حالة غريبة تلك التى أصبحت عليها مدينة ليستر البريطانية عندما فقد السكان البيض أغلبيتهم فى المدينة دون أن تحقق أى جماعة أخرى أغلبية ليصبح الجميع فى المدينة أقلية. خلال السنوات الخمس المقبلة ستصبح ليستر أول مدينة بريطانية يكون كل فرد فيها عضوا فى أقلية عرقية أو دينية دون أغلبية لأى مجموعة. وفى المدارس انخفضت نسبة التلاميذ البيض إلى 44% فى عام 2007 وبحلول عام 2015 سيكون أقل من نصف السكان البالغين من البيض. وبالطبع هناك أحياء فى كل مدينة فى إنجلترا يشكل البيض فيها أقلية بسبب تمركز أبناء إحدى طوائف المهاجرين الذين توافدوا على بريطانيا على مدار أكثر من قرن من الزمان. أما فى ليستر فهذا هو الوضع فى المدينة كلها. ويبدو أن الأمر غير ملاحظ لمن هم خارج المدينة. لكن هل هذا الأمر يجعل من المدينة نموذجا لمستقبلنا؟ أو أنها دليل على أن الهجرة الجماعية تجلب عرقيات لا يمكن السيطرة عليها. عندما تتحدث مع الناس فى أرجاء المدينة يتضح أمران، أولهما أن التنوع والاختلاف أمر سائد هنا بالفعل. والأمر الثانى هى أنها فريدة. وهى تشبه لندن أكثر مما تشبه المدن الصغيرة الأخرى وهو ما ساعدها.. ويقول رئيس كاتدرائية المدينة فيف فول إن «الناس فى لندن يعتقدون أنها ( ليستر) مدينة إسلامية فى الشمال، لكنهم مخطئون فى كلا الأمرين، فليستر ليست فى الشمال لأن لندن لا تبعد عنا سوى ساعة و10 دقائق بالقطار، كما أنها ليست مدينة إسلامية. والطابع الفريد للهجرة إلى هذه المدينة له شقان: أولا أنها متعددة الثقافات وليست ثنائية الثقافة. وبدلا من التمييز البسيط بين مسلمى آسيا وبقية سكان المدينة، كما هو شائع شمالا، يمكن القول كل الناس هنا أقلية. فحتى وقت قريب جدا كانت أكبر جالية هى الهندوس وليست المسلمين، والغالبية العظمى من الآسيويين هنا، سواء كانوا من الهندوس أو المسلمين، جاءوا من العائلات التى هاجرت أولا إلى شرق أفريقيا قبل بضعة أجيال سابقة قبل أن تصل إلى هنا بعد إبعادهم من شرق أفريقيا أوائل 1970. وهذا الأمر يجعل الصورة تبدو مختلفة تماما عن المدن فى الشمال. ففى مدينة برادفورد يزيد عدد السكان المسلمين فيها عن عددهم فى ليستر، لكن جميعهم تقريبا من أصل باكستانى دون وجود أى مهاجرين آخرين بينهم لذلك لا توجد فى المدينة أى قلية مهمة أخرى. وقال رياض رأفت عامل مسلم: «ليستر مدينة جوجاراتية» (نسبة إلى ولاية جوجارات فى شمال غرب الهند) فى مرحلة من المراحل كانت ليستر تضم أكبر جالية من أبناء جوجارات فى العالم بعد مدينة دوربان فى جنوب أفريقيا. وحقيقة أن لدينا سكان ناطقين بلغة جوجارات، حيث يتحدث المسلمون والهندوس والمسيحيون نفس اللغة، يعنى أن المسلمين الهنود فى ليستر سوف يشعرون بأنهم أقرب إلى هندوس المدينة منهم إلى المسلمين الباكستانيين فيها. ولقد سمعت نفس الملاحظة من سليمان نجدى، أحد الرجال الذين أسهموا فى إقامة كيان خاص للجالية المسلمة فى ليستر عندما اكتشف أهمية أن يكون لمسلمى المدينة كيانهم فى مواجهة المشكلات التى تواجههم كجالية. فقد مات والده يوم عطلة رسمية وهو ما يعنى صعوبة دفن والده فى نفس اليوم لأن المقبرة العامة فى المدينة لا تفتح أبوابها أمام الزوار ولا الجنازات فى أيام العطلات. وعندما حاول إثارة الأمر مع إدارة المدينة قالوا له إنهم لا يتعاملون مع شكاوى فردية فى هذا المجال فلم يكن أمامه مفر من إقامة كيان خاص للدفاع عن مصالح الجالية الإسلامية وتلبية احتياجاتها الخاصة بأفرادها كمسلمين وأقام مقبرة خاصة بالمسلمين. فعلى مدار أربعة أشهر توجه نجدى إلى كل مساجد المدينة البالغ عددها 36 وتحدث مع المسلمين الكبار. وشكل بالفعل مجلس خاص بدفن المسلمين، والذى أصبح مرجعا استشاريا بالنسبة للعديد من الجاليات المسلمة فى أوروبا. وقال نجدى «نحن مجتمع يتكون من عدة جاليات، ولهذا السبب تعد المنظمات الخاصة برعاية هذه الجاليات مهمة». ولكن حتى عنصر الجوجاراتية غير سائد فى ليستر. ورغم إعادة تطوير وسط مدينة ليستر ليضم سلاسل المحال المعروفة، فإن بقية المدينة تفتقد إلى التجانس وتمتلئ بالمنشآت التجارية الفردية المتنوعة. واتبع نيك كارتر، الذى يعمل كرئيس تحرير لصحيفة «ليستر ميركورى» سياسة متعمدة لتعزيز العلاقات فى المجتمع وعدم نشر القصص التى تثير الخوف بين أبناء المجتمع على غرار قصص صحيفة «ديلى ميل» وقال إن الهجرة من شرق أفريقيا أضفت على المدينة روح المبادرة وأخلاق العائلات القوية والجالية. وكان من الصعب للغاية على مدار ال30 وال40 سنة الأخيرة لأى أحد أن يشير إلى الأقلية ويقول: «إنهم يمثلون عبئا علينا». وفى أوقات الركود الاقتصادى، لم تعان ليستر بشكل حاد مثل بقية المدن نتيجة الشركات الصغيرة المتعددة المنتشرة فى البلاد. وبالسير لمسافة ربع ميل على طريق «ناربورج» وجدت سلسلة مطاعم هندية، كاريبية، وبولندية، وأفريقية، وكردية وتركية وإنجليزية». كما وجدت كنيستان ومعبد هندوسى وعلامة تدل على أقرب مسجد، بالإضافة إلى نصف دستة مطاعم، وحانتين، وبيت للدعارة. ولا يوجد أى نوع من سلاسل المطاعم الكبيرة. والشىء نفسه ينطبق على المحال التجارية فى منطقة ايفنجتون حيث يتركز أغلب المسلمين. وهنا، يواجه مسجد ديوباندى الذى أنشئ عام 2000 كنسية إدوارد التابعة للقديس فيليب التى أنشأت عام 1909. وبلغت جماعة المصلين بالكنيسة نحو 30 شخصا وهم خليط من البيض والهنود والأفارقة، فى حين ينتشر داخل المسجد وخارجه نحو 500 شخص. ويقول عميد كنيسة القديس فيليب آلان ريس «يوم الجمعة يكون مليئا بالمصلين: حيث توجد غرفة صغيرة للصلاة فى حين ينتشر المئات خارج المسجد على الرصيف. وتعد كنيسته أيضا مركزا لدراسة العلاقة بين الأديان ورفعت الكنيسة تكاليف المركز إلى 60 ألف جنيه إسترلينى. وتعد ليستر أكثر مدن بريطانيا تدينا: حيث يمارس من 20 إلى 25% من السكان الطقوس الدينية. وعلى الرغم من أن الدين يوفر سبلا للجاليات لتعريف نفسهم على المستوى السياسى، يبدو أن العناصر التعريفية فى هذا الأمر ثقافية. فهناك إيمان حقيقى وعلى نطاق واسع بالتسامح، الذى لا ينفى وجود بعض المناوشات. ولكن تصدير التسامح ذى الطابع الغريب الخاص بليستر ليس بالأمر السهل. وهناك مجموعة من الأساليب السياسية التى يمكن أن تكون فعالة. لقد ساعدت كنيسة إنجلترا على إدارة عملية الانتقال بشكل مناسب. حولت كنيسة القديس فيليب نفسها ملاذا للمجتمع كله. فى حين أن مجلس أديان الأساقفة يوفر وسيلة للأديان الأخرى لكى تعبر عن نفسها إن التقارير غير التحريضية التى تقدمها صحيفة ليستر ميركورى ساعدت فى تحقيق التقارب بين الجميع تفادى الاختلافات العقائدية والدينية بما يتيح للجميع الحياة فى السلام. ولكن تظل المشكلة الأكبر وهى أن تجربة ليستر غير قابلة للاستنساخ. خدمة الجارديان الصحفية