بمناسبة مرور خمسة أعوام على صدور نشرة الإصلاح العربى - وهى نشرة شهرية تصدرها مؤسسة كارنيجى باللغتين العربية والإنجليزية وتعنى بقضايا التغير السياسى والاقتصادى فى العالم العربى - نظمت محررتها الزميلة ميشيل دن بالتعاون مع د. مصطفى كامل السيد، مدير مركز شركاء التنمية، ورشة عمل بالقاهرة يومى السبت والأحد الماضيين حول واقع وتحديات الإصلاح. وعلى الرغم من أن نقاشات اليومين قد تناولت مجمل معوقات الإصلاح فى عالمنا، من هيمنة نخب الحكم على الحياة السياسية، وعزوف المواطنين عن الشأن العام، إلى غياب البعد الاجتماعى للإصلاحات الاقتصادية وتداعياته المتمثلة فى توترات واحتجاجات شعبية متصاعدة.. فإن القضية الأهم ارتبطت بضعف حركات المعارضة العربية والمحدودية الشديدة لفاعليتها. أرادت المعارضات العربية توظيف المشاركة لتخطى حدود التعددية المقيدة باتجاه إصلاح حقيقى يعيد توزيع السلطة بين النخب الحاكمة والمواطنين، وأخفقت لقوة النخب وعنفوان مؤسساتها الأمنية. أرادت الدفع نحو تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات المؤسسات التشريعية فى مواجهة الحكومات، وتستحدث أدوات فعالة للرقابة والتوازن بين السلطات، وفشلت فى ذلك أيضاً إزاء تغول الأجهزة التنفيذية. وفى حين أراد بعضهم تجاوز الصراع مع النخب والتأسيس لتحالفات مرنة مع حركات المعارضة الأخرى، متجاوزين الجدار الأيديولوجى بين الإسلاميين والعلمانيين ولم ينجحوا، بقى البعض الآخر أسيراً للقراءة الأيديولوجية للسياسة. حركات المعارضة العربية اليوم فى حاجة ماسة لصياغة مقولات جديدة تبرر تمسكها بالمشاركة السياسية وتعمل إزاء الكلفة العالية والمردود المحدود على إقناع القواعد الشعبية برجاحتها كخيار استراتيجى لا بديل له. هنا دلت نقاشات الورشة على حضور مجموعتين متميزتين من المقولات التبريرية: إحداهما تركز على فوائد الحد الأدنى المتمثلة فى توظيف المشاركة وآلياتها، خاصة تلك المرتبطة بالعمل البرلمانى لدفع قمع النخب الحاكمة والحفاظ على تماسك المعارضات من خلال التعبير العلنى عن مطالبها. أما المجموعة الأخرى فترتبط بما يمكن وصفه بدوافع الحد الأقصى المحملة برغبة حركات المعارضة فى الظهور كفاعلين سياسيين مسؤولين ملتزمين بالمشاركة تحت أى ظرف، وساعين دوماً - وعلى الرغم من الانتكاسات المتتالية - لدفع عجلة التغيير السلمى والإصلاح التدرجى، ومن ثم التشكيك فى مصداقية نقد النخب الحاكمة لهم كتيارات غير مسؤولة تهدد السلم المجتمعى ولا يؤتمن لعواقب ممارساتها. تواجه حركات المعارضة أيضاً تحدى البحث عن توازن عملى بين متطلبات المشاركة ومقتضيات الالتزام الأيديولوجى. استراتيجياً وحركياً، تستدعى السياسة العربية بتعدديتها المقيدة وبهيمنة النخب الحاكمة عليها من المعارضين تبنى مواقف وسطية إزاء قضايا المجتمع الرئيسية، وتضغط عليهم لتطوير رؤى براجماتية. بالمقابل، ترتب القناعات الأيديولوجية والرؤى السياسية لحركات المعارضة، ومن وراءها خشية حقيقية من فقدان تميز خطابات وبرامج تياراتهم إذا ما قورنت بنخب الحكم التى ترفع رسمياً لواء الإصلاح، وكذلك الخوف من خطر تنامى ظاهرة عزوف المواطنين عن الشأن العام، والتركيز على قضايا المرجعية الدينية لدى الإسلاميين والحريات المدنية عند الليبراليين والحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى صفوف اليسار، حتى وإن تعارض ذلك مع أولوية بناء التوافق مع النخب. حركات المعارضة العربية من المغرب إلى البحرين مأزومة حقاً وتكاد تكون الفرص المتاحة لها للخروج من وضعية الأزمة وممارسة ضغوط حقيقية على النخب لإنجاز الإصلاح السياسى والاقتصادى الملتزم مجتمعياً شبه معدومة.