نشرت مجلة Foreign Affairs مقالا للكاتب Kristine Lee عن زيادة النفوذ الصينى فى المنظمات الدولية وخاصة الأممالمتحدة فى حين تراجعت مكانة الولاياتالمتحدة فى هذه المنظمات.. ونعرض منه ما يلى: لسنوات عديدة، كان الاجتماع السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر يمثل محور القيادة العالمية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، استغلت إدارة الرئيس باراك أوباما الفرصة لتحفيز العمل الدولى بشأن قضايا مثل تغير المناخ وإعادة توطين اللاجئين. لكن المنظمة الآن تمر بمرحلة تحول كبير.. لقد تركت الولاياتالمتحدة عجلة القيادة، وبكين تقف على أهبة الاستعداد للسيطرة عليها. حرصا منها على توسيع نفوذها على الساحة الدولية بطرق تخدم مصالحها، كرست الصين موارد كبيرة وبذلت جهودا كثيرة لتقدم نفسها فى الأممالمتحدة كبديل أكثر ديناميكية من الولاياتالمتحدة. فى السنوات القليلة الماضية وحدها، وضع الحزب الشيوعى الصينى مسئوليه على رأس أربع من الوكالات المتخصصة الخمسة عشر التابعة للأمم المتحدة، بينما تقود الولاياتالمتحدة وكالة واحدة فقط. كما قدمت أكثر من عشرين مذكرة تفاهم لدعم مبادرة الحزام والطريق وحشدت مجموعة من الدول غير الليبرالية للحد من الانتقادات الدولية لقمعها للأويغوريين العرقيين فى مقاطعة شينجيانغ. لا يوجد للولايات المتحدة استراتيجية متكاملة للتعامل مع الصعود الصينى، وهذا ناتج من أن الولاياتالمتحدة منشغلة فى إعادة تقييم علاقاتها مع المجتمع الدولى... بدلت إدارة الرئيس دونالد ترامب العديد من سفرائها لدى الأممالمتحدة فى وقت قصير، وانسحبت الولاياتالمتحدة من جانب واحد من بعض وكالات الأممالمتحدة وانتقدت بشكل عام المؤسسات متعددة الأطراف. ومع سعى الصين لتوجيه الأممالمتحدة بعيدا عن مبادئها التأسيسية، لن تستسلم الولاياتالمتحدة لذلك. ستؤدى هيمنة الصين على الأممالمتحدة إلى تآكل القيم والمصالح الأمريكية فى الأمور التى تتراوح من عدم الانتشار النووى إلى التنمية المستدامة. إذا كانت إدارة ترامب جادة فى التنافس استراتيجيا مع الصين، فسيتعين عليها تكثيف جهودها على الساحة الدولية. *** لعقود من الزمان، كان دور الصين فى الأممالمتحدة هو دور المفسد إلى حد كبير. فلطالما هدفت بكين فى المقام الأول إلى إعاقة جهود الولاياتالمتحدة والقوى الديمقراطية الأخرى لفرض رؤية ليبرالية على العالم. عبر دنغ شياو بينغ، الزعيم السابق للصين، عن النظرة العالمية للولايات المتحدة وراء هذه الجهود فى خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974. وقد انتقد «محاولات الولاياتالمتحدة العبثية للهيمنة العالمية» وحذر من إنشاء «مناطق نفوذ من قبل أى بلد». ولكن مع تزايد قوة الصين ونفوذها، تطور نهجها تجاه المنظمات الدولية. اليوم، فى عهد الرئيس شى جين بينغ، تخلت الصين عن موقفها الدفاعى الذى حدد دورها فى الأممالمتحدة. فى خطاب ألقاه العام الماضى، دعا شى الصين للقيام بدور «نشط فى قيادة إصلاح نظام الحكم العالمى». تضاعف الصين من حجمها فى الأممالمتحدة فى وقت تقلص حجم الولاياتالمتحدة... فى عام 2011، على سبيل المثال، قطعت الولاياتالمتحدة 80 مليون دولار من التمويل السنوى لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حوالى 22 فى المائة من ميزانيتها بالكامل. سارعت الصين لملء هذا الفراغ، متعهدة بملايين الدولارات كدعم من خارج الميزانية لبرامج التعليم. زادت بكين من مساهماتها النقدية فى الأممالمتحدة بخمس مرات فى العقد الماضى. زادت استثمارات الصين من نفوذها وهى الطريقة التى كانت تستخدمها الصين لحماية نفسها من نقد سياساتها فى شينجيانغ والتبت وعزل تايوان. لكن الحزب الشيوعى الصينى قدم أجندة أكثر طموحًا، يدافع عن الأوتوقراطيين المحاصرين فى فنزويلا وسوريا، ويعزز الرأى القائل بأن احترام «السيادة» يجب أن يسمح للحكومات بالتنصل من مطالب الأفراد والأقليات لتحقيق الأمن الداخلى. استخدمت الصين مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو الهيئة ذاتها المكلفة بمحاسبة منتهكى حقوق الإنسان، لتحريف وتشويه مفهوم القيم العالمية، بحجة أن «كل دولة قد تختار نموذجها الخاص بها لحماية حقوق الإنسان». باختصار، تستخدم بكينالأممالمتحدة كمنصة لإضفاء الشرعية على الحكم الاستبدادى. *** لم تساهم الصين فقط بالأموال للأمم المتحدة فى السنوات الأخيرة. لقد بذلت البلاد جهدا منهجيا لملء المناصب القيادية للمنظمة بمسئولى الحزب الشيوعى. يترأس الصينيون الآن أكثر من ربع وكالات الأممالمتحدة المتخصصة، بما فى ذلك منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد الدولى للاتصالات وإدارة الطيران المدنى الدولى ومنظمة التنمية الصناعية. وتواصل الحكومة الصينية توظيف المزيد من الموظفين المدنيين ذوى خبرة عالية للعمل فى الأممالمتحدة. فى مقابل الأموال والخبرات والموظفين الذين توفرهم، تسعى بكين للحصول على موافقة الأممالمتحدة على مبادرات السياسة الخارجية، وأبرزها الحزام والطريق. فالمبادرة التى أطلقها الرئيس الصينى حصلت على جوائز تقديرية للمساعدة فى توفير البنية التحتية اللازمة للبلدان النامية، لكنها حصلت أيضًا على انتقادات كبيرة لأنها لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية للحياة المالية وحماية البيئة وحقوق العمال. لقد استخدمت بكينالأممالمتحدة لدعم مشروعية المشروع ودعمه الدولى. لقد حاولت الصين جعل مبادرة الحزام والطريق فى مقام مماثل لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتى تركز على تخفيف حدة الفقر والاستدامة البيئية. قال ليو تشن مين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية، إن مبادرة الحزام والطريق تخدم «مقاصد ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة». حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس قد أثنى على فوائد المبادرة وذكر دعم الأممالمتحدة الكامل للمبادرة دون أن يتكلم عن مخاطرها وقيودها. *** على الرغم من جهود الصين، لا يزال العديد من الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة يشككون فى قيادة بكين للشئون العالمية. وجد استطلاع أجرته مؤسسة Pew Research مؤخرًا أن 19 بالمائة فقط مما قاموا بالاستطلاع يفضلون الصين، بدلا من الولاياتالمتحدة، لتقود العالم. لكن المستقبل الذى تشكله قيم ومصالح الحزب الشيوعى الصينى يقترب بسرعة. ينبغى على واشنطن أن تمنع جهود الصين لتقليص القيم الليبرالية فى منظومة الأممالمتحدة، وخاصة حول حماية حقوق الإنسان. جنبا إلى جنب مع الدول المتشابهة فى التفكير، يجب على الولاياتالمتحدة التركيز على منع الصين من إدراج المصطلحات الأيديولوجية البريئة على ما تبدو فى وثائق الأممالمتحدة على سبيل المثال، «التعاون المربح للجانبين» و«مجتمع ذات مستقبل مشترك للبشرية»، و«ديمقراطية العلاقات الدولية» مثل هذه المصطلحات تؤدى إلى تراجع الإجماع حول الحقوق العالمية لحقوق الإنسان، ويجب على المسئولين الأمريكيين نشر قائمة تتاح للجمهور، موضحة كيف يتم استخدام هذه المصطلحات لتعزيز مصالح بكين بشكل ضيق على حساب المعايير والقيم الثابتة. فى الوقت نفسه، يتعين على الولاياتالمتحدة أن تدعو قيادة الأممالمتحدة بما فى ذلك الأمين العام إلى التحدث بقوة أكبر عن انتهاكات حقوق الإنسان فى الصين. وقد قدمت ميشيل باشيليت، المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، مثالا على ذلك من خلال انتقادها للمزاعم التى يتم على إثرها الاعتقالات التعسفية للإيغوريين. على المدى الطويل، يتطلب مواجهة القيم غير الليبرالية أن تظل الولاياتالمتحدة فاعلة فى الأممالمتحدة. إن الانسحاب من جانب واحد من الهيئات المهمة، مثل اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان، قد خدم النفوذ الصينى. بدلا من ذلك، يجب على الولاياتالمتحدة أن تستخدم نفوذها لدفع اتجاه وكالات الأممالمتحدة أو على الأقل تجنب ترك الفراغات للصين لملئها. بعد كل شىء، لا تزال الصين فى المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة كأكبر مساهم مالى فى منظومة الأممالمتحدة بشكل عام. ومع ذلك، تتخلف الولاياتالمتحدة عن المساهمة بموظفين لها فى الأممالمتحدة، فعدد الموظفين الأمريكيين فى الأممالمتحدة يعد قليل نسبيا.. وعليها أن تسعى جاهدة لإصلاح ذلك من خلال معالجة الحواجز التى تحول دون دخول المرشحين الأمريكيين. تسعى جميع القوى الكبرى إلى تعزيز مصالحها داخل المنظمات الدولية. كما أخبر الرئيس ترامب الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017، «سأضع أمريكا دومًا أولا، مثلكم تمامًا، كقادة بلدانكم، سوف يضعون دائمًا، وينبغى أن يضعوا دائمًا، بلادهم فى المقام الأول». لكن سعى الصين لتحقيق مصالحها الأساسية فى الأممالمتحدة خطر، لأن من بين هذه المصالح الهدف السياسى الضيق المتمثل فى تعزيز السلطة تحت سلطة الحزب الشيوعى الصينى. إذا نجحت بكين فى إعادة استخدام الأممالمتحدة لتحقيق مصالحها فلن تصبح الصين أشبه بباقى العالم سيصبح باقى العالم أشبه بالصين. إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى النص الأصلى https://fam.ag/2kU7DMZ