ينعقد فى مدينة شرم الشيخ فى نوفمبر المقبل مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأممالمتحدة لتغير المناخ القادم فى دورته السابعة والعشرين، ليناقش قضايا تأثير التغيرات المناخية على حياة البشر على كوكبنا. وتعتبر قضية التنوع البيولوجى أحد أهم عناصر هذه الحياة، إلا أنها لا تأخذ حقها فى النقاش العام. يلعب هذا التنوع دورا أساسيا فى كل مناحى الحياة وفى التخفيف من حدة الفقر أو القضاء عليه، إذ يوفر للبشرية الموارد الأساسية ووظائف وخدمات الأنظمة الإيكولوجية. لذلك، إن فقدان التنوع البيولوجى ليس مجرد قضية بيئية، بل هو أيضا قضية تنموية واقتصادية وأمنية وأخلاقية، وهو أيضا مسألة وجود. هو قضية بيئية، لأنه يسرِع من ظاهرة الاحتباس الحرارى ويساهم فى عدم توازن النظم البيئية؛ وقضية تنموية لأنه يعنى فقدان موارد أساسية للزراعة والصناعة ومصايد الأسماك والسياحة والصحة وغيرها من قطاعات التنمية الرئيسية التى يعتمد عليها نحو مليار ونصف المليار حول العالم بشكل كبير فى كسب رزقهم؛ وقضية أمنية، لأنه يهدد الأمن الغذائى خاصة فى الدول الفقيرة، ويمكن أن يؤدى إلى الصراعات والحروب والهجرة؛ وقضية أخلاقية، لأن أضراره تلحق بالفقراء على وجه الخصوص، مما يطرح إشكالية العدالة الاجتماعية التى تصبح عابرة للأجيال؛ وقضية وجود لأنه قد يؤدى إلى انقراض الإنسان كباقى الكائنات الحية إما بسبب تدمير وإتلاف النظم البيئية والموائل أو بسبب الحروب والنزاعات حول الغذاء والموارد. وتتوفر المنطقة العربية على تنوع بيولوجى هام يرجع إلى تنوع موائلها الطبيعية وأنظمتها البيئية، حيث تزخر بتنوع نباتى كبير يختلف من الأنواع الصحراوية المتواجدة فى صحارى شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، إلى الأنواع الخاصة بالأراضى الرطبة والمناطق الجبلية المتوسطية المتواجدة فى سوريا ولبنان وفى شمال إفريقيا كذلك؛ كما تنفرد بأنواع نباتية نمت منذ فترة طويلة فى الصحارى العربية وأصبحت أصنافا خاصة بها لا تنمو فى مكان آخر (مصر، ليبيا، الجزائر، المغرب). غير أن هذا التنوع البيولوجى الهام معرض للفقدان، ما جعل أغلب دول المنطقة العربية تصنَف ضمن النقاط الساخنة للتنوع البيولوجى. وتصنف الدول العربية الواقعة فى جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى الأردن، ضمن النقطة الساخنة لحوض الأبيض المتوسط، وتصنَف دول القرن الإفريقى ومناطق جنوب غرب الجزيرة العربية ضمن النقطة الساخنة للقرن الإفريقى؛ ويصنَف العراق ضمن النقطة الساخنة إيران الأناضول. كما أن بعض المناطق من الدول العربية تعتبر نقاطا ساخنة صغيرة، من ضمنها جبال أطلس المغرب العربى، والأراضى الرطبة الساحلية فى المغرب والجزائر، وإقليم برقة بليبيا، ولبنان وفلسطين؛ وهى تتكون من أنظمة بيئية شديدة التنوع البيولوجى وموطن للعديد من الأنواع المستوطنة. على سبيل المثال، يتوفر المغرب، الذى يُعتبر أغنى الدول العربية وثانى دولة بعد تركيا فى النقطة الساخنة لحوض البحر الأبيض المتوسط، على أكثر من 40 نوعا من النظم البيئية الطبيعية التى تُعد موطنا للعديد من الأنواع المتوطنة أو النادرة، و24 ألف نوع من الحيوانات 97% منها من الحيوانات اللافقرية والحيوانات المائية (معدل التوطن 11%)، و8 آلاف من النباتات بمعدل توطن يصل إلى 20%؛ كما يتميز بنسبة عالية للتوطن للنباتات الوعائية تصل إلى 25%. ومن جهة أخرى، يتوفر المغرب على 1700 نوع نباتى نادر و/أو مهددة بالانقراض، أكثر من 75% منها تعتبر نادرة جدا، وما لا يقل عن 40 نوعا من أكثر أنواع الثدييات المهددة بالانقراض. أما اليمن، المصنف ضمن النقطة الساخنة للقرن الإفريقى، فيعتبر من أغنى وأكثر مناطق الجزيرة العربية فى تنوعها البيولوجى الفريد والنادر. ويُعد العراق ممرا طبيعيا للكثير من الأنواع بسبب موقعه الاستراتيجى، ويتوفر على سبع مناطق بيئية أرضية وثلاث مناطق بيئية للمياه العذبة ومنطقة بيئية بحرية. • • • وعلى غرار ما يعرفه التنوع البيولوجى فى جميع أنحاء العالم من مخاطر الفقدان، الذى ارتفعت وتيرته خلال القرنين الأخيرين ب100 إلى 1000 مرة أعلى مما كانت عليه فى العصور القديمة طبقا للمفوضية الأوروبية يواجه التنوع البيولوجى فى المنطقة العربية مخاطر حقيقية، حيث نجد عددا كبيرا من الأنواع المتوطنة، مهددا بالانتقال من فئة «أقل عرضة للخطر» إلى فئة «عرضة لخطر شديد» أو فئة «منقرض» خلال العقود المقبلة. ويهدد الانقراض عددا كبيرا من الأنواع الحيوانية والنباتية، كالثدييات النادرة فى اليمن، والثدييات المتوطنة فى منطقة صحراء شبه الجزيرة العربية والصحراء الإفريقية، والعديد من الأنواع النباتية فى كل المنطقة العربية. كما انقرض العديد من أنواع الثدييات من دول الشام، مثل النمر والغزال والماعز البرى والدب السورى، وانقرض الفهد الصياد من الدول العربية كالعراق واليمن. وفى السياق نفسه، أدى الاحتلال الصهيونى إلى فقدان جزء كبير من التنوع البيولوجى الغنى فى فلسطين، حيث انقرضت بعض الأنواع من الثدييات، بالإضافة إلى العديد من أنواع القشريات والأسماك النادرة. ويرجع تدهور التنوع البيولوجى إلى عدة أسباب مرتبطة بالتحولات فى الأنماط العالمية للإنتاج والاستهلاك والتى أدت إلى تخلى شعوب ودول المنطقة عن أنماطها التقليدية التى كانت تساهم فى الحفاظ على الموارد وتدبير الندرة؛ كما أدت إلى التلوث والتوسع العمرانى وفقدان الموائل وتجزئتها، واستنزاف ثروات وموارد بعض دول المنطقة من طرف الدول الغربية فى إطار العلاقات التجارية الدولية، خاصة فى مجالات الصيد والفلاحة. ولعل أحد الأمثلة على تدهور التنوع البيولوجى فى المنطقة العربية، هو ما يتعرض له المجال الغابوى فى المغرب، والذى يُعد من أفضل الدول الجنوب المتوسطية من حيث الغطاء الغابوى (نحو 14%)، ويتوفر على أكبر غابات الأرز فى حوض البحر الأبيض المتوسط، وإحدى أكبر الغابات الحرجية فى العالم، التى تحتوى على البلوط الفلينى (60 ألف هكتار). وبرغم أهمية القطاع الغابوى للاقتصاد المغربى، إذ يساهم بنحو 1% من الناتج الداخلى الوطنى الخام، ويوفر ما بين 8 إلى 10 ملايين يوم عمل فى السنة، ويساهم ب30% من حاجيات الخشب الموجه للأغراض الصناعية، و18% من الطاقة الوطنية، و17% من حاجيات كلأ قطيع الماشية، فإنه لا يحظى بالحماية اللازمة. فبالإضافة إلى العوامل الطبيعية والبشرية التى تتهدد الغابات، كالجفاف والتصحر والحرائق، والأضرار التى تسببها الطفيليات، والرعى الجائر، والقطع غير المشروع للأخشاب، واقتلاع النباتات الطبيعية من أجل الزراعة، تتعرض الغابات إلى الاستنزاف والتدمير من طرف لوبيات العقار والأخشاب، مثلما حدث فى شاطئ الأمم، شاطئ الداهومى، غابة المعمورة بمدينة القنيطرة. وذلك على حساب التنمية المستدامة، خاصة لفئة الفقراء الذين يعيشون من الموارد التى توفرها الغابات. • • • إن أسباب فقدان التنوع البيولوجى متعددة ومترابطة، فبالإضافة إلى العوامل العالمية والمحلية المتمثلة فى العوامل الطبيعية والأنشطة الإنسانية، تساهم فى فقدان التنوع البيولوجى أيضا عوامل مثل الحروب والنزاعات المسلحة، وعدم الالتزام بالمعايير البيئية التى تنص عليها الاتفاقيات ذات الصلة بالتنوع البيولوجى، وأيضا الضغوطات التى تمارسها بعض التكتلات الاقتصادية الكبرى على دول المنطقة، فى إطار الاتفاقيات التجارية (كضرورة الانضمام إلى المعاهدة الدولية لحماية الأصناف النباتية (UPOV) وهو ما يستوجب تقييم الاتفاقيات الإطارية الدولية وتأثيرها على الحقوق الأساسية للسكان، وإلزام جميع الأطراف الدولية باحترام بنودها أثناء إبرام الاتفاقيات التجارية. كما أصبح واجبا على دول المنطقة ملاءمة دساتيرها مع مضامين هذه الاتفاقيات وتضمينها لتقييم الأثر البيئى على كل المشاريع، سواء كانت بتمويل محلى أو دولى.