فى الجزء الثانى من حواره مع «الشروق» يروى المستشار عادل فرغلى، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محاكم القضاء الإدارى، شهادته على سنوات رئاسته لقسم التشريع المكلف بمراجعة القوانين والقرارات الجمهورية، مما جعله فى احتكاك دائم بالوزراء وصناع القرار السياسى فى مصر، حيث يكشف عن توقيع مصر على اتفاقية مخالفة للشريعة الإسلامية.. أرسلها له أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية، صباحا ووقعها بنفسه بعد الظهر، كما يدافع عن قانون زراعة الأعضاء والكهرباء الموحد وينفى الشبهات عن قانون الأنشطة النووية. وكشف فرغلى أن الحكومة لم تعرض عليه طوال رئاسته لقسم التشريع إلا 5 اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر على هامش مؤتمر للدول الأفريقية استضافته مصر منذ سنوات، رغم أن القانون نص على وجوب عرض هذه الاتفاقيات خاصة ما سيتحول منها إلى جزء من الدستور المصرى العامل على مجلس الدولة، فيقول: فوجئت ذات صباح بمساعد وزير الخارجية أحمد أبوالغيط يرسل لى 5 اتفاقيات دولية، تمهيدا لتوقيع مصر عليها مع الدول الأفريقية، مع توصية بمراجعتها سريعا لأن حفل التوقيع سيكون مساء نفس اليوم. واستطرد فرغلى: عقدت جلسة طارئة لقسم التشريع لبحث الاتفاقيات الخمس، حيث كانت منها 4 اتفاقيات إجرائية عادية، واستوقفتنا اتفاقية واحدة خاصة بحقوق المرأة فى البلدان الأفريقية، حيث تبين أنها تضم مخالفات صارخة للقانون والدستور المصرى، وتلغى تماما الشريعة الإسلامية، حيث تتيح للمرأة تعدد الأزواج، وتلغى فكرة الولى الشرعى على الأبناء، كما تساوى بين الرجل والمرأة فى التوريث. وأضاف: اتصلنا بهم مبدين اعتراضنا الكامل على هذه الاتفاقية وتحفظنا على توقيع مصر عليها، ففوجئنا بمن يبلغنا بأن الوزير أبوالغيط وقع الاتفاقيات الخمس بالفعل، وأنه لا حاجة لهم بمجهودات قسم التشريع ونصائحه. وأوضح أن الوزراء هم الذين يختارون المستشارين المنتدبين فى وزارتهم، حيث يرسلون أولا لرئيس المجلس يطلبون مستشارين محددين، وأعتبر إدمان هذه الجهات على انتداب أكثر من مستشار لغزا، قد يكون سببه رغبتهم فى توفيق أوضاعهم مع مجلس الدولة، أو البحث عن أسانيد قانونية لما قد يبدر منهم من مخالفات. وهناك من يتحايل على القانون، على سبيل المثال مستشار منتدب فى إحدى الوزارات كمستشار قانونى للوزير، يعتبر نفسه مستشارا قانونيا فى جميع الهيئات التابعة للوزارة، وقد يصل الأمر لعضوية مجلس إدارة بعض الشركات، وعندما يخضع للمساءلة يقول إنه منتدب فى جهة واحدة. فمثلا أحد المستشارين المحترمين كان منتدبا فى وزارة أخرى، ثم عمل فى الشركة القابضة، وأنا لم أسمع فى حياتى عن هذه الشركة وظروف تأسيسها، واستمر هذا المستشار يرتكب المخالفات حتى أشرف على إجراء بعض المزادات، بل وتم تسجيل أحد هذه المزادات وتم بثه على إحدى القنوات، وليس معقولا أن نعمى عيوننا عن هذه المخالفات. وتطرق فرغلى إلى ظاهرة «سلق» القوانيين قائلا: إن المسألة ببساطة هى أن الحكومة تريد تمرير قوانين مشبوهة ومليئة بالعوار الدستورى، الذى لن يقبله قسم التشريع بمجلس الدولة تحت أى بند، فنحن نؤدى عملنا بما يرضى الله وبما يحقق مصلحة الوطن، ولذلك تتجاوز الحكومة قانون المجلس الذى ينص فى المادة 63 على إلزام الوزارات بعرض القوانين علينا قبل عرضها على مجلس الشعب. وأذكر هنا دور الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب السابق، الذى كان على خلاف مع المجلس الخاص بمجلس الدولة فى أثناء عمله به، وعندما تولى رئاسة البرلمان أصر على رفع ديباجة «تم عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة» من مشاريع القوانين، وادعى أن السلطة التشريعية قادرة على سن القوانين بمفردها، والنتيجة كما ترى أن القوانين المصرية باتت مدعاة للشفقة ومليئة بالفوضى، فالحكومة خلال السنوات العشر الأخيرة أصدرت أكثر من 2000 قانون، وعرضت علينا 200 قانون فقط، ما يعنى أن 1800 قانون تشوبها عدم الدستورية، لكن القرارات الجمهورية مازالت تعرض علينا بانتظام، ومؤسسة الرئاسة تتعاون معنا بشكل أكبر وأكثر تجاوبا من الوزارات. وعلى صعيد مراجعة اتفاقيات تصدير البترول والغاز الطبيعى المصرى للخارج وتأجير حقول النفط، كشف عن أن وزارة البترول بدأت فى مراجعة أسعار تصدير الغاز بعدما ثار الرأى العام عليها لتصديره إلى إسرائيل بسعر بخس، حيث طلبت من مجلس الدولة معرفة السند القانونى لحقها فى التعديل، فكان رأينا أن كل طرف تعرض للظلم فى ظروف معينة من خلال اتفاق مع طرف آخر، يحق له تعديل شروطه عند زوال الظلم، وهم أخبرونا أن مصر ظلمت لعدم إدراج الأسعار المناسبة للغاز فى الاتفاقيات مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط التى تتولى تصدير الغاز إلى بعض الدول، ومنها إسرائيل. وأضاف أنه تم إدراج نص جديد فى اتفاقيات مصر لتصدير الغاز، يمنح مصر الحق فى تغيير السعر وتعديله مرة واحدة كل عام، بناء على ظروف السوق ومظلة الأسعار العالمية، لكن قسم التشريع بالطبع لم يكن يتدخل فى معرفة الأسعار بالتحديد، لكننا أوصينا بعدم المساواة فى السعر بين كل الدول، ورفعه بالنسبة للدول القريبة منا خاصة إسرائيل، على اعتبار أنها لا تتكبد أى تكاليف نقل، على عكس دول بعيدة فى حوض البحر المتوسط تستورد الغاز من مصر أيضا. واتهم من سماهم «ناس كبار فى مصر لهم مصلحة فى السوق السوداء للمتاجرة بالأعضاء، بالتسبب فى إيقاف مناقشة القانون فى مجلس الشعب، عند نقطة فى غاية التفاهة هى تعريف الموت وتحديد زمن الوفاة»، رغم أن «جميع الأبحاث الطبية ودار الإفتاء أكدت أن الوفاة هى موت جذع المخ، كما أننا وضعنا ضمانات خاصة لتحديد وفاة الشخص، على رأسها تطبيق 11 اختبارا طبيا تجريها لجنة متكاملة من الأطباء المتخصصين». وأكد فرغلى أن سبب عدم عرض قانون دور العبادة الموحد على مجلس الدولة فى عهده، هو رفضه المسبق لقانون منع المظاهرات فى دور العبادة، وتمسكه بالصيغة التى كان عليها قانون دور العبادة القديم العامل منذ أوائل العشرينيات. وندد فرغلى بسياسة إهدار الأحكام التى تقدم عليها الحكومة فى الوقت الراهن، واستشكالها لوقف تنفيذ أحكام القضاء الإدارى فى محاكم عادية غير مختصة، وقال: كنا ننوى العام الماضى إرسال رسالة احتجاج للمستشار ممدوح مرعى، وزير العدل، لكن رأينا أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ولا بد أن تنفذ الوزارة القانون وتمنع التدخل فى عملنا دون توجيهها لذلك. وعن المشكلة التى نشبت بينه وبين د. أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، على صفحات «الشروق» فى أبريل الماضى، عندما انتقد سرور صياغة بعض مواد قانون زراعة الأعضاء خاصة مواد العقوبات، قال فرغلى إن الأزمة انتهت، وأرسل له سرور برقية تهنئة «حميمة ورقيقة جدا» بمناسبة توليه رئاسة محاكم القضاء الإدارى. وردا على ما أثير بشأن عيوب قانون المفاعلات النووية الجديد الذى راجعه مجلس الدولة بالتعاون مع وزارة الكهرباء، قال: إن القانون يمكن مصر من قرارها النووى، وأنه لا صحة لما يتوهمه البعض من السماح للأجانب بإنشاء المفاعلات النووية وإنتاج الطاقة على أرض مصر، موضحا أن القانون يسمح بدخول رأسمال أجنبى للاستثمار والمشاركة فى بناء المفاعلات، وينص على وجوب التعاون مع الدول الأجنبية الأكثر خبرة فى مجال الطاقة النووية، كما أن قسم التشريع أصر على حذف واستبدال جميع المواد التى كانت تشير إلى السماح بدفن النفايات النووية للدول الأجنبية فى صحراء مصر. ونفى فرغلى أن يكون قانون الكهرباء الموحد قد فتح الباب للتدخل الأجنبى فى استثمار الطاقة المصرية، فالأجانب لن يقتربوا من كهرباء السد العالى مثلا، بل سيبدأ المستثمرون المصريون والأجانب فى إنتاج طاقات جديدة عبر مفاعلاتهم الخاصة فى الأقاليم. وأعرب فرغلى عن تأييده لموقف وزارة العدل فى أزمة الخبراء، مشددا على أن الحل الأمثل للقضاء على هذه الأزمة يكمن فى تخصيص مكاتب للخبرة فى كل المحاكم وليس بتجميعها فى مبنى واحد، وبالتالى تصبح ملفات القضايا داخل مقار المحاكم، ولا يسمح للخبراء باصطحابها معهم وتأخير العدالة الناجزة خاصة فى قضايا المنازعات البسيطة بين المواطنين. وأكد فرغلى أنه لم يستعن بمكاتب الخبرة طوال حياته المهنية كقاضٍ، مرجعا ذلك إلى أن محاكم مجلس الدولة هى أقل المحاكم استعانة بالخبرة، خوفا من تأخير الفصل فى القضايا ولأن معظم المنازعات تكون بين الأفراد والحكومة التى يتبعها الخبراء إداريا. وكشف عن إرسال مجلس الدولة مشروع قانونه الجديد إلى وزارة العدل منذ عدة أشهر، لكن الوزارة لم تتحرك حتى الآن لتمريره فى مجلس الشعب. واعترف فرغلى بأزمة نقص أعداد قضاة مجلس الدولة، مؤكدا أن السبب فى ذلك هو عدم قدرة إدارة المجلس على قبول كل أعداد المتقدمين بسبب ضعف مستواهم العلمى، مؤكدا انهيار العملية التعليمية فى معظم كليات الحقوق والشريعة والقانون بمصر، «امتياز دلوقت تساوى جيد زمان.. وأساتذة الشريعة والقانون بالأقاليم أسخياء جدا مع طلابهم، مما ينتج لنا خريجين بأعلى التقديرات لا يفقهون شيئا فى القانون». وأوضح فرغلى أن أكثر الوزراء تعاونا مع قسم التشريع إلى جانب وزير التنمية الإدارية د. أحمد درويش كانا د. حاتم الجبلى، وزير الصحة، ود. محمود محى الدين، وزير الاستثمار، فالجبلى مرر العديد من المشاريع والقرارات الجمهورية الخاصة بالصحة لمجلس الدولة، مثل التنظيم الجديد لهيئة الإسعاف وقانون زراعة الأعضاء، ومرر محى الدين العديد من القوانين الخاصة بتنظيم إجراءات الاستثمار وحوافزه وإنشاء مراكز فض المنازعات. ويرى فرغلى أن محيى الدين هو أكثر الوزراء المتفهمين لدور مجلس الدولة فى صياغة القوانين، وكان يستشيره لحل مشكلاته القانونية المختلفة، لكن المشكلة أن معظم القوانين الجديدة قائمة على أفكار أجنبية لم تمصر، فكانت تظهر بها مشكلات تشريعية عديدة، إلى جانب أن بعض المواد فى قوانين الاستثمار تطحن المواطن البسيط ماليا، لكن الاتجاه الحكومى السائد هو مسايرة الاقتصاد العالمى.