في مسلسل تاجر السعادة الذي كتبه عاطف بشاي واخرجته شيرين عادل يقدم خالد صالح نموذجاً طريفاً لشخصية طريفة تغني وتمثل وتقدم بعض القفشات الظريفة امتداداً لشخصية الكفيف الظريف التي قدمت في أفلام شهيرة ناجحة، والأغرب أننا يمكن أن نتحدث بالفعل عن تراث قديم جداً لشخصية الكفيف أو الكفيفة في الأفلام المصرية، ثم انتقلت الشخصية إلي المسلسلات التليفزيونية ليؤديها نجوم في أدوار ذات مساحة كبيرة مثلما فعل شريف صلاح الدين طفلاً وأحمد زكي شاباً في مسلسل الأيام للمخرج يحيي العلمي، ومثلما فعل أحمد راتب في حلقات خيال الظل لنفس المخرج، أو كما يفعل الآن خالد صالح في مسلسل تاجر السعادة أمام هالة فاخر. الملاحظة الأهم علي الأعمال التي تناولت شخصية الكفيف والكفيفة في الدراما السينمائية أو التليفزيونية أنها في معظمها، تكاد تقدم ملامح ثابتة للكفيف حيث يبدو ظريفاً ولطيفاً وعاشقاً للغناء، أما إذا كانت الحكاية عن فتاة كفيفة فإنها تبدو حزينة ورومانسية وعاشقة تضحي من أجل الشخص الذي احبته، وفي الغالب تكون ضحية أيضاً لحادث مفاجئ يجعلها تفقد بصرها وتستدر عطف الجمهور، وقبل أن نستعرض نماذج تؤكد ما ذكرناه، نشير إلي أن حب الكفيف للغناء يمكن أن يجد له تفسيراً في اعتماده علي حاسة السمع بشكل أكثر رهافة وحساسية، أما حب فاقدي البصر للدعابة وتميزهم بها، فيمكن أن يجد له تفسيراً نفسياً حيث تجذب إليهم خفة الظل مزيداً من الأصدقاد فيقهرون المحبسين وهما: سجن الظلام، وسجن الوحدة والعزلة عن الآخرين. المدهش فعلاً أن الواقع يؤكد الصورة النمطية عن الكفيف من حيث حبه للغناء وللفكاهة، أنت تعرف طبعاً نصيب اثنين من كبار الملحنين من الأمرين، اقصد بذلك عمار الشريعي وسيد مكاوي الاثنان يتميزان أيضاً ببراعة القص والحكي مع القدرة المذهلة علي القفش والتنكيت، وقد استمعت يوماً إلي حوار مع الراحل الموهوب سيد مكاوي يقول بمنتهي خفة الظل أن منزلهم في عابدين كان هزيلاً لدرجة أنك لو تهورت وشاورت ناحيته لانهار ووقع علي الفور! في مقدمة الأفلام التي قدمت شخصية الكفيف الظريف ستجد بالتأكيد- فيلم الكيت كاتب 1991 الذي كتب له السيناريو واخرجه داود عبد السيد عن رواية إبراهيم أصلان المعروفة مالك الحزين، نوادر الشيخ حسني بأداء محمود عبد العزيز الاستثنائي اصبحت اشهر من أن نكررها، ولكن المهم أن نشير إلي أن داود عبد السيد دفع بالشخصية ذات المساحة المحدودة في الرواية لكي تحتل البطولة، كما أنه جعلها معادلاً للإنسان نفسه الذي لا ينقذه من قسوة الواقع سوي روعة الحلم والخيال حتي لو لم يكن كفيفاً. وفي عام 1993 عرض فيلم آخر مهم هو ليه يا بنفسج أول أفلام الراحل رضوان الكاشف، وفيه قدم حسن حسني من جديد شخصية الكفيف الظريف المطرب، ولكنه كان مغنياً فاشلاً يحلم طوال الوقت أن يكون مثل معشوقه عبد الحليم حافظ ويزور قبره مستلهماً موهبته، ولكنه يواجه أيضاً الفشل في حياته العائلية، وهو مثل كل أبطال الفيلم لا يتوقف عن الحلم ولا يتوقف عن الغناء رغم الحزن مثل البنفسج في أغنية صالح عبدالحي الشهيرة وقد ظهر الكفيف الظريف في ثوب مغلف بالشجن في أحد افضل أدوار عادل إمام في فيلم أمير الظلام إخراج رامي إمام وأصبحت هذه النماذج الظريفة موديلات جاهزة يمكن الاقتباس منها والسير علي دربها رغم أن السينما المصرية قدمت من قبل نماذج مأساوية لشخصية الكفيف مثل دور سلامة الذي لعبه حسين رياض في فيلم واإسلاماه 1961 والذي فقد بصره من التعذيب ومع ذلك لم يتوقف عن البحث عن الثنائي الشهير جهاد ومحمود وقدم سيد مكاوي شخصياً دوراً مليئاً بالشجن لكفيف طيب بيساعد البطل يحيي شاهين في الحصول علي مبلغ من المال لشراء دواء لابنته في فيلم العروسة الصغيرة عام 1956 من إخراج أحمد بدر خان وقدم صالح سليم دوره التراجيدي الأشهر في فيلم الشموع السوداء عام 1962 وظهر أحمد سالم في دور الكفيف في فيلمه المنتقم عام 1947 وبالطبع لا ننسي دور محمود ياسين في فيلم قاهر الظلام 1979 المأخوذ عن كتاب من تأليف الراحل كمال الملاخ. وفي كل هذه النماذج كانت المعالجة أقرب إلي المأساة ولذلك لم تكن في قرب المعالجة الكوميدية من الجمهور كما في كيت كات كما تفاوت أداء الممثلين في هذه الأعمال الدرامية حيث تعرض محمود ياسين للانتقاد الحاد عن أدائه لدور طه حسين في قاهر الظلام في مقابل الإشادة بدور أحمد زكي في مسلسل الأيام ذائع الصيت والنجاح. أما الفتاة التي فقدت بصرها فهي في رأي كتاب الأفلام والمسلسلات أفضل وسيلة للتعبير عن حكاية حب حزينة هذا ما شاهدناه مثلاً في الشخصية التي لعبتها معالي زايد في مسلسل دموع في عيون وقحة للمخرج يحيي العلمي الذي تخصص فيما يبدو في مسلسلات أبطالها من الأكفاء وستجد هذا التقليد قديماً جداً في أفلام مثل ليلي في الظلام 1944 الذي كتبه وأخرجه توجو مزراحي حيث تتعرض ليلي ليلي مراد لحادث يفقدها البصر ولكنها توهم حبيبها حسين بأنها تحب ابن عمها سمير حتي لا يعرف حقيقة عاهتها ولكنها يتمسك بالزواج منها ويتكرر نفس الأمر مع آمال سعاد حسني في فيلم موعد في البرج 1962 التي تفقد بصرها في حادث وعندما تحين لحظة لقائها مع حبيبها عادل صلاح ذو الفقار في برج القاهرة تحاول إبعاده عنها ولكنه يكتشف الحقيقة ويصر علي الزواج منها وفي ميلودراما حسن الإمام المعروفة حب في الظلام 1953 حكاية حب حزينة لشاب تسبب في فقدان فتاة فاتن حمامة لبصرها وصارت هي الشاهدة الوحيدة علي جريمة لم يرتكبها يتزوجها ولكنها تتهمه بالقتل عندما تسترد بصرها إثر عملية جراحية والنهاية السعيدة هي براءة الزوج بظهور القاتل الحقيقي وبقيت هناك استثناءات للكفيفات المرحات كما في دور أنعام سالوسة في فيلم ابن عز. لم تتغير المعادلة كثيراً في الأعمال التالية وأصبحنا الآن أمام ملامح عامة تجعل من الكفيف ظريفاً ومغنياً وتجعل من الكفيفة فتاة رومانسية حزينة وتظل شخصية فاقد أو فاقدة البصر في الحالتين نماذج درامية ثرية تعد دائما بكثير من الضحكات أو الدموع حسب المعالجة ووفقاً للظروف!