مصر أكتوبر: النهوض بالتعليم والصحة على رأس أولويات الرئيس    سعر الدولار في ختام تعاملات الأربعاء 14 مايو 2025    ترامب: أخبار سارّة بشأن أوكرانيا اليوم أو غدا    الزمالك يفوز على فاب الكاميروني في كأس الكؤوس الأفريقية لليد    خاص| بيراميدز يُفكر في تصعيد شكوى بسبب الأهلي    تعليم دمياط تواصل استعداداتها لامتحانات نهاية العام.. وتشدد على دور الموجه المقيم    نادر السيد : تصريحات مسؤولي بيراميدز الإعلامية سبب فقدان الفريق لصدارة الدوري    "مباشر كابيتال" حجم الاستثمارات بصندوق "كاش مباشر" تتجاوز 400 مليون جنيه    قبل انطلاق امتحانات الثانوية العامة.. ضوابط المراجعة الفعالة لتحقيق التفوق    عدت على خير، بهاء الدين محمد يتصدر التريند بعد إجرائه عملية جراحية    فقدت توزانها.. سما إبراهيم تتعرض لوعكة صحية    توجيهات رئاسية جديدة اليوم للحكومة وكبار رجال الدولة.. "فيديو وصور"    القصة الكاملة لحادث دهس الفنان نور النبوي موظفًا بالكهرباء    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    النيابة تستأنف التحقيق في انفجار خط غاز بطريق الواحات: 8 ضحايا واحتراق 13 سيارة    موعد مباراة الأهلي والبنك الأهلي في الدوري والقناة الناقلة    «زراعة النواب» توافق علي موازنة «الطب البيطرى» للعام المالي الجديد    صالون ثقافي حول «معوقات العمل الأدبي» بثقافة العريش    «الشرق الأوسط كله سف عليا».. فتحي عبد الوهاب يكشف كواليس «السيلفي»    محمد أبو السعود رئيساً تنفيذياً للبنك الزراعي وسامي عبد الصادق نائبا    ضبط مصنع مستلزمات طبية بدون ترخيص في تلا بالمنوفية    جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2025 الترم الثاني محافظة شمال سيناء    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    إزالة 15 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في حملات ب أسيوط (صور)    مشاجرة بالأسلحة النارية بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. وإصابة 6 أشخاص    لأصحاب برج السرطان.. اعرف حظك في النصف الثاني من مايو 2025    الليلة.. محمد بغدادي في ضيافة قصر الإبداع الفني ب6 أكتوبر    المؤبد والمشدد 15 عاما لمتهمين بقتل «صبى» طعنا بالمطاوي في شبرا الخيمة    إعفاء وخصم وإحالة للتحقيق.. تفاصيل زيارة مفاجئة إلى مستشفى أبو حماد المركزي في الشرقية    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني 2025 في محافظة البحر الأحمر    التعليم العالى تعلن نتائج بطولة السباحة للجامعات والمعاهد العليا    بعد حل العمال الكردستاني.. أردوغان: تخلصنا من الإرهاب والعنف أصبح من الماضي    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع مجموعة تنفيذ مقترحات زيادة فصول الحضانات    المجموعة الوزارية للتنمية البشرية تؤكد أهمية الاستثمار في الكوادر الوطنية    رئيس جامعة المنوفية يلتقي المحافظ لبحث آفاق التعاون المشترك    طرابلس تتحول ل"مدينة أشباح".. ممثلو 30 شركة إيطالية محاصرين بفندق بعاصمة ليبيا    استعدادًا لموسم الحج.. رفع كسوة الكعبة "صور"    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    مسئول أمريكي سابق يصف الاتفاق مع الصين بالهش: مهدد بالانهيار في أي لحظة    الليلة.. ميلان فى مهمة كسر عقدة كأس إيطاليا أمام بولونيا    توقيع بروتوكول بين المجلس «الصحي المصري» و«أخلاقيات البحوث الإكلينيكية»    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    الري: تحقيق مفهوم "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة" أحد أبرز مستهدفات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    رئيس الوزراء: الاقتصاد العالمي يدخل حقبة جديدة لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    هآرتس: إسرائيل ليست متأكدة حتى الآن من نجاح اغتيال محمد السنوار    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح والجمود الفكرى
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 10 - 2019

ارتأيت كتابة هذا المقال رغم أنه قد يبدو للكثيرين أن الأمر لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل، إيمانا من هؤلاء بأنه لا مناص من مواكبة التطور الفكرى للإصلاح. فلا يمكن أن يكون هناك إصلاح حقيق وشامل فى ظل بقاء الجمود الفكرى والبيروقراطية الأخطبوطية الضاربة فى أعماق الجهاز الإدارى. بيد أنه إذا قمنا بمراقبة الوضع الحالى، نجد أن مصر تقفز كالمارد خطوات ضخمة فى مجال الإصلاح لم تشهده من قبل، بل وعلى حد قول صندوق النقد الدولى قلما شهدته دولة أخرى فى نطاق عمليات الإصلاح، بينما نشهد فى نفس الوقت أخطبوط البيروقراطية يتفنن فى كيفية الانقضاض على فريسته من خلال المماطلة وعرقلة عمليات التنفيذ والتمسك بأسباب أغلبها واهية. فإذا أرادت القيادة السياسية التعجيل من خطوات إقامة مشروع أو بناء مصنع، نجد البيروقراطية، ممثلة فى صغار الموظفين، تسوف وتماطل فى طلب إجراءات وأوراق قد يكون الكثير منها غير مجدٍ ولمجرد التعطيل. باختصار فإن موظفى الخدمة المدنية هم مجموعة فرعية من البيروقراطية وجزء لا يتجزأ منها.
كانت البيروقراطية فى الماضى هى حامية النظام الإدارى من الفساد والغش من خلال مركزية مراقبة النظام واتباعها ذات الإجراءات على الجميع ولا تسمح بالمحسوبية أو المحاباة، وكان فى الماضى كلمة «بيروقراطى» مقرونة بالرجل المثقف، الذى يعمل خلف مكتبه، على اعتبار أن كلمة «بيرو» تعنى مكتب بالفرنسية. إلاّ أن كلمة البيروقراطى، من الناحية الفنية، أصبحت اليوم مرادفة لموظفى الخدمة المدنية، بما لها من دلالة سلبية لأنها تعبر عن التعقيد فى المعاملة وعدم المرونة وانعدام الفعالية بالنظر إلى التمسك المفرط بالإجراءات المتقادمة. والبيروقراطية ليس لها تصنيف أو ترتيب، فهى تشمل كوادر كبار الموظفين كما تضم أيضا الكوادر الدنيا. فإن مسمى بيروقراطى اليوم لم يعد مجاملة، بل أصبح كلمة مهينة لما يعنيه ضمنيا من عرقلة ومماطلة وجمود وسلبية فى التعامل وترجيح المصلحة الذاتية والخمول الذهنى والتقاعس عن العمل.. إلخ. فالبيروقراطية باختصار أصبحت تمثل كراهية لكل جديد، لأن الموظف يرى نفسه غير مستفيد بل يشعر بأن الإصلاح ليس فى صالحه.
***
لقد حققت مصر الكثير، لا سيما مؤخرا فيما تسلكه من إصلاح جذرى على مختلف المستويات، غير أن البيروقراطية والجمود الفكرى ما زالا عالقين فى أذهاننا ويجعلان الجهاز الإدارى غير قادر على مواكبة التطور ومسايرته، كما يؤثران سلبا على تنفيذ خطوات ما بعد الإصلاح وغير مبالين بجنى ثماره. ولننظر سريعا إلى ما حققته مصر خلال العامين الماضيين. حققت استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلى من خلال إقدامها دون تردد على تحرير الجنيه وتعويمه أمام العملات الأخرى، حققت الخفض التدريجى لمعدلات التضخم وخفض الدين العام بنسب لم تُشهد من قبل، ونجحت فى خفض معدلات البطالة إلى النصف لتصبح أقل من 10% فى سنوات معدودة، وحققت نموا بمعدل 5.3% للاقتصاد المصرى، وذلك إلى جانب الإصلاحات التشريعية، لا سيما إقرار قانون الاستثمار الجديد وجذب مزيد من الاستثمارات الخاصة وإعادة الثقة للقطاع الخاص الوطنى وتحسين مناخ العمل. كل هذا من شأنه أن ينعكس بالإيجاب على مسيرة الإصلاح الاقتصادى وتعزيز القدرة التنافسية لمصر، بما يساهم فى خلق المزيد من فرص العمل ومكافحة البطالة، أضف إلى ذلك كله التطور غير المسبوق فى البنية التحتية وشبكة الطرق على أعلى مستوى، التى لا علينا إلاّ أن نفخر بها جميعا.
وإذ سبق أن تعايشت مصر طوال تاريخها مع البيروقراطية، فإنها اليوم باتت تعانى من تفاقمها وآثارها الوخيمة على التحديث والتطوير ومجاراة التطور العالمى السريع واللحاق به. بل أنه أكثر من ذلك. أصبحت البيروقراطية تعمل ضد مصلحة المواطن المصرى. فأصبحت البيروقراطية تجسد مصلحة الموظف متباهيا بسلطته فى السلم الإدارى وامتلاكه ختم الدولة. فيتصف عمله بالروتين وبطء التنفيذ والمغالاة فى التمسك الحَرفى والمتجمد بالقواعد وشكليتها أكثر من مضمونها، مما يصب فى النهاية إلى عرقلة شئون الدولة وسلبية التعامل مع المواطنين والمستثمرين والمصدرين وغيرهم من الفئات العاملة بالدولة والراغبة فى مجاراة التقدم والنمو.
ولعلنى لا أبالغ هنا إذا ما عزمت أن البيروقراطية والتى تمثل الجمود الفكرى للجهاز الإدارى تناهز التطرف الدينى والتشبث بالمفاهيم الخاطئة، بما يعمل على تحريف ديننا الحنيف، الذى يلفظ الإرهاب والجمود ويحث على السماحة والسلام والتطور. فإن ما تعانى مصر منه اليوم فى ترسخ الجمود الفكرى والبيروقراطية ورفض مسايرة طموحات القيادة السياسية، بما تحرصه على إحداث طفرة تليق بمصر وبشعبها، يتعين علينا اقتلاعه من جذوره، حيث إنه لا اختلاف بين البيروقراطية وتأثيرها العقيم على النمو والتقدم وبين التطرف الدينى، الذى يقبع فى ذهن الإرهابى، الذى هو الآخر يرفض الرقى والازدهار.
***
وترفض البيروقراطية المصرية بذل أى جهد رافعة شعار «العمل بقدر المرتب»، وترفض التحرك أو الانفتاح؛ لأن ذلك قد يتطلب مزيدا من الجهد ومزيدا من التفكير، وهو ما يخشاه الموظف ويرفضه شكلا وموضوعا. ويعوزنى فى هذا المقام استرجاع مقال السيد الدكتور على الدين هلال فى أواخر سبتمبر فى جريدة الأهرام عندما سرد لنا طريق الصين فى الإصلاح. فذكر أن الصين أقامت قطاعا رأسماليا فى مجالى التجارة والصناعة يعمل وفقا للقواعد الدولية وينخرط فى الاقتصاد الدولى بُغية التصدير والاستيراد، ولم تتوان الصين فى ابتكار الأساليب والطرق لجذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية للعمل داخل الصين مع تدخل القيادة السياسية لتذليل أى العقبات والعراقيل التى قد تحول دون تدفق الاستثمارات الأجنبية. وتحمل الصين اليوم لواء تحرير التجارة والانفتاح.
فكيف يتأتى لنا فى ظل جهود الإصلاح غير المسبوقة، التى تقوم بها مصر اليوم أن نستمر فى احتمال هؤلاء الذين يرفضون التطور والإصلاح. فلا يمكن إتمام عملية الإصلاح كاملة وبشكل جذرى إن لم يصحبها إصلاح مماثل فى الفكر وعقل الجهاز الإدارى والموظفين بالدولة. فإن هؤلاء هم المسئولون والموكل إليهم عملية تنفيذ عمليات الإصلاح برمتها.
فإن الاهتمام بوعى الموظف ليس من خلال رفع مرتبه أو منحه المكافآت أو ترقيته أو نقله من مكان إلى آخر أو تنظيم منح تدريبية لتحسين أدائه الفنى أو اختبارات متوالية لتعيين القادة فى الجهاز الإدارى دون الالتفات إلى تطوير طريقة تفكير هذا الشخص وجعله مدركا وواعيا لإعادة الهيكلة التى تتم من حوله والانفتاح على العالم ومواكبته التطور الإلكترونى دون أن يخشى على وظيفته أو يماطل فى التطبيق بحجة أن مصر ما زالت دولة نامية ولم تلحق بركب التقدم بعد وليس لديها التشريعات التى تحميها من غزو التقدم والتطور.
فالبيروقراطية لا تعنى رأيا معاكسا أو تفكيرا مختلفا، بل إنها تعنى الخمول فى التنفيذ وعرقلة المضى فى التطوير بحجة أنها تحمى الدولة من الهرولة فى الإصلاح فى غياب الآلات والتشريعات التى من شأنها حماية مصر مما تزعمه من إصلاح متعجل. فإن البيروقراطية لا تعنى التحاور أو أن تأتى بفكر جديد، بل هى تمثل التشبث بالرأى العقيم، الذى يلفظ كل جديد والابتكار والتقدم والشجاعة. فالبيروقراطية تعنى اختيار الطريق الراكد، الذى لا يتحمل المسئولية أو يفرض عملا إضافيا.
وإذا كان لنا بعد هذا الشرح أن نضرب الأمثال، فلنشاهد حولنا الموظفين فى الوزارات والهيئات المختلفة كالاستثمار والتجارة الخارجية والجمارك، وهى تلك الوزارات المطلوب منها التعامل مع العالم الخارجى، أو وزارات التموين والتجارة الداخلية أو وزارة التنمية المحلية التى تتعامل مع المواطن بالداخل، فأين موظفوها الذين يقع على عاتقهم تنفيذ الإصلاح والتغيير والتحديث والابتكار؟
وأين وزارة التخطيط والإصلاح الإدارى من عملية تغيير الجمود الفكرى للموظفين واقتلاع البيروقراطية الأخطبوطية من جذورها التى ترفض عمليات الإصلاح وتتحايل على التنفيذ؟ أسئلة تنتظر الإجابة حتى تنجح عمليات الإصلاح الهيكلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.