بين رضا الجمهور وسخطه تتأرجح أسهم المدير الفنى لكرة القدم صعودا وهبوطا، وخلال رحلة البحث عن النجومية والمال يعيش المدرب فى مهب الريح على دكه الاحتياطى، أمام البساط الأخضر الفسيح، ربما تكون المساحة المخصصة لحركته لا تتعدى الأمتار العشرة، وإن كان قلبه يهرول فوق كل شبر من أرض الملعب خلف الكرة، فمصيره مرتبط بها. تسعون دقيقة أى مدة المباراة هى بالنسبة له الحياة بكل معانيها. بين الهزيمة والفوز يتأرجح سعره فى سوق الرياضة، ففى مطلع التسعينيات عندما وصلت مصر، بعد غياب طويل، إلى كأس العالم بإيطاليا هتفت الجماهير: «جوهرى جوهرى!»، ومع مطلع الألفية الثانية نصبت حسن شحاتة «المعلم» بعد أن توجت مصر على رأس القارة السوداء. وعلى الصعيد المحلى، أفسحت جماهير الزمالك الطريق لتوءمى الكرة المصرية حسام وإبراهيم حسن بعد أن علت صيحات الغضب من مدرجات الدرجة الثالثة هاتفة ضد مدير الزمالك الفنى عقب هزائم ساخنة: «كفاية ميشيل، كفاية هنرى!» وذلك بعد أن زعزعت الجماهير الثائرة نفسها عرش السويسرى دى كاستال فى غضون ثلاثة أسابيع من تنصيبه. ويقول الكابتن فاروق جعفر، المدير الفنى لفريق طلائع الجيش والذى تولى تدريب المنتخب القومى لكرة القدم بالإضافة إلى عدد من النوادى الجماهيرية الكبيرة مثل الزمالك والمصرى والإسماعيلى: «بورصة المدير الفنى هى الأسرع سواء فى الهبوط أو الصعود. فمباراة واحدة قد ترفعه فى عنان السماء وأخرى قد تجعله فى أسفل سافلين، ومهما كان الأجر الذى تعاقد عليه كبيرا فهو دائما على كف عفريت لأن للجماهير دورا أساسيا فى وجوده من عدمه». ويشاركه الرأى الكابتن طارق العشرى، المدير الفنى لفريق حرس الحدود، قائلا: «المدير الفنى هو راسم البسمة على شفاه الجماهير لكنه فى نفس الوقت كبش الفداء فى حالة الهزائم لتهدئة الجماهير الغفيرة»، فعندما يهم أحد حراس المرمى للتصدى لضربة جزاء، يكاد قلب الكابتن حسن مختار مدرب حراس المرمى لأكثر من عشرين عاما يتوقف عن النبض». يتبادر إلى ذهنى عدد من الأسئلة: كيف يمكننى أن أواجه سخط مائة ألف متفرج فى المدرجات رغم أن ركلة الجزاء قد تكون فى أحيانا كثيرة ضربة حظ؟ ويزداد العبء النفسى كلما زادت شعبية النادى، على حد تعبير طارق العشرى. سواء كان النادى صغيرا أو كبيرا فمهمة المدير الفنى دائما صعبة، ففى حين تسعى الفرق الكبيرة للفوز بالبطولات، يبدو الموضوع بالنسبة للفرق الصغيرة وكأنه مسألة بقاء لأنها تسعى بدورها للاحتفاظ بمكانتها فى الدورى الممتاز. يقول الصحفى الرياضى محمد مصيلحى: «يوجد بالدورى المصرى اليوم نحو 15 مديرا فنيا مصريا من مجموع 16، تتراوح أجورهم بين 20 ألف جنيه و60 ألفا فى الشهر، فى حين يتراوح سعر المدير الفنى للفريق القومى بين 120 ألف جنيه و150 ألفا. هذا فى الوقت الذى وصل سعر المدير الفنى السابق للنادى الأهلى مانويل جوزيه إلى 80 ألف يورو». ارتفاع قيمة ما يحصل عليه المدير الفنى لا يسهل من مهمته، على حد تعبير أحد المدربين السابقين الذى رفض ذكر اسمه، موضحا أن هدفا من ضربة جزاء «قد يجلسه فى بيته دون عمل لأكثر من عام، فقد تكون توجيهاته صحيحة لكن لاعبى فريقه لم يطبقوها كما ينبغى». ومما يزيد الأمر تعقيدا أن كل شخص فى الشارع يمكنه تنصيب نفسه خبيرا كرويا لينتقد تشكيل الفريق وخطة المدير الفنى وأن الإعلام المسموع والمرئى يحدد إلى حد كبير جماهيرية المدير الفنى ويشحذ الرأى العام معه أو ضده. يضيف المصدر نفسه: «الشعب المصرى لديه ثقافة كروية واسعة وفرها له الإعلام الرياضى، لكن علم التدريب أكبر من ذلك بكثير، فقد تطلب الأمر منى فترة دراسة بالخارج لمدة عامين بالإضافة إلى خبرتى فى الملاعب لأكثر من ثلاثين عاما». اللعب بالأعصاب هذا الجو المشحون الذى يشوبه عدم الاستقرار ينتقل إلى كواليس الملعب، فى غرف خلع الملابس بالأندية المختلفة. يقول الكابتن طارق العشرى: «فى الأقطار العربية تتجمع كل الخيوط فى يد المدير الفنى الذى قد يجد نفسه مسئولا عن القيام بأدوار أخرى غير مهمته الأساسية»، فالمدير الفنى هو الأب والأم والأخ لكل لاعب، على حد تعبير طارق يحيى، المدير الفنى لفريق الإنتاج الحربى. قد يحتاج أحيانا لدس أنفه فى شئون اللاعبين الخاصة حتى يحل مشكلاتهم التى قد تؤدى لاهتزاز المستوى، فعليه استفزاز قدرات اللاعبين للحصول على أفضل أداء. يوضح الكابتن فاروق جعفر: «هناك مشكلات جانبية تفرض نفسها على أجندة المدير الفنى، قد أضطر لحل مشكلة لاعب اشترى سيارة ويجد تعثرا فى دفع أقساطها أو آخر لديه مشروع زواج». من أجل المزيد من التواصل يلجأ أحيانا الكابتن طارق يحيى إلى إجراء زيارات خاصة للتعرف على أسرة اللاعب ومستواه الاجتماعى والثقافى والتى قد تحدد أحيانا سلوك هذا اللاعب داخل الملعب وأخلاقياته ومدى تجاوبه مع باقى الفريق، ويضيف: «هناك لاعبون من أسر فى غاية فى الفقر، يعانون من حرمان شديد، لذا نحتاج إلى أن نساعدهم على تخطى كل هذه الصعوبات». قد تكون الخبرات الفنية للمدرب عالية لكنه لا يجيد مثل هذه النواحى الإنسانية فيقع فى مأزق على حد قول العشرى لأن نتيجة المباراة فى النهاية مسئوليته والجمهور لا يعلم ماذا يحدث فى الكواليس، فمثلا منذ عدة سنوات قام أحد نجوم الكرة بالاعتداء على المدير الفنى للمنتخب القومى فى منزله لأنه لم يضمه للمنتخب! فكما يؤكد اللواء سعيد عبدالحليم، مدير الكرة بنادى الإنتاج الحربى والمدرب السابق: «هناك دراسة نشرتها إحدى المجلات الألمانية أثبتت أن مدربى الكرة من أكثر المهن التى يعانى أفرادها من أمراض القلب والضغط والسكر»، وربما كان ذلك سببا فى اعتزال اللاعب مثل المدرب الهولندى الأسطورة يوهان كرويف بعد تعرضه لأزمة قلبية وتغيير شرايينه، كما كان هذا هو السبب فى انسحاب الكابتن محسن صالح من على البساط الأخضر، عقب تعرضه لمشكلة مشابهة، رغم كونه واحدا من أفضل مدربى الكرة فى مصر. لا يكون الانفعال بالسلب دائما، لكن وطأة الفرحة قد يكون لها أيضا وقعها على قلب قائد الفريق، إذ يتذكر طارق يحيى حال الكابتن محمود سعد الذى تم نقله للمستشفى عقب مباراة لنادى الزمالك من فرط الحماسة والانفعال. يشرح طارق يحيى، أيضا، تأثير عمله على حياته الأسرية: «نحن نعيش مع اللاعبين فى النادى أكثر مما نعيش مع ذوينا، ونضطر للغياب عن منازلنا لعدة أسابيع فى معسكرات التدريب أو رحلات الفريق للعب فى المحافظات». يروى فاروق جعفر مثالا حيا على ذلك: «عندما كنت أقود المنتخب القومى عانيت من صعوبات فى النوم وعصبية مفرطة حتى انهارت حياتى الزوجية وخسرت ابنى الذى انحاز آنذاك لوالدته»، جعفر يضع الآن نظاما صارما لحياته حتى يتمكن من مواصلة مسيرته، فهو يتناول السمك أربع مرات أسبوعيا حتى يزيد من قدرته على التركيز ومتابعة أدق التفاصيل، كما أنه يلعب «البلاى ستيشن» و«الوى» لكى يصارع التوتر.