يوم الاثنين الأول من أكتوبر سوف تستقبل ساحة تشانجآن التاريخية في العاصمة الصينيةبكين أكثر من 15 ألف جندي و 580 مجموعة من المعدات العسكرية، في الوقت الذي سوف تحلق فيه أكثر من 160 مروحية عسكرية فوق المكان. ويعد الاستعراض العسكري الأكبر في تاريخ الصين حتى الآن، للاحتفال بالذكرى ال70 لإعلان ماو تسي تونج تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وذلك بعد الانتصار في حرب أهلية ضد القوميين، الذي انسحبوا إلى تايوان. هذه المرة، سوف تكون الشخصية المحورية في ميدان تيانامين في بكين هو الرئيس شي جين بينج، الزعيم الأقوى نفوذا في الصين منذ ماو. ومن المتوقع أن يستخدم جين بينج، الذي مهد الطريق لنفسه للبقاء في الحكم لأجل غير مسمى، هذه المناسبة لترسيخ حكمه. وبصفته رئيس اللجنة العسكرية المركزية، وهي أعلى هيئة عسكرية في البلاد، سوف يقوم جين بينج بتفقد عدد من كبار القادة في الاستعراض أكثر مما تفقده أي زعيم شيوعي في التاريخ، وذلك وفقا لما قاله شاي زهيجون، نائب مدير مكتب قيادة الاستعراض العسكري التابع لمجلس الدولة. ومنذ أن تولى السلطة عام 2013، رسخ جين بينج من مركزه من خلال إحاطة نفسه بحلفاء له وإبعاد بعض منافسيه عبر حملة لمكافحة الفساد. كما أنه عزز من سيطرة بكين على الحكومات المحلية والاقتصاد، منهيا بذلك توجها بدأه الزعيمان السابقان له دينج شياو بينج و هو جينتاو اللذان قاما بتشجيع اقتصاد سوق أكثر انفتاحا. وكتب الباحثان نيس جرونبيرج و كاتا درينهاوسين من معهد ميركاتور للدراسات الصينية في برلين " جين بينج يعيد الحزب للمقدمة من خلال إعادة بناء نظام مركزي هرمي حوله بصفته زعيم محوري". وأضافا" بدلا من تفكيك جهاز الدولة، تمثل هدف جين بينج في جعله أكثر كفاءة وجعله يخدم أجندة الحزب". وسوف يستغل جين بينج الاستعراض العسكري لتوجيه رسائل على عدة مستويات حول المدى الذي وصلت إليه البلاد تحت حكم الحزب الشيوعي. وبالنسبة للشعب الصيني، يكمن الاختلاف الرئيسي بين الحياة اليوم و الحياة منذ 70 عاما في الرخاء الاقتصادي، بحسب ما قاله زهو ليجيا، استاذ الإدارة العامة بالأكاديمية الصينية للحوكمة. وبالنسبة للعالم الخارجي، سوف تظهر بكين نفسها كقوة عظمى. والرسالة، وفقا لزهو هى: "منذ 70 عاما كنا دولة ضعيفة للغاية، ولكن اليوم نحن قوة عظيمة". ولكن خلف كواليس هذا الاستعراض الضخم، جاهدت بكين لاحتواء أزمات متعلقة بالحرب التجارية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، والاحتجاجات في هونج كونج وقمع الأقليات المسلمة العرقية في شينجيانج، والتي تحلق جميعها كسحب فوق استعراض جين بينج. وقال المحلل المستقل وو قيانج "على مدار الأسبوعين الماضيين، رأينا أن الحكومة المركزية بذلت جهودا في كل اتجاه". وأضاف: "هم لا يريدون أن تتداخل هذه القضايا مع فعاليات الاحتفال". وفيما يتعلق بالحرب التجارية المستمرة منذ عام، التي شهدت عدة محاولات فاشلة لإجراء مفاوضات، يبدو أن واشنطنوبكين اتفقا على هدنة إلى ما بعد الاستعراض. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أرجأ زيادة مقررة للرسوم على بضائع صينية بقيمة 250 مليار دولار حتى منتصف أكتوبر، بعدما كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في الأول من الشهر. وكتب ترامب تغريدة قال فيها إنه اتخذ هذا القرار بناء على طلب نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي" نظرا لأن جمهورية الصين الشعبية سوف تحتفل بالذكرى ال70 لتأسيسها في الأول من أكتوبر المقبل". وأظهرت كل من واشنطنوبكين " بوادر حسن نوايا" خلال الأسابيع الأخيرة، قبل جولة المفاوضات المقبلة المقررة الشهر المقبل. ولكن ترامب انتقد السياسات الاقتصادية للصين أمام الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك، مما يثير المزيد من الشكوك حول فرص نجاح المفاوضات المقبلة. وفيما يتعلق باحتجاجات هونج كونج، يبدو أيضا أن بكين قامت ببعض التنازلات. فقد أعلنت الرئيسة التنفيذية لهونج كونج كارى لام مطلع هذا الشهر السحب الرسمي لمشروع قانون مثير للجدل بشأن تسليم المطلوبين جنائيا للبر الرئيسي الصيني. يشار إلى أن مواطني هونج كونج يتظاهرون فى الشوارع منذ يونيو الماضي للاحتجاج على مشروع القانون، ولكن لام أعلنت سحبه رسميا مطلع الشهر الجاري. وفي نفس الوقت، تبنى مجلس الدول الصيني توجها أقل صرامة تجاه سكان هونج كونج، حيث وضع فاصلا بين مثيري الشغب العنيفين والمتظاهرين السلميين. وبالنظر للوضع الحالي، من غير المرجح أن تتدخل بكين عسكريا- مثلما كان يخشى البعض- لقمع المظاهرات المستمرة في المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. ولكن السلطات تستعد لمواجهة مظاهرات ضخمة في هونج كونج في الأول من أكتوبر المقبل. كما أن الحكومة الصينية تتسم بالحساسية تجاه الانتقاد الدولي ضد عمليات الاعتقال واسعة النطاق للعرقيات المسلمة بما في ذلك الويغور، والكازاخستانيين، والقيرغيزيين، والأقليات الأخرى، في منطقة شينجيانج بغرب الصين. وكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية وأكثر من 30 دولة أخرى قد أدانوا "حملة القمع المروعة" التي تنفذها الصين ضد الأقليات العرقية في شينجيانج، وذلك في بيان صدر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ووصفت الخارجية الصينية البيان بأنه " افتراء" وقالت إنه يمثل تدخلا في الشؤون الداخلية الصينية.