مثل بث كتائب القسام لفيلم كارتوني صغير عن الجندي الصهيوني الأسير لديها جلعاد شاليط خطوة مقاومة متقدمة في الحرب النفسية. ويرى خبراء في الشأن الصهيوني أن تأثير الفيلم قد لا يرقى لمستوى تغيير قرار الحكومة الذي غالبًا ما يتحكم به قادة الأمن بمثل هذه القضايا. لكن الردود الصهيونية "العنيفة" على بث الفيلم دليل آخر على تأثيره القوي بهم. وكان صمود حركة حماس ورفضها للتنازل عن مطالبها في صفقة تبادل الأسرى وما زال يقض مضجع وزراء حكومة الاحتلال ورئيسهم بنيامين نتنياهو الذي يسعى جاهدًا لانجاز الصفقة بأبخس ثمن. وأسرت المقاومة الجندي شاليط في اقتحام موقع كرم أبو سالم العسكري في 25 يونيو 2006، وبدأ مفاوضات شاقة مع الاحتلال للإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، ووصلت المفاوضات لنهايتها عدة مرات قبل أن يتراجع الاحتلال في اللحظات الأخيرة. وقبلت قبل أشهر بإطلاق سراح 22 أسيرة وأسيرين سوريين مقابل دقيقتي فيديو تظهر شاليط حيًا. ومنذ اليوم الأول لأسر شاليط بدأت سلطات الاحتلال عملية واسعة للضغط على حماس لاستعادته بكل الطرق العسكرية والاستخبارية. وبثت وسائل الإعلام الصهيونية ظهر الأحد (25-4)، الفيلم الكرتوني نقلا عن الموقع الإلكتروني لكتائب القسام، ويعرض حلمًا لوالد شاليط يسير بشوارع تل أبيب بعد عشرين عامًا يستذكر وعود القادة باستعادة شاليط، ويصل بالمطاف لانجاز الصفقة وعودة شاليط ميتًا بتابوت. ويركز الفيلم على رسالة مفادها أن مصير جلعاد شاليط، قد يصبح مثل مصير الجندي الصهيوني رون أراد الذي فقد في ثمانينيات الحرب الماضي بجنوب لبنان، وأن شاليط لن يخرج دون دفع الثمن، وأن الأسرى سيخرجون لا محالة.
رد أهوج واستنكرت الأواسط السياسية الصهيونية بث الفيلم من قبل حركة حماس، حيث وصفه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ب" الخطوة السافلة الإرهابية ". ونقلت صحيفة " يديعوت احرونوت" الصهيونية عن والد الجندي نوعام شاليط قوله إن "بث فيلم من هذا القبيل يعني أن حماس أعلنت الحرب النفسية على عائلة الجندي خاصة والشعب الإسرائيلي عامة". وزعم أن الحركة ابتعدت تمامًا عن الشعور بمعاناة الأسرى وذويهم، مشيرًا إلى أنها عملت على بدء حرب نفسية حتى قبل أن ترد على العرض الصهيوني الذي ما زالت أوراقه مكدسة على طاولتها منذ أربعة اشهر، على حد تعبيره. ويقول المحلل السياسي والخبير في الشئون الصهيونية انطوان شلحت إن الفيلم قد يكون له بعض التأثير على الرأي العام الصهيوني، لكنه يرجح أن لا يرقى ليؤثر على حكومة نتنياهو وتستجيب لشروط المقاومة. وأوضح شلحت أن حكومة الاحتلال بإمكانها التعايش مع الضغط الذي تولده الحملات الإعلامية لحماس، مشيرًا إلى أنها لا تستجيب لضغط الرأي العام عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمنية. وضرب شلحت مثلا بالمسيرات والاعتصامات التي ينظمها عشرات النشطاء الصهاينة للإفراج عن الجندي، لافتًا إلى أن استمرار تلك المظاهر على مدى أربعة سنوات لم يكن كفيلا بإقناع الحكومة للتخلي عن موقفها المتعنت من الصفقة. في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، أمل جمال، أن الحملات الإعلامية التي تقودها حركة حماس ورغم ضعفها، لا بد وأن تؤثر على الرأي العام الصهيوني وتصنع أداة ضغط على حكومة الاحتلال. ورغم ذلك، أكد جمال أن الحكومة الصهيونية ما زالت مستمسكة بسياستها الخاصة، رغم أن أغلبية الجمهور الصهيوني يؤيد إتمام الصفقة وتحرير شاليط. وأشار إلى أن جميع محاولات الضغط السابقة سواء من قبل حماس أو الشعب الصهيوني لم تجد نفعًا، لافتًا إلى أن حكومة الاحتلال تسعى جاهدة إلى اتخاذ قرارات حاسمة ذات طابع أمني، في خطوة تهدف إلى عدم تكرار ما حديث لشاليط مستقبلا. وأضاف أستاذ العلوم السياسية قائلاً "من الطبيعي أن تستجيب أي حكومة لمطالب شعبها الذي تمثله، ولكن في حالة الجندي الأسير يبدو أن القيادات الأمنية والعسكرية التي تسيطر على حكومة الاحتلال هي من تفرض نفسها على الساحة وتتجاهل ضغط الشعب". ولفت جمال إلى أن الحملات الإعلامية الفلسطينية بما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين ضعيفة للغاية ولا ترقى إلى مستوى الحملات الصهيونية، مشيرًا إلى أن قضية جندي صهيوني واحد أصبحت حديث العالم، بينما يغيب وجود 7500 أسير فلسطيني بسجون الاحتلال عن الساحة الدولية. بدوره، قال عضو الكنيست إبراهيم صرصور إن الفيلم الكرتوني يلعب دورًا هامًا على صعيد التأثير على الرأي العام الصهيوني، الذي يشكل بدوره أداة ضغط كبيرة على الحكومة. وأوضح صرصور "إن الحملات الإعلامية لها وقع شديد على الحكومة الإسرائيلية، التي تسعى إلى تجاهل الضغط الشعبي، خاصة بموضوع شاليط، حيث تسعى إلى حل القضية بطرق مختلفة". ورغم ثقل الحملات الإعلامية ودورها في إثارة الشعب الصهيوني، كما يرى صرصور، إلا أن لحكومة الاحتلال سياسة خاصة للتعامل مع هذه القضية، ليس بالضرورة أن تنسجم مع رأي الشعب نفسه. ويرى النائب العربي أن فيلمًا من هذا القبيل قد يسهم في تغيير بوصلة القرار الإسرائيلي، في حال وصل إلى الشعب الذي لا بد وأن يؤثر على تلك القرارات من خلال قوة ضغطه. ولفت صرصور إلى أن أشد الوزراء الصهاينة تطرفًا هم من وافق على انجاز صفقة التبادل بسبب قوة ضغط الشعب في أعقاب نشر شريط مصور للجندي الأسير قبل عدة أشهر.