لا تتوقف حدود العلم عند إتاحة العلاج لمن يملكون مقوماته إنما يتعداها إلى من يتلاشى لديهم الأمل ليصبح ضوءًا خافتا يلوح منقطعا فى نهاية نفق من المعاناة طويل مظلم. ضيق الصمام الأورطى أحد أمراض القلب الخطيرة التى تؤدى لعواقب وخيمة يعانى منها الإنسان خاصة إذا ترسبت ذرات الكالسيوم فى أنسجته. تكلس أنسجة صمام الأورطى تنتقص من مرونته وتضيف عبئا جديدا على عمل البطين الأيسر عند انقباضه ليدفع الدم فى شريان الأورطى الشريان الرئيسى فى جسم الإنسان حتى اليوم يظل استئصال الصمام الثالث واستبداله بآخر معدنى أو نسيجى فى جراحة قلب مفتوح هو الحل الذى يلجأ إليه العلم. ولكن ما العمل إذا كان المريض يعانى من قصور ما فى عمل أجهزته يجعله غير قادر على أعباء عملية القلب المفتوح؟ استبدال الصمام الأورطى باستخدام قسطرة تداخلية حل عبقرى يقدمه العلم حديثا إلى من لا يحتملون أعباء العملية التقليدية وأولها شق عظام الصدر أو قصور عمل الكبد أو الكلى. ماذا يعنى ضيق الصمام الأورطى وما هى أسبابه؟ الصمام الأورطى يجاور الصمام الميترالى تشريحيا فى البطين الأيسر للقلب. الصمام الميترالى يسمح بمرور الدم فى اتجاه واحد من الأذين الأيسر إلى تجويف البطين الأيسر بينما يسمح الصمام الأورطى بمرور الدم من البطين لشريان الأورطى أكبر شرايين جسم الإنسان. يرتخى البطين الأيسر ليستقبل الدم المار عبر الميترالى ثم ينقبص ليدفع الدم بقوة فى الأورطى ومنه إلى شرايين الجسم كلها فى آلية تتكرر مع كل نبض قلب على مدى عمر الإنسان. سلامة صمام الأورطى تضمن قدرا كافيا من الدم اللازم يندفع فى يسر إلى كل أنحاء الجسم وحتى أطراف الأصابع بلا عائق. ضيق الصمام يعد عقبة فى طريق تيار الدم السارى خاصة إذا ما تفاقم الضيق إلى درجة تستوجب توسيع الصمام بأى وسيلة. إذا ما بدأت عملية ضيق الطعام بدأت معها أعراض تشير إليها متى زادت عن الحد. الضيق البسيط لا تصاحبه أعراض لكنها تبدأ حينما يتزايد الضيق. الإحساس بألم الصدر المتكرر، الإحساس بالغثيان وربما الإغماء عند بذل جهد زائد نتيجة لنقصان الدم السارى للمخ. خفقان القلب واضطراب إيقاعه أحد الأعراض المعروفة. تتطور الأعراض مع تزايد ضيق الصمام إلى أن تصل إلى هبوط القلب وفشل البطين الأيسر فى وظيفته الأساسية فى دفع الدم بكفاءة إلى شريان الأورطى. تتعدد أسباب ضيق الصمام الأورطى: قد يولد الإنسان ولديه ضيق خلقى فى صمام الأورطى لتبدأ الأعراض فى فترة مبكرة من حياته. أما أهم أسباب الضيق فهى الإصابة بالحمى الروماتيزمية والتى تبدأ فى مرحلة تعقب انحسار أعراض الحمى الروماتيزمية وتتزايد تدريجيا وربما أيضا تتسبب فى تشوه الصمام الأمر الذى ينتج عنه ما يعرف بالضيق والارتجاع فى آن واحد. غالبا ما يحتاج الصمام التالف لاستبداله جراحيا إما بصمام معدنى أو آخر من النسيج البيولوجى للإنسان أو الحيوان كالخنزير والأبقار. كيف يمكن تشخيص ضيق صمام الأورطى؟ إلى جانب الأعراض التى يشكو المريض منها أثناء الكشف الإكلنيكى فإن هناك عددا من الفحوص والاختبارات يمكن منها معرفة السبب وراء ذلك الضيق وتقدير مدى خطورته وتحديد أفضل وسيلة لعلاجه إما توسيعه باستخدام البالون أو ضرورة استبداله فى عملية للقلب المفتوح. التصوير إما بالأشعة السينية أو استخدام تقنيات صوتية مثل الصدى الصوتى أو الأشعة المقطعية أو القسطرة لتحديد مقياس شدة الضيق وتداعياتها كلها وسائل تستخدم الآن بدقة وأمان. هل تغنى القسطرة التداخلية عن عمليات القلب المفتوح؟ زراعة صمام أورطى باستخدام القسطرة التداخلية إنما هى تقنية حديثة يمكن استخدامها فى حالات خاصة من حالات الإصابة بضيق الشريان الأورطى إلى درجة تعوق حياة الإنسان ولا يمكن معها اللجوء للطريقة الجراحية التقليدية المعروفة بالقلب المفتوح لاستبدال الصمام. تشوه عظام القفص الصدرى نتيجة عمليات سابقة فى القلب أو الرئة، وجود قصور فى أجهزة حيوية أخرى مثل الكلى لا يمكن معها اللجوء لجراحة كبرى كالقلب المفتوح تستغرق ساعات، كبر السن إلى الدرجة التى معها يخشى على المريض من التخدير أو تداعيات العملية الجراحية كلها أمثلة معها يفضل اللجوء لتلك التقنية الحديثة التى تستغرق على الأكثر 60 90 دقيقة. ويلجأ فيها أطباء التخدير إلى وسائل حديثة أقل وطأة على المريض من تلك التى تحتاجها عمليات القلب المفتوح. ماذا يعنى زرع الصمام الأورطى باستخدام القسطرة التداخلية؟ شهد العالم حتى اليوم ما يقرب من 60 ألف حالة زراعة للصمام الأورطى باستخدام تلك التقنية الحديثة فى مراكز العالم المتخصصة. فيها تتم زراعة صمام أورطى من نوع خاص. أول تلك الصمامات يطلق عليه صمام سابين Edwards SAPIEN valve. وهو صمام معدنى تستخدم لزراعته قسطرة من نوع خاص مزودة ببالون يتمدد حينما يصل لمستوى صمام الأورطى الذى بالطبع لا يتم استئصاله جراحيا فى تلك الحالة. بواسطة القسطرة يتم تثبيت الصمام الصناعى عند منبت شريان الأورطى من البطين الأيسر. وقد حصل صمام سابين على إجازة هيئة الدواء والغذاء الأمريكية (FDA) ويستخدم الآن بنجاح قد يصل إلى 90٪. الصمام الثانى الذى يتم استخدامه هو ما يعرف بCore valve device وهو صمام يستخدم فى تثبيته أيضا قسطرة تداخلية بدون بالون إذ إنه يتمدد ذاتيا عند تثبيته فى مكانه. الفكرة فى الأصل أوروبية بدأ تنفيذها عام 2002 فى السادس عشر من إبريل الدكتور الفرنسى Prof. Alain Cribier طبيب أمراض القلب بمستشفى شارل نيكول فى روان فرنسا. وهى تعتمد على إدخال تلك القسطرة التداخلية إما عن طريق شريان الفخذ (Femoral artery) أو من بين الضلوع مباشرة إلى المكان التشريحى لصمام الأورطى (Transapical or riansaortic apperches). القسطرة التداخلية تحمل الصمام على دعامة سواء كان الكور أو سابين ليتم تثبيته مكان الصمام الضيق والذى غالبا ما تترسب فى أنسجته ذرات الكالسيوم لتزيد الأمر تعقيدا وتتعاظم الأعراض التى منها يشكو المريض. تجرى الآن بنجاح والكثير من الأمان تلك التقنية التى تعطى أملا غالبا للعديد من مرضى ضاقت بهم سبل الصحة عند ضيق الصمام الأورطى فكانوا فى مرمى نيران الخطر. إجراؤها فى مستشفى حكومى كمعهد القلب القومى أمل وبادرة خروج من أزمة خاصة يعيشها الوطن فهل ندعم جهد تلك الكتيبة من الأطباء فى موقعها القتالى؟