أسئلة كثيرة كانت تحتشد فى رءوسنا ونحن فى طريقنا إلى المهندس إبراهيم أبوزيد، رئيس هيئة السد العالى، والمسئول الأول عن مناسيب المياه التى تصل للسد والتصرفات اليومية للمياه وصيانة جسم السد وتشغيله وتطويره ومتابعة المتغيرات المحيطة به وتطوير منظومة التأمين الفنى للسد العالى، وإرسال البعثات العلمية للسودان لمتابعة حركة الإطماء والمراقبة الدورية لأعمال الأرصاد. وكان طبيعيا أن نبدأ حديثنا معه بسؤال حول العمر الافتراضى للسد، فقال: السد العالى هو روح مصر وبوابتها الرئيسية، وحاميها الأول من الفيضانات والجفاف.. السد ليس له عمر افتراضى لسبب بسيط، وهو أن الحكومة لا تنتظر حتى تفسد أجهزة أو تتآكل معدات فتقوم بتصليحها أو استبدالها، ولكنها تضع مسبقا خططا إستراتيجية لسيناريوهات انتهاء العمر الافتراضى للمعدات والآلات. ونقوم بتغييرها وتطويرها قبل أن تتلف. وأكبر دليل على ذلك أن جميع الأرصاد والمتابعات الدورية تؤكد أن السد فى كامل لياقته وشبابه، فضلا عن أن عمره الافتراضى يستحيل التكهن به إلا إذا استطعت وضع عمر افتراضى لجبل من الجرانيت. كيف رصدت المتابعات جسم السد العالى منذ اكتمال بنائه عام 1971؟ هناك متابعات تشمل الحركة الأفقية والرأسية وكفاءة الستارة المانعة للمياه وعجلة الموجات الزلزالية، وكل نتائج المتابعات تؤكد حتى هذه اللحظة أنها أقل تأثرا من الناحية التصميمية من المسموح به بنسبة 25% . وما هو عمل أجهزة الرصد والمتابعة؟ هذه الأجهزة لها برنامج يومى وأسبوعى وشهرى، وتنقسم بين الأرصاد المساحية الخاصة بأى حركة فى جسم السد العالى سواء رأسية أم أفقية، كما تشمل أعمال الرقابة داخل جسم السد لمجموعة البيزومترات، وهى عبارة عن مواسير فى عمق جسم السد تنتشر من الأمام والخلف وداخل ستارة الحقن الرئيسية، ومن خلالها نستطيع قياس درجة كفاءة الستارة المانعة لتسرب المياه أسفل جسم السد. وهل انخفاض كفاءة ستارة الحقن بنسبة 3% يشكل خطرا أو تهديدا لجسم السد نفسه؟ إذا قسنا هذه النسبة منذ إنشاء السد وحتى الآن لن تكون كبيرة على الإطلاق، بل بالعكس أكثر من ممتازة. وكل ما يهمنا فى هذا الصدد أن السد آمن وثابت ومتزن تماما. وماذا عن الأنباء التى تثار بين عام وآخر عن مشاركة خبراء أجانب، بينهم أمريكيين، لتدريب العاملين فى السد أو لعرض تصوراتهم عن تطويره؟ مصر التى أقامت خزان أسوان فى نهاية القرن التاسع عشر وأنهته فى بداية القرن العشرين، والتى أقامت خزانين فى أوغندا عام 39 وأقامت خزان جبل الأولياء جنوبالخرطوم بنحو 55 كم وأنشأت السد العالى، هى ذاتها التى تعتمد على الإدارة والإرادة المصرية، فالمهندس المصرى لديه خبرة واسعة بإنشاء السدود، ورغم ذلك يتحدث البعض عن زيارة خبراء إسرائيليين للسد، وهى الدولة التى ما أنشأت سدا قط، ولم تجرب إنشاء السدود.. بصراحة لا أعرف لماذا نقلل من أنفسنا رغم أننا منحنا الكثير من دول إفريقيا خبراتنا فى إنشاء السدود. وهل هناك احتمالات لإصابة السد العالى بشروخ مستقبلا؟ هذا الكلام غير علمى ولا يخضع للمنطق على الإطلاق؛ فقاعدة السد العالى أسفل سطح النيل طولها نحو كيلو متر كامل، ويبلغ ارتفاعه نحو 11 مترا فوق منسوب النيل وعرضه عند القمة 40 مترا، أما جسم السد نفسه فبنى من الجبال التى كانت تمتد حوله، من صخور جرانيتية مدعومة بالرخام ولا يمكن حدوث شروخ فيها على الإطلاق. أليس من الوارد أن تصاب الأنفاق الرئيسية فى السد بشروخ، وهو السبب الذى أنشئ من أجله مصنع الحقن؟ ليست شروخا، ولكنها عبارة عن تمدد الفواصل، وهو السبب الرئيسى فى إنشاء مصنع الحقن بجوار السد العالى عام 1970، وقد يرى بعض العاملين بالسد تلك الفواصل ويتصورون أنها شروخ حقيقية، وقد ذهب بعضهم إلى القول بأن هيئة السد العالى تسد الشروخ بالتبن وغيرها من المواد البدائية، لكن الحقيقة أنها فواصل يتم حقنها بمواد إسمنتية بشكل شبه دورى. هل ثمة خطورة من الإطماء على السد العالى أو بحيرة ناصر التى تعتبر خزان المياه وراء السد؟ نتابع ظاهرة الإطماء أولا بأول بشكل سنوى، من خلال تسيير بعثات مصرية سودانية إلى بحيرة ناصر فى كل من مصر والسودان، لدراسة حركة الإطماء ونوعية المياه والتربة ومدى زحف الكثبان الرملية على البحيرة وتأثرها بها، وبعودة البعثة الشهر الماضى من السودان تأكدنا أن حركة الإطماء لا تزال فى المعدلات الآمنة، ونسب الإطماء لا تكاد تذكر مقارنة بالقدرة الاستيعابية للبحيرة ككل. أما مدى اقتراب الطمى من السد العالى فلا تزال بعيدة بنحو 300 كم عن جسم السد، ما يعنى عدم خطورتها على جسم السد مطلقا. لكن هناك العديد من الدراسات التى قامت بها الحكومة لمعرفة مدى تأثير الطمى على بحيرة ناصر، والاستفادة من الطمى فى تحويله للأراضى الصحراوية؟ نعم هناك دراسات لكنها لم تنفذ، لأن تنفيذها يعتبر أمرا سابقا لأوانه، أما على مستوى هيئة السد العالى فلم نقم بدراسات سابقة لأوانها.. نحن نحتاج لمائة عام على الأقل حتى ندرس تأثير الطمى على البحيرة أو السد العالى.