وظائف خالية.. 50 فرصة عمل جديدة بمهنة التمريض بالإمارات براتب 7000 درهم    الأنبا إبراهيم إسحق يختتم المؤتمر السنوي للجنة الأسقفية للشباب بالكنيسة الكاثوليكية بمصر    التخطيط تستعرض تقريرًا حول الاستثمارات الحكومية الموجهة لأقاليم الصعيد بخطة العام المالي 2025/2026    توجيهات جديدة من السيسي لمحافظ البنك المركزي بحضور مدبولي    مؤشر ناسداك الأمريكي ينهي الأسبوع عند مستوى قياسي جديد    الجبلي: خبرات مصر في البنية التحتية تمثل فرصة لتعاون واسع مع تونس    غدا الأحد.. وزير الزراعة يفتتح معرض ومؤتمر صحارى الدولي في دورته ال 37    عاجل| مصانع الحديد المتكاملة تتجاهل رسوم الأغراق.. "عز" يثبت الأسعار وينفي زيادتها و"السويس للصلب" يخفضها 200 جنيها في الطن    الدكتور عادل عامر يكتب عن : الإسلام السياسي تحت رقابة مشددة في النمسا    الرئيس الأوكراني يلتقي مستشارين لقادة المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا    جيش الاحتلال: ربع مليون شخص نزحوا من مدينة غزة حتى الآن    موعد مباراة ريال مدريد وسوسيداد والقنوات الناقلة    طاقم تحكيم أردني لمباراة بيراميدز وأوكلاند سيتي في كأس إنتركونتيننتال    الدوري السعودي.. الهلال والقادسية يجتمعان في موعد ناري    الحبس عامين وغرامة 100 ألف ل"بنت مبارك" بتهمة التشهير بفنانة شهيرة    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص بشرق العوينات    ضبط سيدة وزوجها بكفر الشيخ بتهمة تعاطي المخدرات ونشر مقاطع خادشة.. فيديو    ضبط 114.8 آلاف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «التعليم» تطلق مدارس تكنولوجيا تطبيقية في تخصص الدواء بالتعاون مع إيطاليا    ناقد أدبي: علينا أن نعيد النظر في السياسات الثقافية وفي مفهومنا للثقافة    وزير الخارجية يستقبل المرشح المصري لمنصب مدير عام اليونسكو    تنوع في عروض أفلام مهرجان بردية السينمائي بسينما الهناجر    السوبرانو سومي جو تحيي حفلها الأول في القاهرة بمناسبة الذكرى الثلاثين للعلاقات المصرية الكورية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : اهلاً بالفرح !?    الصحة تقدم 86 مليون خدمة مجانية خلال 59 يومًا بالمحافظات    الصحة: إجراء 2.8 مليون عملية جراحية ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    حسام موافي يحذر من مخاطر تقرحات الفم ويكشف علاقتها باضطرابات الغدة الدرقية    ضبط 10 أشخاص بتهمة التسول واستجداء المارة في منطقة العجوزة بالجيزة    محافظ الشرقية يتابع أعمال إصلاح كسر مفاجئ بخط مياه الشرب الرئيسي في شارع بور سعيد    لفتة إنسانية.. الدكتور المنشاوي يوجه بتوفير منحة دراسية كاملة للطالبة ثريا أشرف أول كفيفة تلتحق بكلية التجارة جامعة أسيوط    وزير الخارجية: الدولة المصرية تدعم احترام القانون الدولي    "ياريت ما يبقاش في تقطيع".. ميدو يدعم قرار الخطيب    سعر البتكوين اليوم.. تقلبات حادة في سوق العملات الرقمية    ترند الفن: كارينا كابور تعلق على شائعة وفاتها.. وشيماء سيف بإطلالة رياضية    اتصالات مكثفة لوزير الخارجية مع نظرائه من السعودية وباكستان وتركيا    157 يومًا على رمضان 2026.. يبدأ 19 فبراير فلكيًّا    تدمير مدرسة وإخلاء جماعي للمدنيين.. جيش الاحتلال يواصل قصفه لمخيم الشاطئ    مصر تعزي الكونغو الديمقراطية في ضحايا حادث غرق قاربين في شمال غرب البلاد    توجيهات من الري بدراسة مقترحات تطويرية تخدم الأهالي وتخلق فرص استثمارية بالأقصر    54.6 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية لكبار السن وذوي الهمم بالشرقية    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب سيارة على طريق أسيوط الغربي بالفيوم    «الرعاية الصحية»: 70% زيادة في نسبة المستفيدين من منظومة الدعم المعنوي مقارنة بالعام الماضي    ما هي أسعار كتب طلاب المدارس الرسمية للغات والمتميزة للعام الدراسي 2026؟    المتحف المصري الكبير يعرض آثار توت عنخ آمون بشكل كامل لأول مرة 4 نوفمبر    20 أكتوبر| غلق قاعة توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير    اتصالات مكثفة لوزير الخارجية مع نظرائه من السعودية وباكستان وتركيا    تنسيق الجامعات، آخر موعد لقبول أوراق الطلاب المصريين الحاصلين على الشهادات الثانوية المعادلة    أحمد سعد: «بدأت حياتي بياع عيش واشتغلت نقاش قبل دخولي الفن» (فيديو)    «مشجع بائس.. وبيبو زي الأهرامات».. رسائل نارية من خالد جلال ل مهاجمي الخطيب    عاجل - من البر إلى الجو.. كيف ضربت إسرائيل الجهود القطرية والمصرية والأميركية في هجوم الدوحة؟    3 تصريحات ورطت فيريرا مع الزمالك في بداية الرحلة الشاقة    أدلة على استحالة الحد الأعلى لأكثر من يوم واحد.. د.محمد حافظ: توليد 5150 ميجاووات من السد الأثيوبي جزء من "شو" الافتتاح    منتخب مصر تحت 20 سنة يستعد للسفر إلى تشيلي لخوض كأس العالم    «البحوث الإسلامية» يحذر من خطورة تراجع القيم والتشكيك فى ثوابت الدين    مدارس لتكنولوجيا الرى بالتعاون مع «التعليم»    ترتيب هدافي دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة الرابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    ما طريقة وضع الميت أثناء صلاة الجنازة؟.. الإفتاء توضح    دعاء فجر يوم الجمعة.. لحظة تفتح أبواب الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار المتراجع والليبرالية الضعيفة وعزوف المواطنين عنهما
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 04 - 2018

ثمة انطباع عام يهيمن على حواراتنا حول الأهمية والفاعلية المجتمعية للتيارات الليبرالية واليسارية والتيارات الدينية مؤداه أن النسيج الاجتماعى للبلدان العربية وتراكيب حياتها السياسية وثقافتها الغالبة تعوق نمو الأولى والثانية بينما تمكن الدينيون من الانتشار الشعبى والاستئثار بمساحات نفوذ وتأثير مطردة الاتساع. ومع التسليم بتعدد وتنوع شواهد الواقع المدللة على الرجاحة الجزئية لهذا الانطباع نظرا لطغيان المكون الدينى على النقاش العام وانهيار شعبية وتراجع أدوار الأحزاب والحركات المتبنية للأفكار الليبرالية واليسارية والصعود اللافت لقوى الإسلام السياسى فى بلدان كمصر قبل 2013 وتونس منذ 2011 والمغرب خلال العقد الماضى، إلا أن الثابت أيضا أن اليسار والليبراليين العرب وعلى الرغم من القيود الرسمية المفروضة عليهم والممارسات القمعية التى تنزل بهم لا يعدمون الفرص الاجتماعية للتأطير والتحرك الشعبى وصياغة رؤى بديلة أو مكملة لتوجهات النخب الحاكمة ولقناعات التيارات الدينية بحثا عن الفاعلية المجتمعية المفقودة. وربما تمثل الشرط الأول لخروج اليسار والليبراليين من حالة الوهن الراهنة فى الإدراك المنظم والكاشف لجوهر القضايا التى تمنح هذه الفرص الاجتماعية هويتها وتصيغ لها أبعادها الواقعية. وإليكم، أعزائى القراء، قراءة أولية فى أربع من هذه القضايا أراها مركزية على امتداد العالم العربى.
***
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين: باستثناء بعض الحالات الخليجية، تعانى البلدان العربية من اختلالات اقتصادية واجتماعية طاحنة أبرزها الفقر والبطالة والهجرة غير الشرعية وانهيار مستويات الخدمات الأساسية المقدمة فى قطاعات حيوية كالتعليم والصحة وتهافت شبكات الضمان الاجتماعى. فى هذا السياق، عمقت السياسات النيوليبرالية التى اتبعتها معظم النخب الحاكمة منذ التسعينيات وعلى نحو تصاعدى خلال الأعوام القليلة الماضية (ومع أنها رتبت بعض التحسن فى معدلات النمو الاقتصادى العام) من هذه الاختلالات ودفعت بالقطاعات الشعبية الفقيرة ومحدودة الدخل نحو لحظة تأزم حقيقية. أما التيارات الدينية، وعلى الرغم من كونها شرعت منذ ثمانينيات القرن المنصرم فى بناء شبكات تقديم الخدمات الأساسية فى قطاعات التعليم والصحة والضمان الاجتماعى وحلت بذلك جزئيا محل المؤسسات الرسمية محدودة الفاعلية، فهى لا تملك فى بلدان كمصر قبل 2013 وتونس والمغرب اليوم تصورات واضحة للتعامل مع نواقص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وما لبثت تتأرجح فى مقولاتها البرامجية ومواقفها العلنية بين نزوع شبه ليبرالى يرى فى السوق والقطاع الخاص قاطرتى النمو ونزوع شبه يسارى معاكس يتبنى عودة الدولة القوية / الدولة الأب الوصية على المجتمع.
هنا يملك اليسار العربى وكذلك الليبراليون الملتزمون اجتماعيا فرصة حقيقية لصياغة رؤية بديلة تدفع إلى الواجهة بالجوهر الكامن وراء نواقص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ألا وهو قضايا العدالة والمساواة ومكافحة البطالة وبناء شبكات فعالة للضمان الاجتماعى وتقليص الفجوة متزايدة الاتساع بين الأغنياء والفقراء فى المجتمعات العربية. بلا ريب ستختلف وتتمايز الصياغات اليسارية والليبرالية، غير أن كشف جوهر العجز والقصور فى رؤى النخب الحاكمة والتيارات الدينية وتعرية الواقع العربى الردىء سيجمعها ويقربها من قطاعات شعبية واسعة. وقناعتى أن المدخل المجتمعى الأفضل لإنجاز هذه المهمة هو تكثيف النقاش حول العقد الاجتماعى المفقود فى بلداننا وحاجتنا الماسة اليوم قبل الغد إلى صناعة توافق حقيقى بشأن مفرداته ومضامينه والضغط على النخب والإسلاميين لأخذها بعين الاعتبار.
الحريات السياسية والمدنية والفردية: لم تعد أغلبية النخب الحاكمة فى بلدان العرب ترفع يافطات الإصلاح الديمقراطى والانفتاح السياسى، وحدثت خلال الأعوام القليلة الماضية ارتدادات حقيقية تمتد من البحرين إلى مصر والجزائر. فما زالت غيابات تداول السلطة وحكم القانون والفصل والتوازن بين السلطات ومعدلات المشاركة الشعبية المنخفضة فى الحياة السياسية على حالها لم تتغير أو تتحسن جديا. كذلك لم يرتب تنامى الوزن السياسى وتصاعد حراك التيارات الدينية فى بلد كالمغرب اتساعا ملموسا أو مستداما لساحات المنافسة الحزبية. كما لم يقو إسلاميو المغرب على وضع ضغوط فعلية على المؤسسة الملكية للإصلاح الديمقراطى، وأضحوا فى العديد من الحالات أسرى مشاركة فى السياقات الرسمية تغيب عنها الفاعلية وتحملهم ثمنا باهظا يتمثل فى الانكماش التدريجى لقواعدهم الشعبية. ويرتبط الاستثناء العربى الوحيد فى هذا الصدد بالتجربة الديمقراطية الراهنة فى تونس.
يتيح تدنى وجمود مستويات ممارسة الحريات السياسية والمدنية والفردية لليسار والليبراليين إمكانية الاعتماد على قضايا من شاكلة حرية التنظيم النقابى والحزبى والحق فى التعبير الحر عن الرأى بغية الاقتراب من قطاعات مجتمعية متنوعة. الشرط الأساس هنا هو إنتاج خطاب حرياتى واضح المعالم يعتمد مبادئ مواطنة الحقوق المتساوية والعلمانية والتعددية ويتجه نحو المواطنين جميعا مع التركيز على القطاعات المحرومة مدنيا أكثر من غيرها كالأقليات الدينية والعرقية والنساء ومن يخرجون فى سلوكهم الخاص عن الأنماط المقبولة مجتمعيا والمعتمدة دينيا.
إخراج النقاش العربى من خصوصيته الخانقة إلى رحابة الحوارات العالمية: ليست بلداننا العربية بمفردها هى التى تعانى اختلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة، بل هو هم إنسانى مشترك وإن تعددت إرهاصاته وتعددت تداعياته. فقضايا العدالة والحرية والمساواة والتضامن ما لبثت تطرح نفسها على المجتمعات المتقدمة والنامية على حد السواء وتبدو أهميتها اليوم مرشحة للتصاعد. فالمؤكد أن الصعود غير المسبوق للتيارات الشعبوية والعنصرية واليمينية المتطرفة فى بلدان الغرب الديمقراطى والارتدادات المستمرة إلى السلطوية فى بلدان تحولت حديثا إلى الحكم الديمقراطى (المجر نموذجا) سيرتب نهاية حقبة الرأسمالية المنفلتة والمتوحشة، ويعمق عالميا من التفكير الجدى فى استراتيجيات التصحيح والترشيد الممكنة وصولا إلى صناعة توافقية للحظة توازن جديدة بين الاقتصادى بمعناه الربحى الضيق والمجتمعى بمضامين العدالة والحرية والمساواة المندرجة فى سياقاته. مثل هذا التفكير العالمى المتجدد فى طبيعة «النموذج الأفضل لإدارة ترابطات الدولة والمجتمع والمواطنين» يفتح لنا كعرب مساحة مهمة لربط نقاشاتنا حول العقد الاجتماعى المنشود بالحوارات شديدة الحيوية خارج حدودنا إن فى الغرب أو الشرق والجنوب. ولا يوجد من هو أقدر من اليسار والليبراليين على تحقيق هذا الربط، فهم يملكون ناصية نفس المقاربات الفكرية والأدوات المفاهيمية التى تصيغ الحوار العالمى ويستطيعون إن أعادوا اكتشاف ذواتهم وذاكرة فاعليتهم المجتمعية السالفة أن يجسروا الهوة الفاصلة بين خطابات ورؤى النخب الحاكمة العربية والتيارات الدينية وبين الوجهة المستقبلية للضمير البشرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.