«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا يجسد ثقافة الكراهية وتنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا»
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 03 - 2019

بقدر ما يجسد الهجوم الإرهابي على المصلين في مسجدين بنيوزيلندا ثقافة الكراهية فان هذا الهجوم الدموي الغادر الذي اسفر امس اثناء صلاة الجمعة عن مقتل واصابة عدد كبير من الأبرياء في مدينة "كرايست تشيرش" يشكل ذروة جديدة في ظاهرة "الاسلاموفوبيا".
وظاهرة "الاسلاموفوبيا" تعني حرفيا "رهاب الإسلام" غير انها كمصطلح دخل قاموس الإنجليزية عام 1997 بات يعبر عن ثقافة الكراهية والتحامل على الإسلام والمسلمين ومفاهيم ودلالات في الواقع بالغرب تتضمن "صنع قوالب جاهزة وإصدار احكام مسبقة على المسلمين".
وكما تبدى في الحادث الإرهابي بنيوزيلندا فلظاهرة الاسلاموفوبيا انعكاساتها االمباشرة والخطيرة على المسلمين الأبرياء الذين يعيشون في دول الغرب حيث يتعرض بعضهم لاعتداءات دموية دون اي مبرر سوى تلك "الصور الذهنية السلبية الناجمة عن لغة وخطاب وممارسات عنصرية ترفض الآخر وتناويء التنوع والتعدد.
ووصفت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا اردن هذا الحادث الإرهابي بأنه "واحد من احلك أيام نيوزيلندا" فيما كان من الملاحظ حرص احد القتلة على توثيق الجريمة المروعة باستخدام خاصية البث المباشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
وكان الامام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور احمد الطيب قد ذكر في بيان صدر امس ان "تلك المذبحة الإرهابية الشنيعة التي حرص منفذوها على تصويرها وبثها على الهواء للعالم كله لا تختلف كثيرا عن مشاهد قطع الأعناق المروعة التي ارتكبتها عصابات داعش الاجرامية، فهما فرعان لشجرة واحدة رويت بماء الكراهية والعنف والتطرف".
كما لاحظ معلقون "مسألة استدعاء وقائع تاريخية تصب في خانة ثقافة الكراهية" حيث عمد قاتل في جريمة كرايست تشيرش لكتابة "تولوز 721" على مدفعه الرشاش الذي حصد به أرواح المصلين في إشارة لمعركة تولوز التي جرت عام 721 بين جيوش الأمويين والفرنسيين.
ومدينة كرايست تشيرش التي يقترب عدد سكانها من النصف مليون نسمة تعد ثالث اكبر المدن في نيوزيلندا بعد اوكلاند وويلنجتون وتتميز بالهدوء والجمال الخلاب وتنتشر فيها الحدائق والمساحات الخضراء لم تشهد من قبل أي اعمال عنف او إرهاب على غرار ماحدث امس في صلاة الجمعة.
وأثار هذا الحادث الإرهابي في مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا مشاعر الاستنكار والأسى العميق من جانب المثقفين سواء في مصر او العالم ككل بقدر مالفت مجددا لخطورة خطاب الكراهية وأهمية الدعوة لمزيد من الاهتمام الثقافي بقضية" صناعة الصورة الغربية الزائفة التى تجعل الاسلام إرهابا والمسلمين ككل ارهابيين" فيما ينبغي ان تأخذ في اعتبارها ان هذه الصناعة الغربية "تقوم عليها مؤسسات وخبراء" واستباح المنخرطون فيها عبر التاريخ "كل المحرمات والحدودالأخلاقية.
ودعا الدكتوراحمد الطيب لتجريم "الاسلاموفوبيا ومحاصرتها ورفع أي غطاء سياسي او ديني عن أصحابها" فيما لاحظ في بيانه امس ان "ظاهرة الاسلاموفوبيا وتيارات العداء العنصري للأجانب والمهاجرين في الغرب لم تحظ حتى الآن بالاهتمام الكافي رغم خطورتها وتحولها في كثير من الحالات لأعمال عنف وكراهية مقيتة".
وعلى مدفعه الرشاش الذي ارتكب به جريمته النكراء ضد المصلين الأبرياء في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش جنوب نيوزيلندا كتب القاتل أيضا اسمي شخصين قاما من قبل بشن هجومين على مسجد في كندا ومهاجرين افارقة في إيطاليا وهما المجرمان "الكسندر بيسونيت ولوكا ترايني".
وكانت تقارير إخبارية قد أفادت ان الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت الذي ارتكب امس "مذبحة كرايست تشيرش" كان قد نشر وثيقة وصف فيها المسلمين والمهاجرين واللاجئين في أوروبا "بالغزاة والمحتلين" مؤكدا ضرورة "اخلاء أوروبا من غير البيض" كما أشار لتأثره بارهابي اخر في النرويج هو اندرس بريفك الذي قتل هناك 77 شخصا في عام 2011.
وعند ارتكاب جريمته الإرهابية في النرويج اعتبر اندرس بريفك ان اعداء الفكر العنصرى الذى يزهو به يسيطرون على مقاليد الأمور فى بلاده منذ عام 1945 وفرضوا مبادئهم الديمقراطية ورؤاهم الاقتصادية مضيفا :لقد تركوا المساجد تنتشر فى اوسلو كما سمحوا للدخلاء بالسطو على تراثنا وموروثنا الثقافى والزواج من نرويجيات بما يلوث نقائنا العنصرى.
وأردف حينئذ قائلا :ان واجبنا هو حماية النقاء العنصرى للنرويجيين والقضاء على من يهدد هذا النقاء مشيرا الى ان اوروبا كلها مهددة بالهجرات الجماعية بكل مايترتب على هذه الهجرات من فوضى وازمات اقتصادية فيما اعتبر ان كل من ينكر الصراع العنصرى فى النرويج اما انه اعمى او خائن.
وإذا كان منفذ هجوم أمس الإرهابي في نيوزيلندا لايخفي تأثره بمنفذ الهجوم الإرهابي في النرويج عام 2011 فان الناقد الثقافي بريان اوليفر فى صحيفة الاوبزرفر البريطانية قال بعد "الجريمة النرويجية" ان اصابع الاتهام فى جريمة اندرس بريفيك تتجه بقوة نحو تيار من الكتابات التى تغذى الفكر العنصرى المتطرف فى النرويج.
ورصد بريان اوليفر ملامح الكتابات القصصية والروائية التى تغذى الفكر العنصرى فى النرويج وبقية الدول الاسكندنافية والأوروبية ليقول انها تحفل بشخصيات تعبر دوما عن هواجس مرضية للخوف من الاجانب.
وفيما انتهكت جريمة اندرس بريفيك التى روعت النرويجيين في عام 2011حتى هذا المظهر الخارجى العذرى للنرويج فان الأمر لم يختلف بالأمس عندما انتهك الهجوم الإرهابي المظهر العذري لمدينة كرايست تشيرش في جنوب نيوزيلندا.
ومع الصعود الواضح للتطرف العنصري وخطاب الكراهية للآخر في أوروبا والغرب ككل فان الثقافة الغربية تشهد أيضا اجتهادات لفهم الظاهرة ومحاولة درء شرورها مثل الكتاب الجديد الذي صدر في باريس لمثقفتين من الأكاديميين الفرنسيين وهما أستاذة الأنثروبولوجي ايفيليين ايير والباحثة التاريخية كارول رينو حيث تسلطان في كتابهما "هل كلنا من افريقيا حقا؟" أضواء كاشفة على جذور البنية الاجتماعية المغذية للعنصرية.
ومع ان هذا الكتاب يوضح ان ظاهرة الهجرة قديمة وترجع لفجر التاريخ الانساني فان أوروبا تشهد حاليا ذروة جديدة في خطابات وممارسات الكراهية التي تستهدف اللمهاجرين بينما كانت نظرية "صراع الحضارات" للمفكر الأمريكي صمويل هنتجتون قد اثارت جدلا مريرا منذ طرحها عام 1993 واعتبرت ضارة بالعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.
وهاهو رئيس الوزراء الاسترالي السابق وزعيم الحزب الليبرالي توني ابوت يجهر بالقول بأن " الثقافات والحضارات ليست متساوية" وعلى الغرب اعلان تفوقه على الثقافة الاسلامية التي ذهب الى انها "ثقافة تبرر القتل باسم الله".
وربما تكمن خطورة طرح هذا السياسي الاسترالي في انها تعبر عن اتجاه غربي متطرف ينزع نحو الخلط الواضح والعمدي بين ممارسات ارهابية مرفوضة لجماعات تروع المسلمين قبل غيرهم وبين الاسلام ذاته كدين والطعن في صميم جوهره وتصويره بأنه يشكل خطرا جسيما على الحضارة الغربية فضلا عن تكريس فكرة "التفوق الثقافي او الديني لمجموعة بعينها من البشر في العالم".
وكان رئيس الوزراء الايطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني قد ذهب بدوره الى ان "الحضارة الغربية متفوقة على حضارة العالم الاسلامي" وقال :"يجب ان نعي حقيقة تفوق حضارتنا الغربية التي تتكون من نظام قيم منح الشعوب رخاء واسعا في دولنا ويحترم حقوق الانسان والديانات اكثر من العالم الاسلامي الذي تنتفي فيه هذه القيم".
وإذ ينبغي التأكيد ان "الغرب ليس واحدا ولايمكن وضعه ككل في سلة واحدة" لأن هناك تيارات اخرى تختلف مع هذا التيار الاستعلائي والاقصائي يتعين القول ايضا فى سياق الاضاءة الثقافية الواجبة يبدو جليا ان هذا "التيار القديم الجديد" بمنابعه الفكرية الاقصائية العنصرية يفعل افاعيله فى الثقافة الغربية.
ويمكن القول انه "يسرطن اى حوار جاد وهادف بين الثقافات المتعددة بقدر مايستهدف بشروره المسلمين فى الغرب ناهيك عما دفعه العالم العربي من ثمن باهظ لأفكار ونظريات بعض الساسة في الغرب مثل "نظرية الفوضى الخلاقة" التي ثبت انها تشجع التطرف والارهاب الذي يشكو منه الغرب للمفارقة!.
وإذ تتوالى المشاهد الاقصائية العنصرية فى السنوات الأخيرة بالغرب فان كتابا مثل "رضوخ" الذي صدر في قالب روائي بقلم الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك حافل بالعداء للاسلام ويعزف على وتر التخويف من هذا الدين واتباعه رغم انه يظهر جهلا واضحا به بينما تمضي "الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبن قدما في خطابها اليميني المتطرف والمعادي للمسلمين بدعوى التصدي "لعملية اسلمة فرنسا" التي يحذر منها ويلبيك في روايته.
فهناك تيار له شأنه تاريخيا وحتى راهن اللحظة فى الغرب الأوروبى يتحرك ضد الاسلام كدين والمسلمين كبشر ويرى من منظوره المزور للحقائق والتاريخ ان الاسلام دين رجعى عصى على التغيير وهو مايتجلى مثلا فى كتاب لكريستوفر كالدويل عنوانه "تآملات حول الثورة فى اوروبا:الهجرة والاسلام والغرب".
وفى هذا الكتاب بذل كالدويل جهدا كبيرا واحتشد لنصرة قضيته وفرض الافتراضات وخاض فى لجة من المصادر والمراجع والاحالات مابين احصاءات حكومية وارقام رسمية ودراسات مسحية مجتمعية وتقارير لمراكز البحوث وروايات ادبية وقصص صحفية بلغات شتى تجاوزت الثمانى لغات.
غير ان الجبل كما يقولون تمخض عن فأر فاذا بالنتائج النهائية لهذا العمل سطحية وغير مدعومة بأدلة متماسكة يمكن ان يعتد بها فيما عمد كريستوفر كالدويل لانتقاء معطيات او وقائع واحالات بعينها لدعم افتراضه الاساسى آلا وهو :"ان الاسلام كدين قائم على الايمان والتسليم هو الضد من اوروبا القائمة على الشك والتساؤل".
واذا كانت بيانات منشورة قد أفادت ان نسبة المسلمين في نيوزيلندا تبلغ 1 في المائة من مجموع السكان الذي يقدر بخمسة ملايين نسمة وسط مؤشرات تؤكد انهم في "حالة نمو حيث تزايد عددهم ست مرات بين عامي 1991 و2006" فالكتلة الكبيرة من المهاجرين المسلمين فى اوروبا تهدد فى نظر تيار الكراهية الثقافة الأوروبية الأصيلة المرتكزة منذ عصر التنوير على السؤال والشك.
وهكذا تجاهل الكاتب الأمريكى كريستوفر كالدويل بصورة معيبة حقا كل النصوص الاسلامية التى تحض على السؤال والتساؤل وتعلى من حرية العقل والفكر فيما لم يخف شعوره بالقلق حيال من انتماء الكثير من المهاجرين فى دول اوروبية للاسلام .
ولم يتردد كالدويل فى الافصاح عن توجسه وكراهيته للمهاجرين المسلمين على وجه الخصوص بالمقارنة مع غيرهم من المهاجرين سواء كانوا من السيخ والهندوس والآفارقة غير المسلمين فضلا عن القادمين من منطقة الكاريبى.
وعلى سبيل المثال ففى خضم الرؤية الانتقائية والافتراضات المسبقة والمتحيزة بصورة صارخة تجافى المنهج العلمى-تجاهل كريستوفر كالدويل ادلة عديدة قدمها باحثون كبار ولهم اوزان فكرية معتبرة مثل فيليب لويس وجيتى كلاوسن تثبت ان هويات المسلمين غير جامدة بل تتحول وتتفاعل مع المتغيرات حتى ان غالبية الشباب من المسلمين فى بريطانيا على سبيل المثال يشاركون اقرنهم من غير المسلمين الكثير من اهتماماتهم الثقافية الشابة.
وفي كتاب "الفاشية البريطانية الجديدة..صعود الحزب القومى البريطانى" يسعى المؤلف ماثيو جودوين للاجابة على اسئلة تدور حول اسباب تصاعد هذه الظاهرة المثيرة للقلق بجذورها الثقافية متخذا من الحزب القومى نموذجا لدراسة التيار اليمينى المتطرف بتلاوينه العنصرية والفاشية.
والتقى المؤلف مع العديد من اعضاء جماعات الفاشية الجديدة الذين تحدثوا عما يصفونه "بالتهديدات التى يتعرض لها البريطانيون البيض ووجودهم فى بلادهم من جانب المهاجرين والأجانب" مشيرا الى ان تلك الجماعات العنصرية تستخدم "غلالة ثقافية قومية ناعمة لاخفاء جوهر اهدافها الفظة واساليبها العنيفة".
وتستغل الجماعات الفاشية الجديدة فى بريطانيا مثل "عصبة الدفاع الانجليزية" التى تكتسب تأثيرا ملحوظا فى الشارع تنامى ظاهرة "الاسلاموفوبيا" او الخوف المرضى فى بريطانيا والغرب من الاسلام والمسلمين.
وإذا كان التيار الاقصائى العنصرى فى الغرب له تاريخه الممتد وتقاليده ورموزه مثل ارنست رينان وهيلير بلوك وبرنارد لويس وصمويل هنتنجتون فيما لايخفي البعض رغبته في حروب بين الحضارات والثقافات لاثبات تفوق الحضارة الغربي فبالتأكيد فان هذا التيار ليس التيار الوحيد او حتى الغالب باكتساح فى الثقافة الغربية.
فثمة تيارات متعددة ومتنوعة ومن بينها من يؤمن بقيمة العقل واهمية التسامح ويمكن التحاور معها ومد الجسور الثقافية من اجل عالم افضل وبعيدا عن الدعوات المسعورة هنا وهناك على ضفاف الدم وتضاريس الكراهية والأفكار الظلامية والعنصرية.
ورغم أصوات تتعالى مطالبها بضرورة فرض نمط واحد للثقافة الأوروبية على المهاجرين في بلدان اورووبية كفرنسا وبريطانيا فان الكاتب البريطاني كريستوفر دي بيلاجيو يلاحظ في المقابل وجود تيار اوروبي وازن يؤيد سياسات التعدد والتنوع الثقافي التي تثري أي مجتمع انساني.
وهذا الموضوع يشكل جوهر الكتاب الذي صدر لجيمس فيرجسون بعنوان:"كل بريطانيا وطني :رحلة عبر بريطانيا المسلمة" ويرصد فيه أحوال المسلمين بمنظور ثقافي تاريخي وخاصة على صعيد سياسات التنوع الثقافي في بريطانيا مع دفاع عقلاني عن احترام المشاعر الدينية للمسلمين في أوروبا وقيمهم كشرط جوهري لضمان التماسك المجتمعي في البلدان التي يعيش فيها هؤلاء المسلمون.
وهذا التيار العقلاني في الثقافة الغربية يخدم حوار الثقافات المنشود بدلا من افكار صراع الحضارات وتحويل التاريخ الى قروح وجراح وجدران كراهية متبادلة تثير المزيد من الشكوك والمخاوف التي تقوض جسور الحوار بين الثقافات.
ورغم ان الجريمة الإرهابية التي شهدتها نيوزيلندا امس تدمي القلوب وتؤشر لتصاعد مخيف في ثقافة الكراهية ، فان كل المثقفين من أصحاب الضمائر في هذا العالم لن يكفوا عن الدعوة والسعي لاعلاء اعلاء أهمية التنوع الثقافي والتسامح ومد الجسور الثقافية للحوار بين الحضارات من اجل عالم افضل بعيدا عن ايقاعات اللغة المتكبرة وافكار صراع الحضارات والدعوات المسعورة على ضفاف الدم وتضاريس الكراهية واشلاء الأبرياء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.