وزير التعليم العالي: التوسع في الشراكات الدولية للارتقاء بمستوى الخدمة التعليمية المقدمة    شوادر وزارة الزراعة لشراء أضاحي العيد بالمحافظات.. اعرف العناوين والأسعار    هيئة البريد تصدر طابعا تذكاريا بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس نادي السيارات    «النواب» يستكمل مناقشة الموازنة وخطة التنمية الجديدة للدولة اليوم    الاثنين 3 يونيو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    تباين مؤشرات البورصة في بداية تعاملات الإثنين    رئيس جهاز القاهرة الجديدة يتفقد مشروعات «سكن مصر ودار مصر وجنة»    «القاهرة الإخبارية»: غارات إسرائيلية تستهدف شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة    الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أرض-أرض تم إطلاقه من منطقة البحر الأحمر    حزب المؤتمر: الحوار الوطني منصة مهمة تجمع مختلف أطياف المجتمع    مصرع 20 شخصا جراء الموجة الحارة بولاية "أوديشا" الهندية    الأونروا: أكثر من مليون شخص نزحوا قسرا من رفح    كوريا الجنوبية تسعى لتعليق اتفاقية عسكرية مع جارتها الشمالية لحين استعادة الثقة بين الدولتين    تعرف على متى تفتح العمرة بعد الحج ومدة صلاحية التأشيرة لعام 2024    آل الشيخ عن أفشة: من أطيب البشر وعلى طبيعته    ليكيب: ريال مدريد سيعلن عن التعاقد مع مبابي اليوم الإثنين    هل ينجح محمد صلاح في الاقتراب من إنجاز حسام حسن؟    عاجل.. «9 أيام إجازة».. قرار هام من الحكومة خلال ساعات بشأن عيد الأضحى    طقس الإسكندرية.. انخفاض طفيف في درجات الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة    قبل عيد الأضحى.. مواعيد وأسعار تذاكر قطارات ال«VIP» على خطوط الوجه القبلي    بدء قبول طلبات الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الثانوية العامة بالبحر الأحمر    لمواليد برج القوس.. توقعات الأبراج في شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    الرعاية الصحية تطلق منصتين إلكترونيتين للتعليم والتدريب الطبي المستمر    جدول مباريات اليوم.. وديتان في أول أيام الأجندة الدولية    أونروا: أكثر من مليون شخص نزحوا قسرا من رفح الفلسطينية    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق مصنع منظفات فى البدرشين    أول تعليق من التعليم على زيادة مصروفات المدارس الخاصة بنسبة 100 ٪    وصول مدير حملة أحمد طنطاوي إلى المحكمة للمعارضة على حكم حبسه    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رئيس البعثة الطبية للحج: جاهزون لاستقبال الحجاج.. وفيديوهات إرشادية للتوعية    محمد الشناوي يحرس عرين منتخب مصر أمام بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    محمد الشناوي يرفض عرض القادسية السعودي    مخرجة «رفعت عيني للسما»: نعمل في الوقت الحالي على مشاريع فنية أخرى    شروط التقديم على شقق الإسكان الاجتماعي 2024.. والمستندات المطلوبة للحجز    خلال يومين.. الكشف وتوفير العلاج ل1600 مواطن ببني سويف    5 فصول من مواهب أوبرا دمنهور في أمسية فنية متنوعة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    شرف عظيم إني شاركت في مسلسل رأفت الهجان..أبرز تصريحات أحمد ماهر في برنامج "واحد من الناس"    بالفيديو.. أول تعليق من شقيق المفقود السعودي في القاهرة على آخر صور التقطت لشقيقه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 3-6-2024    سيدة تشنق نفسها بحبل لإصابتها بأزمة نفسية بسوهاج    كيفية حصول نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بني سويف    أمين سر خطة النواب: أرقام الموازنة العامة أظهرت عدم التزام واحد بمبدأ الشفافية    أحداث شهدها الوسط الفني خلال ال24 ساعة الماضية.. شائعة مرض وحريق وحادث    متحدث الوزراء: الاستعانة ب 50 ألف معلم سنويا لسد العجز    محمد الباز ل«بين السطور»: «المتحدة» لديها مهمة في عمق الأمن القومي المصري    فضل صيام العشر الأوائل من ذي الحجة وفقا لما جاء في الكتاب والسنة النبوية    «رئاسة الحرمين» توضح أهم الأعمال المستحبة للحجاج عند دخول المسجد الحرام    وزير الصحة: تكليف مباشر من الرئيس السيسي لعلاج الأشقاء الفلسطينيين    مقتل شخص وإصابة 24 فى إطلاق نار بولاية أوهايو الأمريكية    إنفوجراف.. مشاركة وزير العمل في اجتماعِ المجموعةِ العربية لمؤتمر جنيف    أفشة: كولر خالف وعده لي.. وفايلر أفضل مدرب رأيته في الأهلي    الإفتاء تكشف عن تحذير النبي من استباحة أعراض الناس: من أشنع الذنوب إثمًا    دعاء في جوف الليل: اللهم افتح علينا من خزائن فضلك ورحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا    مصرع 5 أشخاص وإصابة 14 آخرين في حادث تصادم سيارتين بقنا    إصابة أمير المصري أثناء تصوير فيلم «Giant» العالمي (تفاصيل)    حالة عصبية نادرة.. سيدة تتذكر تفاصيل حياتها حتى وهي جنين في بطن أمها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحمى كنوزنا الأثرية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 10 - 2009

حيثما قامت حضارات وازدهرت أمم زخرت الأرض والجبال والصحارى بشتى أنواع الآثار، وحيثما كانت الآثار وجدت العصابات لسرقتها وتفننت فى أساليب تهريبها وبيعها.
****
لا يمضى وقت طويل دون أن نقرأ فى صحافتنا المصرية ونسمع عن اكتشاف قطع أثرية كانت معدة للتهريب. وأكثرنا يعرف أن عصابات قوية تقف وراء هذه السرقات، ولا يخالجنى شك فى أنها لم تكن لتنشط وتنجح فى تهريب ما تستخرجه من باطن الأرض، ولم تكن تستطيع تمويل عمليات شراء بيوت الفلاحين وأراضيهم لتجريفها بحثا عن الآثار، لو لم تحظ بنوع أو آخر من الحماية يوفرها أشخاص وجهات تتمتع بنفوذ سياسى فى المحليات وفى العاصمة. وحين تفلح جهات الأمن فى اكتشاف عمليات تهريب قبل وقوعها فالمرجح، بدرجة الترجيح نفسها فى جرائم فساد وسرقات أخرى، إن ما يكتشف لا يزيد فى حجمه عن حجم قمة جبل الجليد العائم أو الراسخ فى محيط تدهورت فيه القيم وانحسرت فيه الروح الوطنية، فما البال والحال فى مجتمع تكالب على نهب ثرواته لصوص من أهله تمكنوا من «سلخ» حاضره قبل أن ينتقلوا إلى تجريف ماضيه وسرقة شواهد تراثه وأمجاده.
ورغم الانتعاش الذى تشهده مؤخرا سوق الآثار المصرية وعمليات الحفر والتنقيب غير الشرعية، ظهر مؤخرا بريق أمل فى إمكانية تقليص هذا الانتعاش وإنقاذ آثار لم تصل إليها أيدى المهربين والمخربين من المجرمين وحماتهم من السياسيين فى المحليات وخارجها. ففى العراق، حيث استطاعت العصابات الدولية على مدى سنوات بدأت مع الغزو الأمريكى إفراغ العراق من كنوزه الأسطورية التى سجلت فى صفحات التاريخ الإنسانى حكاية أحد أعظم الإمبراطوريات، قامت مؤخرا جماعات مدنية تضم أفرادا عاديين بتشكيل فرق تجوب العالم بحثا عن آثار العراق المسروقة وتنظيم حملات إعلامية لكسب تعاطف المتحضرين من أبناء الشعوب الغربية وإبلاغ المؤسسات الثقافية والأمنية الدولية بالمواقع المخبأة فيها هذه الآثار تمهيدا لإعادتها. وبالفعل وبفضل هذه الجهود التطوعية من جانب نفر من المواطنين عادت إلى العراق فى الشهور الأخيرة كنوز وفيرة.
*****
وفى بيرو، حيث نشأت وازدهرت واحدة من أقدم حضارات العالم وأعرقها، وحيث تعرضت جبالها وغاباتها إلى عمليات غزو شبه عسكرية منظمة على امتداد القرون الخمسة الماضية بهدف سرقة آثارها، نشطت منذ أشهر فرق من أفراد عاديين توزعت على أقاليم عديدة من دولة بيرو، وضعت نصب أعينها هدف حراسة المعابد والأراضى المحيطة بها والمدن القديمة التى اختفت عبر القرون تحت طمى الفيضانات والزلازل. وقد استطاعت هذه الفرق إحباط عشرات من عمليات السرقة كانت تخطط لتنفيذها عصابات مسلحة أغلبها يقوده ضباط سابقون فى جيوش دول غربية كبرى، ويعملون الآن لصالح شركات أمن خاصة تؤجرهم لحماية عصابات التهريب ولمساعدتها فى العمليات الاستخباراتية والاستكشافية. وتشهد وسائط الإعلام البيروانية وفى الدول المجاورة المعروف عنها ضخامة كنوزها الأثرية مثل كولومبيا وإكوادور وبوليفيا ودول أمريكا الوسطى والمكسيك، بفاعلية هذا الأسلوب «الجماهيرى» لمنع تهريب الآثار.
يقول روجر آتوود، مؤلف كتاب «سرقة التاريخ: المغيرون على المقابر، والمهربون، ونهب العالم القديم»، إن الحافز الأساسى لهذه الجماعات المدنية غير المسلحة هو حبها للوطن وحماستها للدفاع عن معين هائل جاذب للسياحة الأجنبية التى بفضلها يمكن لأهالى المنطقة تطوير أحوالهم المعيشية. هؤلاء الناس يشعرون أن أجدادهم أرادوا بهذه الكنوز أن يعم الخير على أحفادهم وأنه لا يصح أن يتركوا الأغراب ينهبون هذا الإرث ويمنعون عنهم الاستفادة من خيرات الجدود العظام.
*****
يرى المتخصصون أن شفافية عمليات التنقيب والإعلان المبكر عن الاكتشافات كلاهما ضرورى للحد من نشاط عصابات سرقة الآثار وتهريبها. ما يحدث فى أمريكا اللاتينية وفى مصر أيضا أن العصابات وهى تملك وسائل استخبارات قوية تعمل داخل أجهزة فى الحكومة وفى مراكز الأمن المحلى وتدس عملاءها فى فرق البحث التى يشكلها المكتشفون والأثريون القادمون من الخارج، تستطيع، وبسهولة أحيانا، الاستيلاء على أهم القطع قبل أن تصل إليها أو قبل أن تسجلها فرق البحث والمراقبون المرافقون لها.
وبمرور الوقت والنجاح المطرد الذى حققته جماعات المتطوعين المدنيين لتقليص عمليات التهريب إلى حد متدنٍ للغاية، زاد عدد المستثمرين المحليين والأجانب الذين قدموا إلى الأقاليم التى يقوم بحماية آثارها مواطنون من عامة الشعب، فأقاموا الفنادق والمنتجعات حول المناطق الأثرية الزاخرة بأروع ما خلفته حضارة المايا فى هذه المنطقة من أمريكا الجنوبية، لقد أكدت التجربة أن تضافر قوى المجتمع المدنى المحلى وقوات الأمن والعناصر الوطنية والنظيفة فى المجالس المحلية، الوسيلة المثلى لحماية تراث الوطن وكنوزه. والمثير للانتباه، أن تجربة مماثلة جرت فى دولة مالى، الدولة التى ترث كنوز واحدة من أعرق الإمبراطوريات الإسلامية التى قامت فى غرب أفريقيا، حيث قام مواطنون بتنظيم أنفسهم فى جماعات هدفها حماية آثار الأقدمين من النهب. المعروف أن قدرا كبيرا من هذه الكنوز جرى استخراجه وتهريبه على أيدى المستعمرين والمستوطنين الفرنسيين وغيرهم من لصوص القبور ونابشيها. ولكن ما زال يرقد فى باطن الأرض فى مالى كما فى مصر مما يستحق التطوع من أجل حمايته.
يلفت أتوود الأنظار إلى أن كثيرا من حكومات البلاد التى تتعرض كنوزها للنهب المستمر تركز معظم جهودها للضغط على المتاحف العالمية لاسترداد ما بيع لها بطرق مشروعة أو غير مشروعة، بينما الجهد الأوفر كان يجب أن يذهب لحماية الكنوز التى يجرى نهبها بسرعة وكفاءة أكبر وتباع فى الخارج «لخواص» فتضيع نهائيا من سجلات التاريخ. ولا يقلل هذا التنبيه من أهمية جهود استعادة ما جرى تهريبه من قبل، ولكن بشرط أن تبذل جهود أخرى موازية لتعبئة الرأى العام، وبخاصة فى الأقاليم الغنية بالآثار للمشاركة فى حماية هذه الآثار والإبلاغ عن خطط ومؤامرات استخراجها وتهريبها.
****
أتمنى أن أرى رجال أعمال فى مدن مصر وأثرياء فى ريفها يمولون جمعيات مدنية تتعهد باقتفاء أثر المهربين والتزام الدفاع عن كنوز مصر الراقدة تحت ترابها.
أتمنى أن أراهم يستثمرون أموالهم فى إقامة تسهيلات سياحية وعمرانية تحيط بمواقع الثراء التاريخى تشجيعا لشباب الأقاليم على التطوع بالجهد والوقت فى جمعيات أهلية للدفاع عن ثروة من ثروات بلادهم وتنميتها، ولا شك عندى فى أن هذا النوع من النشاط كاف، ربما وحده، لخلق أو تعزيز الشعور بالانتماء لهذا الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.