المتأمل في كتابات الكاتب والسيناريست عاطف بشاي لابد أن يتوقف بإعجاب عند قدرته الفائقة علي اختيار الموضوعات والقضايا التي تثير جدلا وتميزه بجرأة واضحة في التناول وهو ما فعله عندما أعاد قراءة رواية "عمارة يعقوبيان" للأديب د. علاء الأسواني بعد النجاح الهائل الذي حققه الفيلم المأخوذ عنها، ويفعله هذه الأيام من خلال سيناريو "تاجر السعادة" الذي يصور الآن من تأليفه وإخراج شيرين عادل، بطولة خالد صالح ويتناول فيه علاقة المسيحيين والمسلمين في الوطن الواحد ويدين ظاهرة الاتجار بالدين وأيضا الدجل والشعوذة. ما الذي أردته باختيارك لعنوان "تاجر السعادة"؟ "تاجر السعادة" هو مرادف ل "بائع الأمل" أو الوهم أحيانا وهو رجل كفيف لكنه يقرأ الفنجان وفي هذه المفارقة المقصودة الدليل الأكبر علي أنه يبيع الوهم للناس. وهل اكتفيت بهذه المفارقة أم لديك رسالة أهم تريد تمريرها من خلال العمل؟ بالطبع هناك رسالة ومهمة للغاية أناقش من خلالها "فوبيا العلم" في مواجهة الإيمان بالشعوذة والدجل، بعدما أصبحنا نعيش في مجتمع يتراجع حضاريا ويتقدم بدرجة مذهلة في طريق الإيمان بالغيبيات بأكثر مما يثق أو يؤمن بالعلم ودوره وهي قضية علي درجة كبيرة من الخطورة بعدما تحول الدجالون والمشعوذون والنصابون إلي نجوم يسيطرون علي القنوات الفضائية والإعلام بوجه عام. ولماذا لم تتحدث عن المتاجرين بالدين أيضا؟ بل فعلت لأن "المسألة داخل فيها الاتجار بالدين قطعا"، فهناك هجمة دينية رجعية يتعرض لها المجتمع المصري باسم الدين، وكانت النتيجة أن أصبح لدي قطاع كبير من أفراده الاستعداد وربما الرغبة في السير في ركاب المتاجرين بالدين، سواء من جانب المتأسلمين أو المسيحيين. لكنك تدخل "عش الدبابير" عندما تناقش مشكلة طلاق المسيحيين حتي إنك تدفع أحد أبطالك لاتهام زوجته بالزنا حتي توافق الكنيسة علي طلاقها؟ لا أخشي المواجهة وإذا كانت آتية فليكن وقناعتي في هذا شأن أي صاحب فكر لو ارتعش قلمه، أو وضع لنفسه محاذير مسبقة فلن يبدع ولهذا لا أشعر بالقلق من نتائج الخوض في مثل هذه القضايا الشائكة لكن المفارقة التي توقفت عندها طويلا أن الرقابة باتت شديدة الاستنارة وهو ما رصدته عندما كتبت مسلسل "عمارة يعقوبيان" مقارنة بشرائح في المجتمع صارت أكثر تشددا وتعنتا في أحكامها الرجعية من الرقابة. وما الذي أردته من مناقشة قضية طلاق الأقباط؟ لقد أردت الاقتراب من قضية باتت مثار اهتمام الكثيرين في الندوة الأخيرة وهي الخاصة بطلاق الأقباط وأيضا أزمة التصريح بالزواج الثاني من جانب الكنيسة المصرية وهي قضية خطيرة تطرحها الفضائيات لكن الدراما المصرية تخشي الاقتراب منها فقد كانت هناك ثمانية أسباب تتيح الطلاق بين الأقباط مثل: تعدي أحد الزوجين علي الآخر بالسب أو الضرب أو عدم الإنجاب أو دخول أحد الزوجين السجن.. وشروط أخري كانت تمثل انفراجة بالنسبة للكثيرين لكن بعد مجيء البابا شنودة أغلق الباب في وجه هذه الأسباب وأصبح المبرر الوحيد الذي تقتنع به الكنيسة للطلاق هو "الزنا" ولهذا قدمت حلا ساخرا لمشكلة رجل في المسلسل يدعي "كيرلس" ويريد تطليق زوجته لاستحالة العيش بينهما بعد اكتشافه أنها "زانية" وعندما فشل في تقديم الدليل علي التهمة ينصحه محاميه بأن يقدم دليلا للكنيسة بأنه هو "الزاني" وعندما فعل هذا طلقته الكنيسة، لكنه عجز عن أن يحصل منها علي تصريح الزواج الثاني لأنه "زاني" أي "خاطئ" بينما منحت الزوجة الزانية بالفعل تصريح الزواج الثاني!. هل أبدعت "تاجر السعادة" بالكامل أم استوحيت أحداثها من عمل آخر؟ للأمانة أقول إن الأحداث استوحيت جزءا منها من قصة قصيرة كتبها الراحل محسن زايد بعنوان "الكفيف يقرأ الفنجان" لكنها لم تتجاوز الصفحتين.. عن أعمي يقرأ الفنجان وتصدق نبوءاته فأعجبتني الفكرة ونسجت منها "تاجر السعادة" في ثلاثين حلقة اختلفت في معالمها وتوجهها وأحداثها ولم يبق من القصة غير المفارقة التي أوحي بها العنوان. ولماذا اخترت أن تكون زوجة "الكفيف" "ندابة"؟ لأن الأحداث تدور في حي شعبي، وقصدت سواء علي المستوي الفكري أو الفلسفي أن أقيم مواجهة بين الحياة والموت من خلال الزوجة "الندابة" التي تعين زوجها "الكفيف" علي متاعب الحياة وهو بدوره يؤلف لها الكلمات أو "العّديد" الذي تلقيه في "المآتم" ويغني هو الأفراح. هذا التوجه الفكري والفلسفي لا يغيب عنه الملمح السياسي كما يبدو؟ بالطبع، لأن العمل سياسي في المقام الأول حيث يرصد الكوارث التي تحدث في المجتمع المصري، ويقع ضحيتها المثقفون قبل الناس العاديين من المتواضعين ثقافيا وفكريا.