توفيق الحكيم كتب حكايات للصغار لا تختلف عن قصصه للكبار، وهذه عبقرية تضاف إلى الحكيم، إذ اعتبر الأطفال أندادا له يحتاجون أيضا مثل الكبار أن يقرأوا قصصا تدعو إلى التفكير والتأمل، كاسرا بذلك ما يشاع عن قصص الأطفال من أنها حكايات «خفيفة» تناسب عقل الطفل فلا تقول شيئا، بل إن الأهم فيها هى الرسومات لا الكلمات. وحول رأيه فى الكتابة للأطفال قال الحكيم فى مقدمة كتابه «حكايات توفيق الحكيم للصبيان والبنات» الصادر عن دار الشروق: «لماذا أكتب للأطفال؟. إن الفكرة عندى ليست أن أكتب لهم ما يخلب عقولهم، ولكن أن أجعلهم يدركون ما فى عقلى.. فلقد خاطبت بحكاياتى الكبار، وأخاطب بها اليوم الصغار.. فإذا تم ذلك فهم لنا إذن أنداد..» الكتاب الذى رسم لوحاته الفنان الكبير حلمى التونى بهذه المقدمة يقطع الطريق أمام الأقاويل غير الجديرة التى تقال عن كتب الأطفال، ويوضح ما يريده الحكيم من حكاياته إلى الصبيان والبنات. الكتاب يضم ثلاث حكايات للأطفال تحمل هذه العناوين: «العصفور والإنسان»، و»المؤمن والشيطان»، و»الله وسؤال الحيران»، وكعادته يحاول فيها الحكيم أن يكتب عن طبيعة البشر وأسئلتهم الحائرة والوجودية بأسلوب أدبى سلس وعذب. وقالت دار الشروق إن الذين عرفوا توفيق الحكيم (1898 1987) فى حياته يتذكرون أنه كان شبيها بشخصية «شهر زاد» فى ألف ليلة وليلة، فقد كان حديثه ممتعا وخياله واسعا وحكاياته اللطيفة العذبة لا تنتهى. وكان الحكيم دائما يروى قصصه بطريقة تمثيلية غاية فى الجاذبية. أحسن المخلوقات فى حكاية «العصفور والإنسان» يحكى الحكيم: وقال عصفور صغير لأبيه ذات يوم: قل لى يا أبت: من خير المخلوقات فى الدنيا؟ ألسنا نحن العصافير خير المخلوقات؟ فهز العصفور الكبير رأسه وقال لابنه العصفور الصغير: ليس من حقنا أن نقول إننا نحن العصافير أحسن المخلوقات فقال العصفور الصغير: ولماذا ليس من حقنا أن نقول ذلك؟ فقال العصفور الكبير: لأنه يوجد غيرنا من يقول إنه أحسن المخلوقات فسأل العصفور الصغير: من هو يا أبى الذى يقول عن نفسه إنه أحسن المخلوقات؟ فقال العصفور الكبير: إنه الإنسان. فقال الصغير: ومن هو الإنسان؟ فأجاب الأب: الإنسان...ألا تعرف الإنسان يا بنى؟ إنه ذلك الذى يرمى عشنا بالحجارة. فقال الابن: نعم.. نعم عرفته.. ورأيته وهو يرمى عشنا بالحجارة.. أهو أحسن منا؟ أهو أسعد منا؟ فقال الأب: ربما كان أحسن منا.. ولكنه ليس أسعد منا... ويفرد توفيق الحكيم حوارا طويلا بين الأب والابن، يحاول فيه الأب أن يثبت لابنه أن الإنسان فى جوفه شوكة تشكه وتعذبه وهى شوكة الطمع. ثم يوقع العصفور الأب نفسه فى يد إنسان لكى يبرهن لابنه طبع البشر. وتنتهى الحكاية بعد أن أقنع العصفور الإنسان أن لديه خير كثير سيحصل عليه فى حالة إطلاقه: أيها الإنسان الطماع.. طمعك أعماك.. فنسيت الحكمتين الأولى والثانية..فكيف أخبرك بالثالثة؟!. ألم أقل لك: لا تتحسر على ما فات، ولا تصدق ما لا يمكن أن يكون. إن لحمى وعظمى وريشى لا يصل فى الوزن إلى عشرين مثقالا.. فكيف تكون فى بطنى جوهرة وزنها أكثر من عشرين مثقالا؟!. وكان منظر الرجل مضحكا.. فقد استطاع عصفور أن يلعب بإنسان. صراع الخير والشر أما الحكاية الثانية «المؤمن والشيطان» فقال فيها الحكيم للأطفال أن الإنسان يصبح قويا عندما يتبع تعاليم ربه ودينه، ويصير هشا ضعيفا عندما يستمع إلى حديث الشيطان، ويوضح ذلك من خلال مواجهة بين مؤمن وشيطان كانت الغلبة فيها دائما للمؤمن إلا أن الشيطان أغرى المؤمن بحصوله على دينارين من الذهب كل صباح وحين انقطع الذهب عن المؤمن راح يتصارع مرة أخرى مع الشيطان: وانقض المؤمن على إبليس، وقبض على قرنه.. وتصارعا لحظة.. وإذا المعركة تنتهى بسقوط المؤمن تحت حافر إبليس.. فقد انتصر إبليس، وجلس على صدر ا لمؤمن، مزهوا فرحا بانتصاره، وهو يقول له: أين قوتك الآن أيها الرجل؟! فخرج من صدر المؤمن المقهور المهزوم صوت مخنوق يقول: أخبرنى أنت يا شيطان كيف تغلبت؟! فقال له إبليس: لما غضبت لربك وقاتلت لله غلبتنى، ولما غضبت لنفسك وقاتلت لنقودك غلبتك.. لما صارعت لعقيدتك صرعتنى، ولما صارعت لمنفعتك صرعتك. أرنى الله وفى الحكاية الثالثة «الله وسؤال الحيران» يحكى الحكيم أن هناك طفلا صغيرا قال لأبيه: أنت يا أبى تتحدث كثيرا عن الله.. إننى أريد أن أرى الله الذى تتكلم عنه كثيرا. وعندها وقع الأب فى حيرة.. كيف يمكن أن يلبى طلب ابنه هذا؟ يسأل عجوزا مؤمنا فيؤكد له أن الإنسان يشعر بنور الله فى صدره حينما يقترب منه ويفوز بمحبته، ولا يحصد هذا الشعور إلا عندما يأتى بالخير والعمل الصالح.. ويستوعب الطفل الصغير الدرس من أبيه من خلال حوار شيق يدور بينهما، جاء فيه: هل رأيت الله يا أبى؟ فقال له أبوه: عرفت الطريق إليه.. إلى محبته. فقال ابنه: وهل ستأخذنى إليه؟ فقال الأب: بل هو الذى سيأتى إليك.. وتحس بقربه منك.. فقال الابن: متى؟..متى يا أبى؟ فقال الأب: عندما تفعل ما يحبه تحس بقربه.