سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة من غزة    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: نظرية صفقة الأسلحة مع روسيا هي الأكثر سخافة    كندا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب انتهاكات    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    فاروق جعفر: مباراة الزمالك أمام نهضة بركان لن تكون سهلة    عاجل - "احترسوا من الجو".. حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة في محافظة جنوب سيناء    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    كيفية معالجة الشجار بين الاطفال بحكمة    أضرار السكريات،على الأطفال    نجم الأهلي السابق يتوقع طريقة لعب كولر أمام الترجي    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    36 ثانية مُرعبة على الطريق".. ضبط ميكانيكي يستعرض بدراجة نارية بدون إطار أمامي بالدقهلية-(فيديو)    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الاحتلال يواصل إغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم (فيديو)    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    «مش هيقدر يعمل أكتر من كدة».. كيف علّقت إلهام شاهين على اعتزال عادل إمام ؟    يوسف زيدان يفجر مفاجأة بشأن "تكوين": هناك خلافات بين الأعضاء    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    الوادى الجديد: استمرار رفع درجة الاستعداد جراء عواصف ترابية شديدة    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يعقوب الشاروني حكايات جدتي فتحت لي نوافذ الكتابة للأطفال

هو أحد رواد أدب الأطفال في مصر والعالم العربي‏,‏ ولد عام‏1931‏ ودرس القانون‏,‏ وتدرج في مناصب القضاء حتي وصل لمنصب نائب رئيس هيئة قضايا الدولة‏(‏ رئيس محكمة‏
‏ عمل دراسات مختلفة في القانون والاقتصاد‏,‏ وأخذته الحياة الأدبية من القانون والاقتصاد ليعمل كمتخصص في أدب الطفل‏,‏ ويتقلد عددا من المناصب مثل‏:‏ رئيس المركز القومي لثقافة الطفل‏,‏ ومدير عام الثقافة الجماهيرية‏,‏ ومستشار وزير الثقافة لشئون الطفل‏..‏ سافر لفرنسا لدراسة أساليب العمل الثقافي بين الجماهير‏,‏ وحصل علي العديد من الجوائز أهمها جائزة الدولة الخاصة بالأدب سنة‏1960,‏ وأفضل كاتب أطفال عام‏1982,‏ وأفضل كاتب أطفال عن مجموع مؤلفاته عام‏1998,‏ وعام‏2003‏ حصل عن كتابه أفضل الحكايات الشعبيةعلي الجائزة الكبري لمعرض ابولونيا الدولي لكتب الأطفال بإيطاليا‏..‏ تاريخ حافل ومجموع أعمال يصل الي‏400‏ كتاب‏..‏ إنه يعقوب الشاروني الذي كان للأهرام المسائي هذا الحوار معه‏.‏
النشأة والتكوين
قلت له بداية أود لو أعطيتنا نبذة عن مرحلة النشأة والتكوين الملامح والبدايات كيف كانت وما هي المؤثرات التي ساهمت في تشكيل وجدانك ؟
‏**‏ قال ولدت في القاهرة في العاشر من فبراير عام‏1931,‏ وكنت الخامس بين تسعة أخوة‏,‏ خمسة ذكور وأربع إناث‏0‏ وقد نشأت في بيت به مكتبة كبيرة حيث كان والدي يهوي القراءة‏,‏ لكن الحقيقة أنني تأثرت كثير ا بأخي الأكبر الدكتور يوسف الشاروني الذي يكبرني بست سنوات‏,‏ والذي التحق بكلية الآداب قسم الفلسفة وعلم النفس بجامعة القاهرة‏,‏ وفي نفس العام كنت في السنة الرابعة الابتدائية‏,‏ استعد لأول امتحان في حياتي‏,‏ وهو امتحان الابتدائية‏0‏
وأضاف كنا نعيش في منزل كبير يمتلكه الوالد بمنطقة مصر القديمة‏,‏ تحيط به حديقة واسعة‏,‏ يظلل جانبا منها كرم عنب‏0‏ وأتاح لي هذا البيت المتسع‏,‏ أن تكون لي منذ طفولتي المبكرة غرفة خاصة‏,‏ وهو ما سمح لي بممارسة هواياتي في حرية‏,‏ وكان من أكثر ما أعتز به في غرفتي‏,‏ دولاب خشبي سميته‏'‏ مكتبتي‏'‏ وكانت أهم مصدر لما فيه من كتب‏,‏ وما أشتريه من سوق الكتب المستعملة علي سور الأزبكية الشهير‏,‏ بجوار ميدان العتبة في وسط القاهرة‏0‏ كان ذلك يحدث عادة وأنا في طريق العودة من دار الكتب‏,‏ فقد كنت معتادا أن أذهب إليها في يوم العطلة الأسبوعية‏,‏ بميدان باب الخلق‏,‏ أقرأ فيها الكتب غير المسموح باستعارتها
‏,‏ ومن أهم ما أذكره أنني قرأت في دار الكتب كتاب‏'‏ العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ‏'‏ لمحمد عثمان جلال‏0‏
وأستدرك قائلا أتاحت الحديقة الواسعة حول البيت‏,‏ الاحتكاك المباشر والدائم بالطبيعة‏,‏ فكنت ألعب مع أخوتي وأبناء الجيران الصغار‏,‏ ومن أهم ما أذكره من تلك الألعاب‏,‏ الأرجوحة العالية التي كانت عبارة عن حبل يربطه أخوتي الكبار في الفروع العالية لشجرة من شجرتين من أشجار السنط‏,‏ ثم يجلس الواحد منا فوق منتصف الحبل‏,‏ ويدفعه أحد الأخوة‏,‏ فيطير في الهواء إلي ارتفاع عشرة أمتار‏0‏ وكذلك الصعود فوق تكعيبة العنب‏,‏ للبحث عن العناقيد المختفية بين الأغصان‏0‏
ما بين النيل وحصن بابليون
وأضاف كان منزلنا يقع في منتصف المسافة بين النيل من الناحية الغربية‏,‏ وبقايا حصن بابليون المجاور لمحطة قطار‏'‏ مار جرجس‏'‏ ولعل هذا القرب الدائم من نهر النيل‏,‏ جعلني أدرك عمق إحساس أهل مصر الدائم منذ آلاف السنين وارتباطهم القوي بشريان حياتهم الرئيسي‏,‏ خصوصا وأن فصلي في مرحلة الروضة كان يشبه مظلة من النباتات علي شاطئ النيل تطل علي مجراه‏,‏ وفيما بعد كان مبني مدرستي الابتدائية والثانوية يطل أيضا علي مجري النيل‏0‏
ويأسف الشاروني قائلا إن اتساع القاهرة حرم الكثير من الأطفال من مشاهدة النيل ولو مرة في حياتهم‏0‏
وأضاف كثيرا ما ذهبت إلي مسجد عمرو بن العاص والي كنيس بن عزرا داخل دير مار جرجس لذلك شعرت منذ طفولتي أنني أعيش في منطقة تاريخية عريقة‏,‏ اجتمعت فيها الأديان الثلاثة متجاورة علي امتداد مئات السنين‏,‏ تظللها الروابط القوية بين أهل المنطقة كلهم‏,‏ مهما اختلفت دياناتهم‏0‏
علي طريقة مونتسوري
وقد التحقت في مرحلة الحضانة والروضة بالمدرسة الإنجليزية التي كانت موجودة في ذلك الوقت علي الناحية الشرقية لفرع النيل الصغير‏,‏ بالقرب من كوبري الملك الصالح‏0‏ ومع أن ذلك يرجع إلي عام‏1934,‏ فقد كانت تلك المدرسة تسير وفقا لمناهج مونتسوري التربوية والتي تعمل علي تنمية مختلف ملكات وحواس الطفل‏,‏ وتؤكد ضرورة اعتماد الطفل علي نفسه‏,‏ مع تنمية كل جوانب شخصيته‏0‏ وكانت مديرة المدرسة آنسة إنجليزية‏,‏ غير متزوجة‏,‏ أعطت المدرسة كل اهتمامها‏,‏ وعملت بأمانة بل وبتشدد أحيانا لتطبيق مبادئ وأساليب الدكتورة مونتسوري‏0‏ ومن هي مونتسوري هذه؟‏!‏
أجاب قائلا‏:‏ مونتسوري مربية إيطالية وطبيبة وصاحبة طريقة أصبحت مشهورة في العالم كله لتربية طفل ما قبل المدرسة‏,‏ وأهم مظاهر طريقتها‏,‏ تأكيد حرية الطفل في الحركة‏,‏ وتحسين الإدراك الحسي بالتدريب‏,‏ وتحسين تناسق الحركات بالألعاب‏,‏ وكان المعلم علي طريقتها مجرد مرشد ومراقب بعد أن يوفر للطفل المواد التعليمية الأساسية‏0‏
جدتي وحكاياتها
‏*‏ تقول إن الجدة هي الأصل أو الشجرة التي أنت أحد فروعها القصصية‏,‏ كيف ولماذا ؟
‏**‏ قال يعقوب الشاروني‏:‏ كانت جدتي تعيش معنا في المنزل بالقاهرة‏,‏ ولما كانت لا تستطيع السير لتقدمها في السن‏,‏ فكنت كثيرا ما أجلس بجوارها‏,‏ أستمع منها إلي مختلف الحكايات الشعبية‏,‏ وعلي وجه خاص إلي حكايات‏'‏ عقلة الأصبع‏'‏ أو‏'‏ نص نصيص‏'‏ التي شغلتني كثيرا في مرحلة الطفولة‏,‏ وقد جعلتني أؤلف من خلالها قصصا أبطالها هذا الفتي الصغير الذي لا يزيد حجمه علي أصبع الإبهام‏,‏ ومن بين الحكايات التي لا ينساها‏,‏ حكاية كتبتها فيما بعد لمسرح المدرسة‏,‏ ثم حولتها إلي مسرحية للعرائس‏,‏ وفي النهاية استوحيت فكرتها لكتابة قصة طويلة باسم‏'‏ خاتم السلطان‏'‏ ثم نشرتها ضمن سلسة المكتبات الخضراء للأطفال بدار المعارف‏,‏ وصدرت طبعتها الثامنة‏,‏ وهو ما يعني أنه تم بيع‏70‏ ألف نسخة منها‏0‏
أيام في شارونة
‏*‏ وهل هناك مؤثرات أخري ساهمت في بناء ذاكرة الفنان والأديب يعقوب الشاروني ؟
‏**‏ قال نعم‏00‏ كان هناك عامل آخر ترك أثرا كبيرا في تكوين شخصيتي واهتماماتي‏,‏ ذلك لأنني مولود بالقاهرة‏,‏ غير أنني كنت أذهب كل صيف لمدة شهرين أو ثلاثة‏,‏ في العطلة الصيفية‏,‏ إلي قرية والدتي‏'‏ جزيرة شارونة‏'‏ علي شاطئ النيل الشرقي المقابل لمدينة مغاغة أحد مراكز محافظة المنيا‏,‏ حيث كنت أعيش هناك في بيت جدي لوالدتي‏,‏ ذلك لأن جدي لوالدي والذي كان يعيش في نفس الجزيرة‏,‏ كان قد توفي قبل ولادتي بسنوات‏0‏
ويتذكر الشاروني كان جدي أحد القلائل النادرين في القرية‏,‏ الذين يمتلكون مكتبة صغيرة‏,‏ ويحرص علي مطالعة جريدة الأهرام ظهر كل يوم‏,‏ ويشتريها له العائدون من مغاغة بعد أن يعبروا النيل مع الفجر للبيع والشراء‏,‏ ويعودون إلي جزيرتهم عند الظهر أو مع العصر‏0‏
ويتذكر أيضا انه وجد في مكتبة جده نسخة من كتاب‏'‏ ألف ليلة وليلة‏'‏ طبعة الهند‏,‏ وقد بدأت في قراءتها في العطلة الصيفية التي أعقبت نهاية امتحانات نهاية العام للسنة الثانية الابتدائية‏,‏ والغريب أن يعقوب الشاروني يقول لك بصراحة لقد أحببت حياة القرية أكثر من المدينة‏0‏ ولعل ذلك يرجع إلي جو الحرية الذي كان يتيحه له عدم التقيد بمواعيد الدراسة‏0‏
‏*‏ وما الذي تبقي حيا في الذاكرة إلي اليوم من سنوات المدرسة‏,‏ وهل كان مدرسوك وراء نجاحك المستمر ؟
‏**‏ قال‏:‏ النجاح لا يأتي فجأة‏..‏ بدأ معي هذا الأمر عندما كنت في‏3‏ ابتدائي 9‏ سنوات‏,‏ في إحدي حصص الأستاذ‏'‏ عبد الحق‏'-‏ مدرس اللغة العربية‏-‏ تعمدت الجلوس منزويا بأحد الأركان في آخر الفصل حتي لا ينتبه إلي ويسألني‏.‏ بينما كان يراجع بعض المقررات‏,‏ كنت أضع أوراقا علي قدمي وأكتب‏,‏ وفجأة وجدته فوق رأسي يسألني بحدة‏:‏ ماذا تفعل؟‏!!‏ فأجبته بثقة‏:‏ أكتب‏,‏ فرد‏:‏ وماذا تكتب؟ أجبته بجرأة‏:‏ رواية‏.‏ وعلي عكس المتوقع من أنه سيقوم بتمزيق أوراقي قبل أن يلقيها من النافذة‏;‏ وجدته يطلب مني علي سبيل السخرية بطريقة أضحكت زملائي في الفصل أن أقرأ عليهم بعضا مما كتبت‏..‏ فرحا ومستغلا الفرصة التي لن تتكرر وقفت وبدأت القراءة‏,‏ أنهيت فقرة كاملة وإذ بكل من بالفصل صامتين‏,‏ وأخذ يربت علي كتفي قائلا‏:‏ اجلس يا بني فتح الله عليك‏,‏ ولتكمل روايتك‏.‏ أعتبر أن هذه أول جائزة أخذتها في حياتي‏..‏ مدرس اللغة العربية طلب مني استكمال روايتي بدلا من الدرس‏.‏
الحقوق كلية الوزراء
إذن لماذا دخلت كلية الحقوق وليس كلية الآداب ؟
‏**‏ الشاروني‏:‏ حبي للكتابة والقراءة مسألة قديمة جدا في حياتي‏,‏ ولكني دخلت كلية الحقوق‏(‏ كلية الوزراء‏)‏ عام‏1948;‏ لأن كان أيامها كل الوزراء يتخرجون في هذه الكلية‏,‏ الوزير كان سياسيا يفهم في كل شيء وإلي جانبه وكيل أول الوزارة الذي ينفذ سياسة الوزارة‏,‏ لذا دخلت كلية الحقوق علي أمل أن أصبح وزيرا‏,‏ وكان أمامي توفيق الحكيم الذي تخرج في‏'‏ الحقوق‏'‏ وعمل وكيلا للنيابة‏,‏ وأرسله والده لفرنسا للحصول علي الدكتوراه‏,‏ فترك القانون واتجه للأدب والفن‏.‏ وكما ذكر في كتابه‏'‏ عصفور من الشرق‏'‏ عن يومياته في باريس أنه كان يعاكس جارته فكان يصطاد السمك من حوض الأسماك في شرفتها التي تقع أسفل شرفته‏.‏
في الطريق للوزارة التحقت بالسلك القضائي بينما في داخلي‏'‏ أديب‏',‏ واختاروني لهيئة قضايا الدولة‏;‏ حيث العمل مرهق للغاية يستغرق وقت الإنسان كله‏;‏ لأنك تعمل في قرابة‏250-300‏ قضية‏,‏ تضعها في رأسك‏..‏ تشغل بالك ليل نهار‏,‏ تراكم المعلومات من هنا وهناك كنحلة تجمع الرحيق‏;‏ وإن لم تفعل ذلك فلن تكون قاضيا عادلا‏.‏ والقاضي عند كتابته المذكرة النهائية للقضية‏,‏ فإن ما بها من معلومات قد جمعت علي مدار شهور وربما سنوات استمرت خلالها جلسات القضية‏,‏ وهذا ما يحدث تماما في العمل الأدبي‏..‏ تنشغل به بصفة مستمرة‏,‏ تتراكم معلوماتك حتي تجد الهيكل المناسب الذي تبني عليه عملك وتقوم عليه عقدة العمل الروائي‏..‏ ما ينفعش تيجي تقول أنا ها كتب قصة النهارده‏.‏
زمان كان بيقول لك عشان تبقي شاعر احفظ‏10.000‏ بيت شعر وأنساهم وبعدين ابدأ اكتب‏,‏ شغل القضاء كان يستغرق كل الوقت ولم تتوافر المساحة لقراءة الأدب أو الإنتاج الأدبي إلا بحدود‏,‏ صحيح أنا دخلت الحقوق عشان الكلية دي اللي بتطلع الوزرا‏,‏ بس ده ما كانش طموحي‏,‏ طموحي كان أبقي زي توفيق الحكيم‏.‏ أنا بدأت باب الفن من المسرح وليس الكتابة للأطفال‏,‏ فكنت رئيس فريق المسرح في المدرسة الثانوية‏,‏ وفي الجامعة انضممت لفريق المسرح‏,‏ وكان من بين زملائي حمدي غيث‏,‏ وفي عام‏1950‏ كنت أكتب قصصا للأطفال لنفسي‏,‏ ولم أكن أتصور أنني سأنشرها فليس هناك من يهتم بهذا الأدب حينها‏;‏ واستمرت كتاباتي للمسرح حتي حصلت علي جائزة الدولة لعامي‏1960‏ و‏1962,‏ ثم شاركت في مسابقات أخري ولم أحصل علي جوائز‏,‏ في عام‏1960‏ حصدت المركز الأول متفوقا علي‏'‏ علي أحمد باكثير‏'‏ الذي حصل علي المركز الثاني‏;‏ بينما في عام‏1962‏ جاء‏'‏ محمود دياب‏'‏ في المركز الثاني‏;‏ مما أكد موهبتي خاصة أن تلك المسابقات كانت تتم في نطاق من السرية والحيادية‏.‏ وأهمية المسابقات أنها تجعلك تعرف مكانك مقارنة بالآخرين‏,‏ وتركز طاقاتك لهدف محدد ألا وهو الفوز بينما ينافسك الآخرون‏,‏ أيضا المسابقات تجعلك تخرج أفضل ما لديك مع التزامك بميقات زمني محدد‏.‏
عملت قاضيا بروح الأديب
وقال‏:‏ جرت العادة أن يتنقل القاضي من محكمة لأخري‏,‏ ويترك قضاياه التي تعب فيها ودرسها شهورا لقاض آخر‏,‏ هنا شعرت أن كل هذا المجهود يضيع وأنني أتركه لشخص آخر‏,‏ وهو ما لا يحدث مع أدبي الذي يبقي ولا يذهب لآخر‏.‏ وهنا فكرت في ترك سلك القضاء عام‏1959;‏ رغم أني كنت أصغر من عمل أمام المحكمة الإدارية العليا في تاريخ الحكومة‏,‏ وكنت من أنجح المحامين حيث كنت أعمل في القانون بروح الأديب‏..‏ أجمع معلومات وأقرأ كتبا‏,‏ ذات مرة طلب مني أحد القضاة الانتظار بعد الجلسة ليسألني عما قلته في مرافعتي ومصادره‏,‏ فأخبرته أني أحرص علي القراءة والبحث ومطالعة الجديد هنا وهناك‏,‏ وكنت أجد الحكم في اليوم التالي بحسب وجهة النظر التي ترافعت بها‏,‏ مما قرب عملي القضائي لعملي الأدبي‏.‏
‏*‏ وهل صحيح إن جمال عبد الناصر قال لوزرائه‏:‏ مين فيكم منتج قد توفيق الحكيم؟
‏**‏ الشاروني نعم قالها فقد كان‏'‏ عبد الناصر‏'‏ من المؤمنين بأهمية الأدب ودوره في الحياة‏,‏ وكان محبا لتوفيق الحكيم الذي كان يعمل رئيسا لدار الكتب آنذاك‏,‏ وقرأ له‏'‏ عودة الروح‏'‏ التي نالت إعجابه‏,‏ وبعد قيام الثورة كان قانون التطهير ينص علي فصل غير المنتجين من الموظفين‏,‏ واقترح وزير التربية والتعليم فصل توفيق الحكيم من دار الكتب‏;‏ لأنه غير منتج‏.‏ فعقد‏'‏ عبد الناصر‏'‏ اجتماعا لمجلس الوزراء‏,‏ وأخبرهم عن مذكرة وصلته من وزير التربية والتعليم تقترح فصل توفيق الحكيم لأنه غير منتج‏,‏ ثم سأل وزراءه‏:‏ مين فيكم منتج قد توفيق الحكيم؟‏!‏ وأصدر في اليوم التالي قرارا بفصل هذا الوزير‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.