عندما كان أصدقاؤه يسعون لاستثارة روح الدعابة لديه، كانوا يتهمون الجزائريين بأنهم أصبحوا «أكثر من اللازم فى مصر»، فيرد فنان الكاريكاتير الراحل جمال سى العربى بخفة ظل وسرعة بديهة: « حن نعيش فى أملاكنا الخاصة، فمدينة القاهرة أسسها الفاطميون الذين نزحوا إلى مصر من المغرب العربى، القاهرة الإسلامية كلها قد تكون ضمن أوقاف جدى». أتى سى العربى إلى القاهرة فى مطلع التسعينيات ضمن المثقفين المدرجة أسماؤهم على قائمة المطلوبين من قبل الجماعات الأصولية بالجزائر. «لم يكن يدرى أنه سيدفن هنا بالبلد الذى احتضنه فى أحلك الظروف»، هكذا تقول أرملته التى على الرغم من انقضاء عامين منذ رحيله رفضت أن تغادر المكان الذى تقاسما فيه أجمل الذكريات. وهى الآن ضمن أربعة آلاف جزائرى يقيمون بمصر، وفقا لتقديرات قنصليتهم بالقاهرة، تشكل النساء نحو 90 فى المائة من هذا الرقم. على سبيل المثال فالسيدة «باية»، التى توفيت منذ عدة شهور عن عمر يناهز ال95 عاما، كانت عميدة الجالية وأقدم سيدة تسجل نفسها فى السفارة الجزائرية. «لا أحد يرجع فارغ اليد من الجزائر «، هكذا همست سهيلة، المدرسة بحضانة فرنسية، مشيرة إلى سحر بنت بلادها ورغبتها فى الاقتران من مصرى كما فعلت هى فى السابق. وقد بدأ يظهر بالفعل جيل جديد يجرى فى دمائه مزيج من مياه النيل وهواء الصحراء، لأن نهاية تسعينيات القرن الماضى ومطلع الألفية الثانية شهدت نسبة كبيرة من الزيجات المشتركة. وتقول غنية، (40 سنة) متزوجة من مصرى بعد تجربة طلاق فى الجزائر: «على الرغم من انفتاح المجتمع الجزائرى على الثقافة الفرنسية وعلى الرغم من أن المرأة الجزائرية تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية الاقتصادية بحكم عملها، لكن لاتزال الثقافة الصحراوية القبلية تطغى على وضع المرأة. يبدو أيضا أن هذه الروح تصاعدت مع المد الاسلامى، فأصبحت الحياة فى مجتمع عربى مثل مصر أفضل بكثير بالنسبة لعدد من السيدات والفتيات، إذ يعشن كأجنبيات ولا تتعرضن لنفس الضغوط الاجتماعية. من ناحية أخرى فثمة تشابه فى العادات والتقاليد والدين، مما ييسر عملية الاندماج. وتعلق السيدة غنية: «بشرة المرأة الجزائريةالبيضاء واحتفاظها برشاقتها بعد الزواج يجعلان سوقها رائجا فى بلد السمراوات!» فى إحدى المدارس الخاصة، جلست نادية تدندن أغنية فرنسية مع الأطفال، تعالت النغمات بينما عكفت نادية على تصحيح اللكنة الفرنسية للصغار. فهى تعمل هنا منذ أكثر من خمس سنوات وارتضت خلالها أن تحصل على راتب لا يتعدى الألف جنيه، على الرغم من حصولها على ليسانس آداب فرنسى من بلادها: « خبراتى لا تقل عن أى فرنسية أو سويسرية ومع ذلك أحصل على أقل من نصف راتبها! «مما جعل نادية تفضل أن تقدم نفسها كفرنسية. وتضيف: «قبل حصولى على الجنسية الفرنسية وعندما كنت أعيش بمفردى كنت أعانى من الصورة النمطية السيئة التى تلاحق نساء المغرب العربى، تماما كما ينسج الخليج صورة خاطئة عن المرأة المصرية من خلال الأفلام. لاحقتنى هذه الصورة عند محاولتى استخراج أوراق خاصة بالإقامة، فكنت ألمح الريبة حول طبيعة عملى فى عيون بعض موظفى المجمع». وإذا ما حاولنا الاقتراب أكثر من بيوتات الجالية، فسنلمح مشكلات مشتركة خاصة بالتأقلم، كما تروى السيدة زهيدة سيدة أعمال جزائرية وناشطة فى مجال حقوق المرأة : «عندما قدمت إلى مصر عام 86، كنت قد قضيت سنوات زواجى الأولى فى الجزائر ولكننى كنت أزور القاهرة لفترات قصيرة. أعترف أنه قد أصابتنى صدمة بسبب اختلاف نمط الحياة. فأنا قادمة من مدينة هادئة تصحو مبكرا وتنام مبكرا ولم أعتد الصخب، كما أن هناك تفاصيل صغيرة فى الحياة اليومية غريبة بالنسبة لى. فزوجى الذى كان يعاوننى فى شراء الخضراوات من السوق يتعالى الآن على هذا النوع من العمل لأن المجتمع المصرى يعتبر ذلك مشينا، بينما هو أمر طبيعى لدينا حتى بالنسبة لأهم موظفى الدولة». ومثل هذه الاختلافات الثقافية قد تعكر صفو الحياة الزوجية، وهنا يأتى دور السيدة دليلة أبو العينين رئيسة مكتب الجالية التى تحاول دوما تقريب وجهات النظر: «أحيانا نستقبل سيدات طردن من بيوتهن فى منتصف الليل بثياب النوم، فتتوجه فى التو واحدة من نساء الجالية لتتحدث مع الزوج وتسوى الخلاف». المشكلات الاقتصادية تعتبر، على حد تعبير السيدة زهيدة، من أهم ما يؤرق هذه الزيجات خصوصا أن فرص العمل بالنسبة للجزائريات ليست سهلة لأنها تحتاج لتصريح عمل. وتقول: «هنا تظهر المشكلة لسيدات تعودن على الاستقلالية المادية». على الرغم من الضغوط التى قد تواجهها المرأة فى الغربة، إلا أنها «دينامو» الجالية، فمع اقتراب موعد اللقاء الكروى الحاسم بين مصر والجزائر، تحول بيت السيدة فتيحة إلى ورشة عمل. تناثرت قطع القماش الخضراء والبيضاء هنا وهناك، فقد تطوعت فتيحة بتطريز الأعلام اللازمة للمشجعين. وتقول: «سأذهب بنفسى لملاقاة أنصار الجزائر وتوزيع الأعلام عليهم!» المرأة الجزائرية هى أيضا نجمة الليالى الوطنية التى تقيمها الجالية كل شهر، فعلى أنغام الراى تستحضرن روح الوطن وتتبارين فى صنع الأطباق المختلفة مثل «المقروض» أو «الحريرة» أو «الكسكسى». واليوم السبت لن تتردد الكثيرات منهن فى التوجه إلى استاد القاهرة لتشجيع المنتخب على إيقاع «معاك يا الخضراء».