مريض بالسكر احتفالا بمئوية الأديب العالمى نجيب محفوظ الذى ولد فى 11 ديسمبر 1911، نشرنا فى عدد سابق الجزء الأول من كتاب «نجيب محفوظ... صداقة ممتدة» لزكى سالم الذى كان الأقرب من محفوظ، والذى تحدث فيه عن بداية تعرُّفه بمحفوظ، ثم تناول بالتفصيل ندوات محفوظ: كازينو أوبرا، مقهى ريش، وقصر النيل. وهنا ننشر الجزء الثانى، وفيه يستكمل زكى سالم حديثه عن ندوة كازينو قصر النيل، والترشيح لنوبل وندوة الإسكندرية وتطور مهم فى علاقتهما. أود أن أحكى بعض ما كان يدور فى ندوة كازينو قصر النيل، لولا أن الحكايات كثيرة جدا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنى أخشى أن يُفهم من حكاية، أو أخرى أمور بعيدة تماما عن حقيقة جو الندوة، وما يجرى فيها من أحاديث ثرية، وحوارات هادئة، ومناقشات حامية. فقد يحضر ضيف ما، ويثير قضايا ثقافية، أو يطرح موضوعات أدبية، تسمح بنوع من النقاش الموضوعى الهادئ، وقد يحضر ضيف آخر يثير قضايا خلافية، وموضوعات شائكة، فيتحول النقاش إلى ساحة صراع حاد، فتنتفخ أوداج، وتنتفض عروق، فتطيش الكلمات بطريقة عجيبة لا معنى لها على الإطلاق! وكان الأستاذ يتدخل فى بعض الأحيان لينهى مناقشة حامية بكلمة هادئة حكيمة، كما كان فى أحيان أخرى يعلق بقفشة، أو بعبارة ضاحكة ليعبر عن رأيه فى الموضوع المطروح، وأذكر مرة حضر إلينا د. جلال أمين، وكان متحمسا فى أثناء حديثه فى الندوة عن أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه التليفزيون فى حياة الناس، وإنه إذا عهد إليه بقيادة العمل فى هذا الجهاز الخطير، فإنه يمكن أن يغير مصر كلها، وهنا علق الأستاذ ضاحكا: نعم يمكن أن تغير مصر كلها من خلال التليفزيون إذا كنت تبث ساندوتشات! وفى مرات نادرة، كان الأستاذ يحكى عن شىء حدث معه، وأذكر جيدا، هذه الواقعة التى حكاها الأستاذ وهو يضحك، وكنا تقريبا فى أوائل الثمانينيات، وكان الأستاذ يسافر إلى الإسكندرية فى الصيف، بداية من يوم السبت على أن يعود يوم الأربعاء، ليذهب إلى لقاءات الأهرام صباح يوم الخميس، وجلسة الحرافيش مساء الخميس، وندوته الأسبوعية يوم الجمعة. وقد استمر الأستاذ لفترة يستخدم السيارات البيجو (الأجرة) فى السفر إلى الإسكندرية، (بعد ذلك كان يفضل السوبر جيت)، وحكى لنا أنه ركب إلى جوار السائق، وأستأذنه أن يقف فى أى استراحة لدقائق فى خلال الطريق إلى الإسكندرية، (فالأستاذ مريض بالسكر ويحتاج إلى دورة مياه) ولكن السائق، والذى لا يعرف شخصية الأستاذ، رفض قائلا إنه لا يتوقف خلال الطريق! وفى كمين الشرطة عند بداية الطريق، تعرَّف أمين شرطة على الأستاذ، فسلَّم عليه بحرارة وتقدير واحترام، فظن السائق أن الأستاذ على صلة بالشرطة أو يعمل معهم، فقال له: تحت أمرك نقف فى أى مكان تفضله على الطريق! الترشيح لنوبل وفى مرات عدة كان يثار موضوع ترشيح الأستاذ نجيب محفوظ لجائزة نوبل، حين كانت بعض الصحف والمجلات تنشر مثل هذه الأخبار، فلم يكن الأستاذ يأخذها مأخذ الجد! وذكر الأستاذ لنا مرة حديثا جرى بينه وبين توفيق الحكيم، حين قال له الحكيم: هل قرأت ما نشر فى الصحف عن ترشيحك لجائزة نوبل؟ فأجابه: نعم، فسأله الحكيم: هل اتصلت بك السفارة السويدية لتحصل منك على سيرتك الذاتية؟ فأجابه محفوظ: لا، لم يتصل بى أحد. فقال له: لا تصدق مثل هذه الأخبار المنشورة فى الصحف، لأنك إذا كنت مرشحا فعلا، كانت السفارة اتصلت بك لتأخذ بياناتك. (والحقيقة كما تبين لنا فيما بعدأن السفارات السويدية لا تتصل بالمرشحين لجائزة نوبل). وبينما كنا بعض الحضور نؤكد على عظمة إبداع نجيب محفوظ، وجدارته بأرفع الجوائز بما فى ذلك جائزة نوبل، وأن أعماله تفوق فى قيمتها وفى عددها أيضا، أعمال كثير ممن حصلوا على الجائزة، وبخاصة فى سنواتها الأخيرة، كان الأستاذ دائما ما يصر على أن الاسم المصرى، بل والعربى الوحيد الذى يجب أن يرشح لجائزة نوبل، هو اسم توفيق الحكيم! وقد رحل توفيق الحكيم عن عالمنا فى عام 1987م. وهنا أحب أن أقول رأيى كقارئ فى إبداعات توفيق الحكيم، إذ إن له أعمالا تعد من أعظم روائع الأدب المصرى الحديث، ومن ثم فهى من وجهة نظرى جديرة بأرفع الجوائز العالمية، ولو طلب منى أن أختار اسما آخر فى الأدب العربى المعاصر يعد جديرا بجائزة نوبل لاخترت اسم توفيق الحكيم. وقد خطر لى، بعد حصول الأستاذ على نوبل، أن أسأله عن رأيه فيما لو حدث أن جاءت إليه الجائزة فى حياة توفيق الحكيم، فقال لى أعجب إجابة يمكن أن أستمع إليها، إذ قال: لو حدث ذلك لما خرجت من بيتى! إلى هذه الدرجة كان يشعر بالولاء لصديق عمره، ويرى أنه إذا حصل على نوبل فى وجود الحكيم، فكأنما أخذ جائزة لا تخصه، وإنما تخص توفيق الحكيم، الذى تحدث عن ترشحه للجائزة مرات عدة، وكان يرى نفسه جديرا بها، وهو بالفعل كذلك، كما أن محفوظ يعده أستاذا له فى فن الكتابة، مع اختلاف فن الحكيم المسرحى عن فن محفوظ الروائى، لكنه كان يعتبر الحكيم مثله مثل الرواد الكبار طه حسين والعقاد والمازنى، إذ إنهم كتبوا أشكالا أدبية عدة، فهم كانوا يشقون طرق الكتابة الأدبية أمام من سيأتون من بعدهم، وكان الأستاذ من شدة تواضعه يقول إن فن الرواية يعد فنا حديثا بالنسبة للأدب العربى، وأنه قطع فيه شوطا، أما الجوائز العالمية، فستأتى إن شاء الله، لأولئك الذين يأتون من بعده، ويكملون المسيرة الإبداعية، حيث يمكنهم أن يصلوا بإبداعاتهم إلى مستوى العالمية. وكثيرا ما كان الأستاذ حين يتكرر أمامه الكلام عن جدارته بجائزة نوبل - يقول: هذه الجائزة ليست لنا، يكفينا ما حصلنا عليه من جوائز مصرية، أما جائزة نوبل فلها أصحابها من كبار الكتاب العالميين! من يصدق؟! هذا المبدع العظيم لا يضع نفسه ضمن الكتاب العالميين الكبار! كما أنه يرى أن صديق عمره توفيق الحكيم أحق منه بالجائزة، حتى إنه قال لحظة حصوله عليها: إن الأحق بالجائزة منه، هم أساتذته: طه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم! كما أنه أجاب عن سؤال وجِّه إليه: لمن تهدى جائزة نوبل؟ فقال: إلى يحيى حقى. ندوة الإسگندرية للأستاذ نجيب علاقة حب قديمة مع مدينة الإسكندرية، فقد اعتاد منذ صغره على قضاء جزء من الصيف على شاطئ عروس البحر الأبيض، وكان يحكى لنا أنه فى مرحلة الشباب، كان أبوه يعطيه عشرة جنيهات، وهو مبلغ كبير فى ذلك الوقت، لكى يقضى شهرا كاملا مع أصدقائه فى الإسكندرية. وقد كان للكاتب الكبير توفيق الحكيم ندوة فى الإسكندرية، يعقدها فى فصل الصيف، فى كازينو «بترو». وقد دعا إليها الأستاذ نجيب محفوظ، فواظب الأستاذ على حضورها طوال شهر كامل اعتاد أن يقضيه فى الإسكندرية. وكان من رواد هذه الندوة: السياسى الكبير إبراهيم فرج، والأديب ثروت أباظة، والأديب د. يوسف عز الدين عيسى، وغيرهم. وثمة ملاحظة مهمة فى طبيعة علاقة الأستاذ مع توفيق الحكيم، إذ إنه يعتبره أستاذه، ومن ثم يعامله باحترام وتبجيل، والحقيقة أن توفيق الحكيم كان يعامل الأستاذ بحب واحترام، لكن الحكيم محب للكلام جدا، والأستاذ بطبيعته قليل الكلام، ومن ثم فقد كانت جلساتهما عبارة عن حكايات متواصلة من الحكيم، وتعليقات قليلة من الأستاذ! هذا إذا كانا وحدهما، أما عند وجود الآخرين، فثمة منافسين للحكيم فى الرغبة فى سرد الحكايات والكلام المتواصل. لكن لابد هنا أن نشير إلى خفة روح توفيق الحكيم، وطريقته المشوقة فى الحديث، وفى الإشارة بيديه، مما لا يجاريه فيها غيره. ومن العجيب أننى عندما سألت الأستاذ: ألا تمل من سماع حكايات توفيق الحكيم، وخاصة أنه كثيرا ما يكررها؟ فأجاب: لا أملُّ، طريقته فى الحكى جميلة، وشخصيته جذابة. فقلت له: لكنه يحول الموضوعات كلها إلى موضوعات شخصية، تخصه هو فقط! فقال الأستاذ: معك حق. يبدأ أحيانا الحكيم حديثه عن سفره إلى أوروبا فى وقت تتفتح فيه المذاهب الفكرية والأدبية والفنية، فأستعد لسماع التفاصيل المهمة عن الاتجاهات الحديثة فى أوروبا، فإذا به يتحول فجأة إلى الحديث عن نفسه! وأحب أن أحكى واحدة من حكايات الحكيم عن الإسكندرية، فقد حكى عن الشخص الذى تسمى باسمه شاطئ من أهم شواطئ الإسكندرية، وهو شاطئ سيدى بشر، إذ حكى الحكيم أنه كان يعرف هذا الرجل البسيط، والذى كان يعمل «عسكرى» فى البوليس، وأنه ليس وليا له كرامات، ولا شيخا له مريدون، ومن ثم كان الحكيم يتعجب كيف أصبح له ضريحا يؤمّه الناس كل يوم، كما تسمَّى باسم هذا الرجل العادى شاطئ من أهم شواطئ الإسكندرية! وللأستاذ نجيب حكايات كثيرة عن الإسكندرية، أهم ما فيها وصفه للإسكندرية فى الثلاثينيات والأربعينيات، بأنها مدينة «كوزموبوليتن» أى مدينة متعددة الأجناس والأعراق والطوائف، كانت مدينة من أجمل مدن حوض البحر الأبيض، تجد فيها جنسيات شتى، من إيطاليا، ومن اليونان، ومن قبرص، ومن تركيا، ومن غيرها من البلاد القريبة والبعيدة، بالإضافة طبعا إلى الإنجليز والفرنسيين والشوام وغيرهم. إنها مدينة رائعة حتى أوحى جمالها إلى لورانس داريل أن يكتب عمله الخالد: «رباعيات الإسكندرية». وقد حضر الأستاذ نجيب محفوظ إلى الإسكندرية قبل بناء الكورنيش على شاطئ البحر، وكان يقول: حتى الديكتاتور زمان وكان يقصد إسماعيل صدقى كانت له أعمال طيبة. وبعد رحيل توفيق الحكيم، فى يوليو 1987م، استمرت ندوة الإسكندرية، وإن تغير مكانها، إذ انتقلت إلى حديقة فندق سان استيفانو، المطلة على منظر البحر الجميل، وكانت هذه الندوة تعقد يوميا طوال وجود الأستاذ بالإسكندرية، وكان قد قرر أن يقضى أسبوعا فى القاهرة، وآخر فى الإسكندرية، طوال شهور الصيف. وهذه الندوة كانت تختلف اختلافا كبيرا عن ندوة قصر النيل بالقاهرة، فقد كانت تتصف بالمرح والفكاهة والضحك فى معظم الأحيان. وكان الأستاذ يضحك من قلبه على النكات، والقفشات، والحكايات المضحكة التى تستوعب أغلب وقت هذه الجلسة المسائية الجميلة. وكنت أسأل الأستاذ عن سبب اختلاف الجو فى ندوة الإسكندرية عن ندوة القاهرة، فيقول: الناس هنا حضرت لتجلس فى الهواء أمام البحر، لكى ترتاح من تعب العام، وعناء العمل، ولابد أن يمرحوا ويضحكوا وينسوا همومهم قليلا. وهنا أحب أن أشير إلى صفة مهمة فى شخصية أستاذنا العظيم، وهى اهتمامه بأوقات الإجازة أو الراحة، وهذه صفة مهمة جدا، ونحن كثيرا ما نفتقدها فى ثقافتنا المصرية، بينما العالم المتقدم كله، شرقه وغربه، يعلم قيمة الإجازة، ويقدِّرها حق قدرها، وكذلك كان الأستاذ نجيب، فقد كان يعمل كثيرا، وكثيرا جدا، لكنه فى الوقت ذاته، يهتم اهتماما كبيرا، بفكرة الإجازة، أو الراحة، أو الاستجمام، إذ بدونها لا يمكن للإنسان أن يستعيد نشاطه، ويعود إلى جده وعمله. وأذكر أنه وهو يتابعنى وأنا أعمل وأدرس فى نفس الوقت، مما كان يجعلنى آخذ إجازتى السنوية كلها فى أيام الامتحانات، فكان ينبهنى إلى ضرورة أن أحرص على فترات من الراحة والهدوء والاستجمام. أما أهم رواد ندوة سان استيفانوا فهم: د. يوسف عز الدين عيسى، والدكتور صفر (وهو طبيب من أقرب أصدقاء الإسكندرية إلى الأستاذ)، والأديب الراحل نعيم تكلا، ومحمد الجمل، وسعيد سالم، وعصام الإنة، وعبدالله الوكيل، وأحيانا ثروت أباظة، وغيرهم من أصدقاء الأستاذ ومحبيه. وأذكر أن الأصدقاء فى الإسكندرية كانوا يقارنون بين عدد الندوات التى يعقدها الأستاذ فى كازينو قصر النيل بالقاهرة طوال العام، وعدد الندوات التى يعقدها فى سان استيفانو بالإسكندرية خمسة أيام كل أسبوعين، فوجدوا أن العدد متقارب، وأن الأستاذ يساوى فى الوقت الذى يقدمه لأصدقائه هنا وهناك. تطور مهم فى علاقتنا مضت سنوات وأنا أحضر ندوة قصر النيل بانتظام دون أن أتأكد ما إذا كان نجيب محفوظ يعرفنى بشكل شخصى، أو حتى يتذكر اسمى أم لا! صحيح هو يسلِّم علىَّ، كما يسلم على الجميع يدا بيد، عند نهاية كل ندوة، وصحيح هو يرد على أسئلتى التى أوجهها إليه من حين لآخر، ولكن عبر هذه السنوات لم نتحدث معا على انفراد مثلما حدث فى اللقاء الأول! وكان الأستاذ فى هذه الفترة يأتى إلى الندوة، كما ذكرت، سيرا ويعود إلى بيته سيرا أيضا. لكن حدث فى نهاية إحدى الندوات، وكنا فى بدايات الثمانينيات، وكانت عندى سيارة صغيرة، ورأيت الأستاذ يُوقف تاكسيا ليعود به إلى بيته، فلم أعرف هل هذا التصرف يعد تصرفا استثنائيا لسبب لا أعرفه، أم أنه قرر أن يكتفى بمشوار الحضور إلى الندوة فقط، ثم يعود إلى بيته فى تاكسى؟ فى الأسبوع التالى كنت فى انتظاره، فبعدما سلَّم على، وعلى الجميع كعادته، خرجت إليه مسرعا، وسألته إذا كان يسمح لى أن أوصله إلى بيته، فإن طريقنا واحد، فوافق بأريحيته المعهودة. حين جلس إلى جوارى فى السيارة، كانت سعادتى لا توصف، فها أنا وحدى أخيرا مع نجيب محفوظ، أتحدث معه، وأتابع أسئلتى الواحد تلو الآخر! كنت أسير بالسيارة بمنتهى البطء، فبيته قريب من الندوة، وأنا أتمنى أن يطول المشوار، ويطول إلى ما لا نهاية! وبعدما ركب معى مرة وأخرى، أصبحت عادة لديه، إلى درجة أنه لا يسمح لأحد آخر مهما كان أن يوصله إلى بيته، فقد أعتاد علىّ، وعلى سيارتى الصغيرة! وأتذكر أن ثروت أباظة حضر مرة إلى الندوة، وكان يريد أن يحادث الأستاذ فى أمر ما، وأنتظر حتى نهاية الندوة حتى يوصل الأستاذ إلى بيته، ولكن الأستاذ رفض فى البداية أن يوصله أحد غيرى، حتى إن ثروت استأذننى فى أن يوصل الأستاذ إلى بيته، وقال للأستاذ إننى أريد أن أقول لك شيئا مهما، فتقدم نحوى الأستاذ، وأخذ يعتذر لى لأنه مضطر أن يعود إلى بيته مع ثروت أباظة! وفى إحدى هذه الندوات، حضر إلينا شخص لا يعرفه أحد منا، وقدم نفسه، وقال إنه كتب مسرحية، وأن معه عدة نسخ منها، وكان يريد أن يقرأها الأستاذ ورواد ندوته أيضا، فاعتذر الأستاذ بسبب ضعف بصره، وقال له: هؤلاء كتاب ونقاد ومثقفون، ويمكنهم أن يقرأوا المسرحية، ويناقشونك بعد ذلك، وفعلا أخذ معظم الحضور نسخا من المسرحية مكتوبة على الآلة الكاتبة، وعنوان هذه المسرحية هو: «واحد يساوى صف» وأسفل العنوان مكتوب: مسرحية من ثلاثة مشاهد رؤية شاملة للكون وللحياة جادة ومتفائلة. تأليف المهندس: أمين محمود العقاد. ومن الطريف أنه كتب فى المقدمة أن هيئة الكتاب رفضت طباعة هذه المسرحية، كما رفضت مجلة المسرح نشرها، ورفض مسرح الطليعة تمثيلها، وكذلك البرنامج الثانى رفض إذاعتها، وكثير من كبار النقاد والكتاب رفضوها، وحتى أصدقاء المؤلف رفضوا هذه المسرحية! وقد وجدت معى عملا أدبيا بغض النظر عن مستواه يتمنى صاحبه أن يسمع رأى الناس فيه، فأخذته وقرأته باهتمام، وكتبت ملاحظاتى عليه، وفى الجمعة التالية، جاء المؤلف، وسأل الأستاذ نجيب الحضور أن يقولوا رأيهم فى المسرحية، فإذا بهم جميعا لم يقرأوا منها شيئا! فتصديت لتحليل المسرحية ونقدها، وتكلم الرجل كثيرا عما كان يقصده من كتابة هذه المسرحية المرفوضة من الجميع! وبعد الندوة، وما إن ركب الأستاذ معى فى السيارة حتى أخذ فى التعبير عن شكره، وامتنانه لأننى الوحيد الذى أخذ ما كتبه الرجل بجدية واهتمام وتقدير لجهده من جهة، ولحضوره إلينا من جهة أخرى، وقال لى الأستاذ: تصور لو الرجل جاء ولم يجد أحدا قد قرأ عمله؟!