24 مايو جمعية عمومية لأطباء الإسكندرية    رئيس الوزراء: النهضة الصناعية تبدأ من التعليم الفني والتكنولوجي    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    «حماة الوطن» يبحث سبل التعاون بين الحزب ومشيخة الأزهر    محافظ القاهرة يتفقد المحاور الجديدة    صندوق النقد الدولي: البنوك القطرية تتمتع برأس مال جيد وسيولة وربحية    مدير التعاون الدولي بمكتب رئيس وزراء اليابان: مستمرون في دعم الأونروا    إسبانيا تستدعي السفير الأرجنتيني في مدريد بعد هجوم ميلي على حكومة سانشيز    الزمالك يرد على بيان كاف بشأن سوء تنظيم مراسم التتويج بالكونفدرالية    الرياضية: جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    التحفظ على الفنان عباس أبو الحسن في واقعة دهس سيدتين بالشيخ زايد    ياسمين صبري تتصدر تريند "X" عقب ظهورها بمهرجان كان    جنوب أفريقيا ترحب بإعلان "الجنائية" طلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت    «السرب» درس في الوطنية المصرية    دراسة علمية تكشف أضرارا جديدة للتدخين    الأرصاد تحذر من الطقس غداً.. تعرف علي أعراض ضربة الشمس وطرق الوقاية منها    لحرق الدهون- 6 مشروبات تناولها في الصيف    وزير الرى: اتخاذ إجراءات أحادية عند إدارة المياه المشتركة يؤدي للتوترات الإقليمية    مصرع شاب وإصابة 2 في حادث تصادم أعلى محور دار السلام بسوهاج    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    أحمد الطاهري: مصرع الرئيس الإيراني هو الخبر الرئيسي خلال الساعات الماضية    وكيل صحة الشرقية يتفقد أعمال التطوير بمستشفى سنهوت التخصصي    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    الشرطة الصينية: مقتل شخصين وإصابة 10 آخرين إثر حادث طعن بمدرسة جنوبى البلاد    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    الإعدام شنقًا لشاب أنهى حياة زوجته وشقيقها وابن عمها بأسيوط    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    لاعبو المشروع القومي لرفع الأثقال يشاركون في بطولة العالم تحت 17 سنة    العمل: ندوة للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية ودور الوزارة فى مواجهتها بسوهاج    وزيرة الهجرة: الحضارة المصرية علمت العالم كل ما هو إنساني ومتحضر    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مدحت نافع لموقع "أخبار مصر": أزمة الإستثمار فى مصر لا تكمن فى التشريع وإنما فى المناخ العام والقدرة على تحويل التشريعات الجيدة إلى قرارات تنفيذية
نشر في أخبار مصر يوم 06 - 12 - 2016

لا يختلف أحد على أن الوضع الاقتصادى المصرى يمر بمرحلة صعبة ومنعطف ضيق يسيطر على المناخ العام ويلقى بظلاله على سائر الملفات الهامة وفى مقدمتها التعليم والصحة باعتبارهما أبرز مقوّمات التنمية البشرية..لكنه ليس وضعاً شاذاً ولا غريباً فى سياقه الدولى إذ يرتقب الاقتصاد العالمى انفجار أزمة جديدة ربما تكون أشد حدة من أزمة الرهن العقارى التى تفجّرت بنهاية عام 2008، وذلك لأن مستوى الديون قد بلغ ثلاثة أضعاف الناتج العالمى من السلع والخدمات وهو مستوى مقلق فى ظل تراجع ماكينات دفع النمو العالمى وأبرزها الماكينة الصينية وسائر دول مجموعة البريكس باستثناء الهند، وهى الأخرى تمر بأزمة نقدية نتيجة سحب كبير ومفاجئ لفئتين كثيفتي التداول لعملتها الوطنية بغرض الحد من انتشار الاقتصاد غير الرسمى..أزمات السيولة تظهر بأوجه متباينة فى مختلف الدول وتكشف عن وجه قبيح فى اليونان وفنزويلا وزمبابوى..وكثير من الدول شرقاً وغرباً.. ومن أبرز أعراض أزمة السيولة؛ انهيار قيمة العملة المحلية بحيث تعجز النقود عن شراء السلع والخدمات المعروضة فى الأسواق المحلية والعالمية، بما يؤدى إلى فقدان الثقة فى تلك العملة.
موقع "أخبار مصر" أجرى حواراً مع الدكتور مدحت نافع الكاتب والخبير الاقتصادي حول الوضع الاقتصادي في مصر.
نص الحوار.
ما هو تقييمك لأداء المجموعة الاقتصادية بعد القرارات الاقتصادية الاخيرة؟
المجموعة الاقتصادية تعمل فى ظل ظروف غاية فى الصعوبة وهى تحاول جادة الخروج من الأزمات مما جعلها تغرق فى تفاصيل إطفاء الحرائق عوضاً عن وضع آلية منتظمة لإدارة المخاطر فى إطار استراتيجية اقتصادية واضحة المعالم ومن فوقها رؤية عامة تؤطّر مختلف الجهود. فى رأيي يجب أن تخصص المجموعة الجانب الأكبر من وقتها لاستشراف مستقبل الاقتصاد والحلم بمواصفات هذا المستقبل ثم وضع سياسات اقتصادية مناسبة لتحقيق هذا الحلم وذلك فى إطار رؤية شاملة لمصر 2030. أما التعامل مع التفاصيل اليومية فلا مناص من استهداف قدر من اللامركزية يسمح لمساعدى الوزراء ورؤساء الهيئات والأجهزة بالتحرك السريع مطلقى اليد للاشتباك مع تفاصيل الأزمات المشتعلة بصفة مستمرة.
كيف ترى قرارات المجلس الأعلى للاستثمار؟
أهم من القرارات الإشارة التى أطلقها الاجتماع والذى كان الأول من نوعه ومع هذا فقد تعرّض لملفات كثيرة وواجه الواقع الذى يغفل عنه الكثيرون بقصد وبغير قصد والذى يخبرنا بشئ من اليقين أن ازمة الاستثمار فى مصر لا تكمن فى التشريع وإنما فى المناخ العام وفى القدرة على تحويل التشريعات الجيدة إلى قرارات تنفيذية تنتقل معها طلبات وشكاوى وطموحات وأوجاع المستثمرين بانسيابية بين دواوين الدولة دون أن تتحوّل إلى مهمة مستحيلة يفر منها المستثمر المصرى والأجنبى على السواء.. المجلس الأعلى للاستثمار بتشكيله وصلاحياته الواسعة الممتدة إلى قرارات ترتعش دونها أيادى صغار وبعض كبار التنفيذيين هو نتاج فكرة طرحتها إحدى مسودات قانون الاستثمار على عهد الوزير أشرف سلمان، لكنها مسودة لم تر النور حينها وهى الآن بصدد الظهور إن شاء الله على هيئة قانون جديد متكامل للاستثمار.
لكن من المهم أيضاً ألا نغفل عن أهمية تحوّل قرارات المجلس الأعلى إلى واقع على الأرض حتى لا تفقد الإشارات الإيجابية مضمونها وتتحول لا قدر الله إلى إشارات سلبية! المستثمر فطن يسارع إلى اختبار تلك القرارات حتى يطمئن إلى تحسّن المناخ العام وتحوّله إلى بيئة مواتية، لذا فمن الضرورى التنبيه إلى ورود العديد من الشكاوى بشأن تخصيص الأراضى لأغراض صناعية بالصعيد، وإلى زعم البيروقراطيين من أصحاب القرار بأن لا علم لديهم عن قرارات المجلس الأعلى!!
تاثير هذه القرارات على الجو العام للاستثمار في مصر؟
كما أشرت من قبل لقد كانت القرارات إيجابية على مختلف الأسواق، وأعقبها شحنة من الشراء فى الأصول وانتعاش ملحوظ فى سوق المال على وجه الخصوص وهى سوق قائدة بطبيعتها وتنظر إلى المستقبل بغض النظر عن حجم التداولات فيها. أيضاً تأتى تلك القرارات فى ظل استقبال مصر العام الماضى لما قيمته 6,8 مليار دولار استثمارات أجنبية وهى نسبة كبيرة تضعنا فى مصاف الدول الرائدة فى استقبال الاستثمارات..لكن يظل التحدّى القائم هو استبقاء إيرادات تلك الاستثمارات داخل الاقتصاد وتدويرها لخلق فرص العمل وزيادة الإنتاج لإشباع السوق المحلية وتحقيق فوائض مناسبة للتصدير. وهذا التحدّى رهن بشعور المستثمر بالاستقرار فى بنية الاقتصاد الأمنية والتشريعية والإدارية.
– الناس تعاني الغلاء وتستاء من القرارات الاخيرة ما تعليقك؟
لا يوجد شعب فى العالم يتقبّل الغلاء بغير استياء ونفور، لكن قراءة المشهد العام تحملنا على تقييم ما يسمّى بتكلفة الفرصة البديلة، فبديل هذا الغلاء الكبير ربما كان تضخم جامح hyper inflation كالذى حدث فى فنزويلا وحمل أهلها على وزن النقود لشراء المستلزمات عوضاً عن عدّها! لا أقول ذلك بغرض الترهيب وإيمانى أن الشعوب التى ترضى بحالها خشية أن تسوء أوضاعها هى شعوب محدودة الأفق والطموح سجينة الأمر الواقع، بل علينا التطلّع للأفضل دائماً وهذا الأفضل يقتضى منا تغيير الكثير من أنماط الإنفاق التى نشأنا عليها (سواء الانفاق الاستهلاكى أو الاستثمارى) وتحرّى الإنتاجية فى أعمالنا وليس قضاء عدد من الساعات فى المكاتب وكما يقول المولى تبارك وتعالى: "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"..
التطلع إلى الأفضل يجب أن يقترن بواقعية تحليل وقراءة الوضع الاقتصادى محلياً وإقليمياً وعالمياً، وتقييم صحيح للموارد وكيفية استغلالها بصورة أفضل وفى مقدمة تلك الموارد البشر.
القرارات الأخيرة ينقصها قرارات بديلة بل رؤى بديلة تطرح للنقاش المتخصص، تلك الرؤى المتنافسة يصب اختلافها فى مصلحة المواطن ويغلب على أمرها ما يحقق النفع الأكبر..لكن صياغة رؤى وسياسات بديلة يتطلب أحزاباً قوية حاضرة فى المشهد العام تطرح نفسها على المجتمع كبديل أفضل..نحن لن نخترع العجلة وإلى أن توجد تلك الأحزاب القوية ستظل الحكومة أية حكومة برؤيتها الواحدة صاحبة الحل الأوحد!
رغم كل المحاولات والقرارات مازال الدولار مرتفعا ما السبب؟
لا أجد غرابة فى ذلك بل توقعته قبل التعويم وبعده لأن قرار التعويم يظل مرتبطاً بالجانب النقدى من الاقتصاد أما الاقتصاد الحقيقي فعليه أن يتحرك بقوة ليحقق أهداف زيادة المعروض الدولارى فى الأسواق، ولا بديل فى ذلك عن الإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج.. من السلع والخدمات حتى يتم إشباع السوق المحلية وتشبّعها بالمنتج المحلى ثم تحقيق فوائض تصلح للتصدير..هذا التطوّر الكمّى يليه تحسّن نوعى فى جودة المنتجات خاصة بتطبيق معايير الجودة والتى تفرضها متطلبات التصدير على أقل تقدير..إذا ما تشبّعت السوق المحلية بالمنتجات المصرية سوف تقل بالتأكيد فاتورة الاستيراد البالغة 80 مليار دولار سنوياً بما يقلل الطلب على الدولار ومن ناحية أخرى فإن التصدير يأتى بالعملة الصعبة ويجعلها وفيرة فى الأسواق فلا تتحول إلى أزمة ولا تتحوّل إلى سلعة يخزّن الناس فيها فوائضهم.
معظم القرارات كانت تصب فى اتجاه حمل الناس على التخلّى عن الدولارات التى بحوزتهم وقد نجحت إلى حد ما لكن ماذا بعد؟! هل يطبع المواطن الدولار فى بيته؟! بالطبع لا لكن مصادر العملة الصعبة معروفة ولا نملك أن نحرّك فيها ما يتعلّق بعائدات قناة السويس التى تدور حول 5,5 مليار دولار وترتبط بحجم التجارة العالمية وبدائل الملاحة وأسعار النفط!! لكن تحويلات العاملين فى الخارج يمكن تنميتها عبر إعادة الثقة إلى الجهاز المصرفى واستقرار قراراته التى تقلّبت كثيراً فى عهد المحافظ السابق، وكذلك يمكن العمل على زيادة الاستثمار لجذب مزيد من التدفقات الدولارية لكن يظل الإنتاج من السلع والخدمات وخاصة خدمات السياحة العامل الأبرز والأهم لتوفير العملة الصعبة.
كيف ترى دراسة الحكومة لتطبيق الضرائب التصاعدية؟
لا أرى جدوى من تصاعدية الضريبة والعدالة الضريبية يمكن أن تتحقق فقط إذا ما اتسعت قاعدة المموّلين لتشمل المهن الحرة والاقتصاد غير الرسمى فضلاً عن كثير من المتهرّبين والذين بلغت القضايا ضد المضبوط منهم فقط ما قيمته 60 مليار جنيهاً!.. فتحقيق العدالة الاجتماعية لا يرتبط بإفقار الجميع لتحقيق المساواة! بل إن زيادة الإيرادات الضريبية والتى تنشأ حتى لو خفضّنا سعر الضريبة (كما حدث فى عهد الوزير يوسف بطرس غالى) ينعكس إيجاباً على الموازنة العامة للدولة وبالتالى ينعكس على مخصصات شبكة الضمان والحماية المجتمعية المتمثّلة فى الدعم المرشّد والموجّه وتحسين خدمات التعليم والصحة والصرف الصحى وخاصة فى قرى الصعيد.
بل إن إخضاع المموّل الذى تطاله يد الدولة لأنه يحصل على راتب ثابت ومن ثم تخصم الضرائب المستحقة عليه من المنبع، إخضاعه بشكل حصرى لفئات ضريبية متصاعدة يمثّل عنصر تمييز ضد الموظّفين لصالح التجار وأصحاب المهن الحرة والسماسرة الذين يملأون الإنترنت ويحصلون على عمولات بالملايين دون ترخيص أو سداد أية ضرائب!! وفى ذلك إغفال أيضاً لطبيعة الالتزامات التى تنشأ على رب الأسرة بعد أن دخل راتبه فى شريحة معينة وصعوبة بل ربما استحالة تغييره لتلك الالتزامات خاصة ما يتعلّق منها بمتطلبات توفير التعليم والصحة لأبنائه وهى أمور ترفع الدولة يدها عنها بشكل كبير بداية من أصحاب الطبقة الوسطى فى المجتمع
– كيف تواجه الحكومة الأزمات الاقتصادية المتتالية؟
لا امل أبداً من تكرار مطلبى بأن تنشأ منظومة متكاملة لإدارة المخاطر المؤسسية. دارة المخاطر هى عملية مستمرة وليست ضربة حظ، وتتطلب إدراكا لضرورة اتصال أى هدف فى الوجود (حتى هدف البقاء نفسه) بعدد من التهديدات التى يجب أن تتعامل معها حتى تحقق أهدافك لا أن تتجنبها مهدرا فرصا كثيرة كان بإمكانك تحقيقها بقليل من الضوابط. هى شعبة من العلوم التى تجتمع فيها العديد من التناقضات، فهى من ناحية ثقافة لازمة مشتركة بين كثير من الناس، يمارسونها فى وجوه معايشهم اليومية بقصد وبغير قصد، لكنها من ناحية أخرى عملية منتظمة دقيقة تفتقر إليها الكثير من المؤسسات، خاصة فى دول العالم الثالث، إما لاعتبارها رفاهة لا تملكها تلك المؤسسات، أو عن جهل بطبيعة العائد المقترن بعملية إدارة المخاطر.
القدرة على إدارة المخاطر بكفاءة تحول دون التعرّض للمفاجأة، تجعلنا على استعداد لأزمات ارتفاع الأسعار ونقص المعروض من النقد الأجنبى وضرب السياحة وتراجع عائدات التجارة، تجعلنا قادرين على إدراك تقلبات الأسواق، مستعدّين لصدمات تراجع الإنتاج الزراعى لعوامل طبيعية أو بشرية. إدارة المخاطر تجعل التوسّع فى الدين العام مشروطا بالقدرة على التعامل مع مخاطر التعثّر المحتمل فى السداد وتراجع التصنيف الائتمانى لأدوات الدين الحكومية. تجعل اتخاذ قرار من شأنه زيادة رصيد الدين الخارجى بمقدار النصف بقرض واحد مع الجانب الروسى لإقامة محطة طاقة نووية، يمر بعملية دقيقة من دراسة العائدات وبدائل التمويل والاحتمالات المختلفة وآليات التعامل مع كل احتمال، ووضع الأجيال القادمة فى الحسبان.
القدرة على إدارة المخاطر المؤسسية تساعد على وقف نزيف الهدر المؤسسى فى الجهاز الحكومى خلال فترة قياسية، فوضع مستويات من الرقابة على جودة وكفاءة الأداء المؤسسى ليس عملا خارقا أو مستحيلا كما يصوّره البعض، لكنه عمل منظّم تعوزه الإرادة الجادة، ويبدأ بتمهيد بيئة العمل لوضع إطار شامل لإدارة المخاطر المؤسسية، ثم ينتقل إلى تحديد أهداف المؤسسة بمختلف فروعها وقطاعاتها عبر عملية مستقرة، مرورا بتحديد وتعريف المخاطر التى تعترض تحقيق تلك الأهداف، ثم قياسها والتنبؤ بسلوكها بغرض التعامل معها أو تقبّلها، ثم العمل على متابعة آليات وأدوات التعامل مع المخاطر وتصحيحها بصفة مستمرة.
رأينا كيف تم استهداف أبراج الكهرباء وخطوط نقل الغاز بأعمال تخريبية شبه منتظمة، دون وجود ضوابط مانعة لتكرار تلك الأعمال. تابعنا اشتعال الحرائق لأسباب متفاوتة، دون محاولة تطوير أدوات التعامل مع احتمال اندلاع حرائق جديدة. عانينا ومازلنا نعانى من حوادث القطارات التى يلقى بذنب وقوعها على مزلقانات السكك الحديدية، ورغم هذا مازالت المزلقانات غير مؤمّنة بشكل كامل!
حوادث الطرق السريعة فاقت فى تكرارها معدلات قياسية عالمية، لكن التعامل معها مازال يتم بصورة بدائية ومنفردة ودون إطار عام شامل لإدارة مخاطر الطرق. حتى إبّان اشتداد أزمة الطاقة التى عانينا خلالها من انقطاع الكهرباء بشكل يومى، فقد سعينا جاهدين لإنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء وتنويع مصادر توليدها، لكننا لم نهتم بشكل كاف بالهدر القائم فى استهلاك الكهرباء الذى نراه بالعين المجردة فى صورة أعمدة إنارة موقدة طوال ساعات النهار، أو سرقة تيار كهرباء فى منتجعات ثرية تتم محاسبتها على أساس جزافى بواسطة شرطة الكهرباء، وبمبالغ زهيدة لا تتناسب مع الاستهلاك، وإنصافا لوزارة الكهرباء فإن هذا النوع الأخير من الهدر بدأت الدولة تتحرك لتداركه من خلال التوسع فى استخدام عدّادات الكهرباء الكودية سابقة الدفع، وهذا التطبيق هو صورة من صورة إدارة مخاطر سرقة التيار الكهربائى.
– كيف تابعت قرار ثم إلغاء قرار رفع الجمارك على الفراخ المستوردة؟
أعتقد أن جماعات الضغط والمصالح تحاول أن تفرض سياسات مواتية لأهدافها وهذا أمر طبيعي، لكن المستهلك يظل هو الحلقة الأضعف في منظومة السوق؛ ولذا أشك في أن القرارات التي يتم التراجع عنها ربما تكون الأفضل بالنسبة للمستهلك، لأن جهة لا تقف خلف القرار لتدعم استمراره.. وربما كانت هذه إحدى المرات القليلة التي تحرّكت فيها الحكومة قبل وقوع الأزمة الموسمية المرتبطة بأنفلونزا الطيور، وفتحت خلالها سوق الاستيراد بغير جمارك لتخفيض سعر المنتج على المستهلك النهائي والذي عادة ما يعاني في هذا الموسم من ارتفاع أسعار الدواجن ومنتجاتها وبالتالي المنتجات البديلة من البروتين الحيواني..أما الباكون على الصناعة المحلية والإنتاج الداجني الوطني فعليهم أولاً توفير مدخلات الإنتاج محلياً عوضاً عن الاعتماد على الاستيراد بما لا يقل عن 80٪ !! فهل من المنطقي أن ترفع الحكومة الجمارك عن كل مدخلات الإنتاج الداجنى (كما طالب البعض) مخاطرة بإمكانية تسربها خارج الصناعة؟! وتخاطر بنسبة فاقد كبيرة في الإنتاج بسبب العدوى الموسمية لأنفلوانزا الطيور؟!..وذلك كله بدلاً من تحرير سعر المنتج النهائي مباشرة من الجمارك في دعم مباشر للمستهلك؟! نريد جمعيات واتحادات نشطة لحماية المستهلك على غرار المستوردين والمنتجين لحين عودة مجلس النواب لدوره في خدمة مصالح جمهور الناخبين
– الى متى سيدفع المواطن ضريبة ارتفاع الدولار؟
طالما أن الاستهلاك يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، وحتى الإنتاج المحلى يعتمد على مدخلات إنتاج كثيرة مستوردة من الخارج، ولا يغطى سوى نسبة محدودة من الاستهلاك بالنسبة لكثير من المنتجات الضرورية، سيظل الاعتماد على الدلار قائماً وستظل تقلباته حادة مالم تستقر إيرادات العملة الصعبة بعد أن يستجيب لذلك الجانب الحقيقى من الاقتصاد كما سبق الإيضاح..لكن التقلبات الحادة الحالية لا أتوقع أن تستمر لما بعد الربع الأول من العام الميلادى الجديد وذلك لان قرار التعويم وما اتصل به من قرارات سعر الفائدة ستكون آثارها قد تم استيعابها تماماً.. وأتمنى أن تكون قرارات رفع التعريفة الجمركية أيضاً قرارات مؤقتة مرتبطة بالأزمة الدولارية لأن الإجراءات الحمائية تتعارض مع الاتلزامات الدولية فى التجارة ولا تطبّق إلى على دول محدودة لكن المستوردين يمكنهم استغلالها لرفع الأسعار حتى المنتجات المستوردة من دول بيننا وبينهم اتفاقات تجارة..كذلك تتعارض إجراءات الحماية مع مناخ الاستثمار المفتوح.
الا يوجد حلول غير نمطية للتعامل مع الأزمات الاقتصادية في مصر؟
الحل عادة مختبئ فى الظلام، لكن بعض أصحابنا فى مراكز اتخاذ القرار دائماً ما يؤثرون الشوارع المضيئة للبحث عما فقدوه فى الشارع المظلم!. الإنتاج الزراعى يتراجع بشكل كبير لنذهب إذن إلى الأراضى الرملية الجديدة لاستصلاحها بغرض زيادة الإنتاج غير عابئين بالدخول فى منعطف الفقر المائى بسرعة مذهلة، لكن تشخيص المشكلة يقودنا إلى حل أفضل وبالتأكيد أسرع للسيطرة على تراجع الإنتاج الزراعى، لو أدركنا أن تجريف الأرض الزراعية يتم بصورة يومية على مرأى ومسمع من الدولة، وكل ما نحتاجه لوقف تلك الجريمة البشعة هو تفعيل سلطة الدولة، تلك السلطة التى تقف عاجزة كل عام أمام سحابة الدخان التى تقتل جو الخريف. استصلاح الأراضى حل صعب ومكلّف مالياً ومائياً لكنه يسطع تحت الأضواء، أضواء الإعلام على الأقل، لكن وقف نزيف التربة الخصبة واستعادة ما تم اغتصابه منها حل صعب وفيه مواجهة مع الفساد وربما مواجهة مسلحة مع عصابات التجريف، التكلفة إذن أكبر من العائد الإعلامى لكنها بالتأكيد أقل من العائد الاقتصادى.
نشق الطرق الجديدة لكننا لا ندرى ما نفعل بالطرق القائمة وقد مزقها الإهمال وأهلكتها المقطورات بحمولاتها ومواصفاتها المخالفة لأمن وسلامة الطرق التى غاب عنها عقود الصيانة فى دولاب الفساد والبيروقراطية الأصيلة، وهو المصير ذاته الذى ينتظر الطرق الجديدة. كذلك نفعل بخطوط السكك الحديدية التى نريدها جديدة، بينما تركنا خطوطا قائمة ليتم تخريبها ونهبها بالكامل على يد عصابات الحديد! دائما ما نبحث عن ضالتنا فى المكان الخطأ، نكره التشخيص لأننا نعرف المرض وربما نعرف دواءه لكننا لا نسيغ الدواء المر.
نعجب لتراجع السياحة ونسلم السائح تسليم أهالى لعصابات الابتزاز والتحرش والنصب منذ لحظة وصوله فى المطار وحتى مغادرته، بالتأكيد وضع الضوابط التى تحافظ على أمن وسلامة بل ومتعة السائح تحتاج إلى فكر وإرادة أكثر ما تحتاج إلى موارد مالية، لكن الحل فى نظر البعض يكمن فى إعلان فضائى يتكلف ملايين الدولارات يظهر فيه أحد الفنانين راكبا الجمل أو فلوكة فى النيل! هذا هو الحل المضىء تحت كشافات الإعلام لكنه أبدا ليس حلا عمليا ولا يشتبك مع الأزمة.
حلول كثيرة غير تقليدية يمكن أن تنشأ من مبادرات وأفكار حالمة لم يقتلها الواقع والبيروقراطية، وأظن ان استغلال المناطق الاقتصادية وقانونها الجديد لتنمية مناطق سياحية وأخرى صناعية وثالثة تجارية تصلح نموذجاً للتعميم فى مختلف أرجاء مصر هى من أهم الحلول غير التقليدية للأزمات "المتكلّسة" هنا وهناك.
– كيف ترى مستقبل مصر الاقتصادي في ظل الأوضاع الحالية؟ وما هي الطرق السريعة للحد من الارتفاع الجنوني للاسعار؟
بالأمس القريب كان هناك تحسّن فى تصنيف مصر الأمنى بناء على مواقع حكومية مسئولة بالولايات المتحدة الأمريكية، وقبله تحسّن فى التصنيف الائتمانى فى عقب قرار التعويم، واليوم نستقبل عاماً جديداً تسوده رؤية سياسية ضبابية نسبياً على الصعيد العالمى، وصعود لتيار يمينى متشدد ومنغلق اقتصادياً شرقاً وغرباً وخروج وشيك لبريطانيا من الاتحاد الأوروبى فضلاً عن متغيرات اقتصادية متأزمة كما سبقت الإشارة كلها يعزز من حالة عدم اليقين والتى تعزز بدورها من مستوى المخاطر، بما يستدعى على وجه السرعة وضع منظومة لإدارة المخاطر وتعميمها على مختلف مؤسسات الدولة.
أما عن ارتفاع الأسعار او بالأحرى انفلات الأسعار فهو أيضاً أحد أعراض نقص الإنتاج، وواحد من التداعيات المباشرة لقرارات التعويم وتحريك أسعار الوقود ورفع الدعم جزئياً عن الكهرباء وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وزيادة الجمارك.. وإذا كان رفع أسعار الفائدة قد تم التعويل عليه لامتصاص الآثار التضخمية لكل تلك القرارات فعلى ما يبدو أنه ليس كافياً خاصة فى ظل انتشار فوضى التسعير وعدم إلزام البائعين بوضع الأسعار على المنتجات وغياب بورصة سلعية مركزية كبرى تساعد فى تحديد أسعار السوق بشفافية ووفقاً لقوى العرض والطلب الفعلية، فضلاً عن عدم تفعيل دور جهازى حماية المستهلك وحماية المنافسة والضبطية القضائية للجهازين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.