عندما قدم الأمريكيون فيلم «إنقاذ الجندى ريان» منذ سنوات، قال كثيرون إن خيال السينمائيين الأمريكيين جمح بهم بشدة عندما جعلوا من إعادة جندى إلى الوطن مهمة قومية.. لكن إسرائيل استطاعت جعل «إنقاذ الجندى شاليط» مهمة عالمية.. لا يكاد يمر شهر دون أن تفرض قضية الجندى الإسرائيلى الأسير لدى المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة نفسها على العالم بالحديث عن اقتراب صفقة مبادلته بمئات من الأسرى الفلسطينيين أو بنداء يوجهه مسئول غربى كبير أو منظمة دولية لإطلاق سراحه. وفى حلقة جديدة من مسلسل «شاليط وحماس» تجددت التقارير التى تتحدث عن قرب التوصل إلى صفقة تغلق هذا الملف بإطلاق سراحه مقابل تحرير عدة مئات من الفلسطينيين فى سجون إسرائيل. لجأت المقاومة الفلسطينية إلى سلاح أسر الإسرائيليين لمبادلتهم بالمعتقلين فى السجون الإسرائيلية بعد أن أثبت هذا السلاح فاعليته على يد المقاومة اللبنانية التى نجحت فى تحرير مئات الأسرى العرب لدى إسرائيل مقابل رفات جنود إسرائيليين أو ضابط أسير أو حتى معلومات عن مصير طيار مفقود. وفى 25 يونيو 2006 نفذت مجموعة مشتركة من الفصائل الفلسطينية هجوما ناجحا على أحد المواقع العسكرية الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة فقتلوا اثنين وأسروا الثالث الذى أصبح اسمه بعد ذلك أشهر من أسماء نجوم الفن والسياسة فى العالم وهو الجندى جلعاد شاليط. فمنذ نجاح الفلسطينيين فى أسره نجحت إسرائيل فى تجنيد كل زعماء العالم الغربى تقريبا للمشاركة فى الجهود الرامية إلى تحرير هذا الجندى رغم وجود أكثر من 11 ألف فلسطينى فى سجون إسرائيل بينهم النساء والأطفال والشيوخ. ولما كانت المقاومة الفلسطينية تسعى إلى استنساخ تجربة المقاومة اللبنانية فى هذا الاتجاه فإنها أصرت على الحصول على ثمن مرتفع مقابل هذا الجندى الذى جعلته إسرائيل حديث العالم. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات دخلت دول وأجهزة مخابرات على خط الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين الذين سلموا ملف شاليط إلى حركة حماس دون جدوى. وقبل شهرين نجحت جهود الوساطة فى التوصل إلى اتفاق جزئى تضمن الإفراج عن 20 أسيرة فلسطينية مقابل تقديم شريط فيديو لمدة دقيقتين لشاليط حتى تتأكد السلطات الإسرائيلية من سلامته، خاصة بعد أن تواردت تقارير عن مقتله أثناء الهجوم الإسرائيلى على قطاع غزة مطلع العام الحالى. وإذا كانت التقارير عادت لتتحدث من جديد عن قرب التوصل إلى اتفاق ينهى قضية شاليط، فإن دروس السنوات الثلاث الماضية تجعلنا لا نفرط فى التفاؤل فى كل الأحوال. فالتقارير التى تنسب إلى مصادر إسرائيلية وفلسطينية القول إن ملامح الصفقة اكتملت ولا يتبقى سوى الرتوش النهائية تواجهها تقارير أخرى تنفيها. فى نفى أفى بن ياهو المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى حدوث تقدم فى الجهود المبذولة لإطلاق سراح شاليط ردا على ما ذكرته قناة الحرة الأمريكية عن أنه سيتم إطلاق سراح شاليط عشية عيد الأضحى مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، ولكن نفى بن ياهو نفسه ينطوى على تأكيد للتقارير حيث قال: فى الوقت الراهن تقوم المنظومة الأمنية والعسكرية بتل أبيب ببذل جهود مكثفة للتفاوض من أجل شاليط. ومهما تكن تفاصيل أى صفقة منتظرة، فإنها لن تخرج عن مقايضة شاليط بمئات من الأسرى الفلسطينيين الذين ينتمون إلى عدة فصائل. ووفقا لآخر سيناريوهات الصفقة فإنها تتضمن إطلاق 450 أسيرا فلسطينيا من ذوى الأحكام العالية المتهمين فى غالبيتهم بقتل أو جرح إسرائيليين فى الدفعة الأولى مع إبعاد عدد منهم إلى الخارج. وتشير التقارير إلى أن حماس وافقت على إبعاد عدد من الذين كانت إسرائيل ترفض إطلاق سراحهم، كحل وسط لإتمام الصفقة. حيث قال مصدر كبير فى حماس إن الحركة ترى فى إطلاق عدد من الأسرى إلى الخارج حماية لهم من الاغتيال، موضحا: «من الأفضل لأسرى مثل إبراهيم حامد أو عبدالله البرغوثى وغيرهما ممن تتهمهم إسرائيل بالوقوف وراء عمليات قتل وجرح فيها مئات الإسرائيليين، أن يكونوا بعيدا عن أيدى الإسرائيليين». وأشار إلى أن أمر إطلاق الأسرى إلى الخارج تُرك إلى الأسرى أنفسهم ليقرروه وليس إلى حماس. وكانت إسرائيل قد رفضت إطلاق 120 أسيرا ممن تسميهم ب «الملطخة أيديهم بدماء إسرائيليين»، أى الذين نفذوا أو خططوا لعمليات عسكرية قُتل فيها عدد كبير من الإسرائيليين، ثم خفضت هذا العدد إلى ثلاثين ثم إلى أربعة، لكنها وافقت أخيرا على إطلاق سراحهم جميعا، لكن إلى خارج الأراضى الفلسطينية. ولعل السبب الرئيسى وراء تردد إسرائيل فى إنجاز هذه الصفقة منذ سنوات هو خوفها من أن يشجع نجاحها الفلسطينيين على تكرارها فى المستقبل خاصة أن المعتقلات الإسرائيلية تكتظ بآلاف الفلسطينيين الذين ينتظرون صفقة مقايضة جديدة.