالأرصاد: أجواء مستقرة ودرجات حرارة طبيعية خلال الأسبوع الجاري    علاء نبيل: حذرت أبو ريدة من الصدام بين طولان وحسام حسن قبل كأس العرب    ندوة بمعرض جدة للكتاب تكشف «أسرار السرد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزواج من المغتصبة لا يلغي العقوبة
نشر في الشروق الجديد يوم 30 - 05 - 2022

نعود مرة أخرى للمساحة الضبابية، للظل الذى يولد من النور ثم ينكره ليطل علينا فى رداء رمادى حاجبا الرؤية والتفاصيل والأهم حاجبا عنا الأفق.
نعود إلى بيع كرامة الإناث تحت زيف السُترة، وتحت وطأة ثقافة تجد من يُشعل فتيلها ليُبقيها حية ويُبقى الإناث هشة مغبونة. نعود إلى ما قبل عام 1999 حين تكللت جهود مخلصين ومخلصات بإقرار قانون يجرم الاغتصاب ويلغى الإعفاء من العقوبة فى حالة الزواج من المغتصبة. أُعتبر هذا الإلغاء حينها إنجازا بينا وإحقاقا للعدالة. بادرت مصر آنذاك بإلغاء تزويج المغتصبة للإفلات من العقاب ولحقتها بعد أعوام عدة دول المغرب ولبنان والأردن وفلسطين وتونس.
لكننا استيقظنا لنجد إعلانا عن مصالحة قيد الاتفاق لتحويل جريمة اغتصاب وخطف فتاة مطروح القاصر إلى زواج بعقد عرفى تعيدنا مرة أخرى لخطر التضحية بتفعيل القانون مهادنة لممارسات موروثة تهدر جهودا متفانية تعاونت فيها مؤسسات الدولة والمنظمات الأهلية لحفظ كرامة وأمن نساء مصر، فالقضية المنظورة أمام الدائرة الثانية بمحكمة جنايات مطروح والتى ثبتت فيها التهمة وفقا لاعتراف المتهم وشهادة الشهود وتقرير الطب الشرعى، قد تتناثر أوراقها بموجب ورقة الزواج العرفى المدعومة باتفاقات مالية ذُكر أنها قد تبلغ 900 ألف جنيه.
• • •
تُطلق العودة إلى التراث العرفى عِوضا عن إعمال القانون أسئلة بوزن القنابل عن: جدوى القانون إذا كانت الأعراف مازالت هى المعتمدة كقاطرة للعدالة؟ عن الجرائم سهلة الغُسل التى ينتفض عنها الجرم بموجب ورقة وشهود؟
تفجر القضية سؤالا كبيرا حول أمن النساء سهل المنال وأمن الطرقات خاصة فى المناطق النائية وعلى أطراف المدن، تبعث القضية بسؤال عن الخوف الذى ينتشر بين الأسر وبين النساء خاصة، عن الطرق التى لا تسير بنا للمستقبل بل التى تشغلنا بانتظار الخطر وتوقعه ومحاولة تجنبه، ترسل القضية ذاتها برسالة تحريض للآباء لبناء مزيد من الجدران حول بناتهن.
يتعارض الصلح المزمع مع نص المادة (80) من دستور عام 2014، والتى تقر بالتزام الدولة بحماية الطفل دون سن الثامنة عشرة عاما من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى. والسؤال: على من تقع مسئولية حماية تلك الطفلة إعمالا للنص «التزام الدولة بحماية الطفل»؟
يكشف نص الخبر المنشور بجريدة الشروق بتاريخ 26 مايو عن تدخل المحكمة للصلح عوضا عن تجريم الاغتصاب (حكمت محكمة جنايات مطروح، اليوم، برئاسة المستشار بلال أبوالسعود بتأجيل النطق بالحكم فى قضية خطف واغتصاب قاصر، لجلسة 18 يونيو المقبل، على أن يتم التوافق بين الطرفين بالتصالح بشرط عقد زواج وشبكة ومهر يبلغ 900 ألف جنيه. وتبين للمحكمة حضور المجنى عليها وولى أمرها بالجلسة المنعقدة، وناقشت المجنى عليها بحضور والديها؛ من أجل التنازل والصلح والعدول عن الأقوال الثابتة بأوراق القضية).
وبافتراض أن جريدة الشروق تحرت الدقة فى نشر الخبر السابق، فإن الخبر يصنع فى صيغته المذكورة ارتباكا حول إعمال قانون الدولة ويدفعنا للبحث عن العلاقة بين القضاء الرسمى والقضاء العرفى؟ يوضح المفكر المصرى نبيل عبدالفتاح فى دراسة بعنوان (القانون العرفى ومجالس الصلح والطائفية) عام 2016، أن الأحكام العرفية، تستند إلى وجود بعض القواعد العرفية التى تراكمت وشكلت عُرفا بات سائدا. ويؤكد فقهاء القانون أن العرف كمصدر تاريخى ظل مستمرا فى إطار ثنائية قانونية وقضائية سادت بين النظم والقواعد والآليات الرسمية، واللارسمية. الأمر الذى قُدر بأنه أحد أكبر الأعطاب الماسة بسيادة القانون، فى إطار الدولة الحديثة، وتُشكل العودة إليها خاصة فيما يمس بحقوق الإنسان وصون كرامته ومواطنته تراجعا عن القيم السياسية والدستورية التى تضمنها دستور مصر.
• • •
تتحمل الفجوات بين بعض المنظومات القانونية الرسمية، وبين الواقع الاقتصادى والاجتماعى والثقافى السائد فى البلاد بعضا من المسئولية فى استمرار العمل بالأحكام العرفية.
كما يُحمل وزر الانتقال المنقوص للحداثة قدرا من المسئولية أيضا، فالنص القاضى بتزويج ناجية الاغتصاب من مغتصبها يعود بأصوله للقانون الجزائى العثمانى المستمد من قانون العقوبات الفرنسى، لكن المحتل القديم الذى غادرنا قبل ما يزيد على مائتى عام مازال حاضرا بنصوص صدئة ما ننفك نتحرر منها لنجد من يعيد إحكامها. تؤكد الباحثة ساندى باردسلى فى كتابها «أدوار النساء فى العصور الوسطى» والصادر عام 2007، أن النص الفرنسى العتيق إنما يعود للقرون الوسطى. ورغم إقرار نص قانونى يجرم الاغتصاب عام 1999، فالقضية الراهنة تؤكد أن الاتجاه لتزويج المغتصبة مازال قائما وبقوة فى الثقافة الراهنة ولا تتبناه فقط الأسر المعنية بل وأيضا بعض المعنيين بتفعيل القوانين.
لا تدفع معاجلة تزويج المغتصبة بالمجرم إلى تعزيز الإباحة، بل وإلى الترويج للخطف والاغتصاب الذى يكافئ بالزواج عوضا عن الحبس، كما تُقوض تلك المعالجة من أسس مواطنة النساء وتطعن كرامتهن ليبدو التعدى والاغتصاب كأفعال قابلة للتمرير بسند ثقافى وقانونى، بدون الانشغال بمستقبل المغتصبة وصحتها النفسية والبدنية وعلاقتها التى انتفت للأبد بالأمان، خَسرت تلك الطفلة أمانها الشخصى وأغلب الظن سيتوقف تعليمها وستتجمد علاقتها بالحياة لدى حادثة الاغتصاب.
نحن بحاجة إلى مراجعة قانونية شاملة فى ضوء المتغيرات الراهنة، فى ضوء سعى الدولة إلى تعزيز مواطنة متساوية تحفظ أمن وكرامة الجميع بدون تمييز، نحن بحاجة إلى البحث عن الأسباب الموضوعية التى تُعزز بقاء تلك الممارسات وتقاوم فرص تغييرها، نحن بحاجة إلى إشراك الجميع فى عملية تطوير القوانين ليتبناها المجتمع بكل شرائحه فلا تهبط عليه من أعلى، فبدون حوار مجتمعى جاد لن تَنفذ القوانين إلى قلب المجتمع وعقله وستظل غريبة عنه يقاومها كلما تجلت فرصة سانحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.