"الصمت صديق أخرس وأناني، يسمع ولا يجيب أبدا" يقولها الكاتب الجزائري واسيني الأعرج. وبالطبع نتسائل لماذا نعتبر الصمت صديقا اذا كان بالفعل أخرسا وأنانيا؟ أم أن وحدتنا قاتلة لدرجة أننا أحيانا نلجأ للصمت كصديق (حنعمل ايه؟) حتى لو اكتفي بأنه يسمع ولا يجيب. يا ساتر!! " لا أرى نفسي ممثلة عظيمة" قالتها أخيرا الممثلة الفرنسية جولييت بينوش وأضافت : "في أي مجال لا يوجد عظماء كثيرون .. ولكننا نحاول أن نستلهم العظمة منهم ونحاول أن نلهم آخرين بها". بينوش التي كانت في القاهرة ذكرت أيضا :"أنا يهمنى المخرج وما يريد قوله، يجب أن تكون لديه رؤية ويريد الغوص فى حياة البشر وفهمها وهذا لا علاقة له بجنسيته .. لأننا نولد جميعا بدون ملابس أو مميزات عن الآخرين، وهذه فرصة لنا لنوجد على الأرض ونحاول أن نجعل الحياة أفضل" هل وصلت لنا رسالتها ؟ وهل أدركنا دور الفن والفنان في حياتنا؟! بدل العك اللي شاغلنا واللي داوشنا لفترة طويلة!! وتكتب سحر الموجي "أخبرونا عن المصائب كما شئتم، ولكن من فضلكم احكوا لنا حكايات الحب الذى عاش والكفاح الذى لم ينهزم أمام الفساد. احكوا لنا عن هؤلاء الذين تخطوا الصعاب ونجحوا أن يخلقوا واحات للخير والحق والجمال." الموجي وهي تتامل واقعنا تضيف: "فأرواحنا التى تعودت على صحراء الخيبة القاحلة تهفو إلى المطر وإلى ألوان الحكايات .. حكايات تخبرنا أنه لايزال للمثل وللنبل وللإنسانية مكان فى حياتنا. حكايات تؤكد أن بإمكاننا أن نحلم ونسعى لتحقيق الحلم". هكذا نطالب نحن أيضا وندرك بأننا في أمس الحاجة الى حكايات تفرح وتشرح وتريح القلب.. ######################### وبما أننا كثيرا ما نتشابك مع أنفسنا ومع الآخرين في خضم الحياة، وعادة ما تشغلنا أو تلهينا أو تلخمنا التفاصيل التافهة والعقليات المتقلبة والنفسيات المتخبطة فاننا ( بكامل ارادتنا مع الأسف) غالبا ما نغرق فيها ومعها ولها – و"ننسى روحنا" .. ثم قد ( وأقول قد) نتساءل أين المخرج أو المفر أو شاطئ الأمان؟؟ "ما حدش واخد منها حاجة" هي العبارة التي تنبهك وتحذرك أو ربما "تفوقك من اللي أنت فيه" – من الوهم أو الخيال اللي أنت عايش فيه واللي أنت اخترته بنفسك أو وجدت الآخرين فرضوه عليك. وفعلا " ما حدش واخد منها حاجة" و"ايه نسيت القرصة اياها؟!" أو "ما اتعلمتش من الدرس اياه؟!" – وان كنت نسيت اسأل عادل أو يوسف أو اسأل هالة أو داليا وكلهم بعد تأمل للحظات لشريط حياتهم وحياتنا حيقولوا "ايوه ونص ما حدش واخد منها حاجة" . هكذا علمتنا وتعلمنا الحياة – وفي أحيان كثيرة تصرخ في وجوهنا وتصفعنا وتهزنا وتهدنا وتجيبنا الأرض. وطبعا المثير والممتع هذه الأيام بالنسبة للمهتم بأحوال دنيانا – والمهموم بأمورها حكاية أو حكايات "ويكيليكس" التي زلزلت دول العالم وحكوماتها .. ومعها واشنطن بلا شك. وأكيد " ما خفي أكثر وأكبر وأخطر". فما تم الكشف عنه أو تسريبه بدءا من 29 نوفمبر 2010 يبلغ حجمه 250 ألف وثيقة – وكما وصف أحد المراقبين "انها مجرد نقطة في دلو أو ابريق كبير" يحوي نحو 16 مليون وثيقة صنفت بأنها "سري للغاية" توجد حاليا لدى الحكومة الأمريكية. لكن رغم هذا فان ما تسرب حتى الآن يعد "تسونامي" عالمي سياسي دبلوماسي، وقد كشف الكثير من المستور وعصف بالكثير من التقاليد والأساليب الدبلوماسية. انه "صندوق باندورا" - وهات ما عندك الى ما لا نهاية. وأيضا "جراب الحاوي الأمريكي وألاعيبه في جرجرة الآخرين الى الحديث عن مشاعرهم تجاه جيرانهم أو اخوانهم". ان ما كتب في الأيام الماضية حول مضمون المكشوف عنه والمفضوح به – مواد يجب أن يتم تدريسها في فصول الدبلوماسية وعلم نفس الشعوب وادارة النزاعات. وبالطبع فان سيرة "ويكيليكس" أصبحت على كل لسان وبكل لغة في كل بقاع العالم. جوليان أوسانج – صاحب مشروع "ويكيليكس" هز وزلزل أركان العالم بكشفه آلاف الوثائق الخاصة بحربي أفغانستان والعراق ثم بسياسات أمريكا الخارجية. ولا يعد غريبا اذا اختارته بعض وسائل الاعلام كشخصية العام (2010). والتساؤل المطروح على الساحة العالمية هو: هل الاسترالي جوليان أوسانج (من مواليد 3 يوليو 1971) ناشط سياسي من جيل الانترنت أم صحفي الكتروني من طراز فريد يريد أن يكشف الحقيقة؟ أم عميل متخف للاستخبارات الأمريكية؟( كما يتهم البعض). وقد حذر أوسانج في حديث له مع مجلة "فوربز" بأن خبطته القادمة ستكون كشفه لوثائق مؤسسة مالية أو اقتصادية كبري مع بداية العام الجديد. وبالتأكيد تسريبات "ويكيليكس" تدفعنا للتساؤل وماذا عن وثائق دول أخرى (غير أمريكا) وهي تمارس حياتها وسلطتها وأيضا قمعها وبطشها مع شعوبها وشعوب مجاورة؟ وترى هل هناك أصلا وثائق ليتم كشفها وفضح ممارساتها وتعاملاتها مع ما يحدث ؟؟ أم كالعادة فضلت تلك الأنظمة أسلوب "خللي الطبق مستور!!" وسياسة "اللي فات مات". وتبقى القضية الكبري والأمر الأهم : كيف ان الانترنت كوسيلة تواصل وتفاعل شكل ويشكل حياتنا المعاصرة بتفاصيلها – فكل كبيرة وصغيرة فيها تتشكل وتتشوه وتتبدل وتتغير بسبب أو بواسطة الانترنت!! كما أن ما يحدث في دنيانا وما يناقش حولنا دائما يثير لدينا التساؤل الهام : هل ونحن نشاهد ونرى الأشجار شجرة شجرة نستطيع مشاهدة ورؤية الغابة بأكملها – ثم اذا شاهدنا واكتشفنا الغابة هل لدينا القدرة والرغبة في الاقتراب من كل شجرة والاهتمام بها. "نعم أنا أعرف لماذا تطرح هذا السؤال" يقولها صديقي العزيز سامر مضيفا : " أغلب الناس ان شافت الشجرة ما تشوفش الغابة وان شافت الغابة ماتشوفش الشجرة . قليلين قوي اللي شايفين الشجرة والغابة .. التفاصيل والصورة العامة وهم دول اللي عارفين قيمة الدنيا ومعناها!!" وطالما نتحدث عن حكمة "ما حدش واخد منها حاجة" فلا تستعجب اذا رأينا أو وجدنا أن الكثير من الكتاب والمفكرين لا يترددون في التعامل الصريح والمواجهة الجريئة وأحيانا القاسية مع واقعنا – هذا هو دور الذاكرة اليقظة والضمير المنتبه والحارس الأمين والمدرس الصادق والصديق الوفي (وليس الأخرس والأناني) "اللي فعلا قلبه عليك" و"اللي عمره مش حيتمنالك الغلط حتى لو تردد للحظة في بلع الزلط تبعك". وهنا تتدخل العزيزة هالة لتقول "ايوه معدتنا اتعودت تهضم الطوب والزلط .. بس ما تنساش ان للصبر الحدود". الكاتب الساحر والساخر معا زكريا تامر ( من مواليد دمشق عام 1931) عندما وجه اليه سؤالا حول قسوة تعامله مع أبطال وأحداث قصصه قال "سؤالك هذا يصلح لأن يسأله سائح لا يعرف العالم العربي، لأنني أزعم بأن أكثر قصصي قسوة ، هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسيا ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدقني .. الأسطورة أصبحت أكثر تصديقا من واقعنا المرير". وكاتب القصص للأطفال والكبار أيضا ترك المدرسة في ال13 من عمره ليعمل حدادا ومهن يدوية أخري الي أن بدأ يكتب القصص وينشرها بدءا من عام 1957 هو الذي قال في حديث له "عملي كحداد في بداية حياتي ليس له دور ، أي دور في أسطرة الواقع، أو في القسوة عليه، بل ان دوره ينحصر في كيفية تعاملي مع الواقع، لأنني اعتبره مجرد مادة خام قابلة للتشكيل ، والحداد هنا قادر على أن يصنع من قطعة حديد واحدة مئات من الأشكال، كل شكل له استخدام مختلف عن الآخر. لقد علمتني مهنة الحدادة القدرة على استيلاد أكثر من واقع يختفي في الواقع السائد والمألوف لنا، لذا ما أكتبه لا اعتبره قسوة، كل ما أفعله هو أن أضع القارئ أمام المسكوت عنه، أو غير المقروء.. أو المدجن" ونحن عندما نقرأ كلمات زكريا تامر بالتأكيد نتأمل ونذكر - ما أكثر ما هو المسكوت عنه وغير المقروء والمدجن في واقعنا وحياتنا. وينبهنا القاص السوري بما يجب أن نفعله في مواجهة الواقع القاسي "نحن نحلم بوجود عالم يخلو من الجوع والذل، الانسان فيه سيد حقيقي .. ويخيل الى أن أهم ما يتصف به ذلك العالم الحالم هو الحب الذي يسود العلاقة بين الانسان والانسان". أما كاتبنا العظيم توفيق الحكيم وهو يتناول "القدر" (ويعمل له طبعا ألف حساب) كتب " هو معي ساخر دائما، وهو لا يبدو لاذعا في سخريته الا عندما يلمح منى بادرة شعور بأني اقتربت من هدفي". ويضيف الحكيم: " وقد علمني بذلك أن المقصود من الهدف هو السير نحوه لا بلوغه لذلك ما أحسست يوما بأني بمأمن الا عندما أسير وأعمل، لأن القدر لا يسخر ممن يسيرون ويعملون. واذا فعل فانه لا يجد لديهم وقتا أو فراغا يتألمون فيه كثيرا لما يفعل بهم. ولكنه يسخر أقسى السخرية من أولئك الذين يظنون أنهم وصلوا، وانتهوا الى الغايات". ويعلمنا الحكيم درسا آخرا في الحياة وهو مواصلة تحقيق الذات و .."استخراج خير ما في أعماق الانسان من ملكات" ذاكرا: "فكرة واحدة هي التي تعذبني دائما.. هى احتمال الخطأ في تقدير الملكة، واختيار الهدف. من أدراني أن ما حسبته ملكة أصيلة لم يكن سوى ملكة كاذبة؟ وأن تلك الحياة التي ركزتها كلها في استخراج قطعة من حجر نفيس لم تكن سوى حياة ضائعة هباء؟ عزائي الوحيد هو أنى أعتقد أن مجرد الجهد المبذول في الحفر على أعماق النفس لاستخراج خيرها هو عمل شريف في ذاته، حتى لو كشف في النهاية عن حصى ورمال مخيبة للآمال". وتوفيق الحكيم يلاغي ضحك الزمان وقهقهة القدر في مقال له بعنوان "الحياة هدف وارادة " في كتاب"أدب الحياة" الصادر عام 1965. وفى مقال آخر له عن "البحر" يكتب الحكيم: "هو شبيه بالرجل العظيم ، يفهمه السذج، وتلاعبه الصبية، وتعابثه الأطفال، وله قدر وقيمة في نظر الأبطال، وهو لجمهور الناس منبع نفع، وللدارسين مصدر سر، ولأهل البصيرة نفس رحبة تضئ فيها شمس، وتنطفئ شمس.. ولأهل الهزل موضوع للحديث الفذ، ووحي للتفكير السهل، ولأهل الجد أعماق زاخرة بالكنوز، تحتاج الى الغوص والكد، وللعميان والجهلاء صوت يدوي في آذانهم، وفراغ في عرف أذهانهم. ذلك هو البحر .. في الكون وفي البشر".
ولا يتركنا الكاتب الأمريكي مارك توين في حالنا عندما يقول تنبيها وتحذيرا " بعد عشرين عاما من الآن سوف يصيبك الاحباط بسبب الأشياء التي لم تفعلها وليس بسبب الأشياء التي فعلتها. اذن تخلص من حبال سفينتك وابحر بعيدا عن الميناء الآمن .. وافرد شراعك للرياح، استطلع واحلم واكتشف". هكذا ينصحنا توين صاحب أكثر من 30 مؤلفا ومن ترك بعده ( وحتى الآن) اسما مميزا محفورا في ذاكرة أمريكا والعالم. توين الذي ترك المدرسة ( مثل زكريا تامر) في ال13 من عمره ليعمل عامل مطبعة .. ثم ليقود سفينة نهرية في ال17 من عمره- وهو الذي قال : " قل الحقيقة .. ومن ثم لن تكون في حاجة أن تتذكر ما قلته وما لم تقله" #################### وسواء كانت "كلمة في ودنك" أو "كلمة في سرك" ف"ما حدش واخد منها حاجة" فيها كل حاجة فيها النصيحة والحكمة وفيها الفلسفة وخبرة الحياة وفيها "خليك حلو ومصحصح" وأيضا "لك يوم يا ظالم" – ايوه كل الحاجات ديه وزيادة كمان واذا كنت عايز حد يفكرك في الأخر- يعني في أخر محطة في حياتك حتاخد ايه معاك – اسأل حواليك وفيه ألف من يدلك والحكمة البسيطة والعميقة التي تناقلتها شعوب عبر الأجيال تقول: مثلما ولدت وجئت الى الدنيا وأنت تبكي والكل يضحك ويهلل حواليك فرحا بقدومك عش حياتك بحيث في يوم من الأيام وأنت ترحل من هذه الدنيا تكون فرحا ومهللا وراضيا بما فعلت وكيفما عشت والكل يبكي من حولك حزنا على فراقك وغيابك من حياتهم هكذا يجب أن نعيش ونحيا ونعمل ونشارك ونساهم ونترك بصمة وذكرى حلوة .. وبعدين نمشي والا – "كأنك لا جئت ولا رحت" – يعني "زي قلتك" (لا مؤاخذة) ايوه – "ما حدش واخد منها حاجة" بس أكيد ممكن يسيب حاجات "شوف بقه أنت عايز تسيب ايه؟!" .. حواليك ومن بعدك وطبعا ما تبخلش أبدا – طالما لديك الكثير لكي تمنحه للغير وللي حواليك الكتير من وقتك وحبك ومشاعرك ومشاطرتك في تخفيف أحزان الآخرين وآلامهم وطبعا مما تملكه أيضا – ليه لأ! المهم النية والرغبة والاستعداد والايمان بالعطاء وأنا عرفتك خلاص- أنت أكيد ناوي وعايز ومستعد لكل ده ومش محتاج اشارة مني أو من أي حشخص آخر! توكل على الله .. وخد خطوتك!