قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. زيادة ضمانات المتهمين في القضايا الجنائية    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    موقف التقديم على السكن البديل للمواطنين المخاطبين بقانون الإيجار القديم    "الزراعة التعاقدية" تُطلق مبادرة للتوسع في المحاصيل الزيتية بالفيوم    من سيد القطاع إلى عبء سياسي.. إسرائيل تفقد السيطرة على مستقبل غزة    برلمانيات العراق.. المشاركة 56.11% ونتائج أولية مساء الأربعاء    لجنة تفتيش من مديرية الشباب والرياضة تتواجد في الزمالك    شوبير يحذر: أزمة مواعيد تهدد مباريات الدوري المصري    بعد تداول فيديو الواقعة، ضبط المتهم بالاعتداء على فتاة في مدخل عقار بجسر السويس    وزير الثقافة يهنئ النحات عصام درويش بفوزه بجائزة السلطان قابوس    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    أوباميكانو: أنا أحد أفضل المدافعين في العالم    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    "مشهد انتخابي غير مسبوق".. المصريون يحتشدون أمام اللجان ويكتبون فصلاً جديدًا في تاريخ المشاركة السياسية    نائب وزير الإسكان يشدد على الالتزام بمعايير وقوانين المياه المعالجة    سكاي: إيفرتون يدخل سباق التعاقد مع زيركزي    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    يعاني منه 80 مليون شخص، الصحة العالمية تكشف علاقة مصر بمرض خطير يصيب بالعمى    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    وكيل الأزهر في احتفالية تخرج الطلاب الوافدين: الأزهر سيظل بيتا جامعا لأبناء الأمة من شتى بقاع الأرض    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 في بورصة الدواجن    نقيب العاملين بالسياحة: لمس الآثار إتلاف يعاقب عليه القانون بالحبس والغرامة    عُطل فني.. مسرح الطليعة يوجه رسالة اعتذار ل جمهور عرض «كارمن»    ترامب يطلب العفو عن نتنياهو رسميًا.. وهرتسوغ يرد: "اتبعوا الإجراءات"    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    «التعليم» توجه المديريات بحصر التلاميذ الضعاف في 3 مواد بالمدارس 2025-2026    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    حملات تموينية موسعة بالقليوبية تكشف مخالفات جسيمة وسلعًا غير صالحة للاستهلاك    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    خالد سليم ينضم لأبطال مسلسل ست الحسن أمام هند صبرى فى رمضان 2026    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    معلومات الوزراء: أفريقيا تمتلك 30% من احتياطيات المعادن فى العالم    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    إعلان نتائج انتخابات غرفة تطوير واستصلاح الأراضي الصحراوية للدورة 2025-2029    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    تعرف على أكبر نتائج مباريات كأس العالم للناشئين بعد ختام دور المجموعات    «أمن المنافذ»: ضبط 3182 مخالفة مرورية وتنفيذ 289 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    نتائج أولية في انتخابات النواب بالمنيا.. الإعادة بين 6 مرشحين في مركز ملوي    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    مباحث الجيزة تكتشف جريمة بشعة داخل شقة مهجورة فى بولاق الدكرور    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تزرعون سبع سنين دأبا
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 04 - 2022

إن كان ثمة عظة واحدة يمكن أن نستلهمها من التداعيات القاسية التى يعانيها الاقتصاد العالمى منذ أكثر من سنتين على خلفية جائحة كورونا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، وما استتبعهما من اضطراب سلاسل الإمداد والصدمات النفطية وموجات التضخم وسياسات التشديد النقدى فى غالبية الدول، وأثرها السلبى على مديونية الدول النامية والناشئة والفقيرة... إن كان ثمة دروس مستفادة من ذلك كله فهى أن سلبيات العولمة قد باتت حاضرة بوجه عبوس أكثر من أى وقت مضى، وأن تلك السلبيات تجد سبيلها عبر قنوات العدوى المالية والنقدية لتنشر الأمراض الاقتصادية شرقا وغربا، تماما كما تنتشر الأوبئة.
لنفهم ذلك دعنا نتمثل قرارا من الفيدرالى الأمريكى برفع أسعار الفائدة الأساسية بربع فى المائة، لتبدأ رحلة صعود من مستوياتها قرب الصفر حتى مارس الماضى إلى مستويات متوقعة بحلول نهاية العام تقترب من 2.25%. يتداعى لذلك القرار بل لمجرد إطلاق إشارات بقرب صدوره الكثير من الأوجاع العابرة للأطلنطى، لتضيف إلى دول مدينة مثل مصر مزيدا من الأعباء لدى تسديد ديونها الخارجية القائمة، التى باتت مستحقة السداد بقيمة أعلى للدولار (لأن رفع أسعار الفائدة على الدولار تجعله أقوى نسبيا)، فضلا عن كون أكثر الأدوات شيوعا لسداد الديون القائمة هو مزيد من الاقتراض بالعملة الصعبة، والذى بالتأكيد سوف تكون فاتورته أكبر كثيرا بعد رفع أسعار الفائدة على الدولار، وما سوف يستتبعه من رفع متتالٍ لأسعار الفائدة على العملات الرئيسة الأخرى. كذلك تتأثر سريعا أسعار الذهب إذ تتراجع كنتيجة لتقويمها بدولار أقوى، وتتحرك نتيجة لذلك مليارات من الاستثمارات لتعيد تكوين احتياطيات الدول ومحافظ البنوك والشركات الكبرى. كما ترتفع تكلفة الاستيراد وتتضرر الدول ذات العجز المزمن فى موازين تجارتها، وتتراجع قيمة العملات الوطنية لتلك الدول... ويمكن أن نستهلك مساحة المقال كاملة لرصد بعض من تداعيات قرار منفرد فى إطار السياسة النقدية لدولة واحدة على مصائر مليارات البشر. لو أن الاقتصاد الأمريكى منغلق على ذاته لما اهتز العالم لذلك القرار على هذا النحو، لكن العالم الذى بات أقرب إلى قرية واحدة تحقق لها مزايا الحجم وكفاءة تخصيص الموارد بصورة كبيرة، تعلم أن تلك المزايا الإضافية تأتى بتكلفة إضافية أيضا.
وكما أن الولايات المتحدة قد بدأت فى «أمركة» وتوطين سلاسل الإمداد لعدد من صناعاتها الحيوية منذ ولاية الرئيس «ترامب» ثم جاء الرئيس «بايدن» ليتحرك سريعا فى ذات الاتجاه خلال المائة يوم الأولى فى ولايته الحالية وتحديدا منذ فبراير 2021. فإن العديد من البلاد تشهد مستويات متفاوتة من الردة عن ركب الانفتاح على الاقتصادات الأخرى فى صورة تقييد للتجارة والاستثمار الأجنبى، بل وتقييد لحركة الأفراد للسيطرة على أزمة اللاجئين والتسلل عبر الحدود بذريعة الحد من انتشار فيروس كوفيد19!
• • •
الوصفة الوقائية من تلك الجوائح الاقتصادية التى لا يتوقع أن يتعافى منها الاقتصاد العالمى فى أى وقت قريب، لا تختلف كثيرا عن الوصفة التقليدية لاحتواء انتشار الطواعين منذ قديم الأزل. وإذا كنا فى هذا الشهر الكريم نستزيد من استلهام العبر من القرآن والسنة، فعنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عنِ النَبِيِ صلى الله عليه وسلم قَال: «إذَا سمِعْتُمْ الطَاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا» تلك الوصفة النبوية الواعية تنسحب على شئون الاقتصاد والأموال فى عصور تفشى الأمراض المالية عابرة الحدود. لكن الانكفاء على الذات وانشغال كل أمة باحتياجاتها لا يتيسر إلا لمن امتلك الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتى من الأساسيات، إذ تتراجع أهمية الرفاهية وإشباع الحاجة إلى الكماليات فى زمن الأزمات. وقد افتتح نبى الله يوسف عليه السلام عزيز مصر برنامجه الاقتصادى لمواجهة السنين العجاف بكلمة «تزرعون».
لا بديل إذن عن الإنتاج، ولن يكون الإنتاج كافيا لسد حاجات المستهلكين إلا إذا لعب فيه القطاع الخاص دورا حيويا. الدولة لن تستطيع أن تنتج بجهاز خدمى متخم بتراجع الإنتاجية والكفاءة، وقطاع أعمال يئن تحت ظروف تراكمت عليه عبر عقود، ولا أمل فى الخروج منها دون دعم حكومى جاد، كما إنه لا يملك المقومات التى تسمح له أن يصير بديلا عن القطاع الخاص، بل هو شريك مناسب فى أحسن الأحوال. وبينما ندفع عن بلادنا أزمات اقتصادية حادة آنية معظمها مستورد من الخارج، فإننا لا نملك «اليوم» ترف السنوات السبع التى امتلكها المصريون على عهد سيدنا يوسف عليه السلام، إذ تمكن من إدارة المخاطر (وهى احتمال وقوع الأزمات) خلال تلك الفترة، ثم أدار الأزمة بعدل وحسم بعدما جعله الملك على خزائن الأرض، عندها كانت إدارة الازمة أقل كلفة، حيث سبقها تخطيط للموارد وضوابط لإدارة المخاطر، ثم كان التمكين فى الأرض من نصيب أهل الكفاءة والأمانة، وكما قال تعالى على لسان ابنة نبيه شعيب (أو ابن أخى شعيب أو سيد ماء مدين فى روايات مختلفة): «إن خير من استأجرت القوى الأمين». ولأن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فإذا كنا فى وقتنا الراهن بصدد أزمة اقتصادية طاحنة، فليس أقل من تمكين أهل الخبرة والمعرفة من القطاعات الاقتصادية فى كل دولة، ثم العمل بدأب شديد استعدادا لتطور الأزمة لتصبح أشد ضراوة فى السنوات القادمة، وهو احتمال تنبأ به الاقتصاديون ودلت عليه قرارات وتصريحات مسئولى الدول العظمى ومؤسسات التمويل الدولية.
• • •
معدل الادخار المحلى لا يسمح لمصر بالاستغناء عن تدفقات الاستثمار الأجنبى لتمويل احتياجات النمو فى الناتج الإجمالى من السلع والخدمات، وتدفقات الاستثمار الأجنبى لا تسمح لمصر بالاستغناء عن القروض الأجنبية لسد الفجوة التمويلية، والفجوة التمويلية ستظل تتسع طالما استمر معدل النمو السكانى على حاله، واستمر الاعتماد على القروض لسد الالتزامات القائمة... ولا يقطع تلك الدائرة المفرغة إلا خطة محكمة لتوطين وتعميق الإنتاج المحلى الزراعى والصناعى بأقل قدر من الاعتماد على المدخلات والآلات المستوردة، وتشجيع القطاع الخاص بمختلف المحفزات للالتفات عن الاستثمار العقارى الريعى السهل، واكتناز الأموال فى الذهب وشهادات الاستثمار، إلى خوض تجارب إنتاجية تعزز من الاقتصاد الحقيقى وتحمل قيمة مضافة إلى المستهلك الوسيط والمستهلك النهائى.
وإذا كان الإنتاج الزراعى والصناعى أقل جاذبية من الاستثمارات السهلة، لارتفاع تكلفته وتأخر وانخفاض العائد على الاستثمار فيه، وتعقيد متطلباته وتراخيصه وتعاملاته البيروقراطية، فإنه لا غنى عن قلب تلك المعادلة لصالح المستثمر الصناعى والزراعى ولو كان فى ذلك تراجع مؤقت فى الاستثمار العقارى الذى تتراجع أهميته أمام نقص مقومات الحياة الأساسية، علما بأنه وعلى الرغم من المبادرات الرئاسية المشكورة لتحسين ظروف التمويل العقارى، تظل ملايين العقارات المغلقة باهظة الثمن دليلا على استخدام تلك العقارات كمخزن للقيمة عوضا عن إتاحتها لإشباع حاجات أساسية للمأوى.
من الممكن أن تلجأ الدولة إلى حلول مبتكرة لخلق طلب استثمارى كبير على مشروعات إنتاجية بعينها، من ذلك تقديم الحوافز والإعفاءات الضريبية، وتسهيل التراخيص الصناعية، وتقديم قروض ميسرة وبأقل فائدة متاحة لعدد من المشروعات التى يمكن أن تتاح عبر خريطة استثمارية تأخذ فى الاعتبار التنوع البيئى وتوزيع الموارد الطبيعية، وفرص تحسين التوزيع السكانى، وفرص التصدير، مع العمل على حماية الإنتاج الوطنى من غزو الواردات التى يمكن أن تكون مخرجا من الأزمات فى الأجل القصير، لكنها تعمل على مزاحمة الإنتاج المحلى وإزاحته أحيانا بحيث لا يمكن أن يعود مجددا فى المستقبل إذا لم يعد الاستيراد ممكنا لأسباب كثيرة أبرزها تقييد التجارة الخارجية بالدول المصدرة... كل ذلك يستدعى وجود وزارة للاقتصاد وهيئة نشطة للاستثمار وتقييم مستمر لإسهامات رءوس القطاعات والهيئات الاقتصادية والمالية على أسس علمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.