اهتم الرحالة الأجانب والمستشرقين برصد مظاهر الاحتفال بشهر رمضان، عبر مشاهداتهم المباشرة للأحداث، وسجلوها في كتب مهمة، حفظت جزءا مهما من تراثنا، ما زلنا نعتز به، وننجذب إليه بشغف. ومنهم الرحالة الإيطالي «فيلكس فابرى» الذي زار مصر 1483م, وليلة دخوله القاهرة كانت في رمضان، واندهش لكثرة ما رآه من أنوار ومشاعل وفوانيس, يحملها الكبار والصغار, وشاهد المسحراتي فاعتقد أنه من رجال الدين، وكان يمر ثلاث مرات في الشوارع ليلاً، ومعه طبلة يدق عليها منادياً الناس بأسمائهم. والرحالة البندقي «برنار دو بريدنباخ» عام (1497م) وصف ليالي رمضان منتصف القرن الخامس عشر وبهجة الناس, وإنارة المساجد والدروب، وحلقات الذكر، والإنشاد المصاحب له، ودق الدفوف، حتى «تعذر عليه النوم» على حد وصفه. والرحالة الفرنسي «جاك دو فيلامون» (1560-1625م) زار مصر في 1589م، وسجل في كتابه « رحلات السير دوفيلامون» المنشور عام 1589، أنه استأجر غرفة في شارع رئيسي, ليتابع احتفاليات رمضان، ووصف مواكب دراويش الصوفية وحلقات الذكر، والمساجد المضاءة وزحام الأسواق، ومآدب الإفطار التي يدعى إليها الأصدقاء ووصف المصريون بالكرم، وقال إن « لديهم عادة جميلة، إذ يجلسون على الأرض ويأكلون في فناء مكشوف أو أمام بيوتهم، ويدعون المارة إلى الطعام في صدق وحرارة». أما المهندس والمؤرخ الشهير «فرنسوا جومار» أحد علماء الحملة الفرنسية على مصر، يقول: « تُحيا الأعياد الدينية في القاهرة ببذخ شديد, فالناس جميعاً يعلمون أن رمضان شهر الصوم, فيمتنعون عن الطعام والشراب والتدخين والاستمتاع بأية تسلية بين شروق الشمس وغروبها, ولكن هذا الحرمان, الذي يطول أو يقصر حسب الفصل, يتبعه استمتاع كاف لنسيان هذا الحرمان، ويحتفي المسلمون بليالي رمضان، بينما يحضرون خلال النهار، في جماعات كبيرة، وبورعٍ شديد، دروس الفقه بالمساجد. ومنهم من يتشاغل بالعمل وفي الغالب بالنوم! وفي المساء، تبدو الشوارع مضاءة صاخبة، س وتظل الأسواق والمقاهي مفتوحة حتى آذان الفجر. وتحدث « جوزيف غاسبار كونت دو شابرول» (1773-1843م) أحد علماء الحملة الفرنسية في كتابه « محاولة في تقاليد سكان مصر المعاصرين» الذي نشر ضمن المجلد الثاني من كتاب « وصف مصر». وكان أكثر المستشرقين انخراطا في حياة المصريين البريطاني « إدوارد لين » (1801-1876م)، حيث شاركهم عاداتهم، وارتدي زيهم، وحضر معهم الصلاة في المساجد، واختار لنفسه اسم « منصور افندي »، ووصف ليلة رؤية الهلال عام 1835م في كتابه (أخلاق المصريين المعاصرين وعاداتهم) الذي نشر عام 1836م، حدثنا عن ليلة رؤية رمضان عام 1835م قائلا :« والليلة التي يتوقع أن تكون صبيحتها صيام، تسمى ليلة الرؤية، فيُرسل عدد من الأشخاص الثُقَاة إلى مسافة عدة أميال في الصحراء حيث يصفو الجو، ليروا هلال رمضان، بينما يبدأ من القلعة موكب الرؤية، الذي يضم المحتسب وشيوخ التجار وأرباب الحرف، والطحانين والخبازين والجزارين والزياتين والفكهانية، تحيط بهم فرق الإنشاد ودراويش الصوفية، وتتقدم الموكب فرقة من الجنود، ويمضي الموكب حتى ساحة بيت القاضي، ويمكثون بانتظار من ذهبوا لرؤية الهلال، وعندما يصل نبأ ثبوت رؤية هلال رمضان، يتبادل الجميع التهاني ثم يمضي المحتسب وجماعته إلى القلعة بينما يتفرق الجنود إلى مجموعات، يحيط بهم « المشاعلية » والدراويش، يطوفون بأحياء القاهرة وهم يصيحون : يا أمة خير الأنام .. صيام .. صيام، أما إذا لم تثبت الرؤية في تلك الليلة، يكون النداء « غدا متمم لشهر شعبان .. فطار .. فطار» . أما ألبرت فارمان الذي كان قنصل أمريكا العام في القاهرة بين 1876و1881م فقد رصد الحياة الاجتماعية في مصر نهاية عصر إسماعيل، وبداية توفيق، أي في أول ايام الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث كان فارمان قنصلاً عامًّا للولايات المتحدةالأمريكية 1876م، ومن انطباعاته التي سجَّلها عن الاحتفال بشهر رمضان قوله: « يذكر أن رؤية الهلال تبدأ بخروج الرجال إلى التلال العالية خلف القلعة، وفور ثبوته يعودون بالبشرى، ولا بد من إثبات ذلك كتابةً، وفور ذلك تسير المواكب الرسمية والشعبية المبتهجة في أرجاء العاصمة القاهرة، معلنةً بدء صيام رمضان».