بحواديت «تاجر السعادة».. حاول الكاتب والسيناريست عاطف بشاى التعبير عن تحولات المجتمع المصرى طوال ثلاثين عاما. ومن خلال صياغات كوميدية، نجح هذا التاجر الكفيف «بمغامراته» غير المتوقعة فى اختراق المناطق المحظورة وهو يكشف أوجاع المصريين وأحلامهم. ورغم ذلك تعرض المسلسل الذى يحظى بمساحات عرض واسعة على مائدة رمضان الدرامية لحملات متتالية من النقد العنيف، لدرجة دفعت مؤلف العمل ينزل الميدان ليدافع عن حلمه، ويعيد تقييم مسلسله بشكل يختلف عن ذلك النقد الانطباعى والمقارنات الظالمة التى وقع فيها الكثيرون، ويكشف عن العديد من المناطق الساخنة فى حياة تاجر السعادة. فى البداية يقول عاطف بشاى إن الناس انصرفت عن الأفكار التى يطرحها المسلسل، ووقفت عند بعض العناصر بشكل فيه الكثير من المبالغة وتحميل الأمور أكثر مما تستحق، وأهم ما فى «تاجر السعادة» هو تناوله قضية تراجع دور المثقفين فى المجتمع المصرى، والاعتماد على الخرافة أكثر من اعتمادنا على المنطق والعلم والأخذ بالأسباب. وعندما طرحنا فكرة الدجل لم يكن التنجيم واللجوء للشعوذة والسحر هو كل همنا، ولكنه كان إسقاط على تفشى فكرة أننا أصبحنا مجتمعا قدريا، يمارس كل أنواع الدجل السياسى، والدجل الاجتماعى، والدجل الفنى. وأضاف بشاى أن رسالة التنوير فى المجتمع المصرى تراجعت مئات السنين، وأصبحت النظرية السائدة فى الشارع تفسير كل مايحدث حولنا بالغيبيات، فعندما يخفق المنتخب القومى فى البطولات المهمة لا نناقش أسباب الهزيمة وإنما نلقى بالمسئولية على شماعة سوء التوفيق، وعندما يقع حاث طريق لا نقول إن هناك إهمالا وإنما نقول إنه الحظ السيئ!!، وانتشار هذا المناخ فى المجتمع يسمح بشكل كبير للدجالين بممارسة نشاطهم وبنجاح كبير. الشروق: وكيف عبرت عن تلك المفاهيم بتناول كوميدى؟ عاطف: قدمت العديد من شرائح المجتمع الذين يترددون على الدجالين لمساعدتهم فى تحقيق أحلامهم، ومنهم نجمة السينما التى تخشى أن تنسحب عنها الأضواء وتريد من مصباح أن يقرأ لها الطالع لتعرف هل ستستمر أم أنها ستخرج من عالم الشهرة، كذلك نجم الكرة الذى يلجأ إليه ليعرف إن كان سيتم الاستغناء عنه أم أن قدمه ستعرف الطريق نحو المرمى من جديد، وهل سيحرز أهدافا تقربه من فرص الاحتراف فى الخارج أم لا، وحتى كرلس الرجل المسيحى الذى يريد أن يطلق زوجته نجده يلجأ للشيخ مصباح ليحل له المشكلة. ومن هنا أقول إن الجميع وقع فى الفخ لأن مصباح هذا مجرد رجل أزهرى فشل فى الأزهر وأخذ فى البحث عن سبل الرزق باستخدام ملكاته الخاصة فهو يؤلف ويلحن لزوجته «المعددة» لتقدم تلك الأهازيج فى الجنازات، وكذلك يلحن أغانى لتشجيع نادى الزمالك فى مواجهة الشيخ حسن مشجع النادى الأهلى الشهير، وفى النهاية يجد أن طريقه للثراء والشهرة هو استخدام ذكائه الفطرى، واستغلال لجوء الناس إليه لحل مشاكلهم فى تسكين آلامهم بالوهم وتقديم بعض الكلمات التى تساعدهم فى تقبل الحياة، وسرعان ما تنجح الحيلة ويصبح من نجوم الفضائيات..! الشروق: ولكن هذه الشخصية واجهت انتقادات حادة، فما السبب؟ عاطف: النقد الموجه للمسلسل تم تلخيصة فى أداء خالد صالح لشخصية تاجر السعادة، وللأسف فإن ما كتب فى هذا الصدد حتى الآن مجرد انطباعات شخصية ولا يمكن اعتباره نقدا موضوعيا مبنيا على دراسة، وهناك خطأ فادح وقع فيه هولاء النقاد وهو المقارنة بين شخصية مصباح فى تاجر السعادة وشخصية الشيخ حسنى فى فيلم «الكيت كات»، وهذه مقارنة ظالمة جدا لأن هناك اختلافا جذريا بين العملين وكذلك اختلاف بين طبيعة الشخصيتين. فالفيلم يتناول قضية فلسفية عن ماهية الحياة والموت، أما المسلسل فيعالج قضايا مجتمع يتفسخ وينحرف نحو الخرافة والوهم، والشيخ حسنى رجل بوهيمى يعيش الحياة كما يحب ولا يهتم بمن حوله، على النفيض من شخصية الشيخ حسنى الذى يعيش بين الناس ويشارك فى حل مشاكلهم، ولكنه يستخدم ذكاءه ليحقق لنفسه المال والشهرة، والشىء الوحيد المشترك بين الشخصيتين هو أنهما كفيفان. الشروق: وأيضا هناك من تحدث عن أوجه الشبه بين مصباح وشخصية مستطاع فى فيلم البيضة والحجر؟ عاطف: هناك اختلاف جذرى فى تناول شخصية الدجال فى العملين، لأن مستطاع أستاذ الفلسفة كان له منطق مختلف فى الاتجاه لممارسة الدجل، فهو يريد أن يثبت للناس أن الشعوذة مجرد خرافة ولكنه بعد ذلك يجد نفسه يسير فى هذا الطريق لتحقيق الثروة، ولكن مصباح لجأ لهذه الحيلة لتكون مصدرا للعيش واكتساب الرزق، فضلا عن الفارق الثقافى بين الشخصيتين، وفى النهاية تناول الفيلم موضوع الخرافة التى يصدقها الناس، بينما فى المسلسل نسقط على المتغيرات التى طرأت على المجتمع المصرى طوال ال30 عاما الأخيرة، التى حولتنا إلى شعب يلقى بمسئولية كل شىء على الغيبيات، ومن هنا لم أقدم الحارة الشعبية النموذجية التى تقدمها الدراما دائما والتى يتميز أهلها بالأصالة والشهامة وحب الخير، ولكنى قدمت الحارة المعاصرة بما تحتويه من أنانية، واحتيال وبلطجة وإهمال، لأننى أردت تقديم هذا الواقع وإن كان العمل يميل للكوميديا والتناول الخفيف. الشروق: هل يعنى ذلك أن خالد صالح جسد صورة الكفيف التى كنت تريد تقديمها فى المسلسل؟ عاطف: من البداية قلت لخالد والمخرجة شيرين عادل إننى لا أريد كفيفا يخفى عينيه بنظارة سوداء، وإننى أريد تعبيرات الوجه واضحة على الشاشة، ومن وجهة نظرى فإن خالد صالح قدم هذا الدور بامتياز، فعندما كتبت الشخصية كانت على الورق لكفيف درس لفترة فى الأزهر ويعيش فى حى شعبى، ولكن خالد أضاف لها الروح الشعبية التى أعطتها مذاقا خاصا ولها مفرداتها وأسلوبها ومنطقها فى الحياة، وأحب أن أشير هنا إلى طبيعة شخصية الكفيف التى ترهف السمع بطريقة معينه وتتلمس الأشياء باليد بحساسية خاصة وهذه أشياء مشتركة بين غير المبصرين وذلك لأنهم يعتمدون على حواس أخرى غير البصر، وهذا نراه مع الموسيقار عمار الشريعى، والدكتور أحمد يونس، كما رأيناه مع سيد مكاوى والشيخ إمام وحتى طه حسين، وأعتقد أن خالد قدم الدور كما ينبغى وأكثر. الشروق: فى الفترة الأخيرة طفت على السطح قضية الأحوال المدنية للأقباط وعالجها فيلم «واحد صفر»، فهل ظهرت فى المسلسل بالشكل الذى أردته؟ عاطف: حاولت أن أطرح القضايا الشائكة فى المجتمع المصرى والمطروحة للنقاش فى الفترة الأخيرة، ومنها قضية طلاق وزواج الأقباط، التى تهم شريحة من المجتمع، أعتقد أننى عالجت القضية بشكل أكثر عمقا ووعيا من أى عمل آخر لأننى قدمت حالات إنسانية يجب النظر اليها والمتمثلة فى شخصية «أولجا»، فكيف تعيش امرأة مع رجل يضربها بشكل يومى ليأخذ منها أموالها ويصرفها على أهوائه ومزاجه غير عابئ بأسرته، ثم يطلب منها رجل الدين أن تستمر معه، وهذا يخدم القضية بشكل حقيقى، لأن الفيلم طرح القضية بشكل يصور المرأة المسيحية التى تطلب الطلاق لأنها تريد أن تتزوج من آخر، وهذا سيلاقى اعتراضا من كثير من الأقباط وليس من الكنيسة وحدها. وفى نفس السياق عبرت عن موضوع الوحدة الوطنية التى تظهر بشكل طبيعى فى علاقة الشيخ مصباح وكرلس الذى يلجأ إليه لحل مشاكله مع زوجته، ويذهب معه إلى الكنيسة ليحاول إقناع القس بضرورة حصوله على تصريح بالطلاق، كما توجد مشاهد تعبر عن حالة الاحتقان الطائفى الذى يعانى منه الشارع المصرى. الشروق: ولماذا كان التمسك بالمشاهد التى ترصد حالة احتقان الشارع؟ عاطف: هذه الحالة موجودة فى الواقع ويجب أن نعالجها فى الدراما ونبحث فى أسبابها، وهناك أيضا حالة توازن نراها فى مشاهد أخرى تجمع مصباح وكرلس معا فى مواجه المشاكل، وذلك لأننى مؤمن بهذه الشراكة فى الهم بين أفراد الشعب المصرى باختلاف معتقداتهم ومذاهبهم. الشروق: ولكن الكنيسة رفضت تصوير بعض مشاهد المسلسل؟ عاطف: نعم حدث ذلك ولكن ليس بسبب موقف من القضية المطروحة ولكنها رأت أن المشاهد تحمل شيئا من السخرية لا يجوز أن تحدث داخل دور العبادة، ومن هنا قررت المخرجة شيرين عادل إقامة ديكور للكنيسة لتطوير المشاهد ولكن المشهد الساخر لم يتم تصويره بعد ذلك لضيق الوقت، واستعاضت عنه شيرين بمشهد آخر.