اسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 9ديسمبر 2025 فى مجازر المنيا    عاجل- تنسيق حكومي مشترك لتعزيز حماية نهر النيل وإزالة التعديات بشكل عاجل    الصادرات الألمانية تتباطأ وتسجل تراجعا حادا في التعاملات مع الولايات المتحدة    المشاط تتسلم جائزة «القيادة الدولية» من معهد شوازيل    حزب المؤتمر: قرار فلوريدا بحظر الإخوان وكير ضربة قاصمة تكشف الوجه الحقيقي لأخطر تنظيم عابر للحدود    قيادي في حماس: على إسرائيل وقف انتهاكاتها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة لبدء المرحلة الثانية منه    الدفاع الروسية تعلن السيطرة على بلدة "أوستابيفسكي" في منطقة دنيبروبتروفسك الأوكرانية    ارتفاع ضحايا زلزال شرق اليابان إلى 50 شخصًا.. وتحذيرات من زلزال أقوى    تشكيل كأس العرب – الفاخوري يقود هجوم الأردن ضد مصر    كأس ملك إسبانيا - فريقان من الدرجة الثالثة يواجهان ريال مدريد وبرشلونة    أمطار وسيول خفيفة بوادي المالحة بمدينة رأس سدر في جنوب سيناء    قيمتها 85 مليون جنيه.. ضبط عنصر شديد الخطورة بحوزته مواد مخدرة بالإسماعيلية    ليوناردو دي كابريو يهاجم تقنيات الذكاء الاصطناعي: تفتقد للإنسانية وكثيرون سيخسرون وظائفهم    جامعة قناة السويس تقدّم خدمات علاجية وتوعوية ل711 مواطنًا خلال قافلة طبية بحي الأربعين    انخفاض جديد في قيمة محمد صلاح التسويقية بعد أزمة سلوت    المصريون في الخارج يتوافدون للإدلاء بأصواتهم في الدوائر الملغاة    شيخ الصيادين بالشرقية: مستعد أرمى نفسى للتمساح عشان أنقذ البلد    رئيس البرلمان العربي يدين بشدة اقتحام قوات الاحتلال لمقر الأونروا بالقدس    آيات أباظة: حب الناس كان سر قوتي خلال أصعب 8 شهور في حياتي    إلهام شاهين تشيد بفيلم «القصص» بعد عرضه بمهرجان البحر الأحمر 2025    قائمة برشلونة - عودة تير شتيجن.. واستمرار غياب أراوخو ضد فرانكفورت    حزب الاتحاد: لقاء الرئيس السيسي مع حفتر يؤكد حرص مصر على استقرار ليبيا    غزة تتصدر حصيلة قتلى الصحافة في 2025... ومراسلون بلا حدود تُدين إسرائيل    القائد العام للقوات المسلحة يشهد مناقشة البحث الرئيسي للأكاديمية العسكرية    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    منال عوض تبحث مع قيادات وزارة الاتصالات عددًا من الملفات    رياضة النواب تهنئ وزير الشباب بفوزه برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو    اتحاد الكرة يعلن عن اشتراطات الأمن والسلامة والأكواد الطبية في المباريات والتدريبات    صلاح وسلوت.. مدرب ليفربول: أنا مش ضعيف وقلتله أنت مش هتسافر معانا.. فيديو    وزارة الاستثمار تبحث فرض إجراءات وقائية على واردات البيليت    اتفاقيات لتوسيع الشراكة العلمية والأكاديمية بين مصر وروسيا    بعد إحالته للجنة الشباب بالشيوخ، النص الكامل لتعديلات قانون المهن الرياضية    أمطار غزيرة وسيول، الأرصاد السعودية تحذر من طقس الساعات المقبلة    قرار عاجل لمواجهة أزمة الكلاب الضالة في القاهرة    تأجيل استئناف «سفاح المعمورة» على حكم إعدامه ل4 يناير    رئيس جامعة العاصمة يعلن الهوية البصرية الجديدة لها ويكشف أسباب تغيير الاسم    ضبط شخص بتهم التحريض وإطلاق ألفاظ خارجة على مواقع التواصل    رنا سماحة تُحذر: «الجواز مش عبودية وإذلال.. والأهل لهم دور في حماية بناتهم»    مراسلة قطاع الأخبار بالرياض: الأعداد تتزايد على لجان الانتخاب في السعودية    تطورات جديدة في الحالة الصحية للفنان تامر حسني.. اعرف التفاصيل    البابا تواضروس الثاني يؤكد وحدة الكنيسة خلال لقائه طلاب مدرسة مارمرقس بسيدني    فحص 7.4 مليون تلميذ ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    فحص أكثر من 195 ألف طالب ضمن مبادرة "100 مليون صحة" بالمنيا    طريقة عمل بلح البحر بتتبيلة مميزة ولا تقاوم    احذر، هذه العادة كارثية بعد الطعام تدمر الصحة    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    قطر تحتفي بالأوبرا المصرية في افتتاح مهرجان الأوبرا العربية بالدوحة    سحب 878 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    ضبط 1.5 طن سكر ناقص الوزن وغير مصحوب بفواتير بمركز ديروط فى أسيوط    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا مدائن العقاد؟! (10)
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 01 - 2020

عَنَّ للأستاذ العقاد، أن يدير حوارا تخيليّا افتراضيّا مع أبى العلاء المعرى عن الاستشراق والمستشرقين، وعن الشيوعية والشيوعيين.
ومن المعروف أنه قد تعددت وتنوعت وتباينت الكتابات والآراء حول المستشرقين، 
ولم تكن هذه القضية قائمة ولا موجودة حين ودع المعرى دنيا الناس فى سنة 1057 م (449 ه).. بيد أن العقاد سعى فى الحوار الخيالى الافتراضى الذى ابتدعه للإطلال على حكيم المعرة إلى استطلاع رأيه فى هذه القضية التى لم يواجهها فى زمانه.
طفق رسول المحتفلين بألفية المعرى، يبسط له أمر المستشرقين الذين لم يسمع بهم فى عصره.
أنصت المعرى لما يبسطه رسول المحتفلين من أمر هؤلاء المستشرقين، أنهم كانوا من القسيسين والرهبان الذين اتجهوا لدراسة علوم العرب ليفقهوا أسرار القرآن، ويدلوا بدلوهم بالحجة والبرهان، وكيف كثرت طوائفهم فى بلاد الجرمان، لا سيّما وهم قوم مشغوفون باللغات والبحث فى الأصول واللهجات.. وهنا بدأ شيخ المعرة يستغرب من شيوع «الاستعراب» 
بينما الرسول يبسط له أن فئات منهم سمعت برهين المحبسين فزاروا ضريحه وسألوا عنه، فزاد عجب المعرى من كثرة ما تحدث به محاوره عنهم والتمس رأيه فيهم.
وقال حكيم المعرة:
«هذه فئة عهدنا لها أشباها بين رهبان زماننا، يدرسون العلم دراسة رهبان ولا يزالون رهبانا فى كل ما يدرسون، فهم يحجون إلى العلم من طريق الدين، وقلما يعرفون العربية إلاّ بلسان أعجم ونفوس أشد عجمة، وهم جامعون ومحيطون، دأبهم كدأب كل محيط يقف عند الأطراف ولا ينفذ منها إلى القلب، ولهم على ذلك ما استحقوا من جزاء وثناء».
ثم أذن المعرى لمحاوره أن يأتيه بمن يريدون من الصحفيين سؤاله عنهم مجتمعين. فما هى إلاّ أن تقدم واحدٌ منهم يتلو خطابا قد استظهره، تلا منه بعد كلام طويل:
«إننا نستقبل منك يقصد المعرى فى بلاد الجرمان رجلا من أهل الشمال وإن كان مولده فى الجنوب، وعقلا من عقول الآريين وإن كان منسوبا إلى الساميين، وشاهدا جديدا على صدق علم الأجناس الذى كشف لنا حقيقة النبوغ ودخيلة المزايا والأخلاق بين الشعوب. فلا فضل ولا عبقرية ولا ارتقاء فى الآداب والفنون، ولا فى العقائد والأخلاق إلاّ أن يكون مردها جميعا إلى أبناء الشمال، وإن خفيت مصادر النسب واختلفت مواقع الميلاد.. ولو لم تكن أيها الرجل العظيم من سلالة الآريين لما اتصل الروح بينك وبين الهند فرأيت ما رآه البوذيون وحرمت ما يحرمون، وأبحت ما يبيحون، فأنت الناهى عن أكل الحيوان وجناه الناصح بإحراق الموتى وإن عجبت منه».
عاجل الصحفى يقرأ للمعرى بعض أشعاره حول هذه المعانى، ويضيف إليها أنه المنكر كل ما ذهب إليه البشر إلاّ مذهب الهند..
فسارع التلميذ رسول القوم يجيب قبل الصحفى، بأنهم يعتقدون فى بلاد الجرمان أن البشر جنسان: جنس مخلوق للسيادة والحكم، وجنس مخلوق للطاعة والتسخير.. وأن أهل السيادة منبتهم فى الشمال ثم انحدروا إلى الهند فعرفوا بالهنود الآريين، وأن أهل الطاعة والتسخير منبتهم فى الجنوب، فهم الساميّون أبناء سام بن نوح أو الحاميّون أبناء حام، ومن شاكلهم فى السحنة والسواد.. وأنه ما من نابغ عظيم إلاّ وهو مردود إلى الشمال، وإن ظهر بين أبناء الجنوب.. ثم أضاف أن ذكرهم أن انتماءه مردود إلى الشماليين، لعله من اشتباههم فى أنه مولود على مدرجة الصقالبة والروم.
هنالك انتفض المعرى غاضبا، انتفاضة العربى المسبوب فى نسبه، وصاح بالتلميذ رسول القوم: ويح الرجل! ماذا عساه يريد منى بعد هذا التخليط؟! قل له إن كان لا يسمع منى إنى القائل:
لا يفخرن الهاشمى: على امرئ من آل بربر
فالحق يحلف ما على: عنده إلاَّ كقنبر
وذلك حسبه من جواب..
***
أما الشيوعية، فنحن نعرف ما للأستاذ العقاد من موقف مناهض لليسار بعامة، وللشيوعية بخاصة، وأنه أدرج الشيوعية ضمن المذاهب الهدامة فى كتابه «أفيون الشعوب المذاهب الهدامة»، ونشرت له دار الهلال «الشيوعية والإنسانية فى شريعة الإسلام»، ووضع الناقد الكبير رجاء النقاش كتابا عن «عباس العقاد بين اليمين واليسار»، استقصى فيه ضمن ما استقصاه، موقف العقاد من اليسار، وموقفه من الماركسية.
ويبدو أن العقاد لم يشأ أن يفوت فرصة إعادة بعث الموتى الافتراضية إلى الحياة، دون أن يستطلع ماذا يمكن أن يكون عليه رأى المعرى فى هذه المسألة، فيفترض فى طوافه مع صاحبه ببساط الريح، أنه لاقى جماعة من المشيعين أو الشيوعيين حين نزل بأرضهم، فسلك معهم غير مسلكه المعهود من التقية والمواراة، فألقى إليهم بما يريد غير عابئ بزمجرة ولا صخب ولا وعيد، وقد بدأ الحوار بكلمة من أحد الرفاق الشيوعيين، اعتبر فيها أن المعرى يدين بمذاهبهم، فقال بعد إسهاب:
«هذا أيها الرفاق رجل منا قد سبقنا بكل رأىٍ من آرائنا وكل دعوة من دعواتنا: فنحن ننكر التفاوت فى قسمة الأرزاق وهو ينكره فى كل صورة من صوره، فيقول عن التفاوت بين العاملين وأصحاب الأموال:
لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته: فقير معرى أو أمير مدوج
وقد يرزق المجدود أقوات أمة: ويحرم قوتا واحدٌ وهو أحوج
وأضاف أنه قال فى التفاوت بين الشاب الفقير وهو أَوْلَى بالمال، وبين الشيخ الموسر وهو مُدْبر عن الحياة:
يعيش الفتى فى عدمه عيش راغب: ويثرى مسن للمعيشة سائم
ونحن ندعو إلى التآزر الاجتماعى والتكافل بين العاملين فى الأمة، وهو قد نادى بذلك من قبل فقال:
الناس للناس من بدوٍ وحاضرة: بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وهو قد نادى بخدمة الحاكمين للرعية فقال:
ظلموا الرعية واستباحوا كيدها: وعدوا مصالحها، وهم أجراؤها
واستطرد الرفيق يشيد بأنه ذهب إلى أبعد من ذلك، فدعا إلى التكافل بين أعضاء المجتمع الإنسانى فقال:
وكل عضو لأمر يمارسه: لا مشى للكف، بل تمشى بك القدم
بل استطرد إلى أبعد من هذا فى المساواة، وقد بين هذا الحكيم العربى للناس حق البيان ما يسعون هم لبيانه من أن الآداب والعقائد ما هى إلاَّ مصالح الطبقة الحاكمة، تصوغها على هواها لتدعم سلطانها، ولتحقق الغلبة لنفسها على ما عداها.
وطفق الرفيق يتلو مستشهدا قول المعرى:
إنما هذه المذاهب أسبا ب لجلب الدنيا إلى الرؤساء
وقوله فى إظهار سطوة المال وقدرته على تحويل الآداب وتخويل الحقوق:
المال يسكت عن حق وينطق فى: باطل، وتجمع إكراما له الشيع
ونحن بشرنا بدين العقل، وهو قد بشر به فى قوله:
سأتبع من يدعو إلى الخير جاهدا: وأخرج منها ما أمامى سوى عقلى
بل نحن قد قررنا تفسير التاريخ «تفسيرا ماديا»، وهو قد أشار إلى ذلك فقال:
الناس للأرض أتباع إذا بخلت: ضنّوا وإن هى جادت مرة جادوا
وظل الرفيق يستشهد بأبيات للمعرى، إلى أن أضاف أنه لا يبالغ إذا قال إنه ذكر الاشتراكية بلفظها:
لو كان لى أو لغيرى قدر أنملة: من البسيطة خلت الأمر مشتركا
وأردف يقول إنه يأنف من التطفل الاجتماعى، ولا يبيح القوت إلاَّ لمن يكسبونه ويستحقونه، وهو قد فرق فى قصائده ما اجتمع من مبادئ المذهب الاشتراكى فى كنف الأساطين، وأن هذه مرتبة ترفعه على أبناء عصره درجات، وتجعله من أئمة الفكر فى تاريخ الاصلاح بين الأقدمين والمحدثين.
مضى الرفيق الخطيب فى إطرائه للمعرى حتى اقترح أن يقفوا جميعا ليشربوا نخب هذا الشاعر الحكيم الذى جمع فى منظوماته ومنثوراته ما لم يجتمع قط فى كلام أحدٍ من الشعراء.. ولن يفوتك مرام العقاد من حشده هذا «الإطراء» على لسان الرفيق، ولا ما احتج به من استشهادات بأشعار أبى العلاء.. لن يخطئك أن العقاد يبسط كل ما يمكن للشيوعيين أن يركنوا إليه فى قراءة المعرى قراءة لصالحهم، كيما يأتى رد فيلسوف المعرة شاملا الرد على كل ما قد يقال!
‏Email:[email protected]
‏www.ragai2009.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.