على أرض مصر كثير من الأبنية التي تعبر عن العراقة والتاريخ، وشكّلت من خلال أساليبها الفنية المختلفة متحفا مفتوحا يمكنك من خلاله التعرف على الطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية. وفي سلسلة من الحلقات المستمرة خلال شهر رمضان، نغوص في عالم من الفنون تَشكّل على أرض مصر، نتعرف على طرزها المعمارية وقصص نشأتها، ونستكشف عوالمها الفنية البديعة، في رحلة عبر التاريخ، من خلال كتاب "قصور مصر"، للكاتبة سهير عبدالحميد. تقول الكاتبة في مقدمة كتابها: "قصور مصر تاريخ لا يزال حيا، لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون، وظلت تحمل شيئا من توقيعه لا يزال محفورا في ومضة هنا وأخرى هناك". • قصر محمد علي بالسويس والطراز التركي في حلقة اليوم، نرحل إلى مدينة السويس، حيث يوجد أحد قصور محمد علي، وكانت هذه المدينة مركزا مهما عبر تاريخها، فهي نقطة انطلاق رحلة الحج المقدسة إلى الأراضي الحجازية، واستقلت المدينة في عهد الوالي محمد علي تحت مسمى إداري محافظة عام 1801، واتخذها أول قاعدة عسكرية في مصر، وبنى قصرا خاصا له على الطراز التركي يضم 74 غرفة، وتحول إلى مقر للخديو إسماعيل أثناء افتتاح قناة السويس، والقصر الآن اختفت ملامحه الفنية والمعمارية عدا قبته. بُني في السويس منذ أقدم العصور عدد من القصور، فقد اكتشفت مصلحة الآثار المصرية عام 1960، قصرا يرجع إلى العصر اليوناني في جزيرة بوسط مياه الخور، والكثير من القطع الأثرية النادرة، وتوابيت وتماثيل، ويقال إن أنقاض هذا القصر تعود إلى مدينة تسمى "كيلوباتريس"، وقد نُقلت محتوياته إلى متحف السويس الإقليمي. وفي القرن ال19، أقيمت بالسويس عدة قصور، منها قصر محمد علي، وهناك أيضاً القصر العباسي الذي بناه عباس الأول في طريق السويس عام 1848، على مساحة 25 فدانا، وأراده استراحة للصيد والقنص، وسماه "الدار البيضاء" و"الدار الخضراء"، وكان يتردد عليه ويقيم فيه. يذكر الجبرتي أن محمد علي أرسل إلى السويس في شهر صفر 1232 هجريا- 1816 ميلاديا، أخشابا وأدوات عمارة وحديدا وغيرها، بقصد بناء قصر له هناك؛ بغرض الإشراف على إتمام الأسطول المتوجه إلى الحجاز للقضاء على الدعوة الوهابية. وفي عهد سعيد باشا، استخدم القصر كمقر لمتابعة أعمال الحفر في قناة السويس، وأضيف إلى القصر مبنى صغير ليكون مقرا لمحكمة السويس الشرعية، واتخذه إسماعيل مقرا أثناء افتتاحه القناة عام 1869، وتحول إلى مقر لمحافظة السويس فيما بعد، وشيد حينها مبنى جديدا ملحقا بالقصر على الطراز الإنجليزي، ثم أصبح مقرا لمديرية أمن السويس، ولستر الحال بذلك القصر العتيق الذي تعرض لعمليات ترميم مختلفة، ولا يزال موجودا بشارع النبي موسى كقسم شرطة. يحتل القصر مساحة مستطيلة الشكل، ويتكون من فناء مكشوف يحيط به المبنى المكون من طابقين، وأهم ما فيه قبته الخشبية ذات الطابع الأثري، التي تنقسم إلى 12 قسما، كل قسم له زخارفه الخاصة به، والمنطقة التي ترتكز عليها القبة عبارة عن مثلثات كروية في الأركان ال4، تعلوها قمة مثمنة، وتتكون زخارفها من رسومات تصور معاركا حربية، وأسفل ذلك شريط مثمن من الخشب مكسو بطبقة من الجص عليها زخارف تصور معاركا أيضا، والأرضية أسفل القبة من الرخام الأبيض. وكان الطراز التركي طرازا فنيا إسلاميا، امتاز بتأثير الأساليب البيزنطية من ناحية، والأساليب الفارسية من ناحية أخرى، وكانت العلاقات وثيقة بين الترك والأوروبيين، فما لبث الطراز التركي أن تأثر منذ بداية القرن ال18 بالأساليب الفنية في طراز الباروك الأوروبي، ثم في منتصف القرن ال18 بطراز الروكوكو، بحسب ما ذكر في كتاب "في الفنون الإسلامية" للأثري المصري زكي محمد حسن. ولعل خير ما أنتج الترك، تحف القاشاني والخزف التي كانت تصنع في آسيا الصغرى في القرنين ال16 وال17، وامتازت بألوانها الجميلة وما فيها من رسوم الزهور والنباتات.