تراجع الأسهم الأمريكية وسط ضغوط من قطاع التكنولوجيا وتحول في مزاج المستثمرين    الدفاع الروسية: تحطم طائرة سو-30 في كاريليا ومصرع طاقمها    مصطفى بكري يكشف حقيقة تقسيم السودان بسبب الصراعات(فيديو)    زيلينسكي يبحث مع المستشار الألماني ميرز تطورات الجبهات وتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا    منتخب الناشئين يختتم تدريباته استعدادا لمواجهة سويسرا في كأس العالم    مصطفى بكري يكشف كواليس مقتل شاب في الإسكندرية والشائعات بشأن الواقعة(فيديو)    احتفاء بفيلم «ضايل عنا عرض» في عرضه الأول.. وصفي الدين محمود يعلن توجيه دخل الفيلم لإنشاء سيرك غزة الحر    عند سماع الرعد ورؤية البرق.. هذا هو الدعاء المستحب    الحفني: اتفاقية ياموسوكرو تمثل حجر الأساس لتحقيق السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي    هند الضاوي: قضية إبستين مليئة بعلامات الاستفهام وتحليلات تشير بتورط الموساد    إسلام عفيفى يكتب: نتنياهو.. الخروج الأمريكى الآمن    استقرار أسعار الحديد والأسمنت ومواد البناء في الأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض ضرائب على الطرود الصغيرة المستوردة بدءًا من مطلع 2026    ننشر صورة المهندس المقتول على يد زميله فى الإسكندرية    مصطفى بكري: «البرلمان الجاي لازم يكون عين الشعب وسيفه مش صدى صوت للحكومة»    «فارس أحلامي».. جواهر تعود لجمهورها بمفاجأة جديدة (فيديو)    الأمين العام لحزب الجبهة: موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية مصدر فخر    احتفالية مركز أبحاث طب عين شمس بمرور خمس سنوات علي إنشاءه    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    القبض على 3 متهمين بواقعة إصابة طبيب نساء بطلق ناري في قنا    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية يستقبل وزير الدولة بالخارجية الألمانية    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    استقبله بالزي الصعيدي، شيخ الأزهر يلتقي بالمفكر العالمي جيفري ساكس بمنزله في الأقصر    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    الصحفيين الفلسطينيين: الاحتلال يمنع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    بتهمة قتل مسنة.. السجن المشدد لعامل بقنا    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    أرسنال يقترب من تجديد عقد بوكايو ساكا براتب ضخم    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    كرة يد - تألق الخماسي المصري بفوز باريس سان جيرمان وفيزبريم في أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو عمران نوعى جديد

فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى تقدمت إلى لجنة ترقيات الأساتذة بالمجلس الأعلى للجامعات بمجموعة من الأوراق والمقالات والأبحاث للحصول على درجة الأستاذية فى الارتقاء العمرانى وتضمنت الأوراق مقالًا بعنوان: «من المسئول عن همجية العمران فى مصر». ويبدو أن الموضوع استفز عددًا من أعضاء اللجنة واعتبروا أن ما ورد به هو إهانة فى حق الكبار، إلا أن من أعضاء اللجنة من اقتنع بالأسباب وتمكنوا من إقناع زملائهم بأنه لا يمكننا أن نحكم على الندرة المتميزة من الإنجازات فى المجال، متناسين حالة الهمجية العامة للعمران التى اكتسحت البلاد منذ حين، والتى تضاعفت شدتها فى زمننا هذا إلى حالة اللامعقول والجنون العمرانى، بدرجة لا تليق بمكانة مصر «أم الأمم» و«منبت براعم الحضارة الإنسانية الأولى».
لنتذكر فى هذا الشأن ما سجله عالم المصريات الفرنسى «جان فرانسوا شامبليون» فى إحدى رسائله.. «نحن فى أوروبا لسنا سوى أقزام.. وليس هناك شعب قديم أو حديث ابتكر فن العمارة والعمران بذلك المقياس الرفيع كما فعله المصريون القدماء.. فقد صنعوها لرجال ترتفع قاماتهم مائة قدم (30 مترا) بينما هامة الرجل العادى لا تزيد على ستة أقدام (1.80 مترا). إن أعظم إنجازاتنا المعمارية فى أوروبا تنهار عاجزة تحت أقدام المائة وأربعين دعامة فى قاعة الاحتفالات بمعبدالكرنك».
***
إننا فى موقف يستوجب أن نحدد فيه هدف العمران، هل هو عمران كمى يرد على احتياجات البشر العاجلة فى الاستيطان بأى وسيلة؟ أم إنه عمران نوعى يهدف إلى تحقيق استقرار آمن وسكينة للمجتمع الإنسانى واستثمار متواصل للموارد الطبيعية والبشرية ينتشر فى ربوع البلاد بطولها وعرضها.
إن العمران ليس فى واقع الأمر أرضا جرداء تكسوها البنايات والطرقات، إنما معناه أوسع من ذلك بكثير، فهو ذلك الوعاء الكبير الذى صنعه الإنسان ليحتضن عموم أفراد المجتمع، بخصائصه وممارساته الشتى المتنوعة. وما العمران هنا سوى مرآة تعكس حال ذلك المجتمع، ولذلك فلاشك أن العمران فى مصر هو نتاج ميراث طويل من الأحداث الكبار والأنشطة الإنسانية بتوافقاتها وتناقضاتها.
فالعمران المصرى يحتل موقعا هاما فى سجل التراث الإنسانى العالمى، رغمًا عن الهزات والتغيرات الهائلة التى تعرض لها المجتمع المصرى على مدى التاريخ، خاصة فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والتى استمرت حتى يومنا هذا. تلك الفترة التى أفرزت فى النهاية توجها عمرانيا يراه البعض إنجازًا كميًا كبيرًا، فى حين يراه البعض الآخر تضخما عمرانيا مرضيا. فهم يرون أن هذا التضخم العمرانى لا يحقق أفضل ظروف الاستقرار للتجمعات البشرية، كما أنه لا يحقق توازنا فى خريطة جغرافيا السكان أو جغرافيا التنمية للمجتمع المصرى. يحدث كل ذلك فى ظل عالم جديد متسارع مُتنام مُتنافس مُتطاحن يغلب عليه طغيان المادة والسلطة.
***
بالتالى فإن الطموحات العمرانية الكبرى التى تبديها السلطة من خلال مخططات عمرانية متنوعة رغم أنها تهدف إلى معالجة أمراض العمران، إلا أنها مازالت تفتقد الإقناع بمضمونها، أو بقدرتها على تحقيق انتشار أوسع لعمران نوعى؛ يكون خارج نطاق الوادى والدلتا، وذلك فى إطار الحفاظ على قيم مجتمعية وتراثية، إلى جانب الحفاظ على توازن بيئى يحقق التواصل عبر الزمن؛ وذلك بسبب عدم وضوح وموضوعية جدوى تلك المشروعات، أو للافتقار إلى آليات تحقيق أهداف هذه الطموحات.
الآفة الكبرى للعمران المصرى تتمثل فى التكدس الفوضوى فى كل من «البناء والاستخدام والحركة والبشر». ذلك التكدس المتنامى يفترس أمامه قيم وتراث المجتمع.. وعلى سبيل المثال فإن إقليم القاهرة الكبرى يأوى ربع عدد سكان مصر والذين يحتلون أراضى تبلغ مساحتها حوالى 0.006% من مساحة البلاد. هذه العلاقة المختلة بين تركز وتوزيع السكان فى ظل حيز الأراضى المتاح، أدت من بين ما أدت إليه إلى تحول العاصمة إلى مأوى لكل صاحب مصلحة أو غرض، بل وحولها لمقر للهاربين والمهاجرين من مناطق أخرى مهمشة أو أقل شأنا، وهذا بالتوازى مع توغل أعمال البناء العشوائى فى جميع الأرجاء على مدى عقود، دون وجود ضابط أو رابط يحول دون اتساع تلك الأعمال، وبدون حتى الالتزام بالضوابط التى حكمت نمو العمران حتى ماض قريب. بالتالى فقد انعكس ذلك بطبيعة الحال على مجتمع وعمران عاصمة مصر.. على تراثها وأدائها وكفاءتها المحلية والإقليمية، وأدى إلى صعوبات هائلة فى حياة واستقرار وأمن مجتمع العاصمة، كما أثر أيضًا على العلاقات البينية التى شابها التوتر الشديد والعدائية.

لاشك فى أن معالجة تلك الآفة ليست بالأمر المستحيل، حيث يمكن باتخاذ تدابير وإجراءات «شجاعة» إعادة الاتزان النوعى والجغرافى تدريجيا إلى العمران، من خلال التوجه نحو انتشار توطينه خارج نطاق الوادى والدلتا، فى أنوية عمرانية إنتاجية فى مجالات الزراعة والحرف والصناعات الصغيرة والمتوسطة التى هى حتما قواعد التنمية العمرانية المستقبلية بما يمكنها من استيعاب أجيال قادمة من العمالة الشابة بعد تأهيلها، وذلك فى إطار تفعيل برامج تحفيز الهجرة العكسية للاستثمار والبشر. كل ذلك بطبيعة الحال يتطلب إدارة واعية تتمتع برؤية ثاقبة وعلم وفير وخبرة واسعة.
***
إنها حقا قضية حيوية ومحورية لابد من وضعها فى الاعتبار فى سبيل حماية حاضر ومستقبل البلاد، لذلك فهى تستحق المشاركة الجماعية فى حوار شفاف حولها ودون تأجيل.. ولابد أن يقود الحوار مجموعة من العلماء والحكماء، خاصة وأن الأمر لا يخص السلطة التنفيذية بمفردها بل يخص مستقبل عموم المصريين عبر الزمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.