أسعار شرائح الكهرباء 2024 (اعرف هتدفع كام؟)    أسعار النفط تسجل خسارة أسبوعية للمرة الثالثة على التوالي    بروتوكول تعاون بين بيطري بالمنيا وإيبارشية سمالوط لمنع ذبح النذور من الأغنام والماعز خارج المجزر    مساعد وزير «الخارجية الفلسطينية»: شعبنا يتعرض لإبادة جماعية على يد الاحتلال    الكرملين: لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون قطب القوة الوحيد في العالم    منتخب إنجلترا يتأخر بهدف أمام أيسلندا فى الشوط الأول.. فيديو    مستشار رئيس فلسطين: مصر تولى مسار وقف إطلاق النار أهمية قصوى ولكن يحتاج لموقف دولى    استعدادات باريس 2024.. منتخب مصر الأولمبي يهزم كوت ديفوار وديًا (فيديو)    نشرة الحوادث من «المصرى اليوم»: عامل يقتل جاره وضبط مستريح استولى على 3.1 مليون جنيه من 10 أشخاص    «هنوصلك».. الحصاد الأسبوعي لأنشطة «التضامن» في الفترة من 1 إلى 6 يونيو 2024    حلا شيحة تعليقا على صورها مع أحمد سعد: عادية وكنت بسلم عليه    البيت الأبيض: مباحثات مزمعة بين بايدن وماكرون حول الوضع في غزة ومساعي وقف إطلاق النار    ورش فنية بمتحف كفر الشيخ للتعرف على عادات الذبح السليمة للأضحية (صور)    عمرو أديب منفعلًا: بحب بلدي.. لكن لما الحرارة توصل 45 والكهربا مقطوعة يبقى الأمر ملوش علاقة بالوطنية    العشر الأوائل من ذي الحجة.. تعرف على أبرز السنن والأحكام    تنازل عن المحضر.. المطرب أحمد جمال يتصالح مع ضحية حادث التصادم على طريق الفيوم    مصرع شاب صعقا بالكهرباء بمركز صدفا في أسيوط    زكي القاضي : الرئيس السيسي حريص على مشاركة المجتمع المدني في خدمة المواطنين ورعايتهم    شهد مصطفى تحقق ذهبية بطولة العالم للمواي تاي باليونان    الدجلاوية هانيا الحمامي تتأهل لنصف نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش    إسرائيل تزعم مقتل قيادي بارز في حماس برفح الفلسطينية    حظك اليوم| برج السرطان السبت 8 يونيو .. أبواب الربح والنجاح تُفتح أمامك    باريس تسلم كييف طائرات ميراج المقاتلة.. زيلينسكى أمام البرلمان الفرنسى: أوروبا لا تنعم بالسلام.. وروسيا تتهم ماكرون بتأجيج التوترات    فحص 1099 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    "هتتطبق يعني هتتطبق".. برلماني يعلق علي زيادة أسعار الأدوية    مسؤول حماية مدنية فى السويس يقدم نصائح لتجنب حرائق الطقس شديد الحرارة    أحكام الأضحية.. ما هي مستحبات الذبح؟    محافظ كفرالشيخ يتابع جهود الزراعة للمحاصيل الصيفية وندوات توعوية للمزارعين    د.أيمن عاشور: سنقوم لأول مرة بمتابعة الخريجين لمعرفة مدى حاجة سوق العمل لكل تخصص    جامعة طنطا تطلق قافلة تنموية شاملة بمحافظة البحيرة بالتعاون مع 4 جامعات    المتحدث باسم وزارة الزراعة: تخفيضات تصل ل30% استعدادًا لعيد الأضحى    نتيجة الإبتدائية والإعدادية الأزهرية 2024 بالاسم "هنا الرابط HERE URL"    وزير الصناعة يستعرض مع وزير الزراعة الروسى إنشاء مركز لوجيستى للحبوب فى مصر    أوقفوا الانتساب الموجه    "الهجرة": نحرص على المتابعة الدقيقة لتفاصيل النسخة الخامسة من مؤتمر المصريين بالخارج    الأمم المتحدة: شن هجمات على أهداف مدنية يجب أن يكون متناسبا    استبعاد كوبارسي مدافع برشلونة من قائمة إسبانيا في يورو 2024    كيف تحمي نفسك من مخاطر الفتة إذا كنت من مرضى الكوليسترول؟    الناقد السينمائي خالد محمود يدير ندوة وداعا جوليا بمهرجان جمعية الفيلم غدا    مفتى السعودية يحذر من الحج دون تصريح    الأوقاف: افتتاح أول إدارة للدعوة بالعاصمة الإدارية الجديدة قبل نهاية الشهر الجاري    "البحوث الفنية" بالقوات المسلحة توقع بروتوكول مع أكاديمية تكنولوجيا المعلومات لذوي الإعاقة    «التعليم العالي»: تحالف جامعات إقليم الدلتا يُطلق قافلة تنموية شاملة لمحافظة البحيرة    الموسيقات العسكرية تشارك في المهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية    وزير الزراعة يعلن فتح اسواق فنزويلا أمام البرتقال المصري    "الإفتاء": صيام هذه الأيام في شهر ذي الحجة حرام شرعا    ميسي يعترف: ذهبت إلى طبيب نفسي.. ولا أحب رؤيتي    ضبط المتهمين بالشروع في قتل سائق وسرقة مركبته في كفر الشيخ    انطلاق انتخابات البرلمان الأوروبي في أيرلندا والتشيك    الأنبا باخوم يترأس قداس اليوم الثالث من تساعية القديس أنطونيوس البدواني بالظاهر    عضو مجلس الزمالك: يجب إلغاء الدوري في الموسم الحالي.. ومصلحة المنتخب أهم    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. تعرف على أهم أعماله الفنية    التعليم العالى: إدراج 15 جامعة مصرية فى تصنيف QS العالمى لعام 2025    ضياء السيد: حسام حسن غير طريقة لعب منتخب مصر لرغبته في إشراك كل النجوم    محافظ أسوان: طرح كميات من الخراف والعجول البلدية بأسعار مناسبة بمقر الإرشاد الزراعي    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات لونها بنفسجى
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 02 - 2017

أمشى خلف امرأة وأنا أخرج من محطة المترو المكتظة، فى الممر الضيق أعدل من إيقاع خطواتى المستعجلة بطبيعتها لكى أحفظ مسافة صغيرة بينى وبين السيدة، فهى أمامى ولا مجال لى فى أن أعبر من جانبها الأيمن أو الأيسر، لذا فأنا محكومة بأن أمشى وراءها إلى أن تصل إلى مكان أوسع فأعود إلى خطواتى الأسرع.
أتفحص السيدة من الخلف وأحاول أن أقدر عمرها. ظهرها منحنٍ قليلا انحناء من يحمل حملا ثقيلا بعض الشيء. معطفها لونه أخضر زمردى، فى إحدى يديها شنطة جلدية سوداء وفى اليد الأخرى كيس ورقى بنى اللون يبدو لى أنه يحتوى على بعض البقالة والخضراوات.
***
تمشى السيدة بخطوات صغيرة ورتيبة، هى ليست بطيئة لكنها حريصة فى حركتها، تبدو وكأنها، فى كل خطوة، تضع قدمها فى البقعة التى تأكدت من خلوها من أى شيء يمكن أن يؤذيها. كم عمرك يا سيدتي؟ أتساءل وأنا أنظر إلى شعرها المعقوص فى أسفل رقبتها وقد طغى عليه اللون الرمادى.
لم أستطع يوما أن أقدر بشكل دقيق أعمار من ألتقى بهم. فمن أراه طاعنا فى السن قد يكون من جيلى، ومن أراها شابة يافعة قد تكون أحيانا بعمر أحد والدى. أعترف أننى لا أعرف أن أقدر الأعمار، فأنا غالبا ما أقدر عمر الناس بقدر حكمى على طاقتهم وحيويتهم وعلاقتهم بما حولهم.
فى الوقت القصير الذى أمشى فيه خلف السيدة فى الممر الضيق الذى يفصل محطة المترو عن الشارع، أتخيل أنها سوف تتابع سيرها بخطواتها الرتيبة دون أن تزيد من سرعتها. سوف تمشى حتى باب العمارة بعد شارعين من المحطة، ثم تصعد إلى شقتها فى الطابق الثانى فتفتح باب بيتها الصغير وتجد قطة سوداء عنقها أبيض بانتظارها. سوف تحضر السيدة وجبة الغذاء التى سوف تتناولها وهى جالسة على طاولة المطبخ قرب الشباك المطل على الشارع.
نخرج أخيرا من المحطة فأسرع من خطواتى، لكننى ألتفت لألقى نظرة على السيدة التى نسجت فى خيالى لقطة عن حياتها، تحاكى فى خيالى حياة سيدة سبعينية تمشى فى منتصف يوم عادى، وهى غير مستعجلة للوصول إلى مكان عمل أو مدرسة يخرج منها طلابها. وجه السيدة صاف وعيناها كبيرتان لوزيتان، تنظر أمامها وكأنها تغطى ما حولها بقماشة شفافة من الحرير الناعم، نظرتها حالمة وملامحها شديدة الجمال. تبدو لى وكأنها من قرن سابق، ففى وجهها ملامح قد رسمها الكثيرون، لكننى كالعادة لا أستطيع أن أحدد عمرها ولا أعرف إن كانت أربعينية أم ستينية.
***
فى الواقع أنا لم أستوعب بعد موضوع العمر والكبر والشيخوخة، ولا أعرف كيف أتعامل مع مرور الزمن وتأثيره علينا، أو بالأحرى تأثير مرور السنين على وعلى من أحب. الوقت بالنسبة لى هو الساعة الرملية التى لا ينتهى الرمل فيها، إنما ينتقل من حيز إلى حيز معلنا بذلك أن مرحلة قد انتهت وأخرى قد بدأت. أنظر فى وجه والدتى فأرى جدتى كما أرى والدتى فى وجهى حين أنظر إلى نفسى فى المرآة. أما فى وجه طفلتى فإننى أرى نفسى وتختلط على الوجوه والشخصيات والأزمان. أحتضن ابنتى فى الليل حين تندس فى سريرى فتضع هى يدها الصغيرة على رأسى. من يربت على من؟ أفكر فى والدتى التى قد تحتاج إلى أن أربت عليها فى هذه المرحلة من عمرها، إلا أننى لم أخرج بعد من جسد طفلتها، لذا فمن فى السرير الكبير ليستا أنا وابنتى إنما أمى وأنا. أنا الطفلة وهى السيدة القوية المتماسكة مفتوحة القلب واليدين تغمر من حولها بالحب والدفء.
***
ألاحظ أن فى حياتى اليوم أصدقاء مقربين ينتمون إلى جيل سبقنى. كما أنه أصبح من ضمن دائرتى القريبة اليوم أصدقاء من جيل تلانى. هلى دخلت أنا فى مرحلة متوسطة بين «الجيل العجوز» و«الجيل الشاب»؟ ماذا نسمى هذه المرحلة؟ هل هى مرحلة تحول؟ تختلط فيها الألوان فتصبح مرحلة بنفسجية، أى خليط بين أحمر الشباب وأزرق الكبر؟ وكأننا فتحنا أنبوبين من الألوان الزيتية فمزجنا الأزرق بالأحمر؟
متى يبدأ ظهرنا بالانحناء؟ هو يحدث بينما تستقيم ظهور شباب من حولنا. تبدأ قامتنا بالتقلص لكن لا ينتبه لذلك أحد، بينما تنفرد قامات من يصغرنا. تظهر تجاعيد حول العيون حين نبتسم، ونعزى ذلك إلى النضج، بل وكما قال أحد الأصدقاء فبداية تلك التجاعيد حول العين جذابة. متى نستبدل الأدوار فنصبح نحن الأبوين لمن هم أصغر منا وأيضا لمن هم أكبر منا؟ فى اللغة الإنجليزية مصطلح لطالما استوقفنى هو مصطلح «أن نكبر بخفة»، أى أن نستقبل السنوات بشكل نبدو فيه أننا نتقبل التقدم بالعمر بمتعة وجمال وإعادة اكتشاف الذات. لا أعرف بعد معنى أن نكبر بخفة، فأنا أتمسك بتنورة أمى حتى حينما أصر أمامها أننى لم أعد طفلة. أنا أرى ابنتى تجلس على حجر أبى وأسقط عليها إحساسى بأنه يحمينى. كيف أكبر بأناقة وأنا أريدهما ألا يكبرا؟ أريدهما أن يظلا فى عمرى الآن، وهو عمر القوة والصلابة ومرحلة البناء.
***
العمر البنفسجى صعب فعلا، فأنا أشعر أننى محشورة فى عنق زجاج الساعة الرملية، نصف جسدى لم يعد فى القسم العلوى لكنه غير قادر على أن ينسل إلى الجزء السفلى. أتذكر صديقة أنيقة قالت لى مرة إن ما تريده هو أن تجلس فى شيخوختها فى صالة تغمرها الشمس، تنظر فى ألبومات صور من مراحل حياتها المختلفة فتشعر بالرضا. حين قالت لى ذلك كانت تلبس معطفا بنفسجيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.