الذهب يواصل الصعود مدعوما بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    تحرك شاحنات المساعدات إلى معبري كرم أبوسالم والعوجة تمهيدًا لدخولها غزة    ارتفاع طفيف في درجات الحرارة بشمال سيناء    اليوم.. نظر محاكمة 6 متهمين بقضية خلية بولاق أبو العلا    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    «الإسكان» تتوسع في منظومة التمويل العقاري الحر بالتعاون مع البنوك والشركات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 في الأسواق    الرئيس السيسي يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في أعمال القمة المصرية الأوروبية    كيف شكل يوسف شاهين بداية أمينة خليل؟    «نيويورك تايمز»: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع الفصائل الفلسطينية    سفارة الصين بواشنطن ترد على تصريحات ترامب عن الصفقة العادلة    الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن لمدة 5 سنوات    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة السد في دوري أبطال آسيا    أحمد أبومسلم يكشف كواليس جديدة في أزمة مباراة الأهلي وبيراميدز مواليد 2007    القائد العام للقوات المسلحة يستقبل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية للتهنئة بذكرى انتصارات أكتوبر    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    حريق هائل في مصنع مواد غذائية بمدينة السادات والدفع ب11 سيارة إطفاء للسيطرة عليه    في محاولة لسرقته| نفق سري من داخل مسجد إلى مكتب بريد العوايد بالإسكندرية    اصطدام قطار بنهاية رصيف محطة مصر برمسيس دون إصابات    إخلاء سبيل التيك توكر هدير عبد الرازق بكفالة 20 ألف جنيه في قضية غسيل الأموال    ريهام عبد الحكيم ومحمد الحلو يلتقيان الليلة بمهرجان الموسيقى العربية    هنا الزاهد: لا وقت للحب والزواج.. وتركيزي الآن على شغلي    لن تصدق أجر الفنانة يسرا في فيلم الإرهاب والكباب.. الرقم صادم    هام وعاجل| الحكومة تدرس منح يوم 1 نوفمبر إجازة رسمية    أشرف عبد الباقي: "السادة الأفاضل" ليس فيلمًا عاديًا    لم ينجح أحد    ياسين منصور يكشف إمكانية طرح شركة الأهلي في البورصة    ضبط 14 سائق حافلات مدرسية بتهمة تعاطي المخدرات    لامين يامال يطارد رقما قياسيا أمام أولمبياكوس في دوري أبطال أوروبا    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وإلغاء التوقيت الصيفي (تفاصيل)    السر المُذاع في المغرب    قائد القوات البحرية: قواتنا قادرة على مواجهة التحديات لحماية الوطن    الباشا والزعيم    تعرف على برجك اليوم 2025/10/21.. «الحمل»: حوّل تركيزك لاتخاذ خطوات جريئة.. و«الجدي»: لا تنسى من يحبك    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    في نص ساعة جاهز للأكل.. طريقة تجهيز الخيار المخلل السريع    لا مزيد من الروائح الكريهة.. تنظيف الميكروويف ب 3 مكونات في المنزل    أهمها استنساق البخار والمحلول الملحي.. 6 حلول عاجلة لعلاج انسداد الأنف في المنزل    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    تامر عاشور وآدم يجتمعان في حفل غنائي ضخم بالكويت    جامعة قناة السويس تواصل فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    إعلام: ترامب متحمس جدًا لإنهاء حرب أوكرانيا    فيضانات مدمرة تجتاح ألاسكا ويُطلب من ترامب إعلان الطوارئ    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    المغرب وموريتانيا يوقعان على برنامج عمل في مجال التحول الرقمي لمنظومة العدالة    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    خناقة اتحاد تنس الطاولة    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    كيف نحب آل البيت؟.. أمين الفتوى يجيب    قائمة بيراميدز في مواجهة فاركو بالدوري    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن كاريكاتيرات أنفسنا
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 09 - 2016

توقفت عند صورة ظهرت لى على إحدى صفحات التواصل الاجتماعى ودققت فى تفاصيل وجه صاحبتها. أنا أعرفها جيدا لكننى لم أتذكر من هى. أسمع نبرة صوتها فأنا متأكدة أننى قد أمضيت أوقاتا كثيرة فى صحبتها فكيف لا أذكر من كانت؟ ثم أتذكر أن تلك السيدة التى فى خاطرى قد توفيت منذ سنوات، وأننى أعرف جيدا ظروف رحيلها بعد معاناة مع المرض، فهى كانت صديقة والدتى. ألاحق الصور على الصفحة فأفهم أن السيدة التى فى الصورة هى ابنة من لمحتها فى خاطرى. أتذكرها هى الأخرى ولو أننى لم أرها منذ قرابة العشرين عاما. لم تتغير كثيرا فأنا الآن أتعرف على ضحكتها الجميلة كما فى ذاكرتى وبريق عينيها حتى ولو أنهما حزينتان.
***
هذه ليست المرة الأولى التى يُهَيؤ لى أننى أتعرف على شخص ثم ألاحظ أن من أمامى هو ابن أو ابنة من فى بالى. أنا نفسى حين أمر سريعا أمام مرآة، كثيرا ما أرى فيها نظرة أمى، أو تعبيرا خاصا جدا بها، لطالما تأملته حتى أفهم ما يدور فى رأسها. فى صورتى فى المرآة أرى أحيانا والدتى كما عهدتها حينما كانت فى عمرى، يبدو لى أننى وصلت إلى مرحلة فى حياتى ألتقى فيها مع والدتى وصديقاتها فى مخيلتى، ففى ذهنى صور كثيرة لهن فى بيت إحداهن أو الأخرى، أو فى بستان جالسات على مفرش فردنه على الأرض حين أزهر شجر المشمش، أو فى حفل زفاف متألقات، أو فى مجلس عزاء متشحات بالسواد. كثيرا ما قيل لى أننى أشبهها، لكننى لم أكن أرى فى وجهى ذلك الشبه حتى وصلت إلى العمر الذى أظن أننى جمدتها عنده فى مخيلتى، فى قمة عطائها وقمة كرمها العاطفى وقمة حضورها اللافت فى البيت وبين العائلة والأصدقاء.
مع تقدمنا فى العمر، يبدو أننا نقترب فى شكلنا، وربما أيضا فى تصرفاتنا، من شكل وطريقة والدينا، حتى ولو أننا كثيرا ما نحلف أننا لن نكرر بعض عاداتهم، ألاحظ أننا أيضا كثيرا ما تتركز فينا صفاتنا الأقوى أو الأكثر وضوحا، سواء ما هو ملموس أو غير ملموس. فالقلِق منا يزيد قلقه، والهانئ منا يزيد طبعه جمالا، البخيل يشتد بخله والتعيس يغوص فى النكد.
نتحول مع الوقت إذا وبشكل متواصل إلى كاريكاتير عن نفسنا وعن والدينا، مَنْ عيناها صغيرتان تراهما تغوصان رويدا رويدا، مَنْ أنفه كبير ترى أنفه قد كبر مع الكبر، قلما يصبح الشخص المزعج شخصا جميل المعشر مع الكبر، وغالبا ما يستسلم المستكين للحياة فتراه جالسا فى زاوية على كرسى من القش وكأنه ينظر من هناك إلى ما بقى له من الحياة يمر أمامه.
أتخيل أحيانا أن الحياة تمشى فوقنا ببطء، تدوس فوقنا قليلا كل يوم لكن برفق وبشكل قد لا نشعر به فى حينه، إنما نحس بأثره وتأثيره بعد عدة سنوات. كأن يرمى أحدنا حجرا صغيرا على لوح من الرخام كل يوم، فى نفس المكان، دون أن يبدو أن بإمكان الحجر الصغير أن يغير ملمس الرخام الصلب البارد المتماسك، لكن بعد سنوات من رمى الحجر على نفس المكان نراه قد خلف فيه كدمة، تماما كما تفعل فينا الحياة.
***
حين أنظر أحيانا فى وجه أحد أخوالى أرى فيه لمحات من جدتى، والدتهم، وإخوانها، حتى أشعر أننا بتنا جميعا نشبه بعضنا بعضا، على مدى ثلاثة عقود، وكأننا نفتح عدة أنابيب من الألوان الزيتية ونضعها دون أغطيتها على أطراف ورقة رسم كبيرة فيبدأ ما فيها بالسيلان خارجا من الأنابيب، الأحمر من الطرف اليمين، الأصفر من اليسار، الأخضر من فوق والأزرق من تحت، تسبح الألوان ببطء شديد على الورقة، حتى نجدها التقت فى منتصف الورقة وتمازجت فى بقعة ألوان فى الوسط، نرى فيها بعضا من كل أنبوب لكننا نراه ممزوجا بباقى الألوان.
من منا لم ينظر مرة إلى أفراد عائلته وهم فى موقف ما، ووعد نفسه أن يتذكر الموقف فى حال تكرر معه حتى يكون تصرفه مختلفا، ثم رأى نفسه يكرر كلمات والده أو والدته حتى أنه هيأ له أنه قالها أصلا بصوتهم وليس بصوته، مستعملا نبرتهم وليس نبرته، فى ردة فعل تفاجئنا لأنها مألوفة غير أننا لسنا معتادين على أن تخرج منا؟
ربما نحن نتحول ببطء إلى مزيج منا ومن والدينا، ربما هذا هو خط الحياة والحبل السرى الذى لا يمكن أن ينقطع، نأخذ جزءا منهم نحمله داخلنا ونسلم جزءا من الجزء إلى من يأتى بعدنا، تماما كأنابيب الألوان التى ممكن أن ينتج عن مزيجها اللون البنفسجى الغامق أو البرتقالى الفرح، وفق مكان التقاء الألوان الأساسية على الورقة.
***
نحن كاريكاتيرات أنفسنا ومقتطفات من والدينا، وفى ذلك ما نحبه وما نتمنى كذلك لو أننا لم نأخذه، تربت علينا الحياة أو تصفعنا، لكن أكثر ما يؤثر علينا هى تلك الحركة الرتيبة المتكررة للحجر الصغير الذى لا نشعر بوقعه علينا على مدى الساعة، إنما يحفر على جانب وجهنا تجعيدة نتساءل أحيانا من أين ظهرت، ثم نعود ونتذكر نصف الابتسامة التى أخذناها من والدنا الذى كان يكتفى بشد فمه إلى اليمين فتظهر، وها هى التجعيدة ذاتها، تماما كالتى كان يحملها هو منذ كان شابا فى الأربعين، حين جمدناه فى ذاكرتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.