أعلنت دار الأوبرا المصرية فتح متحف موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بمناسبة ذكرى ميلاده التي تحل اليوم 13 مارس، وذلك حتى يوم الأحد المقبل، من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثالثة عصراً. المتحف جزء من معهد الموسيقى العربية، الذي يقع في شارع رمسيس بالقرب من محطة الإسعاف ودار القضاء العالي، ويعبر من أمامه آلاف المصريين يومياً في طريقهم من وإلى أعمالهم الشاقة، دون إدراك أنهم يمرون أمام قطعة ثمينة من تاريخ مصر الفني والمعماري. بمجرد دخولك المعهد لزيارة متحف عبدالوهاب أو متحف الآلات الموسيقية أو حضور حفلة فنية، تشعر وكأن قوة خفية انتشلتك من زحام العاصمة إلى دوحة تتنسم فيها جمال المعمار ودقة الزخارف والنقوش العربية المزينة بصور شيوخ الموسيقى ووثائق تحكي قصة المعهد. افتتح متحف محمد عبدالوهاب عام 2002 ويضم العديد من المقتنيات الشخصية للموسيقار الراحل والتي أهدتها أسرته إلى دار الأوبرا، على رأسها آلاته الموسيقية الشخصية كعدد من آلا العود والبيانو، ومجموعة من ساعاته ونضاراته، ومحتويات غرفة الإبداع الخاصة به بالكامل كما تركها يوم وفاته، وبطاقته الشخصية وكارنيهاته بمجلس الشورى ونقابة المهن الموسيقية وجواز سفره الدبلوماسي، والأوسمة والنياشين والقلائد التي تسلمها من مصر والدول العربية والتي أبرزها وشاح النيل، إلى جانب مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والنوتات الموسيقية المكتوبة بخط اليد. وعلى هامش حفلة "وهابيات" الأخيرة التي قدمتها الفرقة القومية للموسيقى بقيادة المايسترو حازم القصبجي احتفالا بذكرى ميلاده، تجولت "الشروق" بين جنبات متحف عبدالوهاب لتسجل مشاهدات، تضيء جوانب مهمة من حياته وتثير خواطر عدة حول دوره في تطوير الموسيقى المصرية. * سنة الميلاد.. المجهولة: تخبرنا البطاقة الشخصية لمحمد عبدالوهاب بأنه من مواليد 4 سبتمبر 1910، وهو بالتأكيد رقم خاطئ بالكلية. فمن حيث الشهر؛ كان عبدالوهاب يحتفل بعيد ميلاده كل عام في 13 مارس، وفي آخر سنوات حياته كان يحضر الحفل السنوي الذي تنظمه دار الأوبرا بهذه المناسبة. أما من حيث العام؛ فكان المعروف عنه أنه يسعى جاهداً لإثبات صغر سنه وعدم ذكر عام ميلاده الحقيقي أبداً، فضلاً عن كراهيته للاحتفال بعيد ميلاده لعقود طويلة، وقوله أكثر من مرة إنه "لا يستوعب كيف يحتفل الإنسان بأنه فقد عاماً من حياته". ولا يبدو عام 1910 منطقياً بالنسبة لبعض الأحداث الكبيرة في حياة عبدالوهاب. فالثابت أنه التقى بفنان الشعب سيد درويش مرة على الأقل -حسب رواية عبدالوهاب نفسه في الحلقات التي سجلها مع الكاتب الكبير الراحل سعد الدين وهبة- قبل وفاة درويش ببضعة أعوام، أي حوالي 1920 أو 1921، أخذاً في الاعتبار أن درويش توفي عام 1923. والثابت أيضاً أن الأديب الكبير توفيق الحكيم أكد في حوار صحفي عن عبدالوهاب أنه "من نفس جيله" أي مولود نهاية القرن التاسع عشر أو في أول عامين من القرن العشرين. والثابت كذلك أن عبدالوهاب غنى بصوت يافع واضح المعالم قصيدة "إن كنت في الجيش" وقصيدة "ويلاه ما حيلتي ويلاه ما عملي" للشيخ سلامة حجازي عام 1921، ومن غير المعقول أن يصدر الصوت المسجل له عن طفل في الحادية عشرة من عمره. والثابت أيضاً أنه أحيا زفاف حسين نجل أمير الشعراء أحمد شوقي بإنشاده أغنية "دار البشاير مجلسنا وليلة زفافك مؤنسنا" عام 1924 وهذا بعد عامين له على الأقل من صحبة شوقي، ويصعب تصديق أن شوقي اتخذ من عبدالوهاب رفيقاً وتلميذاً على النحو الذي يحكي عنه في أحاديثه، وهو في الرابعة عشرة من العمر. ويستحيل أن يكون عبدالوهاب في السابعة عشرة وهو يغني في عام 1927 مجموعة من أحلى الأغاني المصرية طوال عقد العشرينيات.. هذا العام كان بمثابة العام الذهبي الأول في حياة عبدالوهاب الموسيقية.. حقق فيه أعلى مبيعات في سوق الموسيقى ورسخ أقدامه باعتباره ظاهرة فنية متفردة بتقديمه أغاني مازالت حية حتى الآن مثل: "اللي يحب الجمال يسمح بروحه وماله" و"الليل بدموعه جاني يا حمام نوح ويايا" و"خدعوها بقولهم حسناء" و"شبكتي قلبي يا عيني شوفي بقى مين يحله" لأحمد شوقي، وموال "اللي انكتب ع الجبين لازم تشوفه العين" لإبراهيم عبدالله، و"يا حبيبي أنت كل المراد" و"يا حبيبي كحل السهد جفوني" لأمين عزت الهجين" وغيرها من الأعمال. أما أطرف الأسباب التي تؤكد أن عبدالوهاب ليس من مواليد 1910 فهو هذه الصورة التي توجد في المتحف غير مؤرخة.. التقطت له وهو مدرس موسيقى بمدرسة السلحدار الابتدائية، فأحد تلاميذه في هذه الصورة (الثاني من اليسار في الصف الجالس أرضاً) هو الأديب والصحفي الكبير فيما بعد إحسان عبدالقدوس، المولود عام 1919، ونجل الناشرة والفنانة الشهيرة فاطمة اليوسف والفنان محمد عبدالقدوس الذي شارك عبدالوهاب فيما بعد عدداً من أفلامه. وبالطبع لا يبدو موسيقارنا في هذه الصورة أكبر من إحسان بتسع سنوات فقط! ويرجح المؤرخ الموسيقي إلياس سحاب أن عبدالوهاب من مواليد 1898 لكنه ينقل رواية أخرى عن سيدة موسيقية روسية كانت أستاذة للمايسترو الكبير سليم سحاب، قالت إن عبدالوهاب اعترف لها بأنه من مواليد 1902 وهو تاريخ يبدو منطقياً أيضاً. * العمر ليس مجرد رقم: لماذا الاهتمام بتاريخ ميلاد عبدالوهاب؟ ربما يكون سؤالاً صعباً، فالرجل قدم مسيرة فنية تؤكد بلا شك أن العمر مجرد رقم غير مهم، وأن الأهم في مسيرة الفنان تمتعه بالتجدد والحيوية والقدرة على مواكبة العصر وإدراك مفرداته.. ولذلك كان عبدالوهاب يقول إنه ينظر لمراحله الفنية المختلفة وكأنه شخص آخر، فكل حقبة لها سمات تختلف عن الأخرى.. ولا تربط كل هذه الحقب إلا قدرته الاستثنائية في تلحين الكلمة وأدائها. لكن من ناحية أخرى فإن تاريخ ميلاده، وتأريخ مراحل حياته مهم لأنها تروي بصدق مراحل تطور الموسيقى المصرية على مدى القرن العشرين.. وتعكس التجديد الذي أدخله عليها والذي وصفه البعض -أوقاتاً- بأنه تخريب وهدم لقواعد الشرقية. هذه الصورة على سبيل المثال توجد في المتحف هذه الصورة غير المؤرخة التي يبدو أنها تعود لبداية الثلاثينيات، قبل بدء مشوار عبدالوهاب السينمائي، لكنها تحمل مفردات مهمة من عصر موسيقي مضى: 1- السرادق: في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كان تسجيل الأغاني يتم في سرادقات مغلقة تقيمها شركات الاسطوانات في الأراضي الفضاء بالقاهرة ليلاً، بحيث يتم عزل الصوت جيداً وإخلاء السرادق إلاّ من المطرب والبطانة والعازفين والمسجلين وأدوات التسجيل التي من بينها الميكروفون العملاق الظاهر في صدارة الصورة (المعلومة من صفحة الباحث الموسيقي عيسى متري). 2- أول قائد لفرقة عبدالوهاب: الشاب النحيل بنظارة طبية الواقف بجانب عبدالوهاب هو عازف الناي عزيز صادق الذي أوكل له مهمة توزيع موسيقاه وقيادة الفرقة الموسيقية خلفه لعقدين تقريباً، حتى بدأ في التعاون مع الموزع الأسطوري أندريا رايدر، لكن هذا لا ينال من أن معظم الأفكار الموسيقية الجديدة في أغاني عبدالوهاب كانت من بنات أفكاره نفسه. 3- الكونترباص: يقف عازف على الآلة الوترية الكبيرة يمين الصورة (يعتقد البعض أنها تشيللو وليست كونترباص).. ويعكس وجود هذه الآلة إحدى صور التجديد الوهابي للموسيقى الشرقية وهي إدخال آلات جديدة باستمرار.. يقول البعض إن الموسيقار محمد القصبجي هو أول من أدخل الوتريات الكبيرة للموسيقى الشرقية ويرجع البعض الأمر لعبدالوهاب.. لكن الأكيد أن استخدام عبدالوهاب لها كان فريداً ومكثفاً.. حتى في دور تقليدي على مقام نهاوند هو "أحب أشوفك كل يوم يرتاح فؤادي" الذي قدمه عام 1928.. نلاحظ استخدامه للكونترباص لإبراز نبرة صوته وإكساب صوت المرددين عمقا. 4- عبدالمطلب: الشاب النحيل بملامح ابن البلد والطربوش الواقف خلف عبدالوهاب هو الفنان محمد عبدالمطلب الذي كان أحد المرددين في فرقته لعدة سنوات. 5- شركة بيضافون: هذه الشركة احتلت صدارة سوق الموسيقى لنحو ربع قرن بإدارة الإخوة بيضا اللبنانيين.. وكان عبدالوهاب نجمها الأبرز منذ صعوده.. ثم دخل شريكاً لهم في أعمالهم.. حتى اشترى الشركة وحوّل اسمها إلى "كايروفون". * سيد الأغنية السينمائية: هذه الصورة الموجودة في المتحف لعبدالوهاب (أقصى اليسار) وبجانبه المخرج محمد كريم أما الناحية الأخرى فنرى المطربة نجاة علي وبجانبها عبدالوارث عسر.. وفي المنتصف فردوس محمد ومحمد عبدالقدوس وفي الأعلى سليمان نجيب.. إنه فريق فيلم "دموع الحب" ثاني أفلامه إنتاج 1935. بدأ الموسيقار الثلاثيني رحلته مع السينما بالصدفة.. عندما عرض عليه محمد كريم أن يخرج له فيلماً ليقدم فيه أغانيه.. وقتها كان عبدالوهاب يقطع القطر المصري من شماله إلى جنوبه ليغني في الحفلات التي يقيمها كبار الباشوات في القرى والمدن والمصايف.. أغرته الفكرة عندما قال له كريم العائد من رحلة دراسية في أوروبا إن "الأفلام ستوصل موسيقاه لجميع المصريين". لم يكن عبدالوهاب يتصور أن يكون قراره بطرق هذا الفن سببا في ولادة الأغنية السينمائية العربية.. القصيرة، مكثفة الأفكار، القابلة للتعبير المصور بالتمثيل أو الاستعراض، والمرنة لاستيعاب تجارب جديدة يمكن الزج بها بسهولة في إطار وجبة تسلية متكاملة. كانت البداية عام 1933 بفيلم الوردة البيضاء الذي شاهد فيه البعض "شكل ورسم" عبدالوهاب لأول مرة بعد سنوات من الاستماع عبر الاسطوانات والراديو.. وحمل الفيلم عدة مفاجآت فنية أبرزها غناء قصيدة "جفنه علم الغزل" للشاعر اللبناني بشارة الخوري بإيقاع الرومبا وآلة الماراكاس التي عزفها عبدالوهاب بنفسه والتي سجلت في برلين ثم ركبت على شريط الفيلم في باريس. حقق الفيلم نجاحاً كبيراً أغرى الثنائي عبدالوهاب وكريم بسرعة إنتاج الفيلم الثاني "دموع الحب" المأخوذ عن رواية "ماجدولين" التي عربها مصطفى لطفي المنفلوطي. وقدم عبدالوهاب للسينما لأول مرة المطربة نجاة علي (نجية علي) ابنة فارسكور، التي كانت في الثانية والعشرين من عمرها آنذاك، لتغني معه أول أغنيتين "دويتو" في تاريخ السينما المصرية وهما: "محلا الحبيب بين الميه وبين الأغصان" و"صعبت عليك.. شافت العز القديم وفي ضلها شفت الهنا" وكلاهما من نظم أحمد رامي. وبدأ عبدالوهاب ترسيخ عادة تقديمه جديداً على الأذن المصرية في كل فيلم سينمائي.. فقدم قصيدة "سهرت منه الليالي ما للغرام وما لي" من نظم حسين أحمد شوقي، بإيقاع التانجو وباستخدام آلة الأوكورديون غير الشائعة آنذاك، وبالمزاوجة بين مقام النهاوند ومقام النوا أثر المتفرع منه، والذي كان عبدالوهاب من محبيه في تلك الفترة حيث غنى منه أيضاً "كروان حيران" في نفس الفيلم وقبلها بعدة سنوات أغنية "الليل يطول عليا سهران بنادم شجوني". وقدم أيضاً أول أغنية وطنية سينمائية هي "تحية العلم - أيها الخفاق في مسرى الهوا أنت رمز المجد عنوان الولاء". لكن فيلم دموع الحب فشل بصورة صادمة لعبدالوهاب وكريم.. اللذين أرجعا ذلك بعد الدراسة إلى النهاية الحزينة والأحداث الدامعة للفيلم. فاتخذا قراراً استراتيجيا بالتحول عن الدراما إلى أفلام التسلية المفعمة بالتفاؤل والمرح ومحاولات الإضحاك بعيداً عن "النكد". بعد فيلمين ناجحين قدم فيهما عبدالوهاب أغاني ناجحة عديدة هما "يحيا الحب" و"يوم سعيد" قدم فيلم "ممنوع الحب" عام 1942 والذي نجد هذا الإعلان له في المتحف.. صورة تجمعه بالمطربة رجاء عبده (اعتدال جورج عبد المسيح) ابنة شبرا مصر وصاحبة الأغنية الشهيرة لاحقاً "البوسطجية اشتكوا" من ألحان عبدالوهاب أيضاً. في هذا الفيلم تظهر مديحة يسري لأول مرة كفتاة تداعب البطل أثناء غنائه "بلاش تبوسني في عينيا" التي حكى لاحقاً أنه استوحى عنوانها من كلمة كانت تقولها له والدته. ويحمل الفيلم عدة أغاني باقية في الذاكرة أبرزها: "مكنش ع البال تشغل بالي" و"يا مسافر واحدك" و"ياللي نويت تشغلني" وجميعها من نظم حسين السيد وتمثل ذروة تأثره بالموسيقى المتوسطية والإيقاعات الغربية.. وأغنية "ردي عليّ" من كلمات مأمون الشناوي والتي حكى عبدالوهاب لاحقاً أنها كانت من أغاني أم كلثوم المفضلة، علماً بأنه مزج فيها بين أكثر من 3 مقامات موسيقية. في المتحف أيضاً نشاهد هذه الدعاية لفيلم "رصاصة في القلب" تجمع عبدالوهاب بالفنانة راقية إبراهيم التي كانت تعتبر أجمل وجه على الشاشة المصرية آنذاك. ربما يكون هذا الفيلم الأنجح فنياً في مشوار عبدالوهاب ليس فقط بسبب الحبكة الرشيقة التي كتبها توفيق الحكيم، لكن لأن أداءه كان أنضج من أفلامه السابقة، كما قدم فيه أغاني جميعها نجح دون استثناء. وأبرزها بالطبع أغنيتا دويتو "حكيم عيون" و"حقولك إيه عن أحوالي" الذي طوّع فيه صوت راقية غير المطرب، وألقى فيه كلمات غير مغناة على اللحن لأول مرة في الموسيقى الشرقية. كما تضمن الفيلم أول أغنية عربية تقدم من داخل "بانيو الاستحمام" هي "الميه تروي العطشان وتطفي نار الحران" من كلمات أحمد رامي. * سياسي رغم أنفه: لم يكن عبدالوهاب يحب السياسة. وفي إحدى حلقات ذكرياته المسجلة مع سعدالدين وهبة قال إن الزعيم المصري الأقرب لقلبه هو سعد زغلول الذي كان زعيم الأمة في شبابه.. رغم أنه لم يغن لسعد قط.. بل غنى للملك فاروق ثم عبدالناصر ثم لحن أعمالاً تتغنى بإنجازات السادات ومبارك. ويمكن تفسير إقبال عبدالوهاب على تلحين الأغاني المؤيدة للملوك والرؤساء بأنه كان يكره السياسة ويخشاها لا العكس.. فربما كان ينخرط في إنتاج هذه الأعمال لضمان عدم بطش السلطات المتعاقبة به.. وقد نجح في ذلك بلا شك. فرغم توارد قصص متناثرة عن غضبه لمعاملته بشكل سيئ في بعض مناسبات العهد الناصري وإجباره على تسجيل جلسات موسيقية خاصة ومطولة لأحد رموز ذلك العهد.. إلاّ أنه استطاع النجاة بعمله في مجال الإنتاج السينمائي والموسيقي.. وقبل ذلك النجاة بفنه. كما أتاحت حياته المديدة أن يحصل على مزايا سياسية عديدة لم ينلها موسيقار آخر. فعندما أراد الرئيس الراحل أنور السادات تغيير النشيد الوطني "والله زمان يا سلاحي" ليبتعد عن نبرة الحرب والمواجهة، ووقع اختياره على نشيد "بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" اختار عبدالوهاب ربما ليمنح هذا النشيد الذي نظمه محمد يونس القاضي ولحنه الشيخ سيد درويش نكهة عصرية أوركسترالية نظامية.. فمن ناحية لم يكن في مصر من هو أجدر من عبدالوهاب لأداء هذه المهمة "التاريخية" مع الحفاظ على تراث سيد درويش.. وربما فكر السادات ومستشاروه -من ناحية أخرى- إن "دمغ" النشيد الجديد باسم عبدالوهاب يوفر أيضاً ترحيباً جماهيرياً. ورغم ما يثيره البعض عن أنه ليس صاحب الفضل في إعادة توزيع النشيد ليخرج في صورته الحالية.. إلاّ أن عبدالوهاب ارتدى بالفعل البدلة العسكرية برتبة اللواء وقاد الفرقة الموسيقية العسكرية لأداء السلام الوطني.. ليصبح أول موسيقار مصري ينال رتبة عسكرية. وفي الثمانينيات جمعت علاقة قوية بين عبدالوهاب والرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان محباً لفنه.. فاختاره الأخير عضواً بمجلس الشورى ومنحه جواز سفر دبلوماسي تبعاً لرتبته العسكرية. وبعد وفاته أمر مبارك بإصدار عملتين تذكاريتين، فضية وذهبية، تخليداً لذكراه. * ست الحبايب.. في المتحف أيضاً يمكنك مشاهدة صورة شخصية لوالدة عبدالوهاب.. كان يضعها في إطار بالقرب من مكان جلوسه بشكل دائم.. حتى بلغ من الكبر عتياً. موسيقار الأجيال.. الذي صك واحداً من أشهر الألحان العربية عن الأمهات "ست الحبايب" وغنته فايزة أحمد.. كان يعتز بوالدته على نحو خاص.. فهي التي كانت تشجعه على ممارسة الفن في سن مبكرة وتحميه من عقاب والده عندما كان يهرب من المنزل في أوقات متأخرة ليحضر مسرحية أو حفلاً. كانت علاقة عبدالوهاب بأسرته قوية حتى بعد زواجه أكثر من مرة.. فكان شقيقه الأكبر الشيخ حسن يدير أعماله لسنوات.. وشجع ابنه سعد على دخول عالم الفن ولحن له عدة أغاني مميزة أشهرها "الدنيا ريشة في هوا" من كلمات مأمون الشناوي.. وكان يرى أن سغد "ظُلم فنياً وكان يستحق ما هو أكثر" ربما لقرب صوته من صوت عمه الكبير.