رئيس مدينة دسوق يشارك احتفال الطرق الصوفية بمولد العارف بالله سيدي إبراهيم الدسوقي    رئيس حزب الإصلاح والنهضة: الحوار الوطني منحنا فرصة لترسيخ قيم الإصلاح والتطوير    البابا تواضروس عن المتنيح أنطونيوس مرقس: كان يحب إفريقيا    قضايا الدولة تُطلق مبادرة روّاد العدالة الرقمية    الإمارات تعلن تسيير أكبر قافلة مياه إلى شمال غزة ضمن عملية «الفارس الشهم 3»    تعادل إيجابي بين نانت وموناكو في الشوط الأول    الداخلية تكشف حقيقة تعدي فرد شرطة على أحد الأشخاص بالفيوم    ضبط 559 مخالفة زيادة تعريفة الركوب ورفض توصيل الركاب بقنا    هل تتعرض البلاد لانخفاض حاد بالطقس وتقلبات عنيفة الأيام المقبلة    خبير ل ستوديو إكسترا: كل الحضارات المصرية مجسدة فى المتحف الكبير    المؤشر العالمي للفتوى يشارك في مؤتمر المجتمع المدني والشباب العربي بجامعة الدول العربية    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال تطوير مسرح أم كلثوم بقصر ثقافة المنصورة    مصطفى حمدي يكشف أسرار وكواليس الأغنية المصرية مع صُناعها في بودكاست «كاسيت»    أهمية المنصة الوطنية للسياحة الصحية.. يكشفها المتحدث باسم الصحة ل "ستوديو إكسترا"    كييزا يتحدث عن طموحاته مع ليفربول    جولة تفقدية لمتابعة انتظام الخدمات بالقومسيون مستشفى العريش العام    «العامة للاعتماد والرقابة الصحية» تختتم برنامج تأهيل المنيا للانضمام للتأمين الصحي الشامل    فرنسا والمكسيك تصعدان لدور الثمانية بكأس العالم للناشئات تحت 17 سنة    مصابة فلسطينية تهدي رسالة شكر وباقة ورد لمصر والرئيس السيسي    أكاديمية الفنون تقرر تأجيل افتتاح مهرجان الفضاءات غير التقليدية إلى الاثنين المقبل    مصدر أمني ينفي غلق بعض الطرق تزامناً مع افتتاح المتحف المصري الكبير    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير العمل: الدولة لا تتهاون في تطبيق الحد الأدنى للأجور وحماية الطرفين داخل منظومة العمل    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    وزير خارجية الصين: مستعدون لتعزيز التعاون مع الجزائر    كيف أتخلص من التفكير الزائد قبل النوم؟.. أستاذ طب نفسي يُجيب    وزير خارجية إستونيا: بوتين يختبر الناتو ولا نتوقع اجتياح ليتوانيا    وزيرة الخارجية الفلسطينية: نحاول توجيه البوصلة الدولية حول ما دار في مؤتمر نيويورك    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    عبد الحفيظ: تعاقد الأهلي مع محمد صلاح؟ فكرة بعيدة غير واقعية    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    ريال مدريد: رفض الطعون المقدمة بشأن دوري السوبر.. وسنطلب تعويضات من يويفا    الداخلية تكشف ملابسات فيديو التحرش بفتاة في الشرقية.. وضبط المتهم    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    بنك مصر يقدم مزايا وعروض مجانية خلال فعالية «اليوم العالمي للادخار»    المحكمة تقضي بعدم الاختصاص في قضية علياء قمرون    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    ب4 آلاف جنيه.. فيلم درويش يتذيل قائمة المنافسة على شباك التذاكر    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    سفيرة قبرص لدى مصر: المتحف الكبير.. الهرم العظيم الجديد لعصرنا الحديث    وزير الخارجية المصري يبحث مع نظيره السوداني الأوضاع في الفاشر    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    كونسيساو يُكرّس «عقدة» الإقصائيات أمام جيسوس    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقيات التجارة الحرة.. ما لها وما عليها
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 05 - 2020

تدفعنا فترة الحظر والإغلاق التى نعيشها بسبب فيروس الكورونا ماكثين فى البيت أياما وأسابيع إلى الغوص فى تذكر واسترجاع ملفات قديمة معيدين التفكير فيها. ففى الأسابيع القادمة واستمرار ستجدوننى أتطرق إلى موضوعات مختلفة قد لا يكون لها علاقة من قريب أو بعيد بالفيروس، لكن كل ما فى الأمر أنها خطرت على بالى فى زمن الكورونا وارتأيت مشاركتكم بها.. لعل نظرة جديدة وأكثر تعمقا تساعدنا فى اتخاذ رأى أصوب عندما يحين الوقت. وأحد هذه الموضوعات التى دار حولها الكثير من الجدل فى أوساط السياسيين والاقتصاديين والمثقفين والمراكز البحثية، وكذا على مستوى رجل الشارع نفسه، هى اتفاقيات التجارة الحرة، وما إذا كانت ذات جدوى لمصر، ولمصنّعيها ومستهلكيها معا، أم أن كل ما تقوم به هو فتح السوق المصرية على مصراعيها وتكبدنا بذلك عجزا مزمنا فى ميزان تجارتنا وتسلبنا حصيلة التعريفة الجمركية، التى يمكن للحكومة أن تستفيد بها فى تمويل السياسات العامة التى تهم المواطن المصرى مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية إلى غير ذلك. أم أن هذه الاتفاقيات على نحو ما يتمسك بها مدافعها، ترتفع بمستوى اقتصاد الدولة وتدمجه أكثر فى سلاسل الإنتاج وتعمل على تعزيز الصادرات وجذب مزيد من الاستثمارات.
***
ولنبدأ القصة من أولها. فلا ننسى أن مصر كانت من بين أولى الدول النامية التى خاضت تجربة اتفاقيات التجارة الحرة، وجاء ذلك فى عهد الرئيس عبدالناصر عندما قرر آنذاك، فى خمسينيات القرن العشرين، رؤساء كل من مصر والهند ويوغوسلافيا (سابقا) فى إطار حركة عدم الانحياز عقد اتفاقية تجارة حرة وإزالة التعريفة الجمركية فيما بين دولهم. وجاءت هذه الاتفاقية بين ليلة وضحاها وبقرار من أعلى القمة الهرمية للدول الثلاث لأغراض سياسية بحتة لتعطى مثلا يحتذى به فى حركة عدم الانحياز. فلم تستوف هذه الاتفاقية أى دراسات اقتصادية تعمل على تقييم موضوعى للإيجابيات والسلبيات على الاقتصاد المصرى. وفتحت مصر سوقها للدولتين، وكانت هذه بمثابة فرصة ذهبية لهما استطاعتا من خلالها تصدير منتجاتهما لمصر فى حين أننا لم نفلح كثيرا فى التصدير إلى سوقيهما. وعانت مصر الأمرّين لإلغاء هذه الاتفاقية فى فترة لاحقة وبعد تراجع شعلة عدم الانحياز. وأتذكر فى بداية عملى الدبلوماسى فى سبعينيات القرن الماضى بالإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية الكم الهائل من المذكرات التى حررت وتم عرضها لحث القيادة السياسية على إلغاء العمل بهذه الاتفاقية، وهو ما كانت تعارضه الهند بشدة لتفويت هذه الفرصة الذهبية عليها. وجاء الإلغاء دون أية مضاعفات على الصعيد الدولى.
وعند إنشاء منظمة التجارة العالمية فى منتصف التسعينيات، حَرَصَت على إقناع الدول بالالتزام بالنظام متعدد الأطراف والتراجع عن فكرة المفاضلة والتمييز فى إطار اتفاقيات تجارة تفضيلية محدودة إقليمية كانت أم ثنائية، لتعارضها مع نظام عالمى تحت مظلة واحدة ويحسمه نظام فض منازعات موحد وقواعد متساوية تسرى على جميع دوله دون التفرقة فيما بينها على أساس القوة. وعلى الرغم من ذلك، تسارعت الدول كبيرها وصغيرها إلى عقد اتفاقيات تفضيلية فيما بينها تحقيقا لقدر أكبر من الفوائد. وكثيرا ما يتناسون أن هذه الاتفاقيات لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، إن لم تقم مؤسسات الدول المتعاقدة وقطاعاتها الحكومية والخاصة إلى مواءمة أوضاعها وتحديث قوانينها لإنفاذ هذه الاتفاقيات. فما أكثر هذه الاتفاقيات التى تجد مكانها على الرف لا حول لها ولا قوة، وما أكثر الاتفاقيات التى تنتفع منها دول دون الأخرى لفشل الكثيرين فى مواءمة أوضاعها بالسرعة المطلوبة لإثبات جدواها وتحقيق المصلحة منها.
فاتفاقيات التجارة الحرة ليست قادرة وحدها على تحقيق الفائدة وكثيرا ما تتخبط هذه الدول فى تقييم نتائجها، فلا تخلو من صراعات داخلية بين الوزارات، لا سيما وزارات التجارة والمالية حيث تدفع الأخيرة إلى ما تقوم به هذه الاتفاقيات من إضاعة الحصيلة الجمركية للدولة والتى تمثل نسبة عالية من مواردها المالية من العملة الصعبة، لا سيما فى أوساط الدول النامية، فى حين تدفع وزارات التجارة الخارجية إلى أهمية مثل هذه الاتفاقيات اقتصاديا وسياسيا. الأمر الذى يصعب فى النهاية حسمه وتمضى الدول فى مساراتها وتبرم الاتفاقيات بالمئات والتى أصبح اليوم صعب حصرها، مما حدا بالاقتصادى المعروف «ياجديش باجواتى» بوصفها بطبق المكرونة السباجيتى لتعددها وتداخلها وتشابكها.
وتتزايد اتفاقيات التجارة الحرة التفضيلية بعد استحداثها تعقيدا وشمولا، فهى لم تعد قاصرة على مفاوضات التجارة السلعية ولم تعد التعريفة الجمركية هى نقطة الارتكاز بها، بل إن الأمر تعدى ذلك بكثير. فإن هذه الاتفاقيات تشمل اليوم التجارة فى الخدمات وحماية وجذب وتيسير الاستثمارات وسياسات المنافسة وحقوق الملكية الفكرية والبيئة والعمالة، وأصبح يطلق عليها اتفاقيات الجيل الثانى للتجارة الحرة.
***
لا شك أن الجدل الذى نراه على المستوى الدولى بين إيجابيات وسلبيات اتفاقيات التجارة الحرة ينعكس داخل أروقة حكومتنا وبين مفكرينا سواء كانوا من بين مؤيدى عقد اتفاقيات التجارة الحرة أو من بين معارضيها. وللعلم، فإن مصر من عشاق ومجمعى اتفاقيات التجارة الحرة كهدف فى حد ذاته، وفى حين أن بعضها مفيد، نجد أن البعض الآخر يستحق إعادة التفكير.
وعلينا أن نوقن جيدا عند الشروع فى تقييم اتفاقيات تحرير التجارة وهذا حق أصيل لكل دولة أن الدخول فى مفاوضات تجارية ليست هدفا فى حد ذاته، وإنما الغرض من ورائها، هو الحصول على مكاسب اقتصادية قد تتمثل فى معاملة تفضيلية للصادرات المصرية أو فتح أسواق جديدة أو جذب رءوس الأموال الأجنبية وتيسير التجارة أو الاستفادة من التجارة الخدمية وتطوير قطاعاتنا الخدمية، خاصة وأن القطاعات الخدمية أصبحت تستأثر وحدها بنصيب الأسد فى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبما يصل إلى 70% من الاستثمارات العالمية مقارنة بما لا يتعدى 21% فى الصناعة. كما يهمنا أساسا تطوير ما يدخل فى نطاق الثورة الرابعة والتكنولوجيا الجديدة بالنسبة للاتصالات والرقمنة والتجارة الإلكترونية. وقد عايشنا مدى حيوية هذه التكنولوجيا فى فترة زمن الكورونا.
ولنتذكر قبل أن نخطو خطوة أخرى أن مفاوضات جولة أوروجواى دفعت الدول إلى خفض تعريفتها الجمركية إلى الحد الأدنى. ووصلت التعريفة الجمركية بالدول المتقدمة إلى أقل من 3% فى المتوسط، اللهم إلاّ بالنسبة للقلة القليلة من الاستثناءات والدول النامية التى التزمت هى الأخرى بخفض التعريفة الجمركية، التى كانت تصل تقليديا إلى مائتى وثلاثمائة فى المائة وأكثر، والتزمت بالتحرير وفتح الأسواق. وهذه الالتزامات لا رجعة فيها. كما أن مصر التزمت فى اتفاقية المشاركة مع الاتحاد الأوروبى بإزالة التعريفة الجمركية، وكان آخرها بالنسبة للسيارات الأوروبية الصنع فى مستهل عام 2019. وهذه أيضا التزامات لا رجعة فيها. وغنى عن البيان أن إجمالى تجارة مصر مع الاتحاد الأوروبى تصل إلى أكثر من 40% من إجمالى التبادل التجارى المصرى على مستوى العالم، أى أن 40% من تجارة مصر لا حصيلة جمركية عليها.
كما أن مصر خاضت مفاوضات مطولة مع العالم العربى لإزالة التعريفة الجمركية بالنسبة للتجارة فيما بين الدول العربية، كما انتهت من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، بما يشمل إزالة ما يقرب من 97% من التعريفة الجمركية بالنسبة للتجارة البينية فى غضون من خمس إلى عشر سنوات. وكل هذا لا رجعة فيه. فما يتبقى لإعادة النظر فيه هو إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا وعدم استكمال مفاوضاتنا الجارية لخفض التعريفة الجمركية مع تجمع اتحاد الأوراسى والذى يشمل كل من روسيا الاتحادية وبيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وكيرجستان، وتحملنا عواقب ذلك وما يكون له من مساس على مصداقيتنا عالميا وإقليميا.
ولنخلص مما تقدم أنه ليس الموازين التجارية أو الحصيلة الجمركية هما المقياسان الكفيلان بتقييم إجمالى مكاسب وخسائر اتفاقيات التجارة الحرة، فإن كثيرا ما يساهم خفض التعريفة الجمركية إلى مكاسب مضاعفة، بالنسبة لخفض مدخلات الإنتاج وقطع الغيار والمواد الخام للصناعة المحلية، بما يعزز تنافسيتها ويعود بالفائدة على المنتجين والمستهلكين فى آن واحد. فإن ما تحققه اتفاقيات التجارة الحرة من مكاسب كثيرا ما يفوق خسائرها، فعلى مؤسسات الدولة أن تكون مؤهلة للاستفادة منها وعلى منتجيها أن يكونوا على مستوى الوعى اللازم للارتقاء بمستوى صناعاتهم، بما يحقق الرخاء والرفاهية لاقتصادنا وشعبنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.