في خطوة طال انتظارها، قررت الحكومة الأردنية إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني التي كانت مثار جدل لسنوات، حيث كانت هذه المادة تمنح الجاني في جرائم الاغتصاب فرصة الإفلات من العقاب. وقد تعالت الأصوات المطالبة بإلغاء الأحكام المخفّفة في مثل هذا النوع من الجرائم، والتي تم تطبيقها على المعتدي في جميع الحالات، بما في ذلك تزويج المغتصِب بالمغتصَبة. وكانت المادة 308 محل انتقاد، إذ كانت تنص على أنه يمكن "إعفاء الرّجل من الملاحقة في جرم الاغتصاب أو هتك العرض أو الخطف للزّواج أو ما شابه، في حال انتهت الواقعة بزواجه من الفتاة التي اغتصبها". وقد أسهم تطبيقها في زيادة ارتكاب جرائم الشرف، حسب بعض المنظمات الحقوقية الدولية، باعتبار أن الجاني كان يفلت من العقاب في حالة زواجه بالضحية. ويأتي هذا القرار الأردني بعد مصادقة البرلمان التونسي، الأسبوع الماضي، على قانون يجرم العنف ضد المرأة، بعد جلسات صاخبة وجدل بين الأطياف السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بأغلبية الحاضرين. وبدأت مناقشة فصول القانون التونسي، وعددها 43، منذ فبراير الماضي، لدى لجنة الحقوق والحريات، قبل أن يحال إلى الجلسات العامة للبرلمان منذ أسبوع. وقبل جلسة المصادقة، دار نقاش حاد بين النواب بشأن تحديد سن الأهلية الجنسية للفتاة، ليتم في النهاية التوافق حول سن 16 عاما بدل 13 عاما، حيث صرحت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة، نزيهة العبيدي، عقب المصادقة لوكالة الأنباء الألمانية، بأن القانون تاريخي وسيحفظ للمرأة كما الرجل كرامتهما. وفي مقارنة بين القانون الأردني والتونسي، أكدت الناشطة النسوية الأردنية، سلمى النمس، في حوار مع قناة DW عربية، أن القانون الأردني يختلف عن نظيره التونسي فى أمور عديدة، لعل أهمها أن الأخير يؤكد حق المواقعة للأنثى برضاها إن بلغت السادسة عشرة من عمرها، بينما يخلو القانون الأردني من نصوص مشابهة. وأكدت "النمس" أن خطورة هذا القانون فى تحديد القاصر بأنها الفتاة التي لم تبلغ السادسة عشرة بعد، بينما يؤكد القانون الأردني أن القاصر هي كل من لم تبلغ سن الثامنة عشرة من عمرها، وهى السن التى يسمح القانون الأردني فيها للفتاة بالزواج. وتضمن القانون التونسي كذلك تشديد العقوبات في قضايا الاغتصاب وإسقاط حق تزويج المغتصب بضحيته، وتجريم العنف الأسري ضد المرأة، بما في ذلك جريمة الاغتصاب من قبل الزوج، ويفرض عقوبات وخطايا مالية كذلك ضد المتحرشين بالمرأة في الأماكن العامة. من جهتها، تعتبر الناشطة الحقوقية في شئون المرأة، أمل جبر الأطرش، "أن هذا القرار المهم جاء نتاج سنوات طويلة من النضال من أجل إنصاف المرأة في الأردن". وأضافت الناشطة الأردنية أن "القرار بالرغم من أهميته، فإنه ما زال يضم نواقص عديدة، حيث إنه لا ينصف المرأة المغتصبة الحامل، ولا يلزم المغتصب بالنفقة المترتبة عن رعاية الطفل". كما عبرت الناشطة الحقوقية عن أملها في أن يشكل القانون الجديد أداة رادعة ويحُد من أعداد حالات الاغتصاب المرتفعة بالمجتمع، والتي كان المغتصب يكافئ عليها من خلال زواجه بالضحية . ووفقا لوكالة الأنباء الأردنية "بترا"، أكد رئيس الوزراء الأردني، هاني الملقي، أمام المجلس أن "الحكومة ملتزمة بموقفها بإلغاء المادة 308، لتعزيز حماية الأسرة الأردنية باعتبارها اللبنة الأساسية لمجتمع قوي ومتماسك"، مشيرا إلى أن "المادة تمس القواعد المفصلية التي تشكل المجتمع المبني على قيم العدالة". وكانت هذه المادة قبل إلغائها تعفي الجاني في جرائم الاغتصاب وهتك العرض والخطف من العقوبة في حال زواجه زواجًا صحيحًا من الضحية، على أن "يستمر الزواج في حالات الاغتصاب خمسة أعوام، بعد ارتكاب الجناية أو ثلاثة بعد ارتكاب الجنحة". وتقول أمل جبر الأطرش أنه من غير المعروف لماذا تم إدخال نص زواج المغتصب بالضحية في القانون الأردني وفي بقية الدول العربية، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن ذلك تم في الماضي بحسن نية من أجل حماية المرأة، ترى الناشطة الأردنية أنه هدف إلى "تشريع المشكلة من أجل التمكن من إيجاد اعتراف قانوني لها". وأكدت الناشطة الحقوقية أن المشرع اعتقد أنه يحمي المرأة، إلا أنه أساء إليها مرتين، أولا من خلال إلغاء معاقبة المغتصب، وثانيا من خلال تزويجها له، دون أخذ التأثيرات النفسية للحادث على الضحية بعين الاعتبار وحقها في الاختيار. من جهتها، أكدت الناشطة النسوية والحقوقية المغربية، خديجة الرياضي، في حوار مع DW عربية، أن تعديل أو إلغاء القوانين في الأردن وتونس وغيرها من البلاد العربية تساعد النساء والمشرعين في البلاد العربية الأخرى في تغيير القوانين الموجودة. وقالت الرياضي: "طالما اعتمدنا على التشريعات التونسية والمصرية من أجل إحداث تغييرات في القوانين المغربية". وتابعت الناشطة المغربية: "التغييرات التي تحدث في دول عربية مسلمة تساعدنا في مواجهة من يستخدمون الدين من أجل تكريس مفاهيم ذكورية، وذلك من خلال إيضاح أن دولا إسلامية أيضا قامت بالتغيير والتحديث لهذه القوانين". ووفقا ل"الرياضي"، فإن القانون المغربي يعاقب المغتصب بالسجن من 5 إلى 20 سنة. وكان المغرب قد ألغى في عام 2014 قانونا يوقف ملاحقة الجاني إذا تزوج بضحيته "القاصر"، وجاء التعديل عقب قيام الفتاة أمينة الفيلالي "16 عاما" بالانتحار، والتي تم إجبارها على الزواج من مغتصبها عام 2012. وفارقت أمينة الفيلالي الحياة بعد تجرعها سم الفئران، وهو ما أثار غضب الرأي العام داخل المغرب وخارجه. كما فتحت المأساة بابا واسعا أمام المنظمات الحقوقية والنسائية للمطالبة بتغيير بعض فصول القانون الجنائي المغربي، ومن بينها الفصل الذي يتيح للمغتصب الزواج من ضحيته. وترى "الرياضي" أن القانون المغربي ما زال بحاجة إلى قطع أشواط كبيرة من أجل إنصاف المرأة، وتقول إن القوانين الحالية لا تحفظ للمرأة كرامتها، وتوضح "تضاعف عقوبة المغتصب مثلا إذا كانت المرأة متزوجة، بينما تكون العقوبة أقل إن كانت عزباء". وتابعت بالقول: "نلاحظ هنا أن العقوبة للرجل تتضاعف لتعديه على حقوق رجل آخر، وهو هنا الأساس وليس المرأة المغتصبة".