جانب كبير من روعة فكرة هذا المعرض المقام الآن بدار ابن لقمان بالمنصورة, بعد أن سبق عرضه في دار الأوبرا, والمزمع أيضا انتقاله إلي مختلف محافظات مصر في إطار فكرة جديدة تتبناها إدارة التنمية الثقافية بوزارة الآثار للترويج للسياحة الداخلية تحت عنوان تراثنا, إنما يكمن في أنه يجمع مشاهد من القصور ومقتنياتها وحدائقها وساحاتها ومعمارها وتصميمها الداخلي وحكاياتها في أعمال فنية متجاورة وفي مكان واحد فيما يمثل جرعة تاريخية ثقافية مكثفة ومتنوعة تروي الكثير عن مصرالحضارة والإبداع والفنون والعراقة. فمن خلال الصور يبهرك علي سبيل المثال الطراز الإيطالي لقصر السكاكيني بزخارفه الخارجية التي يتميز بها معماره, والداخلية التي يزخر بها تصميمه الداخلي والأثاث, وهي زخارف تنتمي لفن الروكوكو, الذي كانت بداية ظهوره في فرنسا خلال القرن ال18 وتستعيد مع الصور التي اتقطت لجوانبه وتفاصيله المختلفة نجاح السكاكيني في تحقيق حلمه ببناء قصر يعد نموذجا لهذا الطراز الذي كان شغوفا به منذ أن رآه في إيطاليا واختار قصرا ليبني قصره كنسخة منه. ومن أروع ما تتسم به الصور التي يضمها المعرض هو قدرتها عبر تسللها إلي كل مكان به علي سرد الكثير من الحكايات والمفاجآت المرتبطة به. وعبر مجموعة الصور الخاصة بقصر محمد علي في شبرا الذي يعد تحفة معمارية متفردة علي مستوي العالم تسير في حديقته الشاسعة وتتأمل سراي الفسقية وتشاهد نافورة كبيرة محمولة علي تماثيل لتماسيح ضخمة ينبثق الماء من أفواهها, وتزور أيضا داخل الصور حديقة القصر الموجودة في سراي الجبلاية وعندما تتأمل ما تحمله الصور من تجسيد للشكل الخارجي للقصر تشعر للحظة كما لو كان يحمل روح عمارة المساجد; حيث تري الظلات التي تحيط بفسقية ضخمة, أما إذا دققت النظر في الصور التي تم التقاطها داخل القصر نفسه فتقف مشدوها أمام زخارف القصر التي نفذت بأسلوب الرسوم الإيطالية والفرنسية فيالقرن التاسع عشر; حيث استعان محمد علي بفنانين من الفرنسيين والإيطاليين واليونانيين والأرمن لزخرفة قصره. ومن قصر شيرا للبارون ولركن فاروق والمانسترلي, تأخذك الصور في رحلة سياحية ذات طابع ثقافي فني متفرد, وما عليك سوي أن تشاهد هذه الصور التي أبدعتها مجموعة من الفنانين المصريين مثل: حسام مناديلي والحسن عبد الحميد وإيهاب علي وعادل بيومي ومحمد رضا وغيرهم لتملأ عيناك بالجمال والعراقة والأصالة التي تتمتع بها قصورنا التاريخية والتي تشعر بعد زيارتك للمعرض كم أنه قد فاتك الكثير لأنك لم تقم بزيارة هذه القصور بعد!. بدأت فكرة المعرض كما يقول محمد خليل مدير إدارة الوعي الأثري بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية في نهاية العام الماضي بهدف تعريف المصريين والعالم بكنوزنا الأثرية والمعمارية برؤية مصرية خالصة بعيدا عن رؤي المستشرقين الذين لطالما رسموا مصر في الماضي من وجهة نظرهم, فتم الاتفاق مع مجموعة من فناني مصر وأساتذة كليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية, ومصورين محترفين وهواة لإقامة معرض يروي تاريخ مصر وعراقتها علي أن نبدأ بالتناول الفني لقصورنا باعتبارها شاهدة علي عصور مختلفة وأحداث لا يمكن محوها من الذاكرة المصرية كما أنها بوتقة للحضارة والعراقة في المعمار والفنون المختلفة من بناء وتصميم وأثاث وفن تشكيلي وتنسيق الحدائق وغير ذلك, وقمنا بجولات جماعية لستة قصور لتنفيذ ذلك كبداية ننطلق منها في هذا المجال, وهي قصر السكاكيني وركن فاروق بحلوان, والبارون والمانسترلي, وقصر محمد علي في شبرا وقصر محمد علي في المنيل, وبعد الانتهاء من إبداع الأعمال الفنية سواء لوحات أو صورا فوتوغرافية قمنا بتنظم معرض في دار الأوبرا يقدم هذه الإبداعات ليلقي المعرض اقبالا منقطع النظير وينال إعجاب الجمهور الذي كان متعطشا لهذا الفن الجميل ولمشاهدة مقتنيات القصور والتعرف علي معمارها المتفرد وتصميمها الداخلي الفخم, وفي الواقع أن الفكرة ترجع إلي الدكتورة رشا كمال مدير عام إدارة التنمية الثقافية بوزارة الآثار, وتم تنظيم المعرض في قصر الأمير طاز ثم في الأوبرا وتبع ذلك معرض في دار الأوبرا ومنه اتجه إلي دار ابن لقمان بالمنصورة ثم سيتجه إلي رشيد وإلي مختلف محافظات مصر بهدف التعريف بالقصور التاريخية وجذب الشباب للجذور خاصة لمن يصعب عليه القدوم إلي القاهرة وزيارة هذه القصور, ومن جهة أخري تتم الآن دراسة تطبيق الفكرة نفسها في القصور التاريخية بالمحافظات التي تزخر هي أيضا بالروائع وتتمتع بقيمة تاريخية وفنية وحضارية عظيمة, لكي يتم التواصل وتشجيع السياحة الداخلية وذلك تحت عنوان تراثنا.