تشكل الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا قوة مضافة للتيار اليميني العنصري وتصب في صالح جهود هذا التيار لإقصاء الوجود الإسلامي في أوروبا وشيطنة المسلمين ككل واختلاق صورة زائفة للإسلام بقدر ما تغذي تلك الهجمات المدانة ظاهرة الإرهاب والخوف المرضي من المسلمين مع كراهيتهم أو ما يعرف "بالإسلاموفوبيا". وهذه الظاهرة تفرض قضايا ثقافية بالدرجة الأولى فيما تلح إشكالية "صناعة الصورة الغربية الزائفة للإسلام" وحقيقة التيار الذي يقف خلف صنع هذه الصورة الزائفة مستفيدا بلا ريب من وقائع مثل الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد أكد أن الإسلام كدين لا علاقة له بما حدث في بلاده، مشددا على أهمية التصدي "للعنصرية" في هذا الوقت الحرج فيما عبر عامل فرنسي مسلم تعود أصوله إلى مالي بصورة عملية عن أخلاق السواد الأعظم من المسلمين عندما بادر بإنقاذ عدة رهائن من الموت أثناء الهجوم الذي تعرض له متجر يهودي يقع شرق باريس. واستحق الحسن باثيلي عن جدارة وصف مجلة اكسبريس الفرنسية الشهيرة له بأنه "أحد الأبطال" في أحداث يوم الجمعة الماضية، مؤكدة أن "العمل النبيل الذي قام به الحسن باثيلي أنقذ حياة أشخاص عديدين"، كما أشادت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي الفرنسية بهذا الشاب المسلم الذي أخفى عدة رهائن من بينهم طفل رضيع في غرفة تبريد بالمتجر اليهودي وقام بإبطال جهاز التبريد. غير أن هناك تيارا بأكمله في فرنسا وغيرها من الدول الأوربية هو التيار اليميني العنصري الإقصائي المتطرف سيجد في الهجمات الإرهابية الأخيرة التي أدمت القلوب فرصة سانحة لمزيد من "شيطنة المسلمين الذين يعيشون في هذه الدول". ولن يكون بالأمر المثير للدهشة أن تشهد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" مدا جديدا في أوروبا بعد هجمات باريس الأمر الذي يستدعي في المقابل جهدا ثقافيا عربيا للتعامل مع هذا المشهد وصياغة أفكار مشتركة تعزز الجهود الرامية لتأكيد حقيقة أنه ليس هناك تعارض بين الإسلام ومؤسسات الدولة الحديثة ونبذ الصورة السلبية للإسلام والمجتمعات الإسلامية خارجها. وفيما تسعى الدولة الفرنسية عبر فعاليات احتفالية "بيوم الجمهورية" لتبديد غبار 72 ساعة من الدم والرعب في غمار هجمات دامية والتأكيد على أهمية "الوحدة الوطنية والحفاظ على التنوع" فإن الثقافة الفرنسية الأصيلة عرفت دوما بانفتاحها الحضاري وحرصها على الحوار مع الآخر وهى التي قدمت للعالم شعارات الحرية والإخاء والمساواة بين كل البشر. وإذ شاركت مصر ممثلة في وزير خارجيتها سامح شكري، في المسيرة الصامتة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تنديدا بالاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها بلاده خلال الأيام القليلة الماضية فإن هذه المشاركة الرفيعة المستوى كما أوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي إنما تعكس وقوف مصر إلى جانب فرنسا في هذا الظرف الدقيق وإدانتها الكاملة للحادث الإرهابي الآثم الذي لا يمت للدين الإسلامي بصلة. ولفت السفير عبد العاطي في هذا لسياق إلى أهمية التركيز على الجوانب الفكرية والثقافية لدحض الأفكار الظلامية للتنظيمات الإرهابية من خلال تعظيم دور الأزهر الشريف ونشر قيم ومباديء الإسلام السمحة والوسطية والمعتدلة. وكان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب قد بحث مؤخرا مع وزير الخارجية سامح شكري الدور المهم للأزهر الشريف كأكبر مؤسسة إسلامية في العالم في نشر مفاهيم الدين الحنيف الوسطي المعتدل والقيم الدينية السمحاء وسبل مواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي تجتاح بعض الدول جراء المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والتي تغذيها ممارسات خاطئة لبعض الشباب المسلم بفعل خداع أصحاب الفكر المتطرف لهم. وقد يكون من المفيد التأكيد على حقيقة مثل أن بعض أفضل الأطروحات الجامعية ورسائل الدكتوراه لباحثين في قضايا تتصل بالخطاب الديني الإسلامي والقضايا التي تهم المسلمين نوقشت أصلا في جامعة السوربون بباريس كرسالة الدكتوراه للإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود وكانت في التصوف الإسلامي عن موضوع "أستاذ السائرين: الحارث بن اسد المحاسبي" ومن الطريف والدال على تنوع اهتماماته الثقافية أن أول ما نشره قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف اندريه موروا. كما ارتبط شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب بعلاقات علمية وثيقة مع هذه الجامعة الفرنسية وأساتذتها الكبار وكذلك كان الحال في رسالة الدكتوراه لعلم آخر من إعلام الأزهر وهو العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز والذي حصل على الدكتوراه في فلسفة الأديان من السوربون عام 1947 وكانت الرسالة من شقين أحدهما "مدخل إلى القرآن الكريم" بينما شقها الثاني حول دستور الأخلاق في القرآن الكريم. وفيما تبدأ اجتماعات الوزراء المسئولين عن الشئون الثقافية في مصر وغيرها من الدول العربية مساء اليوم الإثنين بالرياض تستدعي الضرورة أن يبحث هؤلاء الوزراء السبل الثقافية لتصحيح الصورة الزائفة للإسلام في الغرب خاصة في ظل الاحتقانات الراهنة بأوروبا. فهذه القضية باتت لا تحتمل الانتظار وقد تكون بإلحاحها الضاغط أكثر أهمية من قضايا مطروحة على جدول الدورة الحالية لوزراء الثقافة العرب مثل استحداث "يوم عربي للشعر" و"تنمية المجلس الأعلى للتراث العمراني". واللافت أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حرص في سياق الإعلان عن توجهه إلى باريس للمشاركة في المسيرة المنددة بالإرهاب على القول بأن "بلاده ترحب باليهود الفرنسيين ترحيبا حارا" وهو الذي يسعى حثيثا لاستصدار قانون في الكنيست يعلن "إسرائيل دولة للشعب اليهودي". وجاءت الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنسا بعد أيام قليلة من تأييد هذه الدولة الأوروبية لمشروع القرار العربي في مجلس الأمن الدولي بوضع سقف زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وهو المشروع الذي لم يمرره المجلس جراء ضغوط أمريكية - إسرائيلية مكثفة قبل التصويت عليه. والدعوة لمزيد من الاهتمام الثقافي بقضية "صناعة الصورة الغربية الزائفة التي تجعل الإسلام إرهابا" ينبغي أن تأخذ في اعتبارها أن هذه الصناعة الغربية "تقوم عليها اليوم مؤسسات وخبراء" فيما استباح المنخرطون فيها عبر التاريخ "كل المحرمات الأخلاقية وتعدوا كل حدود اللياقة". وفي سياق الإضاءة الثقافية الواجبة يبدو جليا أن هذا "التيار القديم الجديد" بمنابعه الفكرية الإقصائية العنصرية يفعل أفاعيله في الثقافة الغربية حتى يمكن القول إنه "يسرطن أي حوار جاد وهادف بين الإسلام والغرب بقدر ما يستهدف بشروره المسلمين في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية". ولعل هناك حاجة أيضا لتأمل أبعاد ظاهرة انخراط بعض الشباب الغربي في صفوف تنظيم متطرف مثل جماعة داعش والقتال مع هذه الجماعة في المشرق العربي بينما تفيد تقارير أن تنظيم داعش امتدح الهجوم على مقر أسبوعية " شارلي إيبدو" الفرنسية ووصفت منفذي الهجوم "بالجهاديين الأبطال". وفي الوقت ذاته، فإن الشباب الذي يعيش في الغرب والمنحدر من أصول عربية أو من دول تنتمي للعالم الإسلامي يواجه محنة حقيقية مع تصاعد المد اليميني العنصري المتطرف والرافض لوجود الآخر في أوربا. وفي الواقع الإسلامي بالغرب تتوالى المشاهد الإقصائية العنصرية في السنوات الأخيرة ناهيك عن الأفلام ورسوم الكاريكاتير المسيئة للإسلام كعقيدة والتي تطعن في أغلى المقدسات والرموز لدى المسلمين. وكتاب "رضوخ" الذي صدر مؤخرا بقلم الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك حافل بالعداء للإسلام ويعزف على وتر التخويف من هذا الدين وأتباعه رغم أنه يظهر جهلا واضحا به بينما تمضي "الجبهة الوطنية" بزعامة مارين لوبن قدما في خطابها اليميني المتطرف والمعادي للمسلمين بدعوى التصدي "لعملية أسلمة فرنسا" التي يحذر منها ويلبيك في روايته الجديدة. فهناك تيار له شأنه تاريخيا وحتى راهن اللحظة في الغرب الأوروبي يتحرك ضد الإسلام كدين والمسلمين كبشر فهو يرى من منظوره المزور للحقائق والتاريخ أن الإسلام دين رجعى عصى على التغيير وهو ما يتجلى مثلا في كتاب لكريستوفر كالدويل عنوانه "تآملات حول الثورة في أوربا:الهجرة والإسلام والغرب". في هذا الكتاب بذل كالدويل جهدا كبيرا واحتشد لنصرة قضيته وفرض الافتراضات وخاض في لجة من المصادر والمراجع والإحالات ما بين إحصاءات حكومية وأرقام رسمية ودراسات مسحية مجتمعية وتقارير لمراكز البحوث وروايات أدبية وقصص صحفية بلغات شتى تجاوزت ال(8) لغات. غير أن الجبل كما يقولون تمخض عن فأر فإذا بالنتائج النهائية لهذا العمل سطحية وغير مدعومة بأدلة متماسكة يمكن أن يعتد بها فيما عمد كريستوفر كالدويل لانتقاء معطيات أو وقائع وإحالات بعينها لدعم افتراضه الأساسي ألا وهو:"أن الإسلام كدين قائم على الإيمان والتسليم هو الضد من أوربا القائمة على الشك والتساؤل". وهكذا تجاهل الكاتب الأمريكي كريستوفر كالدويل بصورة معيبة حقا كل النصوص الإسلامية التي تحض على السؤال والتساؤل وتعلي من حرية العقل والفكر فيما لم يخف شعوره بالقلق حيال انتماء الكثير من المهاجرين في دول أوربية للإسلام. فالكتلة الكبيرة من المهاجرين المسلمين في أوربا تهدد في نظره الثقافة الأوربية الأصيلة المرتكزة منذ عصر التنوير على السؤال والشك ولم يتردد كالدويل في الإفصاح عن توجسه وكراهيته للمهاجرين المسلمين على وجه الخصوص بالمقارنة مع غيرهم من المهاجرين سواء كانوا من السيخ والهندوس والآفارقة غير المسلمين، فضلا عن القادمين من منطقة الكاريبي. ودرج التيار الإقصائي العنصري في أوربا بعد كل حادث يتورط فيه أشخاص يدينون بالإسلام بدول القارة العجوز على المطالبة "بتطهير أوربا من الغرباء الذين لا يمكن الاطمئنان لقبولهم القيم الأوروبية في الحياة". ومع الإدانة بلا تحفظات للاعتداءات الإرهابية الأخيرة في فرنسا فقد يكون المهاجرون من المسلمين لأوربا الأكثر ألما حيال حملات متكررة من الإساءة لدينهم والسخرية من نبيهم العظيم في صحف ووسائل إعلام أوربية. وقد يكون من الصعوبة بمكان إقناعهم بأن هذه الإساءات المتكررة والجارحة لمشاعرهم الإيمانية يمكن أن تدخل في باب حرية الصحافة أو الإبداع كما يردد بعض المدافعين عن تلك الإساءات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال قبولها من جانب جموع المسلمين، فضلا عما تسببه من أضرار فادحة لأي حوار أو تفاعل ثقافي إيجابي بين الحضارات. ويبدو أن الصحافة الأوربية عليها في هذا السياق التأسي بالنهج الأمريكي الذي يتمسك بمقولة إن "حرية التعبير لاتعني الاستهزاء بالأديان" وبالفعل فلا يوجد في الولاياتالمتحدة كلها حتى الآن مطبوعة أو وسيلة إعلامية تسخر من أي دين خلافا للواقع الفرنسي والأوربي فيما لا حاجة للقول إن هذا الالتزام الأمريكي لم يكن أبدا على حساب حرية التعبير. وقد تعرضت صحيفة هامبورجر مورجن بوست لما وصف بأنه "حريق متعمد" فيما كانت هذه الصحيفة الألمانية من بين عدة صحف أوروبية أعادت نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم ونبي الرحمة التي سبق وأن نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية. وهكذا أيضا لم يكن من اللائق ولا من دواعي حرية الإبداع أن يبدي ستيفان شاربونييه رئيس التحرير الراحل لمجلة "شارلي إيبدو" استخفافا مستفزا بالمشاعر الإيمانية لمئات الملايين من المسلمين في هذا العالم عندما قال في سياق دفاعه عن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لنبي الإسلام والتي نشرت بمجلته:"محمد ليس مقدسا بالنسبة لي". فما هو غير مقدس بالنسبة له قد يكون مقدسا لمئات الملايين في هذا العالم وهنا تبرز مرة أخرى إشكالية تعريف "حرية التعبير" وهل يجوز الإساءة للأديان أو النيل من المقدسات أو العدوان على ثوابت إيمانية لشعوب بأكملها تنتمي لثقافات أخرى غير الثقافة الأوروبية بذريعة "حرية التعبير في الثقافة الأوربية"؟!. وها هو سلمان رشدي الهندي الأصل قد اكتسب شهرة كبيرة وحظى بحفاوة واضحة في الغرب ليس لشيء إلا لتعمده التشكيك في مصداقية القرآن الكريم والوحي المبارك فيما يجري ذلك كله باسم "حرية الإبداع" مع أن هذه الحرية ناهيك عن حرية البحث العلمي التاريخي محظورة على سبيل المثال عند التعرض لقضية المحرقة النازية لليهود إبان الحكم الهتلري لألمانيا والمعروفة باسم "الهولوكوست". ومن هنا يكون السؤال الطبيعي:"هل هؤلاء الذين ينشرون الإساءات المتكررة للإسلام كدين ولنبي الإسلام العظيم يسعون عمدا وبنية مبيتة لاستثارة استجابات عنيفة من جانب أشخاص يدينون بالإسلام ثم تصوير هذا الدين ذاته بأنه دين العنف والإرهاب"؟!!. لا ريب أن المستفيد الحقيقي من وضع كهذا هو التيار الإقصائي العنصري المتطرف والمعادي للإسلام كدين بقدر ما يناهض الثقافة العقلانية المرحبة بالتنوع والحوار والتي تعلي من قيم الحرية والإخاء والمساواة في بلد كفرنسا. وفي خضم رؤيته الانتقائية وافتراضاته المسبقة والمتحيزة بصورة صارخة تجافي المنهج العلمي - تجاهل كريستوفر كالدويل أدلة عديدة قدمها باحثون كبار ولهم أوزان فكرية معتبرة مثل فيليب لويس وعزيز العظمة وجيتى كلاوسن تثبت أن هويات المسلمين غير جامدة بل تتحول وتتفاعل مع المتغيرات حتى أن غالبية الشباب من المسلمين في بريطانيا على سبيل المثال يشاركون أقرانهم من غير المسلمين الكثير من اهتماماتهم الثقافية الشابة. ويشن كريستوفر كالدويل في هذا الاتجاه الانتقائي والمتحيز هجمات على أي أفكار تتحدث عن "إسلام بخصائص أوربية مميزة"، معتبرا أن مثل هذه الأفكار بشأن المهاجرين المسلمين وإمكانية اندماجهم داخل هذه المجتمعات تفتقر للتجانس والتماسك. فالمشهد كما يصوره كالدويل في كتابه: تراجع كبير وانخفاض سريع في عدد السكان الأوروبيين شمال البحر المتوسط مقابل نمو كبير وزيادة بوتيرة عالية في عدد السكان جنوب المتوسط مع تصميم لا هوادة فيه بين كتلة كبيرة منهم على اتخاذ أوربا مقرا لإقامتهم فيما نذر بعضهم الجهد العازم على تدمير القارة العجوز بالعنف المسلح. ومن ثم فالإشكالية الأساسية لأوروبا مع الإسلام وهجرة المسلمين - من المنظور الثقافي لكريستوفر كالدويل - تتمثل في أن أقوى الجماعات السكانية داخل أوربا يمكن ألا تكون جماعة أوربية بالمعنى المتعارف عليه تاريخيا وهى إشكالية طالت كل الدول الأوربية الغربية ومازالت مستمرة رغم حزمة عريضة ومتنوعة من الإجراءات لحلها. ويوغل كالدويل في عدائه لوجود المسلمين في أوربا عندما يذهب في كتابه إلى أن التصحيح السياسي والتعددية الثقافية ومناهضة العنصرية كأفكار ولدت من رحم الشعور الأوربي بالذنب عما اقترف من أثام في الحقبة الاستعمارية أدت لتآكل الثقافات الوطنية في القارة العجوز بقدر ما عجزت عن بناء رؤية متماسكة لهوية أوربية مشتركة، فضلا عما تثيره من إشكاليات بشأن الانتماء. فهناك اليوم من يمكن وصفه - حسب كالدويل - بأنه أوروبي بحكم القانون غير أن هذا الشخص لا يمكن أن يكون أوربيا بحكم الثقافة ومن ثم فهو يخلص لرأي خطير حقا وهو وجوب التعامل مع المهاجرين المسلمين في أوربا "باعتبارهم سكانا لا مواطنين" حتى وإن حملوا جنسيات الدول الأوربية التي يقيمون فيها وبكل ما يترتب على هذا الرأي من تفرقة في الحقوق الفعلية وأوجه التعامل الواقعي في الحياة اليومية. وها هو كريستوفر كالدويل يلح في كتابه على فكرة يرغب في تسويقها بكل السبل وهى أن المهاجرين المسلمين للغرب يأخذون من الغرب أكثر مما يعطوه وبالتالي عليهم أن يرضوا "بوضعية السكان لا المواطنين". والواضح أن هذه الفكرة لا يمكن أن تقبل أفكارا مغايرة تطمح لوجود أوروبي يعيش فيه المسلمون كغيرهم من المواطنين في الدول التي يحملون جنسياتها وتجسير الفجوة الثقافية في المجتمعات الأوربية. فكريستوفر كالدويل لا يكل أو يمل من السعي لإثبات افتراضه الأساسي وهو "استحالة التعايش بين الإسلام والغرب وعدم إمكانية استيعاب المهاجرين المسلمين في أوربا ليعيشوا كمواطنين" ومن ثم فالأمر كما يطرحه صراحة:"أن إشكالية الغرب مع المهاجرين المسلمين هي إشكالية وجود". وهذا التيار الإقصائي العنصري في الغرب له تاريخه الممتد وتقاليده ورموزه مثل ارنست رينان وهيلير بلوك وبرنارد لويس وصمويل هنتنجتون وقبل ذلك الشاعر دانتى فيما تحول الأمر لحرب ثقافية أشعلت معارك دموية وفظائع في الحروب الصليبية وتأجيج المخيال الشعبي الغربي بكل ما يبقى على روح العداء للإسلام والعدوان على المسلمين. وبالتأكيد فإن هذا التيار ليس التيار الوحيد أو حتى الغالب باكتساح في الثقافة الغربية فثمة تيارات متعددة ومتنوعة ومن بينها من يؤمن بقيمة العقل وأهمية التسامح ويمكن التحاور معها.. كفى قفزات مسعورة هنا وهناك على ضفاف الدم وتضاريس الكراهية!.