لم يؤلف كتابا ولم يقيد درسا، لكنه ترك آلافا من التلاميذ والمريدين يحملون منهجه فى التصوف وآداب السلوك ومكارم الأخلاق، متيقنا بأن «معرفة الولى أصعب من معرفة الله عز وجل، لأن الله تعالى معروف بكماله وجماله، لكن كيف تعرف مخلوقا مثلك يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب». ولد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن على الخزرجى الأنصارى، فى مدينة مرسية فى الأندلس عام 616 ه الموافق 1219م، ومنها حصل على لقبه المرسى، الذى أصبح اسما متداولا بعدها، ويتصل نسبه بالصحابى سعد بن عبادة، وكان جده الأعلى قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر من الإمام على بن أبى طالب، وكان لنشأته عظيم الأثر فى مسار حياته. أعدت البيئة الأندلسية «أبى العباس المرسى» ليشرب من نهر التصوف، فبينما اعتزم والده الحج إلى بيت الله الحرام، وصحبه معه وأخيه وأمهما، راكبين البحر عن طريق الجزائر، هبت ريح عاصفة أغرقت المركب بمن فيها على مقربة من شاطئ تونس، فأدركته وأخيه عناية الله، وحتى إذا نجيا من الغرق اتخذا تونس دارا لهما، وهناك قابل إمامه الشيخ أبو الحسن الشاذلى. تأثر المرسى بكلمات شيخه حينما قال له: «يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا، وأنا أنت»، ومنذ ذلك الحين حرص على التزوَّد بعلوم عصره كالفقه والتفسير والحديث والمنطق والفلسفة، حينها، لينتهى بالصوفية، وحينما رأى الشاذلى فى منامه أن النبى صلى الله عليه وسلم يأمره بالانتقال إلى مصر، خرج ومعه أبو العباس وأخوه عبدالله وخادمه أبو العزايم ماضى قاصدين الإسكندرية، فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب. تصدر الإمام الأندلسى مجالس شيخه فى الإسكندرية، وأخذ شأنه فى الارتفاع وذاع صيته بعد وفاة الشاذلى مريضا فى طريقه إلى الحج حتى تبعه الطلاب والمريدون من جميع البلاد، وارتحل إليه الزوار وذوو الحاجات من جميع الأقطار، وتوافد عليه العلماء والأمراء والأغنياء والفقراء، لا فرق بينهم أمام كرامات الشيخ. كان المرسى يرى أن الأكوان كلها عبيد مسخرة، والناس «عبيد الحضرة»، لذا ظل يحمل لواء الطريقة الشاذلية منذ أن كان فى عمر الأربعين وحتى وفاته، متمسكا بالعهد الذى أخذه على يد شيخه، كما أقام فى الاسكندرية 43 سنة، فى سبيله إلى نشر العلم، وتهذيب النفوس، حتى كان يضرب به المثل بورَعه وتقواه، وتربى على يديه عدد كبير من العلماء، أبرزهم ابن عطاء الله السكندرى، والأمام البوصيرى، وياقوت العرش الذى تزوج ابنته، وابن الحاجب، وابن اللبان، وابن أبى شامة، وآخرون. وتوفى «ولى الإسكندرية» فى 25 من ذى القعدة سنة 686 ه، ودفن فى مقبرة باب البحر، وهى الجبانة التى كان يدفن فيها الأولياء فى عصر، وفى سنة 706 هجرية أقيم بناء جديد على مدفنه؛ لتمييزه عن القبور الأخرى من حوله، فصار البناء مزارا، ثم صار مسجدا صغيرا بناه زين الدين القَطَّان، وأوقف عليه أوقافا؛ وأُعيد بناء المسجد، وتم ترميمه وتوسيعه سنة 1189 هجرية. وفى سنة 1362 هجرية، أُعيد بناء الجامع، ليتخذ صورته الحالية، وهو أحد أكبر مساجد الإسكندرية، حيث بناه وزخرفه المهندس الإيطالى ماريو روسى، وهو معمارىٌّ شهير، الشغوف ببناء المساجد، الذى ما لبث أن أعلن إسلامه بعدها.