ألمانيا: بوتين غير مهتم بالسلام في أوكرانيا ويجب فرض عقوبات إضافية على روسيا    بهدف ل محمد صلاح، ليفربول يتعادل مع كريستال بالاس 1-1 في ختام البريميرليج    "بعد عودته للفريق".. ماذا قدم محمود تريزيجيه خلال رحلته الاحترافية؟    تأجيل دعوى زينة ضد أحمد عز بشأن زيادة نفقة توأمها ل 80 ألف جنيه شهريا    غدًا.. افتتاح قصر ثقافة أبو سمبل بحضور وزير الثقافة    مصطفى شعبان يقضي إجازة قصيرة باليابان    هل السجود على العمامة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح الأفضل شرعًا    الصحة: إنقاذ حياة مصاب بجلطتين دماغية وقلبية وبوقت قياسي بمستشفى شبين الكوم التعليمي    جدول مباريات اليوم الأحد: مواجهات حاسمة في الدوري الإنجليزي ونهائي الكونفدرالية    إنتر ميلان يستعيد 3 نجوم قبل موقعة باريس في نهائي الأبطال    حماس: تعطيل إسرائيل إدخال المساعدات ل غزة سياسة ممنهجة لتجويع المدنيين    الرئيس السيسي يصدر قرار جمهوري بمناسبة عيد الأضحى    قبل أيام من قدومه.. لماذا سمى عيد الأضحى ب "العيد الكبير"؟    دمشق تتعهد لواشنطن بالمساعدة في البحث عن أمريكيين مفقودين في سوريا    حقيقة حدوث زلازل وانفجارات اليوم 25-5-2025| العالم ينتظر حدث جلل    لأصحاب برج الميزان.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    وزير الاتصالات يفتتح المؤتمر الدولى الرابع لأمن المعلومات والأمن السيبرانى CAISEC'25    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 2025؟ فضلها وموعدها    وظائف شاغرة في وزارة الكهرباء 2025.. تعرف على الشروط وطريقة التقديم    وزير الأوقاف في ماسبيرو لتسجيل حلقات برنامج حديث الروح في دورته الجديدة    مباشر نهائي دوري السلة – الأهلي (29)-(27) الاتحاد.. ثلاثية من دولا    جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تستضيف انعقاد "المجلس الأعلى" للجامعات الخاصة والأهلية برئاسة د. أيمن عاشور    مدبولي: حريصون على جعل مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الحديد    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    تامر حسني وأبطال "ريستارت" يحتفلون اليوم بالعرض الخاص للفيلم    ختام الموسم.. ماذا يحدث في 10 مباريات بالدوري الإنجليزي الممتاز؟ (مُحدث)    عمر مرموش يقود تشكيل مانشستر سيتي ضد فولهام في الدوري الإنجليزي الممتاز    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    جامعة كفر الشيخ تنظم فعاليات المسابقة الكشفية الفنية لجوّالي الجامعة    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    مصر تهنيء الأردن بمناسبة الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال    الهيئة العربية للاستثمار توقّع مذكرة تفاهم مع شركة أمريكية لدعم التحول الرقمي في الزراعة    المئات يشيعون جثمان القارئ السيد سعيد بمسقط رأسه في الدقهلية    يسبب السكتة القلبية.. تناول الموز في هذه الحالة خطر على القلب    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    محافظ بني سويف يلتقي وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد بحي شرق ويلتقي بعض المرضى    فور ظهورها.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية الأزهرية بالاسم ورقم الجلوس 2025 الترم الثاني    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    «ليلة التتويج».. موعد مباراة ليفربول وكريستال بالاس والتشكيل المتوقع    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادات المصريين في رمضان بعيون الرحّالة الأجانب
نشر في الشروق الجديد يوم 06 - 05 - 2019

يحتل شهر رمضان مكانة فريدة في ذاكرة ووجدان المصريين على مر العصور، وقد أصبغوه بمظاهر ومعان جعلته مختلفا عن سائر بلدان الشرق الأخرى، فأقاموا من أجله الليالي الاحتفالية العامرة بشتى صنوف اللهو والبذخ، إلى جانب حرصهم في ذات الوقت على التقرب إلى الله خلال أيامه.
ولم يغفل الرحّالة والمستشرقون الذين زاروا مصر منذ العصور الوسطى رصد اختلاف حياة عامة الناس في هذا الشهر تحديدا، وأعربوا عن دهشتهم من بزوغ عادات وطبائع بعينها خلال هذه الفترة دون غيرها، تولد بفرح مع استطلاع هلاله وتختفي بحزن مع قرب انتهائه، فجاءت كتاباتهم حافلة بشهادات ورؤى حفظت لنا صورة تاريخية نابضة بالحياة حتى وقتنا هذا، غلبت عليها الدقة وطرافة الوصف في ذات الوقت، وذلك وفقا لما جاء في "BBC عربي.
ويمكن تقسيم الرحّالة الذين زاروا مصر إلى قسمين، منهم الرحّالة العرب المسلمون الذين رصدوا عادات وتقاليد المصريين بعين المسلم الذي يألف ما يراه، والعالم ببواطن الأمور الشرقية لغويا ودينيا، من أمثال الرحّالة ابن الحاج، وابن جبير، وناصر خسرو، وابن بطوطة، ومنهم الرحّالة الأجانب الذين نعرض لهم بعض شهادات كتبوها خلال زياراتهم لمصر، حملت في كثير من الأحيان طابع الدهشة لاعتبارات الاغتراب الديني والثقافي، فاجتهدوا في رسم صورة للقاريء الأوروبي لشهر الصيام رغم حاجز الفروق اللغوية وجهل بعض الأحداث في سياقاتها الإسلامية.
• مصريات في عيون رحالة ومستشرقين:
كان من أقدم الرحّالة الذين زاروا مصر ورصدوا مظاهر شهر رمضان فيها هو الأب فليكس فابري الذي قدم إلى مصر في رحلة عام 1483 وقدم شهادة تفصيلية في دراسة بعنوان "الرحلة في مصر"، ترجمها إلى اللغة الفرنسية جاك ماسون نقلا عن الأصل الذي كتبه فابري باللغة اللاتينية.
عندما زار الأب فابري القاهرة في 13 أكتوبر عام 1483 رأى "في شوارعها الفوانيس بمختلف أشكالها وألوانها، يحملها الكبار والصغار"، وتحدث عن مهنة المسحّر (المسحراتي) الذي يجوب القاهرة ليلا وينادي على الناس ويوقظهم لتناول وجبة السحور ووصفه فابري قائلا: "يمر ليلا في الشوارع 3 مرات يدق على طبلة وينادي على الناس كل واحد باسمه".
• رؤية الهلال:
رصد المستشرق الإنجليزي إدوارد وليام لين، الذي زار مصر وأقام بها بضع سنوات عادات المصريين في دراسته الشهيرة بعنوان "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم" بين عامي 1833-1835، وقدم لنا صورة تفصيلية مطولة لاستطلاع هلال شهر رمضان نستشهد منها قوله: "بعد أن يصل الخبر اليقين لرؤية القمر (الهلال) إلى محكمة القاضي، ينقسم الجنود والمحتشدون فرقا عديدة، ويعود فريق منهم إلى القلعة بينما تطوف الفرق الأخرى في أحياء مختلفة في المدينة ويهتفون (يا أتباع أفضل خلق الله! صوموا، صوموا)".
ويضيف وليام لين: "إذا لم يروا القمر في تلك الليلة، يصيح المنادي (غدا شعبان، لا صيام، لا صيام)، ويمضي المصريون وقتا كبيرا في تلك الليلة يأكلون ويشربون ويدخنون، وترتسم البهجة على وجوههم كما لو كانوا تحرروا من شقاء يوم صيام، وتتلألأ الجوامع بالأنوار، كما في الليالي المتعاقبة، وتُعلق المصابيح عند مداخل المآذن وأعلاها".
وكان علماء الحملة الفرنسية في مصر (1798-1801) قد سبقوا وليام لين في تقديم صورة حية لحياة المصريين، من بينهم العالم إدم-فرانسوا جومار في دراسته بعنوان "وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل" التي وردت ضمن مجموعة دراسات موسوعة "وصف مصر"، إذ تحدث عن صورة تفرّد بها عن سائر ما هو مألوف في كتابات الرحّالة أنفسهم قائلا: "يبدأ شهر رمضان مع ميلاد هلال هذا الشهر، ويعلن عن ذلك موكب احتفالي يسبق بداية الشهر بيومين، ويتكون هذا الموكب من حشد من الرجال يحمل بعضهم مشاعل، وبعضهم يحمل عصي، ويقومون بأداء حركات مختلفة بها. ويفتتح سير الموكب عازفون يمتطون ظهور الجمال ويضربون على طبل معدنية، بينما يمتطي عازفون آخرون ظهور الحمير ويضربون كذلك على طبل أو يعزفون على بعض آلات النفخ الأكثر صخبا".
• صور من عادات المصريين:
زار الفرنسي دي فيلامون مصر في القرن ال16 عام 1589، وتطرق في تفاصيل رحلته التي نشرها بعنوان "رحلات السير دي فيلامون" إلى المواكب الدينية وحلقات قراءة القرآن في رمضان، وزينة المساجد وعمارتها، وتحدث عن ظاهرة أشبه بما يُعرف حاليا باسم "موائد الرحمن" الخيرية التي عرفتها مصر على مدار عصورها الإسلامية حتى الآن، قائلا: "يجلس (المصريون) على الأرض يتناولون الطعام في الفناء المكشوف أو أمام منازلهم، ولديهم عادة دعوة عابري السبيل إلى مشاركتهم الطعام بصدق وحفاوة".
أما الفرنسي جومار فيتحدث بإيجاز شديد عن صور وطبائع المصريين في هذا الشهر قائلا: "تُقام الأعياد الدينية في القاهرة ببذخ شديد. فالناس جميعا يعلمون أن رمضان هو شهر الصيام وحينئذ لا يمكنهم الأكل أو الشرب أو التدخين أو الاستمتاع بأية تسلية بين شروق الشمس وغروبها. لكن هذا الحرمان، الذي يطول أو يقصر حسب الفصل (من 10 إلى 14 ساعة في القاهرة)، يتبعه استمتاع كاف يساعد على نسيان هذا الحرمان".
ويضيف جومار: "الفرق بين صوم المسلمين وصوم المسيحيين هو أن المسلمين يحيون ليالي رمضان باحتفالات، بينما يحضرون في النهار، في جمع كبير، دروس الوعظ في المساجد بورع شديد أو يشغلون أنفسهم بالعمل أو بالنوم في أغلب الأحوال. أما في المساء فتبدو الشوارع مضاءة وصاخبة ويجتمعون في أبهى ملابس، ويأكلون بلذة الحلوى وينغمسون في كل أنواع التسلية".
• أسرار ومفارقات تحكي قصة كتاب "وصف مصر":
ويتحدث الفرنسي دو شابرول في دراسته المستفضية بعنوان "دراسة في عادات وتقاليد سكان مصر المحدثين" ضمن دراسات كتاب "وصف مصر" عن كيفية قضاء فئات المصريين نهار رمضان وتعاملهم مع فترة الصيام الشاقة قائلا: "يسعى كل امرء في النهار قدر طاقته كي ينهي عمله في أسرع وقت، ليخصص بضع ساعات للنوم، فترى الفلاح راقدا تحت نخلة بعد أن أنهى في فترة الصباح عمله، وترى التاجر يرقد في دكانه، والعامة ممدين في الشوارع بجوار جدران مساكنهم، بينما الغني راقدا بالمثل، نعسان ينتظر على أريكته الفاخرة الفترة التي تسبق غروب الشمس، وأخيرا تأتي الساعة التي طال انتظارها، فينهضون على عجل ويهرع كل امرء للحصول على مكانه".
ويضيف دو شابرول: "تتجمع النساء في شرفات منازلهن لرؤية غروب الشمس. وتعلن الأغنيات حلول وقت المسرات ووقت الطعام، وتدوي كل المساجد بأصوات المؤذنين الجادة تنادي الناس للصلاة، وتحدث همهة واضطراب عام، فيتفرق الناس على الفور، وتنفض الجماعات ويتبعثر الجمع إما إلى المقاهي وإما إلى البيوت والمساجد والميادين العامة، ويأكل كل امريء بشراهة".
وبعد الإفطار يقول دو شابرول: "يعقب الطعام الاحتفالات والألعاب، وتسيطر الخلاعة الجامحة على ضروب اللهو. بينما تظل المساجد مضاءة حتى بزوغ النهار، ويقضي أفاضل الناس ليلهم في حديث نافع، لكن الجمهور يذهب إلى المقاهي حيث الرواة يقصون بحماسة ملتهبة مغامرات عجيبة تخلب الألباب بطريقة فريدة".
ولم يفت وليام لين أن يتحدث عن مزاج المصريين خلال أيام الصيام، مشيرا إلى اضطراب الحالة المزاجية بحسب توقيت اليوم قائلا: "يكون المسلمون طوال صومهم في النهار نكدي المزاج، ويتحولون في المساء بعد الإفطار إلى ودودين محبين بشكل غير عادي. ويتناول المسلمون فطورهم عامة في منازلهم ويمضون بعده بساعة أو ساعتين أحيانا إلى منزل صديق، ويرتاد بعضهم، لاسيما أبناء الطبقات الدنيا، المقاهي في المساء، فيعقدون لقاءات اجتماعية أو يستمعون إلى رواة القصص الشعبية. ويقيم بعض علماء الدين في القاهرة حلقات ذكر في منازلهم كل ليلة طوال هذا الشهر".
وعن تناقض عادات المصريين في هذا الشهر لم يفت دو شابرول أن يلفت النظر إلى أن: "شهر رمضان هو أهم الأوقات التي ينغمس فيها المصريون في المسرات ومختلف ضروب اللهو، فهو شهر صيام وشهر مهرجانات. وقد يبدو من الغريب أن يختاروا (أي المصريون) مثل هذا التوقيت للقيام بممارسات متناقضة: التوبة وتطهير النفس من ناحية، وممارسة الملذات من ناحية أخرى".
• هل عجلت رحلة شامبليون إلى مصر بوفاته؟
ولم تغب المرأة المصرية عن المشهد بطبيعة الحال، وتحدث عنها في الطبقة العليا قائلا: "تصل مباهج رمضان إلى معاقل النساء، ففي رمضان يسمح للسيدات باستدعاء العوالم وبعض الموسيقيين، ويجلس الزوج باسترخاء ولا مبالاة على أريكته ومبسم نارجيلته في فمه، وإلى جانبه أحب زوجاته إلى قلبه، ليستمعا معا بمتعة شديدة إلى أغنيات العوالم وصوت الموسيقى".
• "المسحراتي":
وكما في الكثير من بلدان الشرق، تتميز مصر بمهنة "المسحّر أو (المسحراتي)" الذي يتولى إيقاظ الناس من النوم لتناول وجبة السحور قبل صلاة الفجر استعدادا ليوم صيام جديد، ويقدم لنا العالم الفرنسي جيوم أندريه فيوتو في دراسة بالغة الأهمية تناول فيها بالفحص الدقيق "الموسيقى والغناء عند المصريين المحدثين" منشورة ضمن دراسات "وصف مصر" تعريفا بالغ الدقة لهذه المهنة قائلا: "هم نفر لا يسمع الناس غناءهم إلا خلال شهر رمضان، ويسمون بالمسحّرين، ويوصف بهذا الاسم أولئك الذين يعلنون كل يوم طيلة شهر رمضان، عن اللحظة التي يوشك فيها نور النهار الجديد أن ينبلج من ظلام اليوم المنصرم، وهي تسمى في اللغة العربية بوقت السحور، وهي أيضا الفترة التي ينبغي أن تتم فيها آخر وجبات الليل، لذلك يطلق على هذه الوجبة (السحور) وبعد انتهاء الوجبة لا يسمح للمسلمين أن يشربوا ولا أن يأكلوا، حتى مغرب الشمس، وهم ملزمون بمراعاة هذا الفترة بعفة صارمة".
ويستفيض وليام لين في وصف لنشاط المسحّر وطريقة أداء عمله في فقرات مطولة نورد مقتطفات منها قائلا: "يدور المسحرّون كل ليلة في شهر رمضان يطلقون المدائح أمام منزل كل مسلم قادر على مجازاتهم، ويعلنون في ساعة متأخرة فترة السحور. ولكل منطقة في القاهرة مسحّرها الخاص الذي يبدأ جولته بعد ساعتين تقريبا من المغيب، ويحمل في يده اليسرى ما يعرف بطبلة المسحّر، وفي يده اليمنى عصا صغيرة أو سوطا يضرب به عليها. ويرافقه صبي يحمل قنديلين في إطار من أعواد النخيل، ويتوقفان أمام منزل كل مسلم إلا الفقراء".
ويضيف: "يتجول المسحّر قبل الإمساك بساعة ونصف تقريبا ليوقظ الناس أو يذكرهم بتناول الطعام في المنازل التي أُمر بإيقاظها، فيقرع الأبواب وينادي حتى يسمع سكان المنزل نداءه، ويفعل بواب كل حي الشيء نفسه في كل منزل في الحي. ولا يفرط بعضهم في الطعام عند الإفطار، ويتركون اللذائذ والأطايب الدسمة لفترة السحور، وقد يقلب بعضهم هذه القاعدة أو يساون بين الوجبتين".
ويصف أندريه فيوتو أنه "لا يجوب أي من المسحّرين سوى الشوارع الداخلة في نطاق حيه هو، ولذلك فلكي يسمح له بالقيام بهذه المهمة، فإنه ملزم بدفع رسوم (إتاوة) إلى الشخصية المنوطة بحراسة الحي. وبعد أن يتلو المسحر بعض الأدعية الدينية، يبدأ بإنشاد بعض الأشعار، ويقص حكايات شعرية، ويتمنى أمنيات سعيدة لرب البيت، مستصحبا في ذلك كله طبلته الصغيرة، التي يدقها على شكل فاصلات تتكون الواحدة منها من أربع دقات متعاقبة".
• "ألف ليلة وليلة" حكايات ترويها لوحات نادرة لأسرة محمد علي:
لكن وليام لين ينفرد في تقديم مشهد نسائي لم يتحدث عنه الفرنسيون، أو ربما لم يسعفهم الوقت لرؤيته قائلا: "تضع المرأة في العديد من منازل الطبقة المتوسطة في القاهرة قطعة معدنية صغيرة (أو 5 فضات أو قرشا أو أكثر) في قطعة من الورق، ويقذفونها من النافذة إلى المسحّر بعد أن تكون أضرمت النار في الورقة حتى يرى مكان سقوطها. فيتلو المسحّر حسب رغبتها أو بملء إرادته سورة الفاتحة، وقصة قصيرة غير موزونة القافية ليسليها كقصة (الضرتّين) وشجارهما. وتبعد بعض قصصه عن باب اللياقة والاحتشام، ومع ذلك تسمعها النساء القاطنات في المنازل ذات السمعة الطيبة".
• "ليلة القدر":
يبدأ المصريون في الثلث الأخير من شهر رمضان الاستعداد لاستقبال عيد الفطر بعادات خاصة تتداخل مع عادات الناس في رمضان، فضلا عن إحياء الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان لرصد ليلة القدر، وعن هذه الأيام أفرد وليام لين جانبا مميزا قدم لنا صورة عن عادة المصريين خلالها، قائلا: "يحيي الأتقياء المتدينون آخر عشرة أيام من رمضان في نهاره ولياليه في جامع الحسين وجامع السيدة زينب (في القاهرة)، وتُعرف إحدى هذه الليالي وهي ليلة السابع والعشرين منه عامة بليلة القدر. ويقضي هذه الليالي بخشوع كبير بعض الأتقياء الذين لا يستطيعون التأكد أي من الليالي العشر في رمضان هي ليلة القدر، ويجعلون أمامهم وعاء فيه ماء مالح يذوقون طعمه ليروا إن بات حلو المذاق فيتأكدون أن تلك الليلة هي ليلة القدر".
ويظل شهر رمضان سنويا دافعا لتجلي الكثير من المعاني في الذاكرة المصرية من عبادات وفروض دينية، باعثا للكثير من الإبداعات الفنية والمظاهر الاحتفالية، التي أصبحت وثيقة الصلة بروح الشهر وعلامته الدالة عليه في مصر وشوارعها، وإقامة الولائم وترديد الأغنيات وانتشار موائد الإفطار الجماعية وإحياء الأمسيات الدينية والفنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.