اللجان الانتخابية بدائرة الهرم والعمرانية تستعد لاستقبال الناخبين في انتخابات مجلس النواب 2025    شعبة الذهب: الألماس المصنع أرخص من الطبيعي ب70%.. وهو الحل السحري لأزمة الشبكة    الإحصاء: انخفاض أسعار مجموعة خدمات الفنادق بنسبة 0.7% خلال أكتوبر الماضي    زعيم الأغلبية بالشيوخ: اتفاق محتمل لإنهاء إغلاق الحكومة دون ضمان للنجاح    جيش الاحتلال ينفذ عمليات نسف في الأحياء الشرقية لخان يونس    وزير الخارجية يطالب مالي بتأمين وحماية المصريين المقيمين على أراضيها    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 والقنوات الناقلة    اليوم.. طقس مائل للحرارة نهارا على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 28 درجة    عاجل- الهرم تتأهب لانتخابات مجلس النواب وسط تأمين مكثف من الداخلية    الثوم ب 100 جنيه.. أسعار الخضروات والفواكة في شمال سيناء    ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    حكاية قرار أرعب إسرائيل 16 عامًا وقاتلت لإلغائه    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    بالرقم القومي.. 3 طرق للاستعلام عن لجنتك في انتخابات مجلس النواب 2025    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    ارتفاع أسعار الذهب اليوم 10 نوفمبر في بداية تعاملات البورصة العالمية    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجديد في مبادرة الأستاذ هيكل
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 11 - 2009

فى فبراير عام 1995، وفى حديثه الشهير أمام جماهير معرض الكتاب طرح الأستاذ هيكل مبادرة للخروج مما اعتبره الأستاذ أزمة طاحنة تضرب فى مختلف جوانب المجتمع المصرى، ابتداء من الاقتصاد وانتهاء بالأمن الوطنى، مرورا بالثقافة والأدب والفن.
«ولأن النار قريبة من الحطب بأكثر مما تتحمله سلامة الأحوال فى بر مصر. ولأننا أمام وضع لا مفر من التسليم بأنه مخيف» حسب تعبير الأستاذ هيكل آنذاك، فإن الأستاذ لم يتوقف وقتها عند تحليل مظاهر الأزمة وأسبابها، ولكنه تجاوز ذلك إلى البحث عن مخرج للأزمة واقتراح سبل علاجها.
وبالفعل فقد اقترح الأستاذ هيكل برنامجا سياسيا للتغيير وعهد إلى النظام القائم الذى لا بديل عنه حسب تعبير الأستاذ هيكل وقتها بمهمة تنفيذ هذا البرنامج الذى أقامه الأستاذ على محاور ثلاث: أولها تطوير أسلوب الإدارة السياسية واتخاذ القرار من خلال تكوين مجلس من المستشارين حول الرئيس مبارك يشاركون فى الحوار ويقدمون مشورتهم فى كل ما يعرض على الرئيس، ثانيا: تغيير فى الوجوه التى استهلكت وعلاها الصدأ. وأخيرا وليس آخرا: ضرورة إبرام عقد اجتماعى جديد بين الحكام والمحكومين فى بر مصر.
*****
وها هو الأستاذ هيكل، وبعد أربعة عشر عاما على مبادرة معرض الكتاب يعود إلى الأمة وإلى طبقتها السياسية، وفى حوار أجرته معه جريدة المصرى اليوم، بمبادرة جديدة تعدو فى ظاهرها مجرد ترديد لمبادرته الأولى. فالأزمة القديمة لاتزال قائمة، وإن كان أمرها قد استفحل كثيرا، فلم تعد مجرد أزمة المجتمع، ولكنها اليوم أصابت الدولة نفسها، بحيث أصبح الأمر يقتضى ما أسماه الأستاذ هيكل إعادة بناء الدولة، وهو ما يفترض بالضرورة تفكك الدولة القائمة وتحللها، وكل ذلك فى ظل تجريف هائل للحياة السياسية.
كذلك فإن مشروع الحل للخروج من الأزمة لا يختلف كثيرا عما طرحه الأستاذ هيكل فى عام 1995، حيث يقترح اليوم تماما كما فعل بالأمس تشكيل مجلس من المستشارين يعملون مع الرئيس ومن حوله، تكون مهمتهم التفكير والحوار، من أجل إعادة بناء الدولة المصرية فى ظل عقد اجتماعى جديد، ولا بأس من تشكيل حكومة جديدة من رجال الأعمال، نفس رجال الأعمال القائمين على أمر مصر اليوم.
ويكاد الأستاذ هيكل يقولها صراحة مرة أخرى، أنه لا يوجد بديل للنظام القائم.. تماما كما فعل فى عام 1995..
والغريب هنا أن الأستاذ هيكل قد ردد أكثر من مرة فى حواره مع المصرى اليوم أنه يتوقع ألا يقبل النظام الذى عهد إليه الأستاذ هيكل بمهمة تنفيذ برنامج الإصلاح اقتراحه.
باختصار فإن الأستاذ يقول لنا إننا أمام نظام بلا بديل وأزمة بلا حل.. ولقد كان هذا هو عنوان المقال الذى كتبته فى جريدة العربى فى فبراير عام 1995 تعليقا على مبادرة الأستاذ هيكل الأولى.
ومع ذلك، ورغم ما يوحى به ظاهر الأمور، فإن هناك اختلافا كبيرا بين مبادرة معرض الكتاب فى عام 1995 ومبادرة اليوم. فهيكل يعلن بوضوح ولأول مرة أن التوريث ليس حلا للأزمة بل إنه سوف يسهم فى تفاقمها.
كما أن هيكل أعلن أيضا ضرورة تنظيم مرحلة انتقالية يتم خلالها إعادة بناء الدولة ووضع دستور جديد، وهو ما يعنى بوضوح ضرورة البحث عن بديل فى هذه الفترة يفتح الآفاق الموصدة ويعيد الاعتبار للسياسة.
أما الجديد حقا فى مبادرة هيكل فهو التأكيد على أهمية حضور الجيش فى هذه الفترة الانتقالية كقوة ضامنة لاستمرار النظام الجمهورى وراعية لإعادة بناء الدولة المتآكلة، فالجيش كما يقول هيكل كان وسيبقى دائما فى قلب الحركة الوطنية، وكل شىء نفعله لبناء الدولة يرتكز على الجيش.
ولعل هذا الجديد هو الذى أثار غضب كتاب النظام ورجال صحافته وهو الذى يفسر هذيان البعض، وانحطاط لغة البعض الآخر فى سابقة تؤكد مرة أخرى مدى عمق الأزمة التى تضرب فى أعماق المجتمع المصرى. حتى فى جوانبه القيمية والأخلاقية. فهيكل بكل المعايير أيقونة مصرية، التعامل معه ينبغى أن يتم بأعلى درجات الاحترام. باستخدام نفس اللغة التى يستخدمها وهى بكل المقاييس لغة رفيعة وراقية.
****
والحق أننى لا أدرى لماذا أثارت تلك الإشارة إلى القوات المسلحة كل هذا الخوف لدى منظرى عصر لجنة السياسات ورجال الأعمال؟ فالجيش بالفعل كان دائما فى قلب عمليات النداء الوطنى الكبرى فى تاريخ هذا الوطن، هكذا كان الحال بالنسبة لجيش محمد على وإبراهيم باشا فى أكبر عملية للبناء الوطنى المستقل فى الشرق قبل اليابان فى القرن التاسع عشر، والتى جاءت كتابة الطهطاوى التنويرية شرحا على متونها.
كذلك كان تحالف جيش عرابى مع جماهير الفلاحين والتجار والحرفيين المتضررين من الهجمة الشرسة لرأس المال الأجنبى فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وراء تلك الانتفاضة الهائلة التى قادها عرابى ضد الخديوى الخائن والقوات البريطانية الغازية.
وكان جيش يوليو العظيم فى قلب هذا التحالف مع قوى الطبقة المتوسطة والعمال والفلاحين الذى قاد أكبر عملية للبناء الوطنى المستقل فى تاريخ هذه الأمة استعادت به كل مفاتيح القرار الوطنى على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وعادت بها مصر للمصريين، قبل أن تتولى جماعات رجال الأعمال ولجنة السياسة إعادة بيعها من جديد.
الجديد والمحورى إذا فى مبادرة هيكل هو الدعوة إلى إعادة بناء الدولة برعاية القوات المسلحة خلال فترة انتقالية وفى ظل حكومة جديدة تضم كل قوى الفكر والعمل فى مصر، حكومة قادرة على فتح الآفاق الموحدة وإعادة الاعتبار إلى السياسة ووقف نهب مصر.
وليس فى ذلك أى انقلاب على الدستور كما يدعى رجال النظام، لسبب بسيط أن الانقلاب على الدستور القائم قد تم منذ وقت بعيد وعلى يد النظام القائم.
فالانقلاب على الدستور تم يوم بيع القطاع العام للأصدقاء والمقربين فى أكبر عملية نهب عرفها التاريخ المصرى، وذلك فى ظل نص دستورى يعلن أن الدفاع عن القطاع العام واجب وطنى.
والانقلاب على الدستور تم يوم تم تزوير كل الانتخابات التى عرفتها مصر طوال الثلاثين عاما الماضية.
والانقلاب على الدستور تم يوم أدخلت التعديلات الشهيرة على مواد الدستور وبالتحديد على المادة 76، والتى حصل فيها مسخ دستورى لا نظير له من حيث المضمون أو الصياغة، والذى تحولت به مصر إلى جمهورية وراثية، وكان ذلك اعتداءا سافرا على الدستور وعلى النظام الجمهورى الذى أرسى دعائمه جيش ثورة يوليو.
وتبقى بعد كل ذلك بعض التساؤلات التى أثارتها مبادرة الأستاذ هيكل. التساؤل الأول يتعلق بمجلس المستشارين الذى أطلق عليه الأستاذ هيكل اسم مجلس أمناء الدولة والدستور.. فهل يعتقد الأستاذ هيكل حقا أن مجلسا استشاريا وأيا كانت قيمة الأسماء الكريمة واللامعة التى أقترحها الأستاذ هيكل لهذا المجلس، يمكن له فى ظل النظام القائم الذى لا هم له طوال السنوات العشر الماضية إلا إعداد الطريق إلى توريث الحكم، أن يعيد بناء الدولة فى ظل عقد اجتماعى جديد؟
وكيف يمكن لنظام قام بتجريف الحياة السياسية فى مصر على طول تسعة وعشرين عاما، أن يصحو فجأة ويبدأ فى إعادة بناء الدولة وإعادة الاعتبار للسياسة.
أغلب الظن أن الأستاذ هيكل أراد بطرح هذه الأسماء اللامعة أن يؤكد على ما هو بديهى، وهو أن مصر مليئة بشخصيات أكثر قدرة من النواحى المهنية والسياسية من كل الأسماء الموجودة على الساحة، أعنى ساحة الحكم وحزبه الحاكم.
ولكن ذلك لا يعنى، ولا يتصور أن يعنى أن اجتماع هذه الشخصيات فى مجلس بلا سلطة يمكن أن يغير الأمور فى بر مصر.
ذلك أن أمر إعادة بناء مصر يتطلب أكثر كثيرا من مجرد تغيير فى الأشخاص، وإن كان تغيير الأشخاص ضروريا بالتأكيد، كما أن يتطلب أكثر كثيرا من ترديد أسطورة العقد الاجتماعى التى لا تعنى الكثير فى الحالة المصرية، القضية الأساسية هى تحديد مفهوم الفترة الانتقالية ومعرفة آلياتها، وكيفية الخروج من الأوضاع الحالية إلى تلك الفترة الانتقالية.. وقبل كل ذلك ومن بعده فإن أمر إعادة بناء الدولة يقتضى طرح مشروع قومى لبناء مصر، تتبناه وتدفع به إلى الأمام كتلة وطنية واسعة، وهى ما أسماها أنطونيو جرامشى «الكتلة التاريخية»، وذلك على نحو ما حدث فى عام 1919، حيث التقت مئات الأمة وطبقاتها ومدارسها الفكرية مشروع البرجوازية الارستقراطية فى الاستقلال الوطنى.
وهو ما حدث فى ظل ثورة يوليو، حيث التقت الطبقة المتوسطة وجماهير العمال والفلاحين حول مشروع ضباط يوليو للبناء الوطنى المستقل، فى تحالف تاريخى استطاعت به مصر أن تسترد عصمتها الضائعة.
والسؤال اليوم، وفى ظل ما أصاب الأرض الوطنية من تجريف هائل فى ظل غياب السياسة وحضور قوى القهر، من أين يمكن أن يخرج هذا المشروع القومى الجديد وأين هى تلك الكتلة التاريخية القادرة على تبنيه والدفاع عنه.
هذا هو السؤال الذى لم يجب عليه الأستاذ، ولا أظن أنه سوف يجيب عليه، لأنه كما قلت فى مقالى فى جريدة العربى فى بداية سنة 1995 تعليقا على مبادرته الأولى مثل المتنبى يلقى بكلماته، ثم ينام ملء جفونه عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.